السبت مايو 10, 2025

لا يجوز التأويل إلا لدليل ثابت أو دليلٍ عقليٍ قاطعٍ

العناوين الداخلية:

  • تطور الإنسان في بطن أمه وبعد ولادته.
  • نطق الأرض يوم القيامة.
  • متى يُلجأ إلى التأويل ومتى لا؟
  • من تمويهات منكري الحقائق.

تطور الإنسان في بطن أمه وبعد ولادته:

قال الإمام الحافظ الشيخ عبد الله الهرري غفر الله له ولوالديه ورحمهم رحمة واسعة:

الحمد لله رب العالمين وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبيين الطاهرين. أما بعد:

فقد قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ (8)} هذه السورة الكريمة فيها بيان أمور من أمور يوم القيامة، فيها أن هذه الأرض تشهد على العباد بما عملوا عليها، الله ينطقها فتشهد عليهم نطقاً،ولا يستنكر نطق الجماد بإذن الله، فإن الله تعالى هو الذي أنطق الإنسان الذي كان نطفة ثم سواه رجلاً، أنشأه حتى انتقل من طور إلى طور، من طور النطفة إلى أن جعله جنيناً مؤلفاً من لحم وعظم، ثم جعل فيه الروح، ثم أخرجه من بطن أمه، ثم جعله في الوقت الذي شاء أن يتكلم فيه الروح، ثم أخرجه من بطن أمه، ثم جعله في الوقت الذي شاء أن يتكلم فيعبر عما في ضميره، ثم أعطاه قوة بعد ضعف كان عليه، فبعد أن كان ضعيفاً لا يحمي نفسه من المهلكات، جعله يقوى على حفظ نفسه وحفظ غيره فجعله رجلاً، والرجل هو البالغ من بني آدم ويطلق الرجل أيضاً على ذكور الجن، والأنثى يقال لها: امرأة إذا بلغت إن كانت متزوجة أو بكراً. 

الله تعالى نقل هذا الإنسان من النطفة في أطوار إلى أن صار رجلاً، لما كان نطفة هذ النطفة كانت خالية عن الروح، كانت كالجمادات ثم طورها الله إلى أن صارت رجلاً يتكلم وامرأة تتكلم يدبران أمور معيشتهما.

 

نطق الأرض يوم القيامة:

الله تعالى هو بقدرته خلق في الإنسان النطق، وهو بقدرته يخلق في هذه الأرض التي