الخميس أبريل 25, 2024

(أَعْظَمُ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ)

 

   (اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ) أَىْ أَعْظَمَ الْفَرَائِضِ الَّتِى أَمَرَ اللَّهُ بِهَا (هُوَ تَوْحِيدُهُ تَعَالَى وَأَنْ لا يُشْرَكَ بِهِ شَىْءٌ لِأَنَّ الإِشْرَاكَ بِاللَّهِ هُوَ أَكْبَرُ ذَنْبٍ يَقْتَرِفُهُ الْعَبْدُ وَهُوَ الذَّنْبُ الَّذِى لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ) لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمـَنْ يَشَاءُ قَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ النِّسَاءِ (﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾) أَىْ لِمَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ (﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾) أَىْ لِمَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَيْضًا (وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لا يَغْفِرُهَا اللَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ مُحَمَّدٍ (﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾) فَالشَّرْطُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِى الآيَةِ لِامْتِنَاعِ الْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ هُوَ وَفَاتُهُ عَلَى الْكُفْرِ فَإِنَّهَا نَصَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ كَافِرًا لا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْكُفْرُ شِرْكًا أَمْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَافِرُ مِمَّنْ يَمْنَعُ غَيْرَهُ عَنِ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ أَمْ لمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إِذَا مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ مَحْرُومٌ مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ. وَالشِّرْكُ هُوَ عِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ شِرْكٍ كُفْرٌ وَلَيْسَ كُلُّ كُفْرٍ شِرْكًا.

   (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) أَىْ بِشَارَتُهُ الَّتِى بَشَّرَتْهَا بِهَا الْمَلائِكَةُ[1] بِأَمْرِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُنْفَخَ فِيهَا رُوحُ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (وَرُوْحٌ مِنْهُ) أَىْ رُوحٌ مُشَرَّفٌ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ صَادِرٌ مِنْهُ خَلْقًا وَتَكْوِينًا[2] (وَالْجَنَّةَ حَقٌّ) أَىْ دَارُ نَعِيمٍ مَوْجُودَةٌ الآنَ وَبَاقِيَةٌ إِلَى مَا لا نِهَايَةَ لَهُ (وَالنَّارَ حَقٌّ) أَىْ دَارُ عِقَابٍ مَوْجُودَةٌ الآنَ وَبَاقِيَةٌ إِلَى مَا لا نِهَايَةَ لَهُ (أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ) اﻫ أَىْ وَفَّقَهُ اللَّهُ إِذَا دَاوَمَ عَلَى قَوْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِتَمَامِهَا كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِحَيْثُ يَحْسُنُ حَالُهُ وَخِتَامُهُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ وَالْحَدِيثُ (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ) وَقِيلَ فِى مَعْنَاهُ إِنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ التَّوْبَةِ (وَفِى حَدِيثٍ ءَاخَرَ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ) أَىْ حَرَّمَ أَنْ يَبْقَى فِيهَا إِلَى الأَبَدِ (مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَىْ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ) اﻫ أَىِ الْقُرْبَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ لا نِفَاقًا وَمُرَاءَاةَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ وَالْحَدِيثُ (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ).

   (وَيَجِبُ قَرْنُ الإِيمَانِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ ضَرُورِىٌّ لِصِحَّةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ (وَذَلِكَ) أَىِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ اعْتِقَادِ مَعْنَاهُمَا (أَقَلُّ شَىْءٍ يَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْخُلُودِ الأَبَدِىِّ فِى النَّارِ) كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَعْرَافِ ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. وَإِنَّما اكْتُفِىَ فِى الْحَدِيثِ بِذِكْرِ الشَّهَادَةِ الأُولَى لِأَنَّ ذِكْرَهَا فِى هَذَا الْمَقَامِ مَلْحُوظٌ فِيهِ فِى عُرْفِ الشَّرْعِ الشَّهَادَةُ الثَّانِيَةُ.

(2) وَهِىَ الْمَذْكُورَةُ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ

   ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾.

(3) وَهَذَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْجَاثِيَةِ ﴿وَسَخَرَّ لَكُمْ مَّا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾ أَىْ بِخَلْقِهِ وَتَكْوِينِهِ.