فقال الشَّيخُ: هذا ما وَرد فيه شَىء. فلَو قال قائل المَلَكان في القَبر الإنكليزيُّ يَسألانه بلُغَتِه والفَارسيُّ يُكلّمانِه بلُغَته، والعربيُّ يُكلّمانِه بلُغَته، هذا ما فيه شىء.
فقال الشَّيخُ: عندَ النّفخَة الأولى أجسادُ الأنبياء وشهداءِ المعركة تَبقَى كما هيَ ولا تَبلَى، إنّما الأنبياءُ يُغشَى علَيهم، أمّا الشُّهَداءُ لا يُغشَى عليهم يَبقَونَ على وَعْيِهم تلكَ السّاعة، وهذا الحُكمُ أي عدَمُ بِلَى الأجساد خَاصٌّ بشهَداء المعركةِ فقَط أمّا غَيرُهم منَ الشُّهَداء كالذين شهَادَتُهم بسبَب القَتلِ ظُلمًا بالسُّمّ أو غَير ذلك، أولئك الشّهداءُ تَبلَى أجسَادُهم فلَيسَ أَمرُهم كذلك.(1)
فقال الشَّيخُ: المؤمنونَ الذين هُم مِن أهلِ الجنّة قِسمَانِ قِسمٌ يَدخُلونَ الجنّة بأروَاحِهم، بعدَ مَوتهِم أرواحُهم تَعيشُ في الجنّةِ الآنَ وهم شهَداءُ المعركةِ، هؤلاءِ أروَاحُهم تمكُثُ في الجنّة إلى يوم القيامة، يومَ القيامةِ تجتَمِعُ بأجسَادِها التي لم تأكلْها الأرضُ بل بقِيَت إلى ذلك الوقتِ إلى يوم البَعثِ تتّصلُ بتلكَ الأجسَادِ اتّصالًا تَامًّا كذَلكَ المؤمنونَ الأتقيَاءُ بَعدَما يَأكُل التّرابُ أجسَادَهُم ولا يَبقَى إلا عَظمٌ صَغِيرٌ في ءاخِرِ الظَّهْر يُقَالُ لهُ عَجْبُ الذّنَب عِندئذٍ أرواحُهُم تَصعَدُ إلى الجنّةِ تَعِيشُ بشَكْلِ طَائر، يأكلُونَ مِن ثِمَارِ الجنّةِ لكن لا يتَبوّأونَ مُتَبوّأَهمُ الخاصَّ الذي أعَدَّه اللهُ لكُلّ واحِد منهُم أن يَنزِلَه ويتَبوّأَه فذَاك مؤخَّرٌ إلى يوم القيامَة، يومَ القيامةِ كُلُّ واحِدٍ يتَبوّأ مُتبَوّأَه الخاصَّ في الجنّةِ برُوحِه وجَسَدِه يَعيشُ فيهِ، فالأتقِياءُ أروَاحُهم بعدَ أن يَأكُلَ التّرابُ أجسَادَهم تَصْعَدُ إلى الجنّةِ تَعِيشُ هُنَاكَ أمّا سَائرُ المؤمنِينَ الذينَ هم مِن أهلِ الكبائر ماتُوا قبلَ التّوبَةِ فأَرْوَاحُهُم بعدَما يَأكُل التّرابُ أجسَادَهُم تَعيشُ في هذا الفَضَاءِ بَينَ السّماءِ والأرضِ ومنهُم مَن يَعيشُ في السّماءِ الأولى وأمّا الكفّارُ كُلَّ يَومٍ يُعرَضُونَ على مقَاعدِهمُ التي سيَقعُدُونها في جهَنّمَ يَنظُرُون، يَرَونَ كلَّ يوم مَقعَدَهُم في النّار مرّةً قبلَ الظّهر ومَرّةً بعدَ الظُّهرِ ءاخرَ النّهار مِن غيرِ أن يَنزلوا في ذلكَ المستَقَرّ، ويُخَوّفُهم ملائكةُ العذَاب يقولُونَ للكافر هذا مقعَدُكَ حتى تُبعَثَ إليهِ يومَ القيامَة، تَعذيبُه بالنّظَر، ليسَ بأَن يحُلّ في جَهنّمَ بجَسَدِه ورُوحِه (في ذلكَ الوقت) إنّما هذا العَرضُ عَذابٌ كَبِيرٌ، الواحِدُ مِنّا في الدّنيا لو كانَ مَسجُونًا ثم أُخِذَ كُلَّ يوم إلى محَلّ الشَّنْق مرّتَينِ أوّلَ النّهَارِ وآخرَ النّهار ماذا تَكونُ عِيشَتُه فكيفَ ذلكَ المنظَرُ([1]).
فقال الشَّيخُ: هذا كُفرٌ لأنّهُ رَدٌّ للنّصّ إلا أن يكونَ القائلُ ممّن يَرى أنّ أبا طَالب أسلَم نطَق بالشّهادَتين بعدَما امتَنَع فيما يرَى النّاسُ فإنّه على هذا القَول لا يَدخُل جَهنّم ليَمكُث فيها، وأمّا حَاتمٌ الطّائيُّ فلَم يَرِدْ في حَقِّه نَصّ خاصٌّ بمَوتِه على الكفر أو على الإيمان.
فقال الشَّيخُ: شَجَرةُ الزّقُّوم هذه شجَرةٌ في جَهنَّمَ مَنظَرُها مخَوِّفٌ مَكرُوهٌ ورائحَتُها كريهةٌ جِدًا جدًا.
سُئِلَ الشَّيخُ: هل لها أغصان وجِذع؟
فقال الشَّيخُ: نَعم.
([1]) قال رسول الله ﷺ: «الشّهادةُ سَبعٌ سِوى القَتل في سبيل الله، المَطعُونُ شَهيدٌ والمَبطُون شَهيدٌ والغَريقُ شَهيدٌ وصَاحبُ الهَدْم شَهيد وصاحبُ ذاتِ الجَنْب شَهيد وصَاحِبُ الحَرْق شَهيدٌ والمرأةُ تمُوتُ بجُمْع شَهيدة» رواه النَّسائي.
([2]) صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (3327)، وصحيح مسلم: كتاب الجَنّة وصِفة نعيمها وأهلها: باب أوَّل زُمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر (2834)، وصحيح ابن حبان: كتاب إخباره ﷺ عن مناقب الصحابة: باب وصف الجنة وأهلها (7437).
([3]) لكنّه لا يُعاقَبُ لأَجْلِ الدَّينِ الذي ماتَ عنهُ ولم يُؤَدِّه.