الخميس مارس 28, 2024
          • الألباني يحرّم الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلاة قيام رمضان، ويزعم أنَّها بدعة ضلالة:

          ادَّعى الألباني في الاستدلال على ما ذهب إليه في تحريم الزيادة على إحدى عشرة ركعة في قيام الليل من رمضان أن «رسول الله عاش عشرين سنة وهو لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة»([1])، وقال في كتابه المسمّى «صلاة التراويح»([2]) ما نصّه: «لا يجوز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة».اهـ. وقال([3]) مستشهدًا بكلام الصنعاني: «ولهذا صرّح الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني في «سبل السلام» أن عدد العشرين في التراويح بدعة قال [يقصد الصنعاني]: وليس في البدعة ما يمدح؛ بل كل بدعة ضلالة».اهـ.

          الرَّدُّ:

          لم يحرم أحد من السلف والخلف الزيادة في قيام رمضان على إحدى عشرة ركعة، وأول من حرم ذلك هو الألباني فبذلك يكون قد ضلل المسلمين حتى طائفته الوهابية فإنهم يصلون (صورةً) ثلاثًا وعشرين ركعة في الحجاز والحرمين الشريفين، فالألباني شذ عن الأمة ومن شذَّ شذَّ في النار، ويكفي في الرد عليه حديث البخاري([4]): «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلى ركعةً واحدةً توترُ له ما قد صلى».

          وأورد هنا ما ذكره الشيخ العلامة المحدث الفقيه عبد الله الهرري رحمه الله في إيضاح بطلان ما ادَّعاه الألباني، ونص عباراته([5]): «أبعد ناصر الدين الألباني في القول في الدين بغير دليل، فحرم قيام رمضان بأكثر من إحدى عشرة ركعة، واحتجَّ لذلك بقول عائشة: «ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة» رواه البخاري([6])، وليس فيه حجة له، لأن كلام عائشة هذا محمول على أن ذلك بحسب ما رأته، لأنه صح حديث أبي هريرة عن النبي : «لا توتروا بثلاثٍ تشبهوا بالمغربِ، ولكن أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسع أو بإحدى عشرةَ أو بأكثرَ من ذلك» رواه ابن حبان وابن المنذر والحاكم والبيهقي من طريق عراكٍ عن أبي هريرة([7]) رضي الله عنه كما في «التلخيص الحبير» للحافظ ابن حجر([8]).

          ومما يرد على الألباني ما شاع وتواتر في عصر السلف أن أهل المدينة كانوا يقومون بستّ وثلاثين، وكان أهل مكة يقومون بثلاث وعشرين، وكانوا يطوفون بين كل أربع ركعات، فأراد أهل المدينة أن يعوّضوا عن الطواف الذي زاده أهل مكة أربع ركعات، ولم يُنكَر عليهم ذلك بتحريم ما فعله الفريقان، وعملهم هذا مستند لما فُهم من الحديث الصحيح: «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلى ركعةً واحدةً توترُ ما قد صلى»([9]).

          ومما ينقض كلام الألباني ما رواه أحمد من حديث عليّ أن النبي صلى في الليل ست عشرة ركعة([10]). وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد»([11]): «رجاله ثقات». ويرد عليه أيضًا ما رواه البخاري([12]) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلّى ركعةً واحدةً توترُ له ما قد صلَّى»، فإن فيه دليلًا صريحًا على جواز قيام رمضان بأقل من إحدى عشرة ركعة وبأكثر منها بلا تحديد وذلك حجة لما قاله الشافعي: «لا حدَّ لعدد ركعات قيام رمضان وما كان أطول قيامًا أحبُّ إليَّ».اهـ. نقل ذلك عنه الحافظ أبو زرعة العراقي في «شرح التقريب»([13])، ونقله غيره عنه. وقد كان الألباني وجماعته أحدثوا بلابل بين المسلمين بنفيهم جواز قيام رمضان إلا بإحدى عشرة ركعة في الشام وغيرها.

          ثم هو افتَاتَ على أهل الحديث فقال في رواية: «إن عمر جمع الناس على قيام رمضان فكانوا يصلون ثلاثًا وعشرين ركعة»([14]) قال: إن هذه الرواية ضعيفة، والصحيحة رواية إحدى عشرة، فشذَّ بذلك وخالف قاعدةَ المحدثين أن التصحيح والتضعيف للحفاظ فقط، وهو يعرف من نفسه أنه ليس بمرتبة الحفظ ولا يقاربها، وقد اعترف بذلك في بعض مقالاته، وهذه القاعدة ذكرها السيوطي في «تدريب الراوي» وغيرُه، وقال في ألفيته([15]): [الرجز]

          وخُذْهُ حيثُ حافظٌ عليْه نصّْ

           

          أو من مصنَّفٍ بجَمْعِه يُخَصّْ

          وشرح هذا البيت كما هو مذكور في شرحه على ألفيته أن الصحيح يعرف بتصحيح حافظ من الحفاظ، أبو بوجوده في كتاب التزم مؤلفه الحافظ الاقتصار على الصحيح.

          وهذه الرواية لم يطعن في صحتها حافظ؛ بل رجَّح الحافظ ابن عبد البر رواية «ثلاث وعشرين» على رواية «إحدى عشرة»؛ بل اعتبرها وهمًا([16])، وابن عبد البر معدود في الحفاظ، فليس تضعيف الألباني رواية ثلاث وعشرين معتبرًا.

          فمن عرف هذه الحقيقة عرف أن مؤلفات الألباني مدخولة لا يجوز الاعتماد عليها، فلا عبرة بتأليفه الذي سماه «الصحيحة» وتأليفه الذي سماه «الضعيفة»، فليحذر المسلمون، وهذه نصيحة أسديناها للمسلمين، كَيْ لا يكونوا أُسَرَاء التقليد الفاسد.

          وليعلم ذلك أيضًا من تبعه من أتباعه ممن كتبوا على بعض المؤلفات وقلدوه تقليدًا أعمى كحمدي عبد المجيد، وقد تتابع على ذلك اقتداء به بعض من ليس من أتباعه، فليتقوا الله وليعملوا بقول أهل الحديث: التصحيح والتضعيف من خصائص الحفاظ، وهذا نشأ من قصورهم عن فهم علم الحديث درايةً كما ينبغي، لأن شرط الصحيح والحسن السلامةُ من الشذوذ والعلة، ومعرفة ذلك استقلالًا لا يقوم به إلا الحافظ، لأن مبنى ذلك على تتبع الطرق». انتهى كلام الشيخ المحدث الهرري رحمه الله.

          تكملة: ما شاع في بعض كتب الشافعية أن التراويح لا تصح إلا ركعتين ركعتين إلى ثلاث وعشرين، لا يجوز حمل هذا الكلام على مطلق قيام رمضان، لأن اسم صلاة التراويح لم يرد منصوصًا عليه، إنما هو عُرفٌ طارئ حتى صارت كلمة التراويح عبارة عن ثلاث وعشرين على هذا الوجه أن تكون ركعتين ركعتين ثم ثلاث ركعات الوتر موصولةً أو مفصولةً، وقصد أولئك أن من ينوي التراويح فلا يجزئه إلا هذه الكيفية، ولا يقصدون أنه لو لم يقصد التراويح بل قصد قيام رمضان لا يصح قيامه إلا بثلاث وعشرين؛ وهذا محمل كلامهم، وأما حقيقة الأمر فهو الرجوع إلى حديث: «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلّى ركعةً واحدةً توترُ له ما قد صلَّى»([17]) ومعناه: أن الأفضل في كيفية صلاة الليل أن تكون ركعتين ركعتين، وليس المراد حصرَ الجواز في هذه الكيفية، لأنه ثبت في الصحيح أن عائشة قالت في بيان صلاته بالليل: «يصلي أربعَ ركعاتٍ فلا تسألْ عن حسنِهن وطولِهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسألْ عن حسنِهن وطولِهن، ثم يصلي ثلاثًا» رواه البخاري([18]). هذه عظة وعبرة لمن يعتبر، كم من أناس اليوم يصححون ويضعفون وهم بعيدون من استئهال ذلك بُعد الأرض من السماء، لأن مرتبة الحفظ بعيدة المنال منهم، وهي عند أهل الحديث: أن يستحضر المحدث أغلب المتون وأغلب الرواة في ذهنه من حيث معرفة أساميهم وأحوالهم([19]). فليزنوا أنفسهم بهذا الميزان حتى يعرفوا أنهم بعيدون منه ذلك البعد.

          وحديث: «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى» أقوى من حديث عائشة المذكور إسنادًا وشهرة.

          ومما يردُّ دعوى وزعم الألباني أن الرسول ما كان يزيد عن إحدى عشرة ركعة ما رواه ابن حبّان في صحيحه من روايات عن صلاة النبي بالليل فقال: «عن عائشة قالت: كان النبي يصلي من الليل تسع ركعات»([20]).

          وروى ابن حبان أيضًا عن أبي سلمة، قال: أخبرتني عائشة قالت: «كان رسول الله يصلي من الليل ثماني ركعات ويوتر بواحدة ثم يركع ركعتين وهو جالس»([21]).اهـ.

          وروى أيضًا عن مسروق أنه دخل على عائشة فسألها عن صلاة رسول الله بالليل فقالت: «كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة ترك ركعتين، ثم قُبِض حين قُبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات ءاخر صلاته من الليل والوتر، ثم ربما جاء إلى فراشي هذا فيأتيه بلال فيؤذِنه بالصلاة»([22]).اهـ.

          وروى ابن حبّان أيضًا عن ابن عباس أنه قال: «بِتُّ عند خالتي ميمونة ورسول الله عندها تلك الليلة فتوضأ رسول الله ثم قام يصلي ركعتين، فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى في تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة، ثم نام رسول الله حتى نفخ([23]) وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج وصلى ولم يتوضأ، قال عمرو: حدثت بهذا بكير بن الأشج فقال: حدَّثني كريب بذلك»([24]).اهـ.

          وروى ابن حبّان أيضًا عن ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة فقام النبي يصلي من الليل قال: «فقمت فتوضأت ثم قمت عن يساره فجرني حتى أقامني عن يمينه، ثم صلى ثلاث عشرة ركعة قيامه فيهن سواء»([25]).اهـ. وروى مسلم وغيره([26]) عن ابن عباس قال: «كان رسول الله يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة»، وروى البخاري([27]) عن ابن عباس أيضًا قال: «كانت صلاة النبي ثلاث عشرة ركعة – يعني: بالليل -».

          وفي هذه الروايات دليل على أن ما رواه البخاري عن عائشة من أنه ما كان يزيد في رمضان وغيره في صلاة الليل على إحدى عشرة ركعة محمول على أنها رأت ذلك منه أوَّلًا، ثم رأت منه ما يخالف ذلك، ولا يؤخذ من رواية البخاري أنه لم يصل قطّ أكثر من إحدى عشرة ركعة في قيام الليل، كما زعم الألباني.

          فإن قال الألباني: هذه الأحاديث التي ذُكر فيها أن الرسول زاد على إحدى عشرة ركعة، معارضة لحديث عائشة الذي أخرجه البخاري الذي فيه أن الرسول ما زاد في صلاة الليل في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، فما خالفه فهو ضعيف فيكون هو الرَّاجح، وتكون تلك الروايات مرجوحةً لا يحتجُّ بها.

          نقول: يقول أهل العلم: التّرجيح لا يصار إليه ما أمكن الجمع بين الروايتين، وهنا الجمع ممكن سهل، وذلك بأن يقال: إن عائشة لما حدَّثت ذلك الحديث لم يكن لها اطلاع على غير ذلك القدر، فلم تشاهد النبي صلَّى أكثر من إحدى عشرة ركعة، ولا يمنع ذلك أن يكون غيرها كابن عباس شاهد منه ما يزيد على ذلك، لأن عائشة ما كانت تراه كل ليلة عند قيامه لصلاة الليل، إنما كانت تراه في ليلةٍ من بين تسع ليال في بعض الزمن الذي عاشت معه ، والدليل على ذلك أنها روت عنه أنه في ءاخر عمره كان يقوم بأقلَّ من ذلك، رأته قام بتسع ركعات.

          ومما يدل على ما ذكرنا ما ذكره الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» ونصه([28]): «حديث أم سلمة: كان رسول الله يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبع»، [رواه] أحمد([29]) والترمذي([30]) والنسائي([31]) والحاكم([32]) وصححه من طريق عمرو ابن مرة عن يحيـى بن الجزار عنها، قوله: لم ينقل زيادة على ثلاث عشرة كأنه أخذه من رواية أبي داود الماضية عن عائشة ولا بأكثر من ثلاث عشرة وفيه نظر، ففي «حواشي المنذري»: قيل: أكثر ما روي في صلاة الليل سبع عشرة وهي عدد ركعات اليوم والليلة، وروى ابن حبّان وابن المنذر والحاكم([33]) من طريق عراك عن أبي هريرة مرفوعاً: «أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ أو بإحدى عشرةَ أو بأكثرَ من ذلك».اهـ.

          ثم قال([34]): «حديث عائشة أن النبي كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في ءاخرهن»، [رواه] مسلم بلفظ: «كان يصلي من الليل ثلاث عشرة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها»، ورواه الشافعي بلفظ: «كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الأخيرة منهن»، وللبخاري من حديث ابن عباس في صلاته في بيت ميمونة: «ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن».اهـ.

          وهذا دليل على أن عائشة روت هذا الحديث الذي اعتمد عليه الألباني وفهمه على غير وجهه.

          ويكفي في الرد على الألباني ما رواه ابن عمر عن رسول الله أنه قال: «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى، فإذا أردتَ أن تنصرفَ فاركعْ ركعةً توتِرُ لك ما صلَّيت»([35]).

          وفيه دليل على أن صلاة الليل ليس لها عدد بركعاتٍ محدودة، وهذا أيضًا ناقض لقول الألباني بتحريم ما زاد على إحدى عشرة ركعة أو نقص، فعنده إذا لم يثبت عن رسول الله إلا هذا فما نقص وما زاد فهو حرام، فبهذا ونحوه خرج الألباني من الأمة لأنه ضلل الأمة، ومن ضلل الأمة فليس منهم». انتهى كلام الشيخ العلامة المحدث الهرري رحمه الله تعالى.

          انفرد الألباني عن طائفته بإبطال كل قول يخالف قوله، ويميل إليه قلبه، في المسائل الفقهية في الطهارات والصلوات والزكوات وجواز تحلّي النساء بحلي الذهب المحلَّق، والألباني يعلم أن الأئمة المجتهدين من الصحابة ومن بعدهم اختلفوا في مسائل الطهارة والوضوء والغسل والتيمم والصلاة وفي مسائل النكاح والطلاق والجنايات إلى غير ذلك، وقد يكون اختلافهم في بعض المسائل على وجهين، وفي بعض على ثلاثة أوجه، وفي بعض يزيد على ذلك إلى نحو سبع أو أكثر، فالألباني بذلك عمل قاعدة لنفسه وهي قوله([36]): «الحق لا يتعدد»، يُريد بذلك أن كل من سواه على باطل، وسيأتي بيانه إن شاء الله.

          ومعنى هذا الكلام: أنا الرجل المهتدي ومن مشى معي لا غير، أنا الذي على الحق ومن تبعني، ومن سواي على باطل، فكأنه يقول بهذا: أنا المهتدي ومن وافق رأيي فقط.

          وقد وصف عبد المنعم مصطفى حليمة الألباني في أثناء ردّه عليه بقوله([37]): إنه جهمي جلد. وهو موافقه في عقيدة التجسيم، لكنه لما انحرف انحرافات لا تقول بها فرقته الذين منهم هذا الرادّ عليه وصفه بأنه جهمي، أي: يوافق الجهمية في بعض عقائدها.

          ومن أعجب شذوذ الألباني ما ادعاه في فتاويه بقوله([38]): «ثم ما هي البدعة، البدعة فيما تذهبون إليه من قوله : «كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ»([39]) ما هي البدعة؟ أليس هي الزيادة على ما جاء به الرسول من طاعة وعبادة؟! إن كان كذلك فإن الجواب الذي قلته ءانفًا بأن الأصل في العبادات المنع إلا لنص».اهـ. ثم قال: «فأنا أقول: إن عجبني يكاد لا ينتهي من مثل هذا القول، أصلاة مائة ركعة طاعة أم غير طاعة؟ إن كانت طاعة كيف غفل عنها رسول الله؟ لماذا لم يسن ولو مرة واحدة في حياته؟ هل صلى مائة ركعة مرة واحدة في هذه الفترة الطويلة جدًّا؟!».اهـ.

          الرَّدُّ:

          هذا القول يرده الحديث الذي صححه ابن حبّان ووافقه عليه الحافظ ابن حجر([40]): «الصلاةُ خيرٌ موضوعٌ، استكثَر أوِ استقلَّ»، وحديث البخاري ومسلم([41]): «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى» فيه ترك التحديد بعدد فيشمل سبع ركعات وتسعًا وإحدى عشرة وثلاث عشرة إلى عشرين إلى أربعين إلى مائة إلى أكثر من ذلك، كل هذا شيء موافق، وليس الرسول فعل كل ما رغَّب فيه، فظن الألباني أن أي عمل من أعمال الدين لم يفعله الرسول بعينه باطل، جهلًا منه، فالله تبارك وتعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [سورة الأحزاب: 41] فيشمل العشرة والمائة والألف والألفين وما فوق ذلك، مع أنه لم يُنقل عن الرسول في الأحاديث الواردة أنه كان يستغفر مائتي استغفار أو ألفًا، إنما الوارد عنه أنه قال([42]): «إني لأستغفرُ اللهَ في اليوم مائةَ مرةٍ»، وقال([43]): «ربِّ اغفرْ لي وتبْ عليَّ إنك أنت التوابُ الرحيمُ» مائة مرة، فهل يفهم من هذا وأمثاله أنه لا يجوز الزيادة على هذا القدر، أليس ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يسبح اثني عشرة ألف تسبيحة كل يوم ويقول: «أسبح بقدر ذنبي؟!»، فعلى قول الألباني إن أبا هريرة رضي الله عنه عصى الله، وأهل المدينة الذين كانوا يقومون في رمضان بستة وثلاثين ركعة ضالون على زعم الألباني وأتبعوا أنفسهم فيما هو معصية لله. وحديث أبي هريرة رواه ابن سعد وصححه الحافظ ابن حجر([44]).

          ومن أدلة أهل الحديث والفقهاء وسائر العلماء على جواز الزيادة على إحدى عشرة ركعة ما رواه البيهقي وغيره([45]) من طريق ابن أبي ذئب عن يزيد بن خُصَيْفة عن السائب بن يزيد قال: «كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة»، قال: «وكانوا يقرؤون بالـمِـئِين([46])، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان([47]) رضي الله عنه من شدة القيام». صحح إسناده من الحفاظ النووي في «المجموع»([48])، وأبو زرعة العراقي ابن الحافظ زين الدين العراقي في «طرح التثريب»([49]) والزَّيلعي في «نصب الراية»([50])، والسيوطي في «المصابيح»([51]) ومن المحدثين التهانوي في «إعلاء السنن»([52])، ورجال إسناده كلهم ثقات([53]).

          وقد تابع يزيد بن خُصَيفة على رواية العشرين ركعة محمد بن يوسف أخرجها عبد الرزاق في مصنّفه([54]) قال: «عن داود وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبيّ بن كعب، وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرؤون بالـمِئِين، وينصرفون عند فروع الفجر [أوائله]».اهـ.

