المقدمة الأولى
المقصود من اختيار لفظة شواهد التنـزيه :
لما كان الغرض من وضع هذه الرسالة هو التركيز على حشد شواهد تنـزيه المولى سبحانه عن الحجم والجسم والصورة والحيز والمكان والجهة من النقل والعقل، وقد قال أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني: «إن الدلائل القطعية قد قامت لأهل السنة على ما يوافق عقائدهم، فثبت ما اعتقدوه قطعا فحكم ببطلان ما يخالفه قطعا … وذلك لأن أدلة التوحيد كثيرة ظاهرة متواترة، قد طبقت العالم وعم وجودها في كل مصنوع، فلم يعذر أحد عنها» [(2)] اهـ.
ثم قال: «واعلم أن القول المختلف في الحادثة الواحدة على ضربين، ضرب لا يسوغ فيه الاختلاف، وضرب يسوغ فيه الاختلاف.
فأما الضرب الذي لا يسوغ فيه الاختلاف كأصول الدين من التوحيد وصفات البارئ عز اسمه، وهي تكون على وجه واحد لا يجوز فيها الاختلاف، وكذلك في فروع الدين التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع به مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك المناهي الثابته بدليل مقطوع به، فلا يجوز اختلاف القول في شىء من ذلك»[(3)] اهـ.
وعليه فأنا أعرض الدلائل النقلية: وهو يشمل كما هو معلوم القرءان والسنة والإجماع، وأما العقلية: فأنا أعرضها إن شاء الله من خلال تأييدها بالشواهد النقلية.
فإن المشبهة يهولون ويصولون على الناس بالمتشابه على وجه فيه إثارة الفتنة والتشويش على عقائدهم، مدعين أن مذهبهم مؤيد بالقرءان والسنة حتى هلك فيهم جم غفير من الخلق.
قال الشيخ محمد الحامد الحموي موطنًا الحنفي الماتريدي مذهبًا ما نصه: «وما آخذه على فريق من طلاب اليوم أنهم لم يحرسوا اعتقادهم الديني بالبرهان، الذي يحوطه ويزيده قوة ويدرأ عنه الأخطار . فقواعد العقائد يجب إرساخها في النفس قوية محروسة، كي لا تستطيع الفتنة تدميرها بما تشن عليها من غارات، وتعلن عليها من حروب، وتصاب العقيدة بأذى كان الواجب تسليمها منه، لأنها سلم النجاة يوم يخسر المبطلون» [(4)] اهـ.
وقد لاحظت أن أغلب كتب العقيدة تتناول مسائل التنـزيه مركزة على الحجج العقلية، مقتصرة على إيراد القليل من الأدلة النقلية في كثير من الأحيان حتى توهم من تلطخ بالتشبيه أو من يستمع إليهم أن شبههم التي يعرضونها صريحة في إثبات مذهبهم مذهب أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية ضعيف الحجة، خاصة وأن أئمة هذا العلم شغلهم فيما شغلهم الرد على الفلاسفة والطبائعين وأنواع الملاحدة إضافة للمشبهة والمعتزلة والجهمية والروافض وغيرهم من المبتدعة، أضف إلى ذلك وسخافة ركاكة مذهب المشبهة الذي ينفر منه أصحاب الفهم السليم، وربما لذلك قلما تجد كتابا يركز على كشف شبه المشبهة بالنصوص من القرءان والسنة، وإنما هي غالبا متفرقة هنا وهناك.
سائلا المولى أن يجعل نيتي خالصة لوجهه سبحانه فإنه لا حول ولا قوة إلا به سبحانه[(5)]، وإليه ألجأ ليعينني ويوفقني في ذلك فهو حسبي ونعم الوكيل.
ـ[2] قواطع الأدلة في الأصول (2/308).
ـ[3] قواطع الأدلة في الأصول (2/326).
ـ[4] كتابه نصائح للشباب والطلاب (ص/36).
ـ[5] قال الخطابي: معنى لا حول ولا قوة إلا بالله إظهار الفقر وطلب المعونة منه على كل ما يزاوله (العبد) من الأمور أي يعالجه وهو حقيقة العبودية . انظر المطلع على أبواب المقنع لشمس الدين البعلي الحنبلي: (ص/52).