مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول”-130
الإيمان شرط لقبول الأعمال الصالحة
قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه ومشايخه
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدِنا محمد طه النبيِّ الأميِّ الأمين العالي القدْر العظيم الجاه وعلى آله وصحبِه ومَن والاه
وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له ولا ضدّ ولا ندّ ولا زوجةَ ولا ولدَ له، ولا شبيهَ ولا مثيلَ له ولا جسمَ ولا حجمَ ولا جسدَ ولا جثةَ له، ولا صورةَ ولا أعضاءَ ولا كيفيةَ ولا كميةَ له، ولا أينَ ولا جهةَ ولا حيّزَ ولا مكان له
كان اللهُ ولا مكان وهو الآنَ على ما عليه كان، فلا تضربوا لله الأمثال، ولله المثلُ الأعلى، تنزّه ربي عن الجلوسِ والقعود وعن الحركةِ والسكون وعن الاتصال والانفصال، لا يحُلُّ فيه شىء ولا ينحلُّ منه شىء ولا يحُلُّ هو في شىء لأنه ليس كمثلِه شىء. مهما تصورتَ ببالك فاللهُ لا يشبهُ ذلك، ومن وصف اللهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر.
وأشهدُ أنّ حبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه وخليله صلى الله عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
أما بعدُ يقول مولانا الشيخ رحمه الله رحمةً واسعة: حديث [خِيارُ الناسِ في الجاهليةِ خِيارُهم إذا فقُهوا] أو إذا فقِهوا-
-هذا الحديث فيه يبيّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ الذين يكونون في الجاهلية خيارَ الناس مع كفرِهم يُطعِمون اليتيم ويَكسونَ العاريَ ويُقرُونَ الضيفَ –يُطعِمونَه يقدّمونَ له ما يحتاج- ويُغيثونَ الملهوف، هؤلاء إذا أسلموا يكونون خيارَ الناس أي يزدادونَ من العمل الصالح.
تعالَوا لنشرح هذا الكلام، هذا الحديثُ صحيح والرسولُ صلى الله عليه وسلم ما مدحَ الكفار إنما يتكلم عمّن كان من الكفار قبل أنْ يُسلم يعمل هذه الأعمال من إطعام اليتيم ويقدِّم للضيف ما يحتاج ويُغيث الملهوف يعطي هذا ويُنقذ ذاك ويُسعِف ذاك، هذا الإنسان إذا أسلم وبقيَ على هذه الأعمال، بعدما أسلم تُكتَب له الحسنات، أما قبل أنْ يُسلِم هو عند الناس وفي نظرِهم هو من خيار الناس لأنه كان ينفع الناس، وهذا في الأمور الدنيوية وفيما هو ظاهرٌ للناس عندَهم هذا من خيارِهم، أما من حيثُ الثواب والأجر فليس له ذرةٌ من الأجر وهو على الكفر، ليس له ذرةٌ من الحسنات وهو على الشرك، لو أطعمَ كلَّ يوم مليون يتيم ليس له حسنة واحدة إن كان على الشرك على الكفر، لو أنقذَ مائة ألف ملهوف هذا لا شىءَ له من الثواب، لكنْ عند الناس هو من خيارِ الناس.
ثم في هذا الحديث الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [خيارُ الناسِ في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقُهوا] معناه مَن أسلمَ وتفقّهَ وتعلّم وعملَ هذه الأعمال التي هي طاعاتٌ وحسنات في ميزان المسلم فهذا الذي كان كافرًا وبقيَ على هذه الأعمال وازدادَ فيها وأكثرَ فإنه الآن بعدَما أسلم تُكتَب له الحسنات ويُكتَب له الأجر.
أما ما مضى وهو على الكفر لو كان مثلًا مائة سنة على الكفر كل يوم ينحر مائة بعير لألف شخص وهو على الكفر ليس له حسنة واحدة، لو كان على الشرك وكان كل يوم يُطعم مائة ألف يتيم ليس له ذرةٌ من الثواب، لو كان على الكفر وكل يوم يوزّع جبلًا من خبز على الفقراء وجبلًا من ذهب على الضعَفاء والأيتام ليس له ذرةٌ من الثواب لأنه على الكفر.
متى يكون له حسنات؟ إنْ أسلَم، بعدما يُسلِم وهذه الأعمال كان اعتادَ على أنْ يقومَ بها هي بالنسبةِ له سهلة يعملُها بعد ما يُسلم، الآن بعدما أسلم يُكتَب له الأجر والحسنات.
وهذا تمامًا هو معنى حديث [أسلمتَ على ما أسلفْتَ] يعني ما سبقَ لك من أنك تَقري الضيف وتُغيث الملهوف وتساعد الناس وتعطي الأيتام وتصل الأرحام وتعمل ما ينفع الناس كان يعملُها وهو على الشرك، عادات صارت بالنسبةِ له في طبعِه، في أعمالِه اليومية، لكنْ ما دام على الشرك ليس له شىء من الثواب.
[أسلمتَ على ما أسلفتَ] يعني بعدَ ما أسلمتَ تعمل هذه الأعمال التي سبقَ لك وكنتَ تقوم بها الآن بعدما أسلمتَ تُكتَب لك الحسنات والأجر، يعني الآن يعمل فالآن يُكتَب له، الآن بعدما أسلم يعمل يصل الرحم يقري الضيف يُطعم الأيتام يعطي الأرامل يساعد المقطوع كابن السبيل، بعدما أسلم يعمل هذه الأعمال فتُكتَب له الحسنات، أما ما عمِلَه وهو على الكفر والشرك فليس عليه ذرةٌ من الثواب.
الدليل على ذلك ما رواه البخاريُّ رضي الله عنه وأرضاه ونفعَنا به، هذا الرجل العظيم والبركة والإمام الذي كان رئيس الحفاظ وإمام المحدّثين رحمه الله روى من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت “يا رسولَ الله، إنّ عبدَ الله بنَ جُدعان كان يَقري الضيف ويفعل ويفعل أينفعُه ذلك؟ قال: لا، لأنه لم يقل قطُّ ربِّ اغفرْ لي خطيئتي يومَ الدين”، معنى ربّ اغفر لي خطيئتي يومَ الدين يعني أنه كان لا يؤمنُ بالبعثِ بعد الموت، كان يُنكرُ الآخرة، ليس لأنه لم يقل ذلك بلسانِه لا، ليس هذا معنى الحديث بل معناه هو كان يُنكر الآخرة ولا يؤمن بها وكان من الجاهليين.
هذا عبدُ الله بن جُدعان كان من قبيلةِ أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وعن ابنتِه الصديقة عائشة، هذا الرجل كان في قبيلتِهم عملَ شيئًا فأبوه غضب عليه وانزعج انزعاجًا كبيرًا فطردَه من القبيلة نفاه، هذا عبدُ الله بن جدعان عندما صار منبوذًا في القبيلة وصار مبغوضًا فيهم وخارجًا عن القبيلة يئسَ من الحياة صار يقول أدخل إلى الكهوف والمُهر والجبال لعلّ ثعبان يقتلني، بقصد أنْ يأتيَه سبع فيأكلَه، يريد الموت، كان يذهب في الجبال إذا رأى كهف يدخلُه إذا رأى مُهر يدخلها من مكان إلى مكان. فحصل معه أنه رأى مرةً كهفًا فدخل فإذا فيه ثعبانٌ ضخم كبير وفيه شىء يُضىء، هو ظنّه في الأول ثعبانًا حقيقيًّا، قال الآن أدخل فيأكلني هذا الثعبان فأموت، هو يريد أنْ يرتاح من القبيلة بزعمه، دخل فإذا هو ثعبان أُصيغَ من الذهب والمجوهرات ووُضعَ في عينيه يواقيت تُضىء ثم رأى أكوامًا من الذهب واللآلىء فغيّر رأيَه ما عاد يريد الموت، حمل ما استطاعَ حملَه ثم سدّ فمَ الغار ورجع إلى القبيلة صار بارزًا بسبب المال يعطي هذا ويُنفق على هؤلاء ويُعطي مَن عليهم ديون لسدِّها ويَقري الضيف ويوزّع الطعام ويعمل ويعمل، بلغ به الكرم ظاهرًا أنه عمل الخيوان المرتفعة في طرقات المسافرين ووضع عليها الطعام، المسافر الجائع الذي يريد أنْ يأكل يأكل من غير أنْ ينزل عن الدابة من غير أنْ يمشي، إلى هذا الحد، الناس أحبّوه واجتمعوا عليه صار زعيمًا في المال كان منبوذًا مطرودًا، انظروا ماذا يفعل المال، المهم هذا الرجل كان لا يؤمن بالقيامة، لا يؤمن بالآخرة ولا بالحساب ولا بالجزاء على الأعمال لكنه صار محبوبًا في الناس وصار يُطعم الطعام إلى الحد الذي ذكرْناه، صار يُضرَب به المثل في قضاء حاجات الناس، السيدة عائشة رضي الله عنها وأمدّنا بمددِها وأفاضَ علينا من بركاتِها وأسرارِها وأنوارِها ونفعَنا بعلومِها رضي الله عنها هي قريبتُه، هي تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل وما كان يفعله، صارت تقول للرسول كان يعمل كذا وكذا أينفعُه ذلك؟ قال: لا، لأنه لم يقل قط ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين، يعني كان لا يؤمن بالقيامة.
إذا كان هذا ما بلَغته الدعوة الإسلامية، هذا كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من قبيلة أبي بكر لكنْ ما بقيَ حيًّا إلى أنْ بُعثَ الرسول عليه الصلاة والسلام مات قبل ذلك، يعني ما بلَغته الدعوة، مع ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم بما معناه هذا العمل الذي عملَه لا ينفعُه في القيامة لأنه كان لا يؤمن بالقيامة ولا يؤمن بالحساب والجزاء على العمل.
عندنا تفصيل هنا، إذا قيل لكم أليس ورد في القرآن الكريم {وما كنا مُعذِّبين حتى نبعثَ رسولًا}-سورة الإسراء/15-؟ وهذا الرجل من أهل الفترة وما بلغَته الدعوة فلماذا ليس له ثواب على الأعمال؟
قال العلماء مَن لم تبلغْه الدعوة وهو من أهل الفترة هذا إذا مات على ذلك يدخل الجنة هو غير مكلف، أما أعمالُه التي كان يعملُها لا يُثاب عليها لأنه لم يكن مسلمًا مؤمنًا، وقَبول الأعمال الصالحة ليُؤجَر عليها الإنسان ويكون له عليها ثواب وأجر لا بد أنْ يكونَ مسلمًا مؤمنًا، وهذا ليس مسلمًا ليس مؤمنًا.
إذا قلتَ كيف يدخل الجنة؟ أقول لك يدخل الجنة لأنه غير مكلف، ألا يكفيه أنه يدخل الجنة؟ فكيف يكون له حسنات وهو ليس مسلمًا ولا يؤمن بالآخرة ولا بالثواب ولا بالسؤال؟
هذا شىء وهذا شىء، القضية الأولى أنه غير مكلف ويدخل الجنة، القضية الثانية مسئلة كسب الثواب والأجر والحسنات هذا للمسلمين للمؤمنين.
فإذًا هذا دليلٌ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كلامِه بتفصيل هذه القضية مع كل ما كان يعمله وهو من أهل الفترة مع ذلك ليس له أجر ولا ثواب.
أما مَن كان من الكافرين من المشركين وكانت بلَغتهم الدعوة ولو وزّعوا كلّ يوم جبالًا من ذهب وبقدر بحور الأرض طعامًا على الناس ليس فقط ليس لهم أجر ولا يُثابون بل إنْ ماتوا على ذلك يُخَلَّدونَ في جهنم ويكونون حطبًا للنار إلى أبد الآبدين لأنهم بلغَتهم الدعوة، يعني كفار ولم يُسلموا ولم يؤمنوا وتَمادَوا بكفرِهم وتمادَوا على شركِهم وبلغَتهم الدعوة لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله ولم يُسلموا وفهِموا الشهادتين ولم يدخلوا في الإسلام واستمروا على الكفر لا ينفعُهم شىء من صور الطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، ليس لهم ذرة من الأجر من الثواب.
والأدلة على ذلك كثيرةٌ جدًّا ولله الحمد، من جملة الأدلة على أنّ الكافر المشرك لا تُقبل منه الحسنات ولا الطاعات لا صيام ولا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا قراءة قرآن ولا التصدق على الأيتام والأرامل ولا حتى بناء المساجد ولا حتى بناء دور الأيتام ولا حتى بناء الكعبة لو كان هذا الكافر المشرك الذي بلَغته الدعوة لو بنى الكعبة من ماله الخاص وزيّنها بأعظم وأجمل وأفخم الستور لا يكون له ذرة من الثواب والأجر عند الله.
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم {ومَن يعملْ من الصالحاتِ من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلَمون نقيرًا}-سورة النساء/124-
تعرفون بذر التمر بعدما تأكل التمرة أليس تجد في هذه النواة شق مستطيل؟ في داخل هذا الشق يوجد خيط أبيض رقيق صغير ناعم في رأسه نُقرة صغيرة، الإنسان لا يُظلَم يوم القيامة بقدرِ هذه ولا أقل، انظروا إلى هذا التعبير البليغ العظيم الرائع الذي يدلُّ على سَعةِ رحمةِ الله وعظيمِ عدل الله عز وجل ولعناتُ الله تترى على مَن نسب الظلمَ إلى الله، لعناتُ الله بعددِ الخلائق والأنفاس وحبات الرمال وأوراق الشجر وشجر وصوف ووبر وريش كل الخلائق على كل مَن نسب الظلم إلى الله، لعنات الله عليهم هؤلاء الظلمة الكفرة الفجَرة الفسقة الذين يقولون الله ظالم أو ظلمنا حاشا، أو يقولون الله ظلم المرأة، لعنات الله عليهم.
الصالحات: يعني الأعمال الصالحة، كل ما يدخل في العبادات في الأعمال الصالحة كل ما يدخل في الطاعات.
وهو مؤمن: هذا هو الشرط.
{فأولئك يدخلون الجنة} يعني الكافر لا يُقبَل منه العمل الصالح ولا يصح ولا يُثاب عليه ولا يدخل الجنة.
{ولا يُظلَمون نقيرًا}، هذا دليل واحد من الأدلة الكثيرة التي بالعشرات.
دليل آخر، يقول الله عز وجل في سورة الكهف {ويُبشِّرَ المؤمنينَ الذين يعملونَ الصالحات}-سورة الإسراء/9-ما قال ويبشر المشركين ولا قال ويبشر الكافرين ولا قال ويبشر كل الناس على الإطلاق، {أنّ لهم أجرًا حسَنًا ماكثينَ فيه أبدًا}-سورة الكهف/2-3 أي في الجنة وهذا للمؤمنين، الشرط هو “للمؤمنين”.
كيف يتجرأ بعد كتاب الله تعالى وبعد القرآن العظيم وبعد فعل وأقوال الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصحابة وكل المسلمين والإجماع على أنّ الكافر لا يصح منه العمل ولا يُقبل منه ولا يرحمه الله في الآخرة ولا يشفع له شافع، بعد كل هذا كيف يتجرأ فجَرة فسَقة كفَرة كذَبة يقولون الكافر يدخل الجنة؟ أعوذ بالله، لو كان كما يقولون كان الله ما خلق النار، إذا كان الكافر يدخل الجنة فالنارُ لمن خُلِقَت؟ إذا كان الكافر يدخل الجنة لماذا بعث اللهُ الرسل؟ إذا كان الكافر يدخل الجنة لماذا أنزل اللهُ الكتب ولماذا أرسل الله الأنبياء وبعثَ الرسل؟ لماذا التهديدُ والوعيد؟ لماذا النار؟ لمنَ خُلقَت جهنم؟
يعني الكافر لن يدخل الجنة، يعني مَن كان من المكلفين إلى النار إلى الجحيم إلى لظى إلى سقَر إلى الحُطَمة، مَن مات كافرًا من الكافرين يُخلَّد في الجحيم إلى أبد الآبدين.
يقول الله تعالى في سورة البقرة {فبعثَ اللهُ النبيينَ مبشِّرين ومُنذرين}-سورة البقرة/213- منذرين أي متهَددين متوَعِّدين مُخَوِّفين مُنذِرين مَن كفر بالنار، هذا القرآن، كيف يقول هؤلاء الكفَرة الفجَرة إنّ الكافرَ يدخل الجنة ويقولون الجنة ليست للمسلمين فقط؟ يُكذِّبون الله وهم يلبسون اللفات والعمائم ويدّعون المشيَخة ويقولون عالم وباحث ودكتور محاضر باحث شيخ إمام خطيب، هؤلاء أئمة لكنْ من أئمة أهل النار، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم [أناسٌ من جلدتِنا يتكلمون بألسِنتِنا تعرفُ منهم وتُنكر دُعاةٌ على أبوابِ جهنم مَن استجابَ لهم قذفوه فيها]
رأيتم هنا التهديد والوعيد والإنذار في الآية؟
قال تعالى {كان الناسُ أمةً واحدة}-سورة البقرة/213- يعني قديمًا كان البشرُ كلُّهم على الإسلام كما قال عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما، أيامَ آدم وشيث وإدريس عليهم الصلاة والسلام البشر كلُّهم كانوا على الإسلام، بعد نبيِّ الله إدريس حصل الكفر فيما بين البشر على وجه الأرض فجاء نوح عليه الصلاة والسلام وهو أول رسول يُبعَثُ لقومٍ كافرين، ليس هو أول رسولٍ على الإطلاق لا، آدم كان رسولًا وقبل نوح، إدريس كان رسولًا وقبل نوح، شيث نبيًّا وقبل نوح، إنما نوح عليه السلام هو أولُ رسولٍ بُعثَ لقومٍ كافرين.
{كان الناسُ أمةً واحدة}-سورة البقرة/213- على دين الإسلام لأنّ الإسلام هو الحق هو الدينُ السماوي الصحيح العظيم المقدس المبارك المقبول الذي لا يصح غيرُه، {إنّ الدين عند الله الإسلام}-سورة آل عمران/19-
ويقولُ تعالى {ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دينًا}-سورة المائدة/3- وقال جل وعز {ومَن يبتغِ غيرَ الإسلامِ دينًا فلن يُقبلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين}-سورة آل عمران/85-
وقال تقدّست أسماؤُه {وما أوتيَ النبيونَ من ربّههم لا نفرِّقُ بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون}-سورة البقرة/136- .
كيف يزعم هؤلاء الكفَرة فيقولون موسى يهودي عيسى نصراني إبراهيم مشرك، حاشا وكلّا، موسى مسلم عيسى مسلم إبراهيم مسلم سليمان مسلم هود مسلم، كل الأنبياء دينُهم الإسلام.
هؤلاء المشايخ الكفار الذين يقولون الدين الإبراهيمي هؤلاء من أئمة الكفر كأنهم يقولون اللهُ ليس حكيمًا أنْ شرع الإسلام والأنبياء جُهَلاء أنْ جاءوا بالإسلام، كأنهم يقولون نحن الآن اكتشفْنا الحكمة التي هي أعظم وأسلم وأنفع وأحسن من الإسلام الذي هو الدين الإبراهيمي على زعمِهم، كأنهم هكذا يقولون، كأنهم يستدركون على الله على زعمِهم كأنهم يقولون الأنبياء كانوا على الكفر والضلالة والغَواية والعَمى، كأنهم يقولون الأنبياء كانوا جهَلاء، كأنهم يقولون الأصلح للبشرية هو الدين الإبراهيمي على زعمِهم وهذا من أصرح الصريح في الكفر، هذا كفرٌ صُراحٌ بَواح، لعنةُ الله على مَن يُرَوِّج له، لعناتُ الله تترى عليهم وعلى مَن وراءَهم ولو كانوا يلبسون اللفات، مشايخ كفار، أبو جهل كان يلبس لفة، أبو لهب كان يلبس اللفة العِمامة، لكنْ ماذا ينفعُه؟ سورة كاملة في ذمِّه في القرآن، وكان يلبس اللفة وقرشي هاشمي عربي مكي من صناديد قريش من زعماء مكة وكان جميلَ الخِلقة فصيحَ اللسان يتكلم العربية بطلاقة وبالسليقة، أنزل اللهُ سورةً في ذمِّه في القرآن.
هل بلغَكم أنّ سورةً كاملةً نزلَت في ذمِّ فرعون؟ أو في ذم إبليس مع أنّ إبليس كفرُه أشد هو رأس الكفر، لكنْ أنا أقول عن سورة كاملة، وأبو لهب هو عمّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكان يلبس عمامة ويتزيّن ويتجمّل ومن فصحاء العرب لكنه من أركانِ جهنم، وهؤلاء المشايخ اليوم الذين يقولون الكافر يدخل الجنة لو على أيِّ دينٍ كان ويقولون الدين الإبراهيمي الذي على زعمِهم هو الدين العظيم ويدعونَ إليه، هم مشايخ كفار من أركانِ جهنم من أئمةِ الكفار ومن أئمةِ الكفر ومن أئمةِ أهل النار ومن رؤساء قوافل جهنم لو كانوا يلبسون اللفات وكانوا مفاتي وكانوا قضاةً ولو كانوا دكاترة ولهم مواقع وفضائيات ويدخلون على الرؤساء، يا ما ستمتلىء جهنم بمثلِ هؤلاء، يا ما ستمتلىء جهنم بمن صورُهم صور مشايخ ومفاتي، مفاتي إبليس سفراء إبليس سفراء للكفر والضلالة بثياب المشايخ والعمائم والمنابر والخطباء. ليست العبرة أنه لبسَ عمامة لا عبرة لو وضع عشر عمائم على رأسه في وقت واحد، لو أفرغَ كلَّ مستودعات القماش ولفّها على رأسه إلى أنْ وصلَت إلى القمر الاصطناعي هذا لن يخلِّصَه من جهنم إذا مات على كفره.
إذًا العبرة بالإسلام ليس بالشاش والقماش، العبرة بالإيمان.
فهذه الآية دليلٌ آخر على أنّ الكافر لا تصح منه الأعمال الصالحة ولا تُقبَل منه ولا يكون له ذرةٌ من الثواب والأجر.
قال تعالى في سورة الكهف {ويُبشِّرَ المؤمنين}-سورة الإسراء/9- هل يوجد أصرح من هذا؟ ما قال ويبشر الكافرين ولا قال ويبشر كلَّ الناس، {الذين يعملونَ الصالحات أنّ لهم أجرًا حسنًا ماكثينَ فيه أبدًا}-سورة الكهف/3- هذا القرآن ولعنةُ اللهِ على مَن يُعارض القرآن.
تعالَوا إلى آيةٍ أخرى، يقولُ اللهُ تعالى {إنّ الذين ءامنوا وعملوا الصالحات}-سورة البقرة/277-
هذا الشرط الإيمان الإسلام العقيدة التوحيد التنزيه، الخلاص من كل الكفريات، بعد ذلك يعمل الأعمال الصالحة.
ومَن نشأ على الإسلام يعمل الأعمال الصالحة أما من كان على الكفر وعملَ الأعمال الصالحة لا تصحّ ولا تُقبَل.
الله قال في القرآن {الذين يؤمنونَ بالغيب ويقيمونَ الصلاة}-سورة البقرة/3- الصلاة من الأعمال البدنية، هناك أركان الإيمان الستة مَن كذّبَها مَن أنكرَها أو كذّبَ واحدة منها فليس من المؤمنين ولا من المسلمين بل هو من الكافرين.
{الذين يؤمنون بالغيب ويقيمونَ الصلاة}-سورة البقرة/3- آيات كثيرة.
وأما عن أعمال الكفار الله قال {مثلُ الذين كفروا بربِّههم أعمالُهم كرَمادٍ اشتدّت به الريحُ في يومٍ عاصف}-سورة إبراهيم/18- والآية الأخرى {وقدِمْنا إلى ما عمِلوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا}-سورة الفرقان/23-
أما الأحاديث فكثيرةٌ جدا منها الحديث الذي أوردْناه من طريق السيدة عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري في قصة عبد الله بن جدعان أنّ الرسول قال لا ينفعه، مع أنّ هذا كان من أهل الفترة، وقلت لكم هو من أهل الجنة لأنه ليس مكلّفًا أما من حيث الثواب والأجر ليس له حسَنة.
وأما الذين بلغَتهم الدعوة فلا تصح منهم الأعمال الصالحة ولا تُقبَل وإن ماتوا على كفرِهم فهم حطبُ جهنم يُخلَّدونَ في النار إلى أبد الآبدين لأنّ الدعوة بلَغتهم والرسول قال [ما مِن يهوديٍّ أو نصرانيٍّ يسمعُ بي ثم لا يؤمنُ بي وبما جئتُ به إلا كان من أصحاب النار] الرسول عليه الصلاة والسلام يقول [إلا كان من أصحاب النار]، ومشايخ الكفر يقولون الكافر يدخل الجنة، يعني يكذّبون الله والرسول وهم يدّعون المشيَخة، أيُّ مشيَخةٍ هذه؟ فراعنة وشياطين وعفاريت ومن أئمة قوافلِ جهنم ويدّعون الإسلام والمشيخة.
وكذلك في الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [أفضلُ الأعمالِ إيمانٌ باللهِ ورسولِه]
وفي الحديث الآخر [أفضلُ الأعمال إيمانٌ لا شكّ فيه] وفي الحديث الثالث، ورد في الأحاديث الصحيحة عند البخاري وغيرِه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثَ معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، معاذ بن جبل هذا الصحابي الجليل الفقيه العالم المجتهد الإمام مع أنّه كان صغيرًا في العمر، قال له [إنك تقدَمُ على قومٍ من أهلِ الكتاب –يعني اليهود والنصارى كانوا في ذلك الوقت في اليمن وهم يدّعون الإيمان-ادعُهم أول ما تدعوهم إليه إلى توحيدِ الله] وفي بعض الروايات [إلى معرفة الله] يعني مع الإقرار والإيمان والتشهد والنطق بالشهادتين والدخول في الإسلام، إلى هذا يدعوهم معاذ ليس لمجرد أنْ يعرفوا، إلى التصديق والإقرار والاعتراف والتشهد والنطق بالشهادتين، [فإنْ هم أجابوكَ لذلك أعلِمْهم أنّ الله فرض عليهم خمسَ صلواتٍ في اليوم والليلة].
رأيتم ما هو الأصل؟ الإيمان والإسلام.
هناك حديث آخر وأيضا في الصحيح وهو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تهيّأ للغزو للجهاد جاءه كافرٌ مقنّع لبِس ثياب القتال العدة التي تُلبَس في الحرب كالدروع والمغفَر وما شابه، ثم جاء إلى المعركة فقال يا رسولَ الله أأُسلِم أم أُقاتل؟
في موضع الشدة في أرض المعركة تحت بارقة السيوف بلحظة يطير الرأس، مع هذا ما قال له الرسول الآن حرب قتال تسألُني عن الإسلام حاشا وكلّا، هو جاء لينشرَ الإسلام وأصلًا كان يقاتل لأجل أنْ يدخلوا في الإسلام، قال له الرسول “أسلِم ثم قاتِل”.
رأيتم الأصل؟ رأيتم الأساس؟
وكان الرجلُ صادقًا اعتقد الإسلام، أسلم نطق بالشهادتين دخل المعركة قاتلَ فقُتِل.
اسمعوا إلى شهادة سيّد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فيه قال “عملَ قليلًا واُجِرَ كثيرًا”
يا إخواني يا أخواتي الإسلام الإيمان التوحيد التنزيه العقيدة والتخلّي عن كل الكفريات هذا الأصل والأساس، قال “عملَ قليلًا” هذا ليس معناه أنّ التشهد والدخول في الإسلام في أعمال الفقه والعبادات والشريعة والأعمال البدنية هو قليلٌ بالنسبة لتلك الأمور العملية، ليس هذا معنى الحديث، إنما معناه من حيثُ قلةِ الأعمال لم يتسَنَّ له أنْ يصوم ويحجّ ويغتسل ويتوضأ ويصلي ويزَكّي ويفعل ويفعل، كل هذا ما عملَه، يعني من حيث العدد ليس من حيثُ القيمة والفضل، الإسلام والإيمان هو أعلى الأعمال، الإيمان هو أفضل الأعمالِ على الإطلاق هو الأصلُ والأساس لكنْ بعد الإيمان لم يتمكن ولا أنْ يغتسل من الجنابة ولا أنْ يتوضأ ولا أنْ يسجدَ سجدة واحدة، قُتلَ في سبيل الله، قال “عمل قليلًا وأُجرَ كثيرًا”.
كان مشركًا بالإسلام صار موَحِّدًا، كان كافرًا بالإسلام صار مؤمنًا، كان عدوًّا لله ولرسولِه بالإسلام ونال الشهادة صار حبيبًا لله ولرسولِه صلى الله عليه وسلم، بالإسلام نال صحبةَ النبي وشرف مرتبة الصحابة من حيث الصحبة، بالإسلام نال شرف الجهاد مع رسول الله والقتال بين يدَي رسول الله والدفاع عن رسول الله والدفاع عن الإسلام والدفاع عن الإيمان والدفاع عن المسلمين، كل هذا حصّله بالإسلام كل هذا ناله بالإيمان بعدما أسلم وصار مؤمنًا.
أما لو أنه لم يُسلِم وقاتل دفاعًا عن الإسلام وعن الرسول وعن الصحابة ولو جعلَ صدرَه درعًا لرسول الله وقُتلَ بين يدي رسول الله وهو على الكفر ولم يُسلِم لكان في جهنم، أما بالإسلام، بتشهُّدِه أنظروا إلى تلك الفضائل والمراتب التي نالها وكيف كان له هذه الشهادة من سيدِ العالمين محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذا معنى الحديث الذي ذكرناه، قال صلى الله عليه وسلم [خيارُ الناسِ في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقِهوا] أو إذا فقُهوا، هذا معنى الحديث وليس معناه أنه وهو على الكفر تُكتَب له الحسنات حاشا وكلّا، بل بالإسلام يأخذ الحسنات والأجر ويُضاعَف إنما كل هذا يُنال بالإسلام.
ختمَ اللهُ لي ولكم على كامل الإيمان وبالإسلام وبالتقوى والصلاح والولاية ومغفرة الذنوب وأنْ نكونَ خدمًا للإسلام إلى الممات.
غفر اللهُ لي ولكم ختم اللهُ لي ولكم ولأهلِنا ولأولادِنا ولأحبّتِنا بكامل الإيمان
اللهم اختم لنا بكامل الإيمان اللهم اختم لنا بكامل الإيمان وأكرمْنا برؤيةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة وفي كل ليلة، فقِّهنا وفقّه أولادَنا في الدين واجعلنا حرّاسًا للإسلام خدّامًا للدين حماةً للعقيدة دروعًا للتنزيه والتوحيد سيوفًا للعقيدة السنية، إنك على كل شىء قدير
والحمد لله رب العالمين
حكم ترك الزوجة المتوفى عنها زوجها المبيت في بيتها https://t.co/lMhPLcwmdA