          وهذا إسناد رجاله ثقات([55]) مما يزيد رواية يزيد بن خُصيفة قوة. وحكم الألباني على هذه الرواية أي رواية ابن خصيفة بالشذوذ مخالف لقواعد أهل الحديث، واتباع للهوى، وإخضاع الأحاديث لرأيه، فما وافقه رأيه قبله، وما خالف رأيه رده، وإن كان صحيحًا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وثبت من وجه ءاخر من طريق يزيد بن خُصَيفة عند البيهقي في «المعرفة»([56]) قال: «أخبرنا أبو طاهر الفقيه، قال: أخبرنا أبو عثمان البصري، قال: حدَّثنا أبو محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا خالد بن مَخْلَد، قال: حدَّثنا محمد بن جعفر، قال: حدَّثني يزيد بن خُصَيْفة عن السائب بن يزيد قال: كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب بعشرين ركعة والوتر».اهـ. وإسناده ثقات([57]) محتج بهم.

          وقد أخذ علماء أئمة المذاهب الأربعة الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد بفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإليك نقل نصوصهم:

          قال البيهقي الشافعي في «المعرفة»([58]) ما نصّه: «قال الشافعي: وليس في شيء من هذا ضيق ولا حد ينتهي إليه، لأنه نافلة، فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن وهو أحبّ إليّ، وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن. قال الشافعي: أخبرنا مالك عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال: أمرَ عمرُ بن الخطاب أُبيَّ بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة».اهـ. وقال المزني في «مختصره»([59]): «قال – يقصد الشافعي – فأمّا قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إليّ منه، ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين وأحبّ إليّ عشرون، لأنه روي عن عمر، وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاث».اهـ.

          قال ابن قدامة الحنبلي في «المغني»([60]) ما نصّه: «فصل: والمختار عند أبي عبد الله رحمه الله فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: ست وثلاثون».اهـ.

          وفي «المدوّنة» للإمام مالك([61]) وكتاب «العُتْبيّة»([62]) على مذهب الإمام مالك ما نصّه: «وسمعت مالكًا، وذكر أن جعفر بن سليمان أرسل إليه يسأله أن ينقص من قيام رمضان قال: فنهيته عن ذلك، فقيل له: أفتكره ذلك؟ قال: نعم وقد قام الناس هذا القيام، فقيل له: فكم القيام عندكم؟ قال: تسع وثلاثون ركعة بالوتر». قال محمد بن رشد الجد المالكي في شرحه على العُتبيّة المسمّى «البيان والتحصيل»([63]) ما نصّه: «وسمعت مالكًا – وذكر أن جعفر بن سليمان أرسل إليه يسأله أن ينقص من قيام رمضان، قال: فنهيته عن ذلك؛ فقيل له: أفتكره ذلك؟ قال: نعم – وقد قام الناس هذا القيام، فقيل له: فكم القيام عندكم؟ قال: تسع وثلاثون ركعة بالوتر. لما كان قيام رمضان مرغبًا فيه، لقوله : «من قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبِه»([64])، وكان للجميع فيه أصل للسُّنَّة، وكان العمل قد استمر فيه على هذا العدد من يوم الحرة إلى زمنه، وذلك أن عمر بن الخطاب كان أمر أبيَّ بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، فكانا يطيلان القيام، حتى لقد كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام وما كانوا ينصرفون إلا في فروع الفجر [أوائله]، فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمرهما أن يزيدا في عدد الركوع وينقصا من طول القيام، فكانا يقومان بالناس بثلاث وعشرين ركعة، وكان القارئ يقرأ بسورة البقرة في ثماني ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة، رأى الناس أنه قد خفف فكان الأمر على ذلك إلى يوم الحَرَّة، ثم شكوا ذلك لما اشتد عليهم فنقصوا من طول القيام وزادوا في عدد الركوع حتى أتموا تسعًا وثلاثين ركعة بالوتر ومضى الأمر على ذلك من يوم الحرة، وأمر عمر بن عبد العزيز أن يقوموا بذلك، وأن يقرؤوا في كل ركعة بعشر ءايات فكره مالك أن ينقص من ذلك، إذ لا ينبغي أن يحمل الناس على انتقاص الخير وإنما ينبغي أن يرغبوا في الازدياد فيه ويحملوا على ذلك إن أمكن، وكان بالناس عليه طاقة وإليه نشاط، وبالله تعالى التوفيق».اهـ. وقال الزرقاني في «شرحه على الموطأ»([65]) ما نصّه: «وذكر ابن حبيب أنها كانت أوّلًا إحدى عشرة، كانوا يطيلون القراءة، فثقل عليهم فخففوا القراءة وزادوا في عدد الركعات، فكانوا يصلون عشرين ركعة، غير الشفع والوتر، بقراءة متوسطة، ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستًّا وثلاثين، غير الشفع والوتر، ومضى الأمر على ذلك، وروى محمد بن نصر عن داود بن قيس قال: أدركت الناس في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز، يعني: بالمدينة، يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، وقال مالك: هو الأمر القديم عندنا».اهـ.

          ومذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه عشرون ركعة، كما في «المبسوط»([66]) للسرخسي قال: «عدد الركعات فإنها عشرون ركعة سوى الوتر».اهـ.

          فبعد هذا البيان لا يسع المنصف إلا القبول بثبوت صلاة التراويح عشرين ركعة منذ عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى يومنا هذا، خلافاً للألباني الذي يجهل الفقه وأصوله ولا يعرف الحديث كما عرفه أهله، فشذ عنهم وخالف ما كان عليه المسلمون، ولا يزال شرقًا وغربًا في مختلف الأزمان وسائر الأقطار، وردّ الصحيح الثابت من الروايات، تارة بالافتراء على الأئمة، وتارة بالاحتجاج بالضعيف، وتارة بالتدليس على الناس، كما سيتضح لك أيها القارئ إن شاء الله تعالى.

          وقد استدل الألباني على ردّ رواية يزيد بن خُصيفة بأمور منها:

          أولًا: أورد الألباني([67]) رواية الإمام مالك رضي الله عنه([68]) عن شيخه محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال: «أمر عمر بن الخطاب أُبيّ بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة» ثم قال([69]): «لا يجوز أن تعارض هذه الرواية الصحيحة بما رواه عبد الرزاق من وجه ءاخر عن محمد بن يوسف بلفظ: «إحدى وعشرين» لظهور خطأ هذا اللفظ من وجهين، الأول: مخالفته لرواية الثقة المتقدمة بلفظ: «إحدى عشرة»، الثاني: أن عبد الرزاق قد تفرَّد بروايته على هذا اللفظ، فإن سلم ممن بينه وبين محمد بن يوسف، فالعلة منه، أعني: عبد الرزاق، لأنه وإن كان ثقة حافظًا ومصنّفًا مشهورًا، فقد كان عمي في ءاخر عمره فتغير»، ثم قال: «وقال [ابن الصلاح]: «والحكم فيهم (يعني: المختلطين) أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده»، قلت [أي: الألباني]: وهذا الأثر من القسم الثالث، أي: لا يدري حدّث به قبل الاختلاط أو بعده فلا يقبل، وهذا لو سلم من الشذوذ والمخالفة فكيف يقبل معها؟» انتهى كلام الألباني.

          الرَّدُّ:

          • ردّ الألباني رواية محمد بن يوسف بلفظ: «إحدى وعشرين» لمخالفتها لفظ «إحدى عشرة»، مخالفًا ما جرى عليه أهل الحديث من الجمع بين الأحاديث إن أمكن، وهذا ما يعرف بمخْتَلِف الحديث، ومعناه: كما قال الحافظ النووي في «التقريب»([70]): «أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرًا، فيوفّق بينهما أو يرجح أحدهما، وإنما يَكْمَلُ له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه والأصوليّون الغوّاصون على المعاني» ثم قال([71]): «والمختلف قسمان: أحدهما: يمكن الجمع بينهما فيتعيَّن ويجب العمل بهما، والثاني: لا يمكن بوجه فإن علمنا أحدهما ناسخًا قدَّمناه، وإلا عملنا بالراجح كالترجيح بصفات الرواة وكثرتهم في خمسين وجهًا».اهـ.

          وقال الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة»([72]) ما نصّه: «ثم المقبول ينقسم أيضًا إلى معمول به وغير معمول به، لأنه إن سَلِمَ من المعارضة، أي: لم يأت خبرٌ يضاده فهو المحكم وأمثلته كثيرة، وإن عُورِضَ فلا يخلو إمّا أن يكون مُعارِضُه مقبولاً مثلَه أو يكون مردودًا، فالثاني لا أثر له لأنَّ القوي لا يؤثّر فيه مخالفة الضعيف، وإن كان المعارضة بمثله فلا يخلو إمّا أن يمكن الجمع بين مدلوليهما بغير تعسّف أو لا، فإنْ أمكن الجمع فهو النوع المسمَّى مختَلِف الحديث، وإن لم يمكن الجمع فلا يخلو إمّا أن يعرف التاريخ أو لا، فإن عُرِف وثبت المتأخّر به أو بأصرح منه فهو الناسخ والآخر المنسوخ»، ثم قال([73]): «فصار ما ظاهره التعارض واقعًا على هذا الترتيب الجمع إن أمكن، فاعتبار الناسخ والمنسوخ، فالترجيح إن تعيّن، ثم التوقف على العمل بأحد الحديثين».اهـ.

          كذلك ذكر السخاوي في «فتح المغيث»([74]) أنه كالترجيح بكثرة الرواة أو بصفاتهم في خمسين وجهًا من وجوه الترجيحات وأكثر.

          قال أهل العلم: والجمع بينهما ممكن، فلذلك لم يحكم الحافظ على رواية العشرين ركعة بالشذوذ والمخالفة، فقد قال الحافظ البيهقي في سننه([75]): «ويمكن الجمع بين الروايتين، فإنهم كانوا يقومون بإحدى عشرة، ثم كانوا يقومون بعشرين ويوترون بثلاث».اهـ. ونقله عنه الحافظ النووي في «المجموع»([76]) ووافقه على هذا الجمع، وكذلك فعل الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([77]) ونص عبارته: «تكميل: لم يقع في هذه الرواية عدد الركعات التي كان يصلي بها أُبيّ بن كعب، وقد اختلف في ذلك، ففي «الموطأ» عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنها إحدى عشرة، ورواه سعيد بن منصور من وجه ءاخر وزاد فيه: «وكانوا يقرؤون بالمائتين ويقومون على العصي من طول القيام» ورواه محمد بن نصر المروزي من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف فقال: «ثلاث عشرة»، ورواه عبد الرزاق من وجه ءاخر عن محمد بن يوسف فقال: «إحدى وعشرين»، وورى مالك من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد «عشرين ركعة»، وهذا محمول على غير الوتر، وعن يزيد بن رومان قال: «كان الناس يقومون في زمان عمر بثلاث وعشرين» وروى محمد بن نصر من طريق عطاء قال: «أدركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة وثلاث ركعات الوتر»، والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال، ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيث يطيل القراءة تقل الركعات وبالعكس، وبذلك جزم الداودي وغيره، والعدد الأول موافق لحديث عائشة المذكور بعد هذا الحديث في الباب والثاني قريب منه، والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر، وكأنه كان تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث، وروى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس قال: «أدركت الناس في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز، يعني: بالمدينة يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، وقال مالك: هو الأمر القديم عندنا. وعن الزعفراني عن الشافعي: «رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين، وبمكة بثلاث وعشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق» وعنه قال: «إن أطالوا القيام واقلوا السجود فحسن، وإن أكثروا السجود وأخفوا القراءة فحسن، والأول أحب إليَّ». وقال الترمذي: «أكثر ما قيل فيه أنها تصلى إحدى وأربعين ركعة»، يعني: بالوتر، كذا قال. وقد نقل ابن عبد البر عن الأسود بن يزيد: «تصلى أربعين ويوتر بسبع، وقيل: ثمان وثلاثين ذكره محمد بن نصر عن ابن أيمن عن مالك، وهذا يمكن رده إلى الأول بانضمام ثلاث الوتر، لكن صرح في روايته بأنه يوتر بواحدة، فتكون أربعين إلا واحدة، قال مالك: «وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة، وعن مالك ست وأربعين وثلاث الوتر، وهذا هو المشهور عنه، وقد رواه ابن وهب عن العمري عن نافع قال: «لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعًا وثلاثين يوترون منها بثلاث»، وعن زرارة بن أبي أوفى أنه كان يصلي بهم بالبصرة أربعًا وثلاثين ويوتر، وعن سعيد بن جبير أربعًا وعشرين، وقيل: ست عشرة غير الوتر».اهـ.

          فهل سلك الألباني مسلك أهل الحديث؟ لا، بل أغار على تضعيف رواية العشرين من طريق محمد بن يوسف، لأنها خالفت رأيه. ثم ابن يوسف روى مرة بإحدى عشرة وهي رواية «الموطأ»، ومرة بإحدى وعشرين، وهي رواية عبد الرزاق، ورواتها ثقات كما قدمنا، وردّها الألباني بقوله: «لمخالفتها لرواية الثقة»، يا ليت شعري أي ثقة خالفت والراوي لِكِلا الروايتين واحد وهو محمد بن يوسف!

          فإذا قال قائل: ذكرتَ الجمع بين الروايتين، لكن رواية الإحدى عشرة هي أرجح. أقول: قال العلماء: الترجيح لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، كما ذكر أهل الحديث الذين بيَّنوا وجه هذا الجمع، ويقال أيضًا: إن المرجّحات التي أورها المحدثون في مصنّفاتهم تُرجّح رواية العشرين، لأنها أقوى، فراويها محمد بن يوسف الثقة الثبت([78]) وتابعه يزيد بن خُصيفة وهو ثقة([79]) أيضًا، ويزيدها ترجيحًا وقوةً أن المسلمين كانوا على ممر العصور منذ زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلون التراويح بعشرين ركعة، ومنهم يصليها أكثر مع وجود العلماء غير منكرين عليهم؛ بل هم يفتون بجواز ذلك، فظهر شذوذ الألباني ومخالفته لأهل السُّنَّة.

          • قول الألباني: «إن عبد الرزاق قد تفرد بروايته على هذا اللفظ».

          قد سبق بيان الجمع بين روايته ورواية الموطأ فلا يضره حينئذٍ التفرد لا سيما وهو ثقة حافظ مشهور، ثم عبد الرزاق لم ينفرد بلفظ العشرين؛ بل رواها أيضًا علي بن الجعد ومن طريقه البيهقي والفريابي كما مرّ من طريق يزيد بن خصيفة، فأوهم الألباني بأسلوب التدليس على القارئ ليدفع رواية العشرين بغير حجة.

          • قول الألباني([80]): «فإن سَلِم ممن بينه وبين محمد بن يوسف» دليل على أنه لم يقف على رواية عبد الرزاق في مصنّفه، فعجبًا له كيف يتكلم على رواية إسنادها صحيح ولم يقف على سندها، مع زعمه أنه يتتبع الروايات ويجمعها ويدّعي زورًا بقوله([81]) في الصحيفة السابقة: «لم أر من سبقني إلى جمعها»!
          • قوله: «فإن سلم ممن بينه وبين محمد بن يوسف فالعلة منه، أعني: عبد الرزاق» إلى ءاخر كلامه.

          إن الطعن في مرويات هذا الإمام، بحجة أنه أُضِرَّ ببصره فصار يتلقن، كما زعمه الألباني تحت ستار نصرة السُّنَّة النبوية، لَدليلٌ واضح ظاهر على انحرافه عن أهل الحديث وحبّه الخروج على ما توارد عليه المسلمون خلفًا عن سلف في سائر أمصار الإسلام الذين يحتجون بما رواه عبد الرزاق في مصنّفه، فطعن وردّ ما رواه في مصنّفه بحجة أنه عمي وأضر ببصره طعن بهذا الديوان العظيم الضخم الذي حوى الآلاف من الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين وغيرهم. ولكن التعصب للهوى المخالف للسُّنَّة، ونصرة الرأي المخالف لهدي النبي هو الذي دفع هذا الرجل لرد رواية عبد الرزاق في مصنّفه لـمّا ارتسم في مخيلته وأوهامه أنه لا يجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة، والذي جهله الألباني، وهو يجهل فن الحديث رغم زعمه أنه مضى عليه عشرات السنين في هذا العلم، أنّ الأثرم روى عن الإمام أحمد: «من سمع منه – أي: من عبد الرزاق – بعدما عمي فليس بشيء، وما كان في كتبه فهو صحيح، وما ليس في كتبه فإنه كان يُلقَّن فيتلَقّن».اهـ. ذكره الحافظ ابن حجر في «هدي الساري»([82])، ورواية عبد الرزاق في مصنّفه حجة ولا مطعن فيها، فظهر قصور باع الألباني وقلة اطّلاعه وعدم معرفته بعلم الحديث درايةً وروايةً.

          ثانيًا: بعد أن أورد الألباني رواية ابن خصيفة المتقدمة قال([83])” «وظاهر إسناده الصحة، ولهذا صححه بعضهم، ولكن له علة، بل علل تمنع القول بصحته وتجعله ضعيفًا منكرًا، وبيان ذلك من وجوه: الأول: أن ابن خصيفة هذا وإن كان ثقة، فقد قال الإمام أحمد في رواية عنه «منكر الحديث»، ولهذا أورده الذهبي في «الميزان»([84])، ففي قول أحمد هذا إشارة إلى أن ابن خصيفة قد ينفرد بما لم يروه الثقات، فمثله يرد حديثه إذا خالف من هو أحفظ منه يكون شاذًّا… الثاني: أن ابن خصيفة اضطرب في روايته العدد، فقال إسماعيل ابن أمية: إن محمد بن يوسف أخبره عن السائب بن يزيد أنه قال: «أمر عمر بن الخطاب أُبيّ بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال إسماعيل: قلت: أو إحدى وعشرين؟ قال [محمد بن يوسف]: لقد سمع ذلك من السائب بن يزيد – ابن خصيفة، فسألت [السائل هو إسماعيل بن أمية]: يزيد بن خصيفة؟ فقال: حسبت أن السائب قال: إحدى وعشرين». قلت [القائل هو الألباني]: وسنده صحيح. فقوله في هذه الرواية «إحدى وعشرين» على خلاف الرواية السابقة «عشرين»، وقوله: «حسبت»، أي: ظننت دليل على اضطراب ابن خصيفة في رواية هذا العدد، وأنه كان يرويه على الظن لا على القطع، لأنه لم يكن قد حفظه جيدًا، فهذا وحده كاف لإسقاط الاحتجاج بهذا، فكيف إذا اقترن به مخالفته لمن هو أحفظ منه، الثالث: أن محمد بن يوسف هو ابن أخت السائب بن يزيد، فهو لقرابته للسائب أعرف بروايته وأحفظ، فما رواه من العدد أولى مما رواه مخالفة ابن خصيفة، ويؤيده أنه موافق لما روته عائشة في حديثها المتقدم أن النبيّ كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، وحمْل فعل عمر رضي الله عنه على موافقة سننه خير وأولى من حمله على مخالفتها».اهـ.

          الرَّدُّ:

          • أوهم الألباني القارئ أن قول الإمام أحمد في يزيد بن خصيفة منكر الحديث أنه ضعيف عنده، وليس الأمر كذلك؛ بل الإمام أحمد وثَّقه كما في «تهذيب الكمال»([85])، وليس قوله هذا تضعيفًا له، وإنما هو اصطلاح له يطلقه على بعض الرواة لتفرده عن أقرانه ببعض ما يرويه كما في «هدي الساري»([86]) للحافظ ابن حجر، ونصّ عبارته: «قال ابن معين: ثقة حجة ووثَّقه أحمد في رواية الأثرم وكذا أبو حاتم والنسائي وابن سعد، وروى أبو عبيد الآجري عن أبي داود عن أحمد أنه قال: منكر الحديث، قلت: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث، عُرف ذلك بالاستقراء من حاله، وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة كلهم».اهـ.

          فإذا ثبت ذلك عُلم أنه لا يضره تفرده لأنه ثقة حجة، وتمسكه بقول الإمام أحمد دليل جهله باصطلاح هذا الإمام، وكم له من هفوات شنيعة أدَّت به إلى الزلل بسبب جهله وعناده عن قبول الحق، ثم ابن خصيفة لم ينفرد برواية العشرين؛ بل وافقه على ذلك الثقة الثبت محمد بن يوسف، فكيف يقال بعد ذلك: إنّ ابن خصيفة تفرد بهذا اللفظ؟! فتبيّن أن ابن خصيفة لم يغلط في رايته كما زعم الألباني.

          • قوله: «ولهذا أورده الذهبي في «الميزان»، وقوله في الهامش: «ومن المعلوم أنه إنما يذكر فيه من تكلم فيه من الرواة».

          هذه محاولة أخرى من أساليب تدليس الألباني للغمز من قناة ابن خصيفة بلا حجة ونسب ذلك إلى الذهبي وهو بريء مما نسبه إليه، إذ صغار طلبة العلم يعرفون أن مجرد إيراد الذهبي للراوي في ميزانه لا يدل على تضعيفه كما زعم الألباني، مع أن الذهبي ذكر شرطه في كتابه فقال في مقدمته([87]): «وفيه من تُكلّم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين وبأقل تجريح فلولا أنّ ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممن له ذكْر بتليين مما في كتب الأئمة المذكورين خوفًا من أن يُتعقَّب عليّ لا أني ذكرته لضعف فيه عندي».اهـ. وقال في ءاخر كتابه «الميزان»([88]): «تم الكتاب… فأصله وموضوعه في الضعفاء، وفيه خَلْق كما قدمنا في الخطبة من الثقات ذكرتهم للذَّبِّ عنهم، ولأن الكلام فيهم غير مؤثر ضَعْفًا».اهـ. فلأي معنى إذًا ذكر الألباني أن الذهبي أورده في «الميزان» الذي حوى الثقات والضعفاء!، ولماذا أخفى عن القراء شرط الذهبي في ميزانه؟ هل خوفًا من أن يفتضح أمام محبيه والمعجبين به؟! وهل من الأمانة العلمية أن ينسب إلى الذهبي خلاف ما نصّ عليه في مقدمته وخاتمة ميزانه؟!

          • قوله: «ففي قول أحمد هذا إشارة إلى أن ابن خصيفة قد ينفرد بما لم يروه الثقات».

          أيُّ ضرر في هذا طالما أن الرجل ثقة احتج به الأئمة كلهم.

          • قوله: «فمثله يرد حديثه إذا خالف من هو أحفظ منه يكون شاذًّا».

          مرّ سابقًا أن الحفاظ ومنهم النووي والبيهقي وابن حجر وغيرهم لم يحكموا على رواية ابن خصيفة بالشذوذ، فالعبرة بحكمهم لا بحكم المتطفلين على الحديث وأهله، ومرّ أيضًا أن ابن خصيفة لم يتفرد بها؛ بل وافقه محمد بن يوسف، ويعضدها عمل الأئمة بها في صلاة التراويح، فانتفى الشذوذ.

          وزيادة على ما تقدم أورد نص الحافظ ابن حجر في مقدمة «فتح الباري»([89]) لبيان أنه لا يحكم على الروايات المخالفة إلا عند تعذر الجمع بينها، ونصّ عبارته: «وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة، فإذا روى الضابط والصدوق شيئًا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددًا بخلاف ما روى بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدّثين فهذا شاذ وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكرًا».اهـ. هذا ما عليه أهل الحديث، أما الألباني فقد لجأ إلى رد الروايات بعللٍ غير قادحة، لأن الرأي عنده أولًا والحديث ثانيًا، فإذا كان رأيه مخالفًا للحديث يرده بحجج أَوْهَى من بيت العنكبوت، وبتمويهات يخدع بها العامة. نسأل الله السلامة.

          • قوله: «إن ابن خصيفة اضطرب في روايته العدد، فقوله في هذه الرواية «إحدى وعشرين» على خلاف الرواية السابقة «عشرين».

          لا اضطراب في رواية ابن خصيفة؛ بل الاضطراب من قبل الألباني لجهله معنى الاضطراب عند أهل الحديث، وكان عليه أن يراجع معنى الاضطراب في كتب المصطلح ليعرف حظه من هذا العلم وبُعده عنه وجهله به.

          ولا بأس بذكر بعض أقوال علماء المصطلح في بيان معنى الاضطراب ليكون القارئ على بينة من أمره.

          قال الحافظ السخاوي في «فتح المغيث»([90]) ممزوجًا بمتن الحافظ زين الدين العراقي: «(مضطرب الحديث ما قد وردا) حال كونه (مختلفًا من) راو (واحد) بأن رواه مرة على وجه وأخرى على ءاخر مخالف له (فأزيدا) بأن يضطرب فيه كذلك راويان فأكثر (في) لفظ (متن أو في) صورة (سند) رواته ثقات، إمّا باختلاف في وصل وإرسال أو في إثبات راو وحذفه أو غير ذلك، وربما يكون في السند والمتن معًا، هذا كله (إن اتضح فيه تساوي الخلف)، أي: الاختلاف في الجهتين أو الجهات، بحيث لم يترجح منه شيء ولم يمكن الجمع». إلى أن قال: «وكذا لا اضطراب إن أمكن الجمع بحيث يمكن أن يكون المتكلم معبرًا باللفظين فأكثر عن معنى واحد ولو لم يترجح شيء».اهـ.

          وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة «فتح الباري»([91]): «فالتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف».اهـ. وقال فيه أيضًا([92]): «إن الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطربًا إلا بشرطين: أحدهما: استواء وجوه الاختلاف، فمتى رُجّحَ أحد الأقوال قُدّم، ولا يُعَلُّ الصحيح بالمرجوح، ثانيهما: مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذٍ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب».اهـ.

          وقال الحافظ ابن دقيق العيد في «الاقتراح»([93]): «الثامن عشر: المضطرب وهو ما روي من وجوه مختلفة… فإن أمكن الجمع بين تلك الوجوه بحيث يمكن أن يكون المتكلم معبّرًا باللفظين الواردين عن معنى واحد فلا إشكال».اهـ.

          هذا الذي يعرفه علماء مصطلح الحديث، ودعوى الاضطراب في رواية يزيد بن خصيفة بورودها تارة بلفظ: «إحدى وعشرين» وتارة بلفظ: «عشرين» لا يقبلها طلاب العلم فضلًا عن علمائهم، وهي دعوى باطلة مردودة ما دام الجمع ممكنًا بما بيّنه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»([94]) بقوله: «والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر».اهـ.

          ومن تناقضات الألباني أنه ذكر قبل ذلك في كتابه «صلاة التراويح»([95]) الاختلاف على محمد بن يوسف في العدد الوارد في قيام رمضان في عهد عمر وهي رواية «الموطأ»، فذكر أن جماعة رووا عن محمد بن يوسف «إحدى عشرة ركعة» إلا راويًا منهم تفرد برواية «ثلاث عشرة ركعة».

          وعند عبد الرزاق «إحدى وعشرين» كما مرّ، ومع ذلك لم يحكم الألباني باضطراب لفظ «إحدى عشرة ركعة» كما يقتضي مذهبه، في حين ضعَّف رواية ابن خصيفة، ففي روايتي ابن خصيفة وابن يوسف الاختلاف في العدد، فلماذا قَبِل الثانية وتأولها على حمل الركعتين الزائدتين على أنهما ركعتا الفجر، وَرَدّ الأولى من غير تأويل؟ أليس هذا تحكُّمًا واتباعًا للهوى! فتبيَّنَ أن مجرد الاختلاف في العدد يوجب الاضطراب والضعف عند الألباني، هذا ما توصل إليه بعد أن مضى عليه عشرات السنين في تحقيق الأحاديث على زعمه، بينما المبتدئ في دراسة علم الحديث دراسة معتبرة يعرف معنى الاضطراب، وأن مثل هذا الاختلاف لا يجعل الحديث ضعيفًا.

          ويقال إن يزيد بن خصيفة وصفه ابن معين بأنه ثقة حجة، فإذا روى روايتين مع اختلاف بينهما في ذكر العدد، فإن مجرد ذلك لا يعتبر ذلك تضعيفًا ولا اضطرابًا عند أهل الحديث؛ بل طريقتهم هي الجمع بين الروايات مهما أمكن، ولا يخفى ذلك على طلاب العلم، وأمثلة ذلك كثيرة جدًّا في كتب السُّنَّة التي زعم المردود عليه أنه من روّادها والمنفردين بجمع الطرق وتحقيقها علميًّا!

          ويقال أيضًا: إن رواية عبد الرزاق السابقة في مصنّفه تدحض زعم الألباني، وتكشف قصور باعه وتهوّره ومجانبته للصواب في كثير من مباحثه التي لا تقوم على الأسس العلمية التي وضعها العلماء من أصول الفقه وضوابطه وعلم الحديث وقواعده وعلم العقيدة وغيرها. ولا بأس بذكرها ثانية فقد قال عبد الرزاق: «عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أُبيّ بن كعب، وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة»، وهذا إسناد صحيح ظاهر ظهور الشمس في رابعة النهار، فالراوي محمد بن يوسف الثقة الثبت وافقت روايته الإحدى والعشرين ركعة راية الثقة الحجة يزيد بن خصيفة، فهل هذا يكون اضطرابًا!

          ويقال له ولأتباعه أيضًا إن رواية إسماعيل بن أمية عن محمد بن يوسف التي صحح سندها الألباني حجة عليه، لأن فيها إثبات إحدى وعشرين ركعة، أي: الزيادة على إحدى عشرة ركعة، والألباني إنما زعم أن الاضطراب حصل بين العدد عشرين والعدد إحدى وعشرين، والرواة جازمون بالعشرين، لكن حصل الشك إن سلّمْنا به بين العدديين المذكورين، فما دَنْدَنَ حوله هذا المخالف للسُّنَّة من الانتصار لقوله بتحريم الزيادة على إحدى عشرة ركعة، ومناقشة أدلة أهل السُّنَّة ورده عليها كمثل التي نقضت غزلها من بعد إبرامه!

          • قوله: «وقوله في هذه «حسبت»، أي: ظننت، دليل على اضطراب ابن خصيفة، في رواية هذا العدد، وأنه كان يرويه على الظن لا على القطع، لأنه لم يكن قد حفظه جيدًا، فهذا وحده كافٍ لإسقاط الاحتجاج بهذا العدد». انتهى كلام الألباني.

          الرَّدُّ:

          يكفي في الرد عليه من كلامه، ففي بعض مؤلفاته([96]) عند كلامه على رواية محمد بن كعب قال: «أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرًا وقد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت: سُنَّة، قال: سُنَّة ثم ركب»، وفي رواية: «فلا أحسبه إلا قال: نعم». قال الألباني: «هذا الذي لم يجزم لم ينف بل إنه أثبت ولكن بدون جزم، فهذه الرواية – يقصد الرواية الثانية – في الحقيقة مؤيدة لرواية الإثبات – يقصد الرواية الأولى – ومقوية لها، فكيف يصح أن تجعل معلة لها؟».اهـ. لقد أسفر الصبح لذي عينين، فرواية إحدى وعشرين لا تنفي رواية عشرين؛ بل تؤيدها، والركعة الزائدة هي ركعة الوتر.

          ثالثًا: قال الألباني لرد رواية عشرين ركعة ما نصه([97]): «محمد بن يوسف هو ابن أخت السائب بن يزيد، فهو لقرابته أعرف بروايته من غيره وأحفظ، فما رواه من العدد أولى مما رواه مخالفة ابن خصيفة».اهـ.

          الرَّدُّ:

          إن يزيد بن خصيفة كذلك من قرابة السائب بن يزيد ففي «تهذيب الكمال»([98]) للمزّي في ترجمة السائب عند ذكر الرواة عنه ما نصّه: «وروى عنه ابن أخته يزيد بن عبد الله بن خصيفة».اهـ. وقال([99]) في ترجمة يزيد بن عبد الله بن خصيفة: «وقد ينسب إلى جده، ومنهم من يقول: ابن خصيفة بن يزيد، ويقول: إن خصيفة بن يزيد والسائب بن يزيد أخوان».اهـ. فكيف خفي ذلك على المحدث الكبير والحافظ الجهبذ بزعم أتباع الألباني، في حين أن الرجل العامي يستطيع أن يعرف ذلك من خلال قراءة ترجمتهما! وقال الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء»([100]): «يزيد بن عبد الله بن خصيفة وخصيفة هو أخو السائب ابني يزيد بن سعيد».اهـ.

          ثم مجرد القرابة لا تكفي لتعليل وَرَدّ رواية ابن خصيفة، فقد يكون غير القريب أحفظ وأتقن، نعم قد يؤخذ ذلك بعين الاعتبار إذا ما روى شيئًا مما يختص به كصلاته وتهجده بالليل ونحو ذلك مما لا يطلع عليه غير ذوي القربى أو من يلازمه بحسب العادة، وأمّا الرواية هذه فليست من هذا القبيل، فابن خصيفة يروي ما سمعه من الصحابي السائب بن يزيد وهي رواية صحيحة كما بيّنّا، فتمسَّك بها ولا تغتر بتمويهات المشوشين.

          رابعًا: بعد أن بيَّنّا بالأدلة الساطعة صحة رواية عشرين ركعة، ودحضنا شبهات المخالفين ذكر الألباني بأسلوبه المعروف والمعتاد التمويه على القارئ أن من العلماء من هو موافق له في دعواه، فنحن نذكرها مع بيان بطلانها باختصار.

          • قال الألباني([101]): «تضعيف الإمام الشافعي والترمذي لعدد العشرين عن عمر، هذا وقد أشار الترمذي في سننه إلى عدم ثبوت عدد العشرين عن عمر وغيره من الصحابة فقال: «رُوي عن علي وعمر وغيرهما من أصحاب النبي »، وكذلك قال الشافعي في العشرين عن عمر، ما نقله صاحبه المزني من مختصره».اهـ.

          الرَّدُّ:

          • بَتَرَ الألباني كلام الحافظين الشافعي والترمذي وتعمّد عدم ذكر كلام الشافعي، وكذلك تعمّد أخذ قطعة من كلام الترمذي وحذف باقيه، لأنه حجة عليه ولا جواب عنده.

          قال المزني في مختصره([102]): «قال – يقصد الشافعي -: فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحبّ إليّ منه، ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين وأحبّ إلي عشرون، لأنه روي عن عمر، وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاث».اهـ.

          وأمّا عبارة الترمذي في سننه فهي([103]): «واختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة والعمل على هذا عندهم بالمدينة، وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبيّ عشرين ركعة، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي، وقال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة، وقال أحمد: روي في هذا ألوان ولم يُقض فيه بشيء، وقال إسحاق: بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ما رُوي عن أُبيّ بن كعب». انتهى بحروفه.

          انظروا وتأملوا أيها القرَّاءُ، هل كل هؤلاء الأئمة على الخطأ والضلال والإثم عند الألباني، لا يعرفون دينهم حتى طلع علينا من أحضان الفرقة الحرّانية المجسمة المبتدعة أتباع ابن تيمية منْ يريدون أن يعلّموا أهل السُّنَّة دينهم وأحكام شريعتهم؟! علماءُ مكة والمدينة وأهلهما منذ الصدر الأول من عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى يومنا هذا يصلون أكثر من إحدى عشرة ركعة، ألا يكفي هذا حجة للمنصف ومن معه مُسْكة من العقل، بلى والله، إنها حجة وأيّ حجة، حذار حذار أيها المسلمون، انظروا عمن تأخذون دينكم، هل يُترك قول هؤلاء الجهابذة الحفاظ أئمة الحديث كالترمذي والشافعي وابن المبارك والثوري وإسحاق بن راهويه شيخ البخاري والإمام أحمد، ويؤخذ بقول الألباني النكرة في الحديث وعلومه والفقه وأصوله والعقيدة وحججها وغيرها من العلوم؟ ربنا احشرنا مع أئمتنا تحت لواء نبيك محمد عليه الصلاة والسلام، ولا تجعلنا من الضالين المضلّين الذين يتبعون أهواءهم، إنك على ما نسألك قدير.

          • لو سلّمنا على سبيل الفَرْض أن الشافعي والترمذي يضعفان رواية العشرين عن عمر، لكنهما لا يقولان بشذوذها أيضًا، فالشافعي رضي الله عنه ثبت عنه كما تقدّم وكما ذكر الترمذي هنا أنه يقول بصلاة عشرين ركعة، وأما الترمذي فبعد أن حكى الاختلاف في عدد القيام لم يتعقبهم فهو موافق لهم في الجملة من حيث الزيادة على إحدى عشرة ركعة، ويؤيد ذلك الوجه التالي.
          • إن الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول يرتفع إلى درجة الصحة كما في مصطلح الحديث، قال الحافظ السيوطي في «تدريب الراوي»([104]): «قال بعضهم: يحكم للحديث بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول وإن لم يكن له إسناد صحيح». قال ابن عبد البر في «الاستذكار»([105]) لـمّا حكى عن الترمذي أن البخاري صحَّح حديث البحر «هو الطهورُ ماؤُه»: «وأهل الحديث لا يصححون مثل إسناده، لكن الحديث عندي [صحيح]، لأن العلماء تلقَّوه بالقبول»، وقال في «التمهيد»([106]): «روى جابر عن النبي : «الدينارُ أربعةٌ وعشرونَ قيراطًا»، قال: [وهذا الحديث وإن لم يصح إسناده] ([107]) ففي قول جماعة العلماء وإجماع الناس على معناه غنًى عن الإسناد فيه». انتهى كلام السيوطي.

          وقال الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه «الفقيه والمتفقه»([108]) ما نصّه: «إن أهل العلم قد تقبّلوه([109]) واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم، كما وقفنا على صحة قول رسول الله : «لا وصيةَ لوارثٍ»([110])، وقوله([111]) في البحر: «هو الطهورُ ماؤُه الحِلُّ ميتتُه»، وقوله([112]): «إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعةُ قائمةٌ تحالفا وترادَّا البيعَ»، وقوله([113]): «الديةُ على العاقلةِ»؛ وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعًا غنوا عن طلب الإسناد له».اهـ.

          وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح ما نصّه([114]): «من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا – يقصد زين الدين العراقي – أن يتّفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فإنه يقبل حتى يجب العمل ه، وقد صرَّح بذلك جماعة من أئمة الأصول، ومن أمثلته قول الشافعي رضي الله عنه: وما قلت من أنه إذا غيّر طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبيّ من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، ولكنه قول العامة، لا أعلم بينهم فيه خلافًا، وقال([115]) في حديث: «لا وصيةَ لوارثٍ»: لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخًا لآية الوصية للوارث».اهـ.

          ولا شك أن القيام في التراويح بعشرين ركعة متلقًّى بالقبول عند السلف والخلف، فلو لم يكن إلا هذا التلقي بالقبول لحديث يزيد بن خصيفة لكان كافيًا في تصحيحه، فكيف إذا اجتمع مع هذا التلقي صحة السند كما تقدّم.

          • نسب الألباني إلى الشافعي والترمذي تضعيف حديث عمر لتعبيرهما بصيغة «روي»، وهي صيغة التضعيف، كما هو معروف عند أهل الحديث.

          الرَّدُّ:

          لم يرد الشافعي والترمذي بذلك تضعيف الحديث، لوجود قرينة تدل على ذلك، وهي قول الشافعي في عبارته: «وأحبّ إليّ عشرون لأنه روي عن عمر»، وفي عبارة الترمذي قوله: «وأكثر أهل العلم على ما رُوي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبيّ عشرين ركعة، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي»، فقولهما قاطع بعدم التضعيف، على أن الأئمة قد يستعملونها لغرض ءاخر غير التضعيف، قال الحافظ العراقي في نكته على ابن الصلاح ما نصه([116]): «والبخاري رحمه الله حيث علّق ما هو صحيح إنما يأتي به بصيغة الجزم، وقد يأتي به بغير صيغة الجزم لغرض ءاخر غير الضعف، وهو إذا اختصر الحديث وأتى به بالمعنى عبَّر بصيغة التمريض».اهـ. هذا وقد أشار ابن الصلاح في مقدمته([117]) هذه الصيغة تستعمل للصحيح والضعيف، وقد يستعملونها رَوْمًا للاختصار. فاندفع بذلك ما تمسك به الألباني، لا سيما وأنه لا يتم له مراده إلا إذا أثبت انهما أي الشافعي والترمذي قصدا التضعيف بقولهما «روي»، ودون ذلك خرط القتاد.

          ومما يؤيد ما سبق وينسف قول هذا المدّعي الألباني أن الترمذي قال: «وقال أحمد: روي في هذا ألوان ولم يقض فيه بشيء».اهـ. وقد حذفه الألباني من كلام الترمذي كما تقدم بيانه لأنه حجة عليه، فالإمام أحمد قال: «روي»، وهذه من صيغ التضعيف، فهل يقول الألباني بأن أحمد بن حنبل ضعّف رواية إحدى عشرة ركعة؛ لأن كلامه شملها في معرض ذكر ما ورد في قيام رمضان أم ماذا يفعل؟!

          وكذلك أخفى الألباني عن القراء ما قاله الإمام الشافعي بعد عدة أسطر مما أورده عنه المزني في مختصره([118]) حين سأل الشافعي عن الوتر فقال: «قلت للشافعي: أيجوز أن يوتر واحدة ليس قبلها شيء؟ قال: نعم، والذي أختار ما فعل رسول الله كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، والحجة في الوتر بواحدة السُّنَّة والآثار، روى عن رسول الله أنه قال: «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلى ركعةً توترُ له ما قد صلى».اهـ. وهذا اللفظ بعينه في الصحيحين([119]) إلا أن عندهما «صلى ركعةً واحدةً توترُ» بزيادة «واحدةً»، وكذلك قال الشافعي قبل عدة أسطر ما نصه([120]): «وروي عن ابن عمر أن رسول الله قال: «صلاةُ الليلِ مثنى مثنى».اهـ. فانكشف تلبيس الألباني وتدليسه.

          خامسًا: افتراء الألباني على العلماء واحتجاجه بالضعيف زاعمًا أنهم موافقون له فقال([121]): «ذكر من أنكر الزيادة من العلماء» ثم قال([122]): «لم نستجز القول بالزيادة، وسلفنا في ذلك أئمة فحول، في مقدمتهم الإمام مالك في أحد القولين عنه، فقال السيوطي في «المصابيح في صلاة التراويح»: «وقال الجوري([123]): من أصحابنا عن مالك أنه قال: الذي جمع عليه الناس عمر بن الخطاب أحب إليّ وهو إحدى عشرة ركعة» ثم قال: «ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير؟!»، وقال الإمام ابن العربي في «شرح الترمذي»([124]): والصحيح أن يصلي إحدى عشرة ركعة صلاة النبي  وقيامه، فأما غير ذلك من الأعداد فلا اصل له ولا حد فيه، فإذا لم يكن بد من الحد فما كان النبي  يصلي، ما زاد النبي  في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، وهذه الصلاة هي قيام الليل، فوجب أن يقتدى فيها بالنبي ».اهـ.


           

          الرَّدُّ:

          • إن هذا النقل في غاية الانقطاع، فإنَّ مالكًا توفي سنة تسع وسبعين ومائة من الهجرة، واقرب الثلاثة الذين ذكرهم الألباني توفي في القرن الرابع للهجرة أي بعد الثلاثمائة من الهجرة فعجبًا للألباني كيف ينتقد على غيره الاحتجاج بالضعيف ثم يخالف ذلك فيحتج بالضعيف!
          • إن الذي ثبت عن مالك في قيام رمضان قوله: «تسع وثلاثون ركعة بالوتر».اهـ. كما تقدّم، فلماذا يتمسك الألباني بالضعيف ويترك الثابت، لا سيما وأن مذهب المالكية مذهب إمامهم، ومن شاء فليطالع كتبهم فإن فيها ما ذكرنا.
          • وأما قول ابن العربي المالكي فليس نصًّا صريحًا في تحريم الزيادة على إحدى عشرة ركعة، وهذا الذي يُظنُّ به، لا سيما وأن مذهب إمامه وهو الإمام مالك وسائر المالكية على الجواز، ويحمل قوله: «فلا أصل له ولا حدّ فيه»، أي: عن النبيّ أي لم يقل النبي لأمّته صلوا كذا وكذا من العدد في قيام رمضان لا إحدى عشرة ركعة ولا أكثر من ذلك ولا اقل، لم يحدد لهم بقول منه، ويؤيد ذلك قوله: «فإن لم يكن بد من الحد فما كان النبي يصلي»، فلو كان عنده أي ابن العربي نص من قول النبي لَـمَا قال: «فإذا لم يكن بد من الحد» ولا قال في أول كلامه: «وليس في قدر ركعتها حد محدود، أما صلاة النبيّ  فلم يكن لها حدّ» على أن عبارته الأخيرة هذه تعارض قوله: «والصحيح أن يصلي إحدى عشرة ركعة صلاة النبي وقيامه فأما غير ذلك من الأعداد فلا أصل له ولا حد، فإذا لم يكن بد من الحد فما كان النبي يصلي ما زاد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة»، فكيف يقول صلاة النبيّ لم يكن فيها حد ثم يقول حدّها إحدى عشرة ركعة؟ ويعارض قوله أيضًا في كتابه «القبس في شرح موطأ الإمام مالك بن أنس» ونصه([125]): «فغاية الفرائض سبع عشرة ركعة وإلى هذا العدد انتهى النبي بالنوافل في صلاة الليل مثنى مثنى».اهـ. وهذا بيت القصيد فجوَّز هنا صلاة سبع عشرة ركعة فبطل ادعاء الألباني!

          وأخيرًا أنقل كلام ابن تيمية المجسم، وهو عمدة الألباني والوهابية وإليه مرجعهم وعليه يعوّلون في أمور دينهم، فقد قال في كتابه «مجموع الفتاوى»([126]) كلامًا متناقضًا مع كلام الألباني، ما نصّه: «إن نفس قيام رمضان لم يوقّت النبيّ فيه عددًا معينًا؛ بل كان هو لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أُبيّ بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات، لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وءاخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، هذا كله سائغ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن. والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبيّ يصلي لنفسه في رمضان غيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، هو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك، وقد نصّ على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره. ومن ظنّ أنّ قيام رمضان فيه عدد موقّت عن النبي لا يزاد فيه ولا ينقص فقد أخطأ».اهـ.

          وقال ابن تيمية في موضع ءاخر ما نصّه([127]): «والصواب أن ذلك جميعه حسن كما قد نصّ على ذلك الإمام أحمد رضي الله عنه، وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبيّ لم يوقّت فيها عددًا».اهـ.

          فانظر أخي المنصف كيف خالف الألباني بهذا ابن تيمية والذي يسميه شيخ الإسلام! وقد ظهر بما نقلته عن العلماء جواز قيام رمضان بأكثر من إحدى عشرة ركعة، وأن الألباني شذ عن السلف والخلف، فتمسك أيها المسلم بما عليه الجماعة تكن من الفائزين بإذن الله ربّ العالمين.


          [1]() الألباني، فتاوى الألباني (ص315).

          [2]() الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص22 و106).

          [3]() الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص80).

          [4]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوتر، باب: ما جاء في الوتر (1/337).

          [5]() عبد الله الهرري، التحذير الشرعي الواجب، (1/48، 50). بتصرف.

          [6]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان (2/708).

          [7]() رواه ابن المنذر في الأوسط (5/184)، الحاكم في المستدرك (1/304). وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».اهـ. ووافقه الذهبي بتعليقه في تلخيصه. ورواه البيهقي في السنن الكبرى (3/31، 32).

          [8]() ابن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/14).

          [9]() سبق تخريجه.

          [10]() مسند أحمد (1/145).

          [11]() ابن حجر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2/321).

          [12]() سبق تخريجه.

          [13]() أبو زرعة العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب (3/98).

          [14]() سنن البيهقي (2/496).

          [15]() السيوطي، ألفية الحديث (ص24، 182، 183).

          [16]() رده الزرقاني في شرح الموطأ (1/239) بقوله: «ليس كما قال، فقد رواه سعيد بن منصور من وجه ءاخر عن محمد بن يوسف فقال: إحدى عشرة ما قال مالك».اهـ.

          [17]() تقدم تخريجه.

          [18])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان (3/1308).

          [19])) ابن حجر العسقلاني، النكت على ابن الصلاح (1/268)، والسيوطي، تدريب الراوي (ص20، 21).

          [20])) ابن حبّان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (4/135).

          [21])) ابن حبّان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (4/135).

          [22])) ابن حبّان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (4/136، 137).

