الأربعاء أبريل 24, 2024

أفضلُ الأيامِ من شهرِ الله المحرَّم

وأفضلُ شهرِ اللهِ المحرَّم عشرُه الأُولُ، وقد ذهبَ يمانُ بنُ رئابٍ إلى أنها العَشرُ التي أقسمَ الله بها في كِتابهِ بقوله {ولَيَالٍ عَشْرٍ}، والجُمهورُ على أنّ الصحيحَ أنها عشرُ ذي الحِجّة.

وقال أبو عثمان النَّهديُّ: كانوا يُعظِّمُونَ ثلاثَ عشراتٍ، العشرَ الأخيرَ من رمضانَ، والعشرَ الأُول من ذي الحجة، والعشر الأُول من المُحرَّم.

وأخرجَ ابن أبي الدُّنيا عن أبي عُثمانَ عن أبي ذرٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه “كانَ يُعظِّمُ هذهِ العشراتِ الثلاثَ” قال: وليس ذلك بمحفوظٍ.

وقد قيل: إنها العشرُ التي أتمَّ اللهُ بها ميقاتَ موسى صلى الله عليه وسلم أربعينَ ليلةً وإنّ سماعُ موسى كلامَ الله الذاتيَّ الأزليَّ وقعَ في عاشِرِها.

اللهُ تعالى مُتكلِّمٌ بكلامٍ أزليِّ أبديّ ليسَ حرفًا ولا صوتًا، ولا هو كلامٌ متتابعٌ ولا متقطع، ولا مُبتدأٌ ولا مُختَتمٌ، بل هو كلامٌ لا ككلامِ المخلوقين، وقد أسمعَ اللهُ سبحانه كلامَهُ موسى عليه الصلاة والسلام وذلك بأنْ أزالَ بفَضلِهِ المانِعَ عن موسى عليه السلام ومكَّنَهُ من سماعِ كلامهِ القديم، ثمَّ حجبَ موسى عن سماعِ كلامه تعالى فعادَ موسى إلى حالهِ الأول، وهذا التغيُّر هو في حال موسى ولا يطرأُ على الله تغيرٌ ولا آفةٌ في ذاتِهِ ولا في صفةٍ من صفاتهِ، وكلامهُ عز وجل غيرُ مُقترنٍ بزمانٍ.

ونظيرُ ذلك المؤمنونَ في الجنة، فالأولياءُ منهُم يَرونَ اللهَ تعالى كل يومٍ مرةً أولَ النهارِ ومرةً ءاخرَ النهار، فالتغيُّرُ والزمانُ في حقِّ المخلوقِ لا في حقّ الله عز وجل، فإنَّ المؤمنينَ كافّة يرون الله تعالى وهُم في الجنة، يرونَ خالِقَهُم الموجودَ بلا جهةٍ ولا مُقابلةٍ، ولا فوقٍ ولا تحتٍ، ولا أمامٍ ولا خلفٍ، لا يمينٍ ولا يسارٍ، إنَّما يرَونَهُ كما عرَفُوهُ ليسَ كمثلهِ شيءٌ بلا جهةٍ ولا حيّزٍ، لا يُشبهُ أحدًا من خلقِهِ، فالمؤمنونَ يكونونَ في الجنةِ، الله تعالى ليس حالًّا في الجنةِ ولا في جهةٍ من الجهاتِ ولا مكانٍ من الأمكنةِ، موجودٌ لا كالموجوداتِ سُبحانه.

ومعنى الميقات في قضيةِ موسى صلى الله عليه وسلم الموضِعُ الذي أُمِرَ موسى بالذهابِ إليه في الوقتِ المُحدَّدِ لا على معنى أن اللهَ في مكانٍ، حاشا لله، فموسى عليه السلام كان في جبلِ الطُّورِ في الأرض، والله تعالى ليس حالًّا في الجبل ولا في الأرضِ ولا في غيرهما من الأماكن، كما أنَّ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم كان ليلةَ المعراج في السماءِ وسمِعَ كلامَ اللهِ الذاتيَّ الذي لا يُشبهُ كلامَ المخلوقينَ وفَهِمَ منه ما فهِمَ من أوامرِ الله، ولم يكُنِ اللهُ حالًّا في السماءِ ولا في غيرها من الأماكن، بل النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو الذي كانَ في السماءِ.

ورُويَ عن وهبِ بنِ مُنبِّه قال: “أوحَى اللهُ تعالى إلى موسى عليه السلامُ أنْ مُرْ قومَكَ أن يتُوبُوا إليَّ في أولِ عشرِ المُحرَّمِ، فإذا كانَ يومُ العاشرِ فلْيَخرُجوا إليَّ (1) أغْفِرْ لهُم”.

وعن قَتادَةَ أنَّ الفجرَ الذي أقسمَ الله به في أولِ سورةِ الفجرِ هو فجرُ أولِ يومٍ من المُحرَّمِ تنفجِرُ منهُ السنةُ.

ولمّا كانت الأشهُرُ الحرُمُ أفضلَ الأشهرِ بعدَ رمضانَ أو مُطلقًا، وكان صيامُها كُلِّها مندوبًا إليه كما أمرَ به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بعضُها خِتامَ السنةِ الهِلاليةِ وبعضُها مِفتاحًا لها، فمَن صامَ شهرَ ذي الحِجةِ سِوى الأيامِ المُحرَّمِ صيامُها منه وصامَ المُحرَّمَ فقد ختمَ السنةَ بالطاعةِ، وافتَتَحها بالطاعةِ.