الأحد ديسمبر 7, 2025

أحوال الصحابة بعد علمهم بوفاة النبي ﷺ

روي عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: بلغ من وجد رجال من الـمسلمين على رسول الله ﷺ حتى صاروا إلى أطوار من الوجد، فأما عمر رضي الله عنه فإنه كذب بموته فقال: أيها الناس كفوا ألسنتكم عن نبي الله ﷺ، فإن النبي ﷺ لم يمت، ولكن ربه عز وجل واعده كما واعد موسى وهو ءاتيكم، والله لا أسمع أحدا يذكر أن النبي ﷺ توفي إلا علوته بسيفي هذان وأما عثمان رضي الله عنه فإنه بهت فلم ينطق كلاما، وأما علي رضي الله عنه فإنه أقعد، ولم يكن أحد من الـمسلمين في مثل حال أبي بكر والعباس رضي الله عنهما فإن الله عز وجل دلهما على التوفيق والسداد وإن كان الناس لم ينتبهوا إلا لقول أبي بكر، فإنه قد جاء العباس قبله فتكلم بنحو من كلامه، فما انتهى له أحد ممن ابتلي حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه فانتهى الناس كلهم إلى قوله وتفرقوا عن كلامه.

وأخرج البيهقي عن عروة قال: وقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس ويوعد من قال قد مات بالقتل والقطع ويقول: إن رسول الله ﷺ في غشية لو قد قام قتل وقطع، وعمرو بن قيس بن زائدة قائم في مؤخرة الـمسجد يقرأ: {وما محمد إلا رسول} إلى {الشاكرين} والناس في الـمسجد قد ملأوه يبكون ويموجون لا يسمعون، فخرج العباس على الناس فقال: يا أيها الناس، هل عند أحد منكم من عهد رسول الله في وفاته فليحدثنا، قالوا: لا، قال: هل عندك يا عمر من علم؟ قال: لا، قال العباس: أشهد أيها الناس أن أحدا لا يشهد على النبي ﷺ بعهد عهده إليه في وفاته، والله الذي لا إلٰه إلا هو لقد ذاق رسول الله ﷺ الـموت.

وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته حتى نزل بباب الـمسجد ثم أقبل مكروبا حزينا، فاستأذن في بيت ابنته عائشة رضي لله عنها فأذنت له رضي الله عنه فدخل ورسول الله ﷺ قد توفي على الفراش والنسوة حوله، فخمرن وجوههن واستترن إلا ما كان من عائشة رضي الله عنها، فكشف أبو بكر عن رسول الله ﷺ فحنى عليه يقبله ويقول: ليس ما يقول ابن الخطاب بشيء، توفي رسول الله ﷺ، والذي نفسي بيده، ما أطيبك يا رسول الله حيا وأطيبك ميتا، ثم غشاه بالثوب ثم خرج سريعا إلى الـمسجد حتى أتى الـمنبر فجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه، فقام أبو بكر إلى جانب الـمنبر ثم نادى الناس فجلسوا، فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد وقال: إن الله تعالى نعى نبيكم ﷺ إلى نفسه وهو حي بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، وهو الـموت حتى لا يبقى أحد إلا الله تعالى، قال الله تبارك وتعالى: {وما محمد إلا رسول} إلى قوله: {الشاكرين}، فقال عمر: هذه الآية في القرءان؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم.

ثم عقر عمر رضي الله عنه حتى ما تقله رجلاه وأهوى إلى الأرض، وعرف حين سمع ذلك أن رسول الله ﷺ قد مات.

ثم قال أبو بكر: قال الله عز وجل لمحمد ﷺ: {إنك ميت وإنهم ميتون}، قال الله تبارك وتعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} [القصص: 88]، وقال: {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 26، 27]. وقال: {كل نفس ذآئقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة} {آل عمران: 185]، إن الله تبارك وتعالى عمر محمدا ﷺ وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله وجاهد في سبيل الله، ثم توفاه الله على ذلك، أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

اتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم وإن كلمة الله تامة وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وإن كتاب الله عز وجل بين أظهرنا وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمدا ﷺ، وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله ﷺ، فلا يبغين أحد إلا على نفسه.

ولما مات رسول الله ﷺ جعلت فاطمة رض الله عنها تقول: «يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه».