الخميس أبريل 18, 2024

     اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ

     قَالَ الإِمَامُ الْهَرَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَدَ فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ «إِنَّ قُلُوبَ بَنِى ءَادَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمٰنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. هَذَا الْحَدِيثُ مَنْ فَسَّرَهُ عَلَى الظَّاهِرِ جَعَلَ اللَّهَ كَالْبَشَرِ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ اللَّهُ يُقَلِّبُ قُلُوبَ الْعِبَادِ كَيْفَ يَشَاءُ لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ أَصَابِعُ. يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ مَعْنَاهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تَقْلِيبُ قُلُوبِ الْبَشَرِ سَهْلٌ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ لَهُ شَكْلُ أَصَابِعَ كَالأَصَابِعِ الَّتِى نَحْنُ نَعْهَدُهَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَالَّتِى هِىَ جَسَدٌ. الْجَسَدُ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ جَسَدًا وَلا جِرْمًا وَلا جَوْهَرًا وَلا عَرَضًا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ [سُورَةَ الشُّورَى]. إِنَّمَا هَذَا أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ الْبَلاغَةِ فِى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، اللَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ أَنْ يُعَبِّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ «إِنَّ قُلُوبَ بَنِى ءَادَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمٰنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» فَمَعْنَى «بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمٰنِ» تَحْتَ تَصَرُّفِ اللَّهِ «إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ» أَىْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَقَامَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى الصَّوَابِ «وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» أَىْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَزَاغَهُ أَىْ يُحَرِّكُهُ إِلَى الْبَاطِلِ وَالضَّلالِ. ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ زِيَادَةً فِى الْبَيَانِ وَتَفْوِيضًا لِلأُمُورِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ» مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ أَنْتَ الَّذِى تُصَرِّفُ الْقُلُوبَ، أَنْتَ تُوَجِّهُهَا كَمَا تَشَاءُ، إِنْ شِئْتَ تُوَجِّهُهَا إِلَى الْخَيْرِ وَإِنْ شِئْتَ تَصْرِفُهَا إِلَى الضَّلالِ. «صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ» وَجِّهْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ أَىْ أَنْتَ مَالِكُ الأَمْرِ كُلِّهِ فَوَجِّهْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ. هَذَا مِنْ أَصْرَحِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ حَتَّى الْقَلْبِيَّةِ. مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الإِنْسَانَ لا يَمْلِكُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى قَلْبَهُ، كَيْفَ يَمْلِكُ جَوَارِحَهُ عَيْنَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ وَلِسَانَهُ وَسَمْعَهُ، الْعَبْدُ لا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى. اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَلِسَانَهُ وَسَائِرَ مَا فِيهِ مِنَ الأَجْزَاءِ، كُلُّ أَجْزَاءِ الْعَبْدِ هِىَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ أَنْشَأَهَا مِنَ الْعَدَمِ. ثُمَّ كُلُّ مَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ الْمَعَانِى مِنْ نَظَرٍ وَمِنْ سَمْعٍ وَمِنْ مَشْىٍ وَمِنْ بَطْشٍ كُلُّ ذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَمَلِّكُهُ لا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى.