الأحد ديسمبر 7, 2025

أحكام المُرتَدّ

  • قال الشَّيخُ: في بعض المذاهب([1]) الصبيُّ لا تصحُّ ردّتُه بمعنى أنّه لا يُجرَى عليه أحكامُ المرتَدّ، أي لو ماتَ يُدفَن في مقابرِ المسلمينَ ويُغسَّل ويُصلَّى عليه لأنّه غيرُ مُكلَّف وأبواه مُسلِمان، وفي بعضِ المذاهب([2]) تصِحّ ردّتُه بمعنى أنّه لا يجرى عليهِ أحكامُ المسلمينَ فلا يُدفن في مقابر المسلمينَ ولا يُغسَّل ولا يُصَلَّى علَيه،  وعلى كُلٍّ لا يجوزُ اعتبارُه مسلمًا حقيقةً وحُكمًا،  ومَن اعتبرَه مسلمًا وقَد ظهَرت منهُ الردّةُ يكونُ كُفرًا.
  • قال الشَّيخُ: إذا شَخصٌ كفَر أوّلَ مَرّةٍ يُقالُ: “ارجِع عما قلتَ وادخُل في الإسلام”، فإن دخَل في الإسلام يُترَكُ، ثم إنْ عَادَ فكفَرَ كذَلكَ يُعرَضُ علَيهِ الرّجُوعُ إلى الإسلام، وهكَذا لو إلى مائةِ مَرّةٍ أو أكثَر، لكنْ بَعدَ المرّةِ الأولى يُستَحسَنُ عقُوبَتُهُ بغَيرِ القَتل، يُحبَسُ أو يُضرَبُ أو يُهَانُ يُشَهَّر بَينَ النّاسِ يُدَارُ بهِ في الأسواقِ، يُعاقِبُهُ الخَلِيفَةُ عقُوبةً يرَاهَا نَاجِعَةً([3]) فيهِ.
  • قال الشَّيخُ: يجوزُ للولَد إذا ارتَدَّ أبوه أنْ يَظَلَّ على مُسَاكنَتِه يَأكُل معَه ويَشرَبُ معَه بشَرطِ أن يكونَ المالُ حلالًا.
  • قال الشَّيخُ: العَجَبُ أنّ بعضَ النَّاس يُورِدُونَ هذا الحديثَ في غَيرِ مَحلِّه فيَضِلُّون ويُضِلُّون غيرَهم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»([4]) هؤلاءِ لم يعرفوا معنى الحديثِ. معنى الحديثِ أن الأعمال التي أَذِن اللهُ تبارك وتعالى لعبادِه فيها لا تكون مُعتبرةً إلّا بالنيّة، أي أنّ الصّلاةَ لا تكونُ معتَبرةً إلا بالنيّةِ والصيامَ كذلك والزكاةَ كذلكَ والطهارةَ عن الحدَثَين كذلكَ والحجَّ كذلكَ والجهادَ كذلكَ كلُّ هذا لا يكونُ معتَبرًا مَقبُولًا عندَ اللهِ إلّا بنيّةٍ هذا معنى إنّما الأعمالُ بالنّيّات. ليس معناهُ اعمَلُوا الشّرَّ سُبُّوا الله وسُبُّوا أنبياءَه ولا تَنْوُوا ليسَ علَيكم بأسٌ كما يقولُ سيّد سابِق. هذا سيّد سابق فتَحَ للنّاس بابًا من الكفر واسِعًا ووَرّط بهِ خلقًا كثيرًا، يقولُ: “الألفاظُ الكفريّةُ لا تؤثّر إلا أن تكونَ شَارحًا صَدْرَك بها وناويًا مَعناها ومعتَقِدًا”، جعَل كلَّ العبادِ مُكرَهِينَ، جعَلَ كلَّ النّاس مُكرَهِين، الله تبارك وتعالى استثنى المُكرَه في كتابه بحكمٍ خَاصٍّ قال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (106)سورة النحل.
  • سورة النحل 106 .قال: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} جَعَل للمُكرَه حُكمًا خَاصًّا لا يتجَاوَزُهُ إلى غَيرِه وهو أنّ المكرَه بالقَتْل أو قَطْعِ الأطرافِ([5]) إذَا نطَقَ بكَلمَة الكفر تحتَ الإكراهِ وقَلبُه مطمئنٌ بالإيمانِ عندَ نُطقِهِ بما أُكرِهَ عليه منَ القول الكفريّ هذا ليسَ عليهِ غضَبٌ منَ اللهِ ولا يُعَذّب، هذا معنى الآيةِ قال: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي أنّ المكرَه إنِ انشَرح عندَ نُطقِه بالكفر صَدرُه، هذا الذي عليهِ غضَبٌ مِنَ الله، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي عذابٌ مؤبَّدٌ لا انقطاعَ لهُ.

قال رسول الله: “«إِنَّ العَبْدَ لَيَتكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»([6]) وهو المسافةُ التي يَختَصُّ بها الكُفّار في جهنّمَ لأنّ نهايةَ قَعْر جهنمَ سبعونَ سنَةً وهذا للكُفّارِ فقَط.

  • قال الشَّيخُ: الطّفلُ الذي ابنُ يَومِه الذي وُلِد مِن أبَوَينِ كافرَين نسَمّيْه كافرًا بالتَّبعيّةِ، ولا نُسَمّيْه كافرًا حقيقةً، والذي يُسَمِّيه مسلمًا لا نكفّره، هو كافرٌ([7]) بالنّسبة للأحكام الدّنيَويةِ يُطَبَّق عليه أحكامُ الكفّار في الدُّنيا لا يُغَسّل ولا يُكفَّن ولا يُدفَنُ في مقَابِر المسلمينَ ولا يَرثُه أقاربُه المسلمُون.
  • قال الشَّيخُ: الأبُ الكافرُ والأمُّ الكافرةُ لا يجُوز تقبِيلُ أَيْدِيْهِما لكن ليسَ مِن الكبائر بل منَ الصّغَائر.
  • قال الشَّيخُ: لو شهِدَ اثنانِ عَدلان بأنّ فلانًا كفَر فلم يُصَدّقْهُما الذي سمِع منهما قال: “لعَلّهُما توَهّما” ما علَيه ضَررٌ، أمّا الحاكمُ فعلَيهِ أن يُنفّذ الحكمَ، يَطلُبُ الشّخصَ ويقولُ لهُ: “ارجِعْ عن كذَا وكذا” فإنْ رجَع وإلا نفَّذَ فيه الحُكم.
  • سُئِل الشَّيخُ: إذا ارتَدَّ الشّخْصُ وقَبْلَ رِدّتِه كانَ علَيهِ قَضَاءُ صَلَواتٍ هَل يَقضِيْها بَعدَ تَجديدِ إسْلامِه؟

فقال الشَّيخُ: نَعم يَقْضِي.

  • قال الشَّيخُ: المسلمُ إذا كفَر ثم رجَع عن كُفره وتَشَهّدَ عندَ أبي حنِيفةَ لو كانَ رجُوعُه إلى الإسلامِ في سَاعَتِه التي كَفَرَ فِيها لا بُدّ مِن تجديدِ العَقد، يُحضِرُ شَاهِدَينِ مُسلِمَينِ ويجَدّدُ العقدَ هَذا الذي كانَ عَقدُه الأوّلُ على مَذهَبِ أبي حَنِيفَةَ بلا وَليّ بل هيَ زَوّجَتْهُ نَفسَها بحُضُور شَاهِدَينِ مُسلِمَينِ، هَذا العقدُ عندَ مالِكٍ والإمامِ أحمدَ والشّافعِيِّ بَاطلٌ أمّا عندَ أبي حَنِيفَةَ هَذا العقدُ صَحِيحٌ، ثم هَذا بما أنّهُ ارتَدَّ إذا تشَهّدَ لا بُدَّ أن يُجَدّدَ العَقدَ ليسَ لهُ أنْ يقولَ ءاخُذُ بمذهَبِ الشّافعِيّ لأنّهُ في مَذهَبِ الشّافعِيّ مِنَ الأسَاسِ مَا لهُ علَيها نِكاحٌ لأنّهُ نقَصَه الوَليُّ، عندَ الشّافعِيّ لا بُدّ للنّكَاح مِن وليّ، أبوها فإن لم يكنْ فجَدُّها فإنْ لم يكنْ فأَخُوها فإن لم يكن فابنُ أخِيْها فإن لم يكن فعَمُّها فإن لم يكن فابنُ عمّها.

إذا ارتدَّ الشخصُ وله امرأةٌ ففي مَذهَب أبي حنيفةَ يُجَدِّدُ النّكاحَ بَعدَ كُلّ مَرّة، لو بَعدَ المرّةِ العاشِرةِ إذا تَشَهّدَ ثم جَدَّدَ النّكَاحَ رجَعَت حَلالًا لهُ، أمّا عندَ الشّافعيّ إذَا تَشَهّدَ قَبلَ أن تَنتَهِيَ العِدّةُ لا يَحتَاجُ إلى تَجديدِ عَقدٍ، رَجَعَتْ لهُ حَلالًا لو تَكرّرَ هَذا مائةَ مرّةٍ. وعندَ بَعضِ الأئمةِ إذا كفَرَ ثلاثَ مَرّاتٍ وعادَ يُعتَبرُ طَلاقًا بالثّلاثِ لا تَعُودُ زَوجَتُه إليه إلا بعدَ أن تَنكِحَ زَوجًا غَيرَه. عندَ مالِكٍ قَولٌ بأنّهُ لا يعُودُ إليها بعدَ الثّلاثِ مَرّاتٍ مِنَ الرّدّةِ إلا بَعدَ زَوجٍ ءاخَرَ.

([1])  كالشافعية

([2])  كالمالكية

([3])  أي مؤثِّرةً.

([4])  صحيح البخاري: بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله (1)، وسنن ابن ماجه: أبواب الزُهد: باب النيّة (4349)، وسنن البيهقي الكبرى: كتاب الطهارة: جماع أبواب السواك: باب النية في الطهارة الحكمية (182).

([5])  المؤدِّي إلى الموت.

([6])  صحيح ابن حبان: كتاب الحظر والإباحة:باب ما يُكرَه من الكلام وما لا يُكرَه (5706)، وسنن ابن ماجه: أبواب الفِتَن: باب كَفّ اللِّسان في الفِتنة (3970)، ومسند أحمد: مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8779).

([7])  أي حُكمه حُكم الكافر.