مَعاني
أسماءِ اللهِ الحسنى وبعضُ خواصِّها:
اللهُ
ﷻ:
أيْ مَنْ لهُ الألوهيةُ، وهوَ أنَّه تعالى مُسْتَحِقٌّ للعبادَةِ، وهيَ نهايةُ
الخشوعِ والخضوعِ ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲉﱠ([1])،
فلفظُ
الجلالةِ “اللهُ”: هوَ اسمُ اللهِ الأعظمِ، ولا يجوزُ تسميةُ غيرِ اللهِ
بهِ، ولفظُ الجلالةِ اللهُ علمٌ للذاتِ المقدَّسِ ومعناهُ مَنْ لهُ الإلهيةُ وهيَ القدرةُ
على الاختراعِ أي إبرازِ المعدومِ إلى الوجودِ ([2])،
ومعنى قولِنا عَلَمٌ أيِ اسمٌ موضوعٌ
للدِّلالَةِ على شىءٍ مُعيَّنٍ ([3])،
فعندمَا نقولُ “سماءٌ” فهذا اسمٌ موضوعٌ للدلالةِ على كُلِّ ما يَعْلُوكَ([4]).
ومعنى “موضوعٌ” أنَّهُ اعْتُرِفَ عليه في اللغةِ هكذا، وليسَ أنَّ
مجموعةً مِنَ الناسِ اجتمعوا ووضعُوهُ، بل إنَّ أصولَ اللغاتِ توقيفيَّةٌ، أعني أنَّ
اللهَ أوحى بها إلى الأنبياءِ وَهُمْ علَّمُوها للنَّاسِ([5]).
فنحنُ
نعبدُ اللهَ نعبدُ الذاتَ المقدّسَ المستَحِقَّ للعبادةِ وحدَهُ لا غيرَه،
والعبادةُ لا تكونُ إلا للهِ المتصفِ بالعلمِ والحياةِ والقدرةِ والسمعِ والبصرِ
وصفاتِ الكمالِ اللائقةِ بهِ سبحانَه، فهوَ المعبودُ بحَقٍّ، والذاتُ بمعنى الحقيقَةِ،
فإذا قيلَ ذاتُ اللهِ فالمرادُ حقيقةُ اللهِ، وحقيقتُه أنَّه موجودٌ متصفٌ بصفاتٍ
لا يَتَّصِفُ بها غيرُه، فذاتُ اللهِ لا يُشبِهُ الذوات، ليسَ بجسمٍ ولا كيفَ ولا
صورةَ لهُ، وليس بذي هيئةٍ وشكلٍ سبحانَه([6])،
وقد جاءَ إطلاقُ لفظِ الذاتِ على اللهِ تعالى في قولِ خُبَيبِ بنِ عَدِيٍّ عندما قُدِّمَ للقتلِ حيثُ قالَ ([7]):
(بحر البسيط)
وَلَسْتُ
أُبَالِيْ حِيْنَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا |
|
عَلَـىْ أَيِّ
شِقٍّ كَانَ للهِ مَصْرَعِيْ |
وَذَلِكَ
فِيْ ذَاْتِ([8])
الْإلَهِ وَإِنْ يَشَأْ |
|
يُبَاْرِكْ
عَلَىْ أَوْصَاْلِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ |
فيجبُ اعتقادُ أنَّ اللهَ مخالفٌ للحوادِثِ، أي أنَّه لا مُشابهةَ بينَه
وبينَ شىءٍ مِن مخلوقاتِه، فاللهُ تعالى ذاتُهُ لا يُشبِهُ الذوات، وصِفاتُه لا تُشبِهُ
الصفاتِ، وفِعلُه لا يُشبِهُ الأفعالَ، وهوَ عزَّ وجلَّ لا مُناسبةَ بينَه وبينَ
شىءٍ مِنْ مخلوقاتِه قالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱜ ﱠ([9]) أي لا تجعلوا للهِ الشبيهَ والمثْلَ فإنَّ اللهَ تعالى لا شبيهَ لهُ.
ولفظُ الجلالةِ اللهُ علمٌ غيرُ مشتقٍ
على قولِ أغلبِ الفقهاءِ([10])
كمَا قالَ الخليلُ ابنُ أحمدَ الفَراهيدِيُّ([11]):
اسمُ الذاتِ المقدسِ “اللهُ” ليسَ مشتقًّا بلْ مُرتَجَلٌ.اهـ فنقولُ مثلًا
العليمُ مُشتَقٌّ مِنْ عَلِمَ، كذلكَ السميعُ مشتقٌّ مِنْ سَمِع، أما لفظُ الجلالةِ
“اللهُ” لم يُشْتَقَّ مِنْ لفظٍ آخرَ ([12])
وما أُطلِقَ على غيرِ اللهِ بالمرَّةِ وهذا الذي اختارَهُ الأكابِرُ مِنَ اللُّغَوِيّينَ([13])،
وأسماءُ اللهِ الحسنى تدلُّ على صفاتِ اللهِ إلا لفظَ الجلالةِ اللهَ يدلُّ
على الذاتِ، وحُكيَ عن سيبويهِ ([14])
ما معناهُ أنَّه ليسَ مُشْتقًا مِنْ لفظٍ آخرَ.
فائدةٌ: يقولُ سيبويهِ في كتابِه الذي يُسمَّى “الكتابَ”:
“اللهُ أعرفُ المعارِفِ “اهـ لأنَّ كلَّ شىءٍ دليلٌ على وجودِه، فلا شىءَ
معروف يشهدُ بوجودِه كلُّ شىءٍ إلا اللهُ، وقد رُؤِيَ سيبويهِ بعد موتِه فقيلَ له
ما فعَلَ اللهُ بك؟ قالَ: غَفَرَ لي بقولي: “اللهُ أعرُف المعارِفِ”([15])([16]).
الاعتقاد
والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي باب ذكر معاني الأسماء التي رويناها على طريق
الإيجاز. ([2])
([4])
قال السيوطي: كلُّ ما عَلاك فأظلَّك فهو سماء.اهـ وقال الزبيدي:
والسَّماءُ: كُلُّ ما عَلاَكَ فأَظَلَّكَ، ومنه سَقْفُ كلِّ شيءٍ وكُلِّ بَيْتٍ
سَماءٌ.اهـ المزهر في علوم اللغة للسيوطي ج 1 ص 323، تاج
العروس للزبيدي ج38 ص301.
([5])
قال زكريا الأنصاري: المختار ما عليه الجمهور (أن اللغات
توقيفية): أي وضعها الله تعالى فعبروا عن وضعه لها بالتوقيف (علَّمَها الله) عباده
(بالوحي) إلى بعض أنبيائه.اهـ غاية الوصول لزكريا الأنصاري ص 43.
([6]) قال أبو سليمان الخطابي: “فإن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم
أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة، فإن الصورة تقتضي الكيفية وهي عن الله
وعن صفاته منفية”. الأسماء والصفات للبيهقي ص 282.
([8])قال ابن حجر: “فذكر
الذات باسمه تعالى” ذكر حقيقة الله بلفظ الذات اهـ قاله الكرماني. قلت (ابن
حجر): “وظاهر لفظه أن مراده إضافة لفظ الذات إلى اسم الله، وسمعه النبي فلم
ينكره فكان جائزًا”. فتح الباري ج13 ص382.
([10])
قال الرازي: المختار عندنا أن هذا اللفظ اسم علم لله تعالى، وأنه
ليس بمشتق ألبتة وهو قول الخليل وسيبويه، وقول أكثر الأصوليين والفقهاء. التفسير الكبير للرازي ج 1 ص 27.
([11])قال النووي: إمام العربية أبو عبد الرحمن البصري الخليل بن أحمد الأزدي
الفراهيدي، ولد سنة 94هـ كان الخليل ذكيًا لطيفًا فطنًا، واتفق العلماء على جلالته
وفضائله وتقدمه في علوم العربية من النحو واللغة والتصريف والعروض وهو السابق إلى
ذلك المرجوع فيه إليه وهو شيخ سيبويه إمام أهل العربية، وقال أهل التواريخ
والأنساب: لم يُسَمَّ أحدٌ بعد نبينا ﷺ أحمدَ قبل أبي الخليل هذا، توفي بالبصرة
سنة 170هـ.اهـ تهذيب الأسماء واللغات للنووي ج 1 ص 178.
([13])
قال البجيرمي: ونقل كونه مرتجلًا أي لا اشتقاق
له عن إمامنا الشافعي t وإمام الحرمين وتلميذه الغزالي
والخطابي والخليل وابن كيسان.اهـ حاشية البجيرمي على شرح الخطيب لمتن أبي شجاع ج 1
ص 23.
([14]) قال الذهبي: سيبويه إمام النحو حجة العرب أبو بشر عمرو بن عثمان
بن قنبر الفارسي ثم البصري. وقد طلب الفقه والحديث مدة ثم أقبل على العربية فبرع
وساد أهل العصر وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه، وقيل: عاش اثنتين
وثلاثين سنة.اهـ سير أعلام النبلاء للذهبي ج 7 ص 583، وقال الزبيدي: “سيب”:
تفاح و”ويه”: رائحته فكأنه رائحة تفاح، وأصل التركيب تفاح رائحة؛ لأن
الفرس وغيرهم عادتهم تقديم المضاف على المضاف إليه غالبا، وقيل كان جميلا لذلك
لقبوه “سيبويه “.اهـ تاج العروس للزبيدي ج3 ص84.