الثلاثاء أبريل 16, 2024

المقدمة
اختيار الله تعالى لصفوة خلقه
ليكونوا أنبياء

نحمدُ اللهَ ربّ العالمين حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، معترفين بعظيم فضله علينا شاكرين له تكرُّمه شكرًا يُرضيه، أن بعث فينا رسولًا من أنفسنا بدين طابت أركانه ومبانيه، فكان هذا النبيّ المكرَّم ﷺ أرجَحَنَا عقلًا وحِلْمًا، وأوفرنا فهمًا علمًا، وأقوانا يقينًا وعزمًا، زكّاه الله روحًا وجسدًا، وحاشاه عيبًا وَوَصمًا، وآتاه قرآنًا وحُكْمًا، فتح به عيونًا عُميًا وقلوبًا غُلفًا وآذانًا صُمًّا، وكذّب به وصرف عن آياته مَنْ كَتَبَ اللهُ عليه الشقاء حتمًا، صلّى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

وبعد، فإنّ اعتقادنا بالأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام وإيماننا بهم يجب أن يكون سليمًا من الكدر موافقًا لِـمَا جاء به القرآن الكريم حتى لا يحصل زيغ وشطط عن الاعتقاد الصحيح فنهلك والعياذ بالله، وقد وجبَ على المكلّفين الإيمان بالله تعالى والإيمانُ بملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقَدَر خيره وشرّه، ووَجَبَ علينا معرفة صفات الأنبياء وحقوقهم، وأن نبيّن صفاتهم وخصائص دعوة التنزيه والتوحيد التي جاؤوا بها، فيتبيّن الأثر العظيم الذي تركوه – صلوات الله وسلامه عليهم – في المجتمعات التي ولدوا فيها، وبين الأمم التي بُعِثوا إليها، ومدى التأثير في تغيير مفاهيم الشعوب وعقائدهم التي نشؤوا عليها، فقد نقل الأنبياء المبجّلون – صلوات ربي وسلامه عليهم – الشعوب من الظلمات إلى النور، وأخرجوهم من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر والشرك إلى نور الإسلام الساطع، فكانت دعوتهم عليهم الصلاة والسلام إنقاذًا للأمم من براثن الشرك والوثنية، وتطهيرًا للمجتمع من أدران الانحلال والفساد، والفوضى والاضطراب، وفي ذلك يقول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213]. أشارت هذه الآية الكريمة إلى أن الناس من أمة سيدنا آدم عليه السلام الذي هو أول البشر والأنبياء كانوا على الهدى وعلى دين الحق الذي هو الإسلام، ثم بعد وفاته عليه السلام أوحى الله تعالى إلى سيدنا شيث عليه السلام الذي تابع ما جاء به والدُه آدمُ صلّى الله عليهما وسلّم من نشر تعاليم الإسلام وتطبيقه، وبعده جاء سيدنا إدريس عليه السلام، ولم يكن إلى ذلك الحين قد حصل كفر بين البشر؛ بل كانوا كلهم مؤمنين مسلمين، ثم جاء الشيطان إبليس وزيّن لبعض الناس صنع تماثيل على هيئة بعض الصالحين من أمة إدريس وذلك بعد موته عليه السلام، وتعاقبت الأجيال([1]) واحدًا تلو الآخر وكلٌّ يسأل من قبله عنها، حتى جاء جيل عبدوها من دون الله والعياذ بالله تعالى، فبعث الله تعالى النبيين مبشرين مَنْ آمن وأسلم ونزّه ووحّد بالجنة، ومنذرين مَنْ كفر وعتا وتجنّب طريق الحق بالنار، فكان سيدنا نوح عليه السلام أول نبيّ أرسل إلى الكفار الذين أفسدوا في الأرض، وحادوا عن الطريق القويم، وقد روي عن ابن عباس([2]) رضي الله عنهما أنه قال: «كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث الله النبيين والمرسلين»([3]).

[1])) «الجيل: كلُّ صنف من الناس».اهـ. لسان العرب، ابن منظور، مادة: (ج ي ل)، (11/134).

[2])) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشيّ الهاشميّ (ت68هـ)، أبو العباس، حبر الأمة وترجمان القرآن، ولد قبل الهجرة بثلاث، وفي الصحيح عنه أن النبي r ضمّه إليه وقال: اللَّهُمَّ علّمه الحكمة وفي معجم البغوي: اللَّهُمَّ فقهه في الدين وعلّمه التأويل، قال ابن منده: كان أبيض طويلًا مشربًا صفرة جسيمًا وسيمًا صبيح الوجه، له وفرة يخضب بالحناء، نشأ في بدء عصر النبوة، فلازم رسول الله r وروى عنه. له في الصحيحين وغيرهما 1660 حديثًا. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، (2/330). الأعلام، الزركلي، (4/95).

[3])) الجامع لأحكام القرآن، القرطبيّ، (3/30).