من أشراط الساعة الكبرى نُزُولُ الْمَسِيحِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: »لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ – يَعْنِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ – وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ: رَجُلٌ مَرْبُوعٌ (أَيْ بَيْن الطَّوِيل وَالْقَصِير) إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ (الْمُمَصَّرَة مِنْ الثِّيَاب الَّتِي فِيهَا صُفْرَة خَفِيفَة , أَيْ يَنْزِل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بَيْن ثَوْبَيْنِ فِيهِمَا صُفْرَة خَفِيفَة) كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ (كِنَايَة عَنْ النَّظَافَة وَالنَّضَارَة)، فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإِسْلامِ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ (أَيْ يُبْطِل دِين النَّصْرَانِيَّة بِأَنْ يَكْسِرَ الصَّلِيب حَقِيقَةً وَيُبْطِلَ مَا تَزْعُمهُ النَّصَارَى مِنْ تَعْظِيمه، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَحْرِيمُ اِقْتِنَاء الْخِنْزِيرِ وَتَحْرِيمُ أَكْلِه، لِأَنَّ الشَّيْء الْمُنْتَفَع بِهِ لَا يُشْرَع إِتْلَافُه)، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الإِسْلامَ، وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ المسلمونَ (قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بْن عَسَاكِر : “يُتَوَفَّى بِطَيْبَةَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ هُنَالِكَ وَيُدْفَن بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّة”. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام : مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة صِفَة مُحَمَّد وَعِيسَى ابْن مَرْيَم يُدْفَن مَعَهُ. كَذَا فِي مِرْقَاة الصُّعُود إلى سنن أبي داود للسيوطي) «. وَمِنَ الأُمُورِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ يُنْطِقُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ فَيَقُولُ لِلْمُسلم: يَا مُسلم هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي تَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا شَجَرَ الْغَرْقَدِ فَإِنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ شَجَرِهِمْ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ يَنْزِلُ وَيَدَاهُ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، يَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ كَمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلّم، مَعَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هَذِهِ الْمَنَارَةُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، أَمَّا الآنَ فَهِيَ مَوْجُودَةٌ كَمَا وَصَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْمَنَارَةُ هِيَ بِمَعْنَى عَمُودِ النُّورِ وَقَدْ عُمِلَ عَمُودُ نُورٍ لِلْمَطَارِ الْجَدِيدِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، ثُمَّ إِنَّ الْمَسِيحَ لَمَّا يَنْزِلُ يَلْتَقِي مَعَ الْمَهْدِيِّ فِي بِلادِ الشَّامِ، وَالشَّامُ لَيْسَتْ سُورِيَا فَقَطْ بَلْ لُبْنَانُ وَالأُرْدُنُّ وَفِلَسْطِينُ كُلُّ هَذَا شَامٌ. وَحَدُّ الشَّامِ مِنَ الْعَرِيشِ (في مصر) إِلَى بَالِسٍ (قريب من حلب في سوريا). وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: »ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ المسلمونَ «يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُمِتْهُ بَعْدُ إِنَّمَا رَفَعَهُ حَيًّا مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ يَقْظَانَ. والله تعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.