مَنْ قَالَ إِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى عَلَى مُنافقِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّهُ مَاتَ عَلَى النِّفَاقِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
مَا هُوَ كُفْرُ النِّفَاقِ
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ و آلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ.
النِّفَاقُ فِى الدِّينِ هُوَ التَّظَاهُرُ بِالإِسْلامِ وَإِخْفَاءُ الْكُفْرِ وَالْمُنَافِقُ هُوَ الَّذِى يُظْهِرُ الإِسْلامَ وَيُخْفِى الْكُفْرَ فِى قَلْبِهِ كَأَنْ كَانَ يَكْرَهُ الإِسْلامَ بَاطِنًا أَوْ عِنْدَهُ شَكٌّ فِى صِحَّةِ الإِسْلامِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ كَعَبْدِ اللَّهِ بنِ أُبَىٍّ بنِ سَلُولَ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَشَهَّدُ بَعْدَ ظُهُورِ الْكُفْرِ مِنْهُ وَيَدْخُلُ الْمَسَاجِدَ وَيُصَلِّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَمَّا سُئِلَ عَمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ أَنْكَرَ قَالَ لَمْ أَقُلْ، وَمُرَادُهُ بِالأَعَزِّ نَفْسُهُ وَبِالأَذَلِّ الرَّسُولُ ﷺ، وَأَرْسَلَ فِى مَرَضِ وَفَاتِهِ وَلَدَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَطْلُبُ مِنْهُ ثَوْبَهُ لِيُكَفَّنَ بِهِ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ أَجْرَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِ بِحَسَبِ ظَاهِرِ حَالِهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِكُفْرِهِ بَلْ بَقِىَ مُتَظَاهِرًا بِالإِسْلامِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الرَّسُولِ نِفَاقُهُ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِذَلِكَ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ لَمَّا أَطْلَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْوَحْىِ أَنَّ ابْنَ سَلُول مَاتَ كَافِرًا تَرَكَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ.
أَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى عَلَيْهِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّهُ مَاتَ عَلَى النِّفَاقِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَجَعَلَهُ مُتَلاعِبًا بِالدِّينِ أَىْ جَعَلَهُ كَأَنَّهُ يَقُولُ فِى صَلاتِهِ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ لا تَغْفِرُ لَهُ وَفِى هَذَا نِسْبَةُ الْكُفْرِ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ لِأَنَّ مَعْنَى الصَّلاةِ عَلَى الْمَيِّتِ طَلَبُ الرَّحْمَةِ لَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَافِرَ لا يُرْحَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلا يَنْتَفِعُ بِشَىْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحَةِ أَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ النَّبِىَّ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأُمِّهِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مُؤْمِنَةً صَالِحَةً فَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى لا يُسِىءَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَهْمَ ذَلِكَ فَيَقْتَدِىَ بِالنَّبِىِّ ﷺ فَيَسْتَغْفِرَ لِوَالِدِهِ الَّذِى مَاتَ كَافِرًا فَيَهْلِك، وَالْكَافِرُ الْمُنَافِقُ يَكُونُ فِى الآخِرَةِ فِى الْقَعْرِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾.