الجمعة مارس 29, 2024
      • الألباني يزعم أن أصغر بدعة محرَّمة:

      قال الألباني ما نصّه([1]): «يجب أن نعلم أنّ أصغر بدعة يأتي الرجل بها في الدّين هي محرّمة، بعد تبين كونها بدعة، فليس في البدع كما يتوهم البعض ما هو في رتبة المكروه فقط، كيف ورسول الله يقول: «كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ»، أي: صاحبها».اهـ.

      الرَّدُّ:

      يحضرني قول بعض أهل العلم: «لو سكت من لا يعلم لاسترحنا»، ذكره ابن عساكر في تاريخه([2]) ثم عقبه بقوله: «وأنا أقول: لو كان له من يردعه ويكفّه ويمنعه ويقبضه ويقدعه([3]) ويسكته قهرًا ويصمته قسرًا، أو كان من يصرفه عن شنيع الجهالات وبديع الضلالات بالتأديب والقصب والتثريب والتبكيت والتأنيب، لرجونا أن يُعفي الناس بذلك عما ينالهم من الضرر أو كثير من جهته، وإلى الله المشتكى وهو المستعان على كل حادثة وبلوى».اهـ.

      وقد خالف الألباني بقوله هذا عبد الله بن عمر الصحابي الجليل رضي الله عنهما، ففي «فتح الباري» للحافظ ابن حجر ما نصّه([4]): «وقد جاء عنه – أي: عن ابن عمر رضي الله عنهما – الجزم بكونها محدثة – أي: صلاة الضحى – فروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «إنها محدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا»، وسيأتي في أول أبواب العمرة([5]) من وجه ءاخر عن مجاهد قال: «دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة، إذا ناس يصلون الضحى فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة»، وروى ابن أبي شيبة([6]) بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى، فقال: «بدعة ونعمت البدعة». وروى عبد الرزاق([7]) بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبّحها، وما أحدث الناس شيئًا أحبّ إليّ منها».اهـ.

      وقال والده أيضًا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (وهو ثاني الخلفاء الراشدين) حين جمع الناس على صلاة التراويح بعد أن كانوا يصلّونها متفرقين: «نِعمَ البدعة هذه».اهـ ([8]).

      وابتدع خُبيب بن عدي رضي الله عنه بدعة حسنة، ألا وهي صلاة ركعتين عندما أسره الكفار وقدّموه للقتل، قال أبو هريرة رضي الله عنه: «فكان أوّلَ مَن سنّ الركعتين عند القتل هو»([9])، أي: خُبيب رضي الله عنه.

      وقد أحدث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه (وهو ثالث الخلفاء الراشدين المهديين) زيادة أذان ثان يوم الجمعة، كما في «صحيح البخاري»([10]). وللإمام الشافعي الفقيه المجتهد رحمه الله تعالى كلام نفيس في تقسيم البدعة إلى بدعتين محمودة ومذمومة، فقد روى الحافظ البيهقي بإسناده في كتابه «مناقب الشافعي»([11]) عن الشافعي قال: «المحدَثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سُنَّة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة».اهـ. ومن جواهر الكلم قول الشافعي أيضًا: «البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السُّنَّة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم».اهـ. ذكره الحافظ في «فتح الباري»([12]).

      وأما حديث([13]): «وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ»، فلفظه عام ومعناه مخصوص بدليل حديث: «مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منهُ فهو رَدٌّ» رواه البخاري([14])، ومسلم([15])، ورواه مسلم([16]) بلفظ ءاخر وهو: «مَن عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ»، فأفهم رسولُ الله بقوله: «ما ليس منه» أن المحدَث إنما يكون ردًّا، أي: مردودًا إذا كان على خلاف الشريعة، وأن المحدَث الموافق للشريعة ليس مردودًا.

      وبدليل حديث: «مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَن عمل بها بعدَه من غير أن ينقصَ من أجورِهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً كان عليه وزرُها ووزرُ من عمل بها من بعدِه من غيرِ أن ينقصَ من أوزارِهم شيءٌ» رواه مسلم([17]).

      وفي «شرح النووي لصحيح مسلم»([18]) ما نصّه: «قوله: «وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» هذا عامّ مخصوص، والمراد به غالب البدع»، ثم قسّم البدعة إلى خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرّمة ومكروهة ومباحة، وقال([19]): «فإذا عُرِفَ ما ذكرته عُلِم أنّ الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التراويح: «نعمت البدعة»، ولا يمنع من كون الحديث عامًّا مخصوصًا قوله: «كلَّ بدعةٍ» مؤكدًا بكل؛ بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة الأحقاف: 25]».اهـ.

      ومعناه تدمر الريح كلّ شيء مرت عليه من رجال عادٍ وأمولهم.

      [1]() الألباني، الكتاب المسمّى حجة النبيّ  (ص103).

      [2]() ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق (23/280).

      [3]() القَدْع: الكفُّ والمنع (ابن منظور، لسان العرب، 8/260).

      [4]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (3/52).

      [5]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العمرة، باب: كم اعتمر النبيُّ  (2/630).

      [6]() مصنّف ابن أبي شيبة (2/172).

      [7]() مصنّف عبد الرزاق (3/78، 79).

      [8])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صلاة التراويح: باب: فضل من قام رمضان (2/707).

      [9])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب: غزوة الرجيع ورِعل وذكوان وبئر معونة (4/1499).

      [10]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب: الأذان يوم الجمعة (1/309).

      [11]() البيهقي، مناقب الشافعي (1/468، 469).

      [12]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (13/253).

      [13]() تقدم تخريجه.

      [14])) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2/959).

      [15])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة وردّ محدثات الأمور (5/132).

      [16])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة وردّ محدثات الأمور (5/132).

      [17])) تقدم تخريجه.

      [18]() النووي، شرح صحيح مسلم (6/154).

      [19]() النووي، شرح صحيح مسلم (6/155).