          [23])) النفخ: إرسال الهواء من مبعثه بقوة (المناوي، فيض القدير 5/162).

          [24])) ابن حبّان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (4/138).

          [25])) ابن حبّان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (4/138).

          [26])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المسافرين: باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي  في الليل (2/166)، وابن المنذر في الأوسط (5/157)، وابن خزيمة في صحيحه (2/191).

          [27])) أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب تقصير الصلاة، باب: كيف كان صلاة النبي  وكم كان النبي  يصلي من الليل (1/382).

          [28])) ابن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير (2/14، 15).

          [29])) مسند أحمد (6/322).

          [30])) أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الوتر، باب: الوتر بسبع (2/319)، قال الترمذي: «حديث حسن».اهـ.

          [31])) أخرجه النسائي في سننه، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر الاختلاف على الزهري في حديث أبي أيوب في الوتر (3/265).

          [32])) الحاكم، المستدرك على الصحيحين (1/306) وصححه وأقره الذهبي بتعليقه في تلخيصه.

          [33])) الحاكم، المستدرك على الصحيحين (1/304) وسكت عليه وكذا الذهبي بتعليقه في تلخيصه.

          [34])) ابن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير (2/15).

          [35])) تقدم تخريجه.

          [36])) الألباني، مصطلح الحديث (انظر: أحمد أيوب، الكتاب المسمّى منتهى الأماني بفوائد مصطلح الحديث للمحدث الألباني (ص71 وما بعدها).

          [37])) عبد المنعم مصطفى حليمة، الكتاب المسمّى الانتصار لأهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت (ص14).

          [38])) الألباني، فتاوى الألباني (ص315، 316).

          [39])) أخرجه النسائي في سننه، كتاب صلاة العيدين، باب: كيف الخطبة (3/209).

          [40])) الإحسان بترتيب ابن حبّان (1/287)، وابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/479).

          [41])) تقدم تخريجه عند البخاري، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من ءاخر الليل (2/17).

          [42])) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه (8/72).

          [43])) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب: في الاستغفار (1/559).

          [44])) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة (4/209).

          [45])) أخرجه البيهقي في سننه (2/496) من طريق علي بن الجعد (مسند ابن الجعد، ص413، 414) عن شيخه ابن أبي ذئب به، والفريابي في كتاب الصيام (ص131).

          [46])) قال الزرقاني في شرحه على الموطأ (1/239): «أي: السور التي تلي السبع الطوال أو التي أوّلها ما يلي الكهف لزيادة كل منها على مائة ءاية أو التي فيها القصص وقيل غير ذلك».اهـ.

          [47])) في مسند ابن الجعد: في عهد عمر.

          [48])) النووي، المجموع شرح المهذب (4/32).

          [49])) أبو زرعة العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب (3/97).

          [50])) الزيلعي، نصب الراية لأحاديث الهداية (2/154).

          [51])) السيوطي، المصابيح في صلاة التراويح (1/539، من الحاوي للفتاوى له).

          [52])) التهانوي، إعلاء السنن (7/85).

          [53])) ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمـٰن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب (ص575): «ثقة فقيه فاضل».اهـ. وابن خُصَيفة هو يزيد بن عبد الله بن خُصَيفة المدني قال فيه الحافظ في التقريب (ص698) «ثقة».اهـ. والسائب بن يزيد وصفه الحافظ في التقريب (ص٢٧٢) بأنه: «صحابي».اهـ.

          [54])) مصنّف عبد الرزاق (4/260، 261).

          [55])) داود بن قيس الفراء روى عنه عبد الرزاق قال الحافظ في التقريب (ص240): «ثقة فاضل».اهـ. ومحمد بن يوسف هو ابن عبد الله الكندي المدني قال الحافظ في القريب (ص599): «ثقة ثبت».اهـ. والسائب بن يزيد صحابي كما مرّ.

          [56])) البيهقي، معرفة السنن والآثار (2/305).

          [57])) أبو طاهر الفقيه شيخ البيهقي هو محمد بن محمد بن مَـحْمِش النيسابوري الفقيه العلامة شيخ خراسان إمام أصحاب الحديث ومسندهم ومفتيهم (الذهبي، سير أعلام النبلاء، 17/276)، وأبو عثمان البصري هو عمرو بن عبد الله الإمام القدوة الزاهد، أثنى عليه الذهبي والحاكم (الذهبي، سير أعلام النبلاء، 15/364)، وخالد بن مَخْلد القَطَواني من رجال الكتب الستة ما عدا أبا داود، قال الحافظ ابن = حجر في التقريب (ص229): «صدوق يتشيع وله أفراد».اهـ. ومحمد بن جعفر هو ابن كثير، قال الحافظ في التقريب (ص550): «ثقة».اهـ.

          [58])) البيهقي، معرفة السنن والآثار (2/305).

          [59])) المزني، مختصر المزني (1/107).

          [60])) ابن قدامة الحنبلي، المغني (1/798، 799).

          [61])) مالك، المدونة (1/193).

          [62])) محمد العتبي، العُتْبيّة (مطبوعة مع شرحها البيان والتحصيل) (2/309).

          [63])) محمد بن رشد، البيان والتحصيل (2/309، 310).

          [64])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان (1/22).

          [65])) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (1/239).

          [66])) السرخسي، المبسوط (2/144)، ابن عابدين، رد المحتار (2/45).

          [67])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص45).

          [68])) مالك، الموطأ، كتاب الصلاة في رمضان، باب: ما جاء في قيام رمضان (ص106).

          [69])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص48، 49).

          [70])) النووي، التقريب مع شرحه التدريب (ص365).

          [71])) النووي، التقريب مع شرح التدريب (ص366).

          [72])) ابن حجر العسقلاني، نزهة النظر في توضحي نخبة الفكر (ص76، 77).

          [73])) ابن حجر العسقلاني، نزهة النظر (ص79).

          [74])) السخاوي، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (ص337).

          [75])) البيهقي، السنن الكبرى (2/496).

          [76])) النووي، المجموع شرح المهذب (4/33).

          [77])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (4/253).

          [78])) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص599).

          [79])) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص698).

          [80])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص48).

          [81])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص47).

          [82])) ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص419).

          [83])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح 0ص49، 50).

          [84])) قال الألباني (ص50) في هامش الكتاب المسمّى صلاة التراويح: «ومن الملوم أنه إنما يذكر فيه من تكلم فيه من الرواة».اهـ.

          [85])) المزي، تهذيب الكمال (32/173).

          [86])) ابن حجر العسقلاني، هدي الساري (ص453).

          [87])) الذهبي، ميزان الاعتدال (1/2).

          [88])) الذهبي، ميزان الاعتدال (4/616).

          [89])) ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص384، 385).

          [90])) السخاوي، فتح المغيث (1/274، 275).

          [91])) ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص347).

          [92])) ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص348، 349).

          [93])) ابن دقيق العيد، الاقتراح في بيان الاصطلاح (ص219، 220).

          [94])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (4/253).

          [95])) الألباني، الكتاب المسمى صلاة التراويح (ص45، 46).

          [96])) الألباني، الكتاب المسمّى تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر (ص20).

          [97])) الألباني، الكتاب المسمى صلاة التراويح (ص51).

          [98])) المزي، تهذيب الكمال (10/195).

          [99])) المزي، تهذيب الكمال (32/172).

          [100])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (6/157).

          [101])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص55).

          [102])) المزني، مختصر المزني (1/107).

          [103])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الصوم، باب: ما جاء في قيام شهر رمضان (3/169).

          [104])) السيوطي، تدريب الراوي (ص34)..

          [105])) لم أعثر عليه في الاستذكار، وإنما وجدته في التمهيد (6/361) بتصرف.

          [106])) ابن عبد البر، التمهيد (8/228) بتصرف.

          [107])) زيادة من التمهيد، وليست في التدريب.

          [108])) الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه (1/189، 190).

          [109])) أي: حديث معاذ  أنّ رسول الله  قال له حين بعثه إلى اليمن: «كيف تقضي إنْ عَرَضَ لك قضاءٌ؟» الحديث. مسند أحمد (8/489).

          [110])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب: ما جاء لا وصية لوارث (3/1008).

          [111])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور (1/100)، قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».اهـ.

          [112])) المباركفوري، تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي (9/98).

          [113])) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الديات، باب: الدية على العاقلة (2/879).

          [114])) ابن حجر العسقلاني، النكت على كتاب ابن الصلاح (1/494، 495).

          [115])) الشافعي، الرسالة (ص139 – 142).

          [116])) زين الدين العراقي، التقييد والإيضاح (ص39).

          [117])) علوم الحديث مع نكته للعراقي (ص39).

          [118])) المزني، مختصر المزني (1/107، 108).

          [119])) تقدم تخريجه عند البخاري ومسلم.

          [120])) المزني، مختصر المزني (1/21).

          [121])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص78).

          [122])) الألباني، الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص79).

          [123])) ذكر الألباني في الهامش ثلاثة ينسبون إلى الجوري، وهم: عمر بن أحمد الجوري عن أبي حامد بن الشرقي (ت325هـ)، وعمر بن أحمد ابن محمد الجوري (ت469هـ) عن أبي الحسن الخفاف، وأخوه وجيه بن أحمد بن محمد الجوري أبو منصور، ثم قال الألباني في الكتاب المسمّى صلاة التراويح (ص79): «ولا أدري أي هؤلاء الثلاثة أراد السيوطي رحمه الله».اهـ.

          [124])) أبو بكر بن العربي، شرح الترمذي المسمّى عارضة الأحوذي (2/239، 240).

          [125])) أبو بكر بن العربي، القبس في شرح موطأ الإمام مالك بن أنس (1/294).

          [126])) ابن تيمية، مجموع الفتاوى (22/272).

          [127])) ابن تيمية، مجموع الفتاوى (23/113).