الخميس مارس 28, 2024

الفصل التاسع:
في الرد على مزاعم تطعن في سيدنا داود
عليه السلام

حقيقة قصة داود مع الخصمين

الأنبياء الكرام أمناء فيستحيل عليهم الخيانة، أعفّاء قد طهّرهم الله وعصمهم من حبائل الشيطان، فداود عليه السلام لم يقع في الخيانة ولا كان قلبه مشغوفًا بالنساء، قال الله تعالى: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢) إِنَّ هَـذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 21 – 24].

ينبغي الاقتصار في فهم قصة الخصمين مع داود عليه السلام على ظاهر ما أوردها الله تعالى في القرآن، فقد جاء في تفسيرها أن ذينك الخصمين كانا في الحقيقة من البشر من بني آدم بلا شكّ ولم يكونا مَلَكَيْنِ، وأنهما كانا مشتركين في نعاج من الغنم على الحقيقة وليس المراد بالنعاج النساء، وأنه بغى أحدهما على الآخر وظلمه على ما نصّت الآية، وقد تسوّر هذان الخصمان محراب داود عليه السلام وهو أشرف مكان في داره، وكان داود عليه السلام مستغرقًا في عبادة ربه في ذلك المحراب فلم يشعر داود عليه الصلاة والسلام بالشخصين إلا وهما أمامه، فلمَّا قال لهما: مَن أدخلكما عليَّ؟ طمأناه وقالا له: لا تخف، ثم سألاه أن يحكم في شأنهما وقضيتهما إلى آخر القصة التي نصَّ الله تعالى عليها في القرآن.

وقد امتحن الله تعالى نبيَّهُ داود عليه السلام في هذه الحادثة التي جرت بينه وبين هذين الخصمين، وأما استغفاره عليه الصلاة والسلام فلأجل الذنب الصغير الذي وقع فيه الذي ليس فيه خسة ولا دناءة، وذلك أنه كان قد حكم للخصم الأول قبل السماع للآخر، وكان يجب عليه لـمَّا سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عمّا عنده فيها ولا يقضي عليه بالحكم قبل سؤاله، وقد تاب داود عليه السلام من ذلك الذنب الذي ليس فيه خسَّة ولا دناءة وغفر الله تعالى له هذا الذنب بنصّ القرآن، قال الله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25].