نَصِيْحَةٌ وَتَذْكِيْرٌ:
الْتَجِىءْ إلى اللهِ تعالى فهوَ غافرُ الزللِ وقابلُ التوبِ سبحانهُ، فإنْ كنتَ
تعلمُ أنَّ الموتَ لا بُدَّ ءاتٍ فالاستعدادُ لهُ أولى مِنَ الاستعدادِ للحياةِ،
فإذا فعلتَ ذلكَ سُرِرْتَ عندَ الموتِ سرورًا لا نهايةَ لهُ، كلُّ نَفَسٍ مِنْ
أنفاسِكَ جوهرةٌ قيمتُها كبيرةٌ لأَنَّهُ إذا مضى نَفَسٌ فلا عودَ لهُ، فلا تفرحْ
إلا بعلمٍ أو عملٍ صالحٍ هما رفيقاكَ ويَصْحَبَانِكَ في القبرِ حيثُ يتخلفُ عنكَ
أهلُكَ وأصحابُكَ وولدُكَ، واصبِرْ على طاعةِ اللهِ ولو كصبرِ المريضِ على مرارةِ
الدواءِ انتظارًا للشفاءِ، وقُلْ لنفسِك أصبرُ اليومَ فلعلي أموتُ الليلةَ، وأصبرُ
الليلةَ فلعلي أموتُ غدًا، وأنتَ تعلمُ أَنَّ الموتَ لا يأتي في وقتٍ مخصوصٍ، ولا
حالٍ مخصوصٍ، ولا تَكُنْ مِنَ الذينَ يفرحونَ بكثرةِ أموالِهم معَ نقْصِ أعمالِهِم،
اجعَلْ لكُلِّ وقتٍ عَمَلًا تَعْمَلُهُ، وقتُكَ عُمُرُكَ وهو رأسُ مالِكَ
وعليهِ تجارتُكَ للوصولِ لنعيمِ دارِ الأبدِ. وقدْ روى الترمذيُّ مِنْ حديثِ أَنَسٍ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ
يقولُ: ((قالَ اللهُ تعالى: يَا
ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ
فِيكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ
ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ
لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي
شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً))([1])، فالذي يسمعُ
هذا الحديثَ وأمثالَه لا ينبغي أنْ يقنطَ مِنْ رحمةِ اللهِ تعالى، وقدْ عدَّ
الشافعيةُ القنوطَ مِنْ رحمةِ اللهِ تعالى مِنْ معاصي القلبِ الكبيرةِ التي يجبُ
على مَنْ وقعَ فيها أنْ يتوبَ منها فورًا، فالقُنوطُ مِنْ رَحمةِ الله: هوَ أنْ
يُسِيءَ العبدُ الظنَّ بالله فيعتَقِدَ أنَّ الله لا يغفِرُ لهُ ألبتّةَ وأنَّه لا
مَحالةَ يُعذّبهُ وذلك نَظرًا لكَثْرةِ ذنُوبه مثلًا، فهوَ بهذا المعنى كبيرةٌ منَ
الكَبائرِ لا يَنقُل عنِ الإسلامِ. وطريقُ النجاةِ الذي ينبغي أنْ يكونَ عليهِ
المؤمنُ أنْ يكونَ خائفًا راجيًا يخافُ عقابَ اللهِ على ذنوبِه ويرجُو رحمةَ اللهِ،
أمّا عندَ الموتِ فيُغلِّبُ الرجاءَ على الخوفِ يجعلُ في قلبِهِ الرجاءَ رجاءَ
عفوِ اللهِ، أما قبلَ ذلكَ يكونُ بينَ الخوفِ والرجاءِ لماذا؟ حتى يستقيمَ في
العملِ، أما عندَما يحضُرُهُ الموتُ ماذا بقيَ لهُ إلا أنْ يرجوَ رحمةَ اللهِ
تعالى فيُغلِّبُ الرجاءَ على الخوفِ عندَ الموتِ يرجوْ رحمةَ اللهِ تعالى.
فائدةٌ: وردَ في الحديثِ عَنْ سَعْدِ بنِ أبي وقاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ فِي الْيَوْمِ
أَلْفَ حَسَنَةٍ، قَالُوا: وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: يُسَبِّحُ مِائَةَ
تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ وَيُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ سَيِّئَةٍ))
([2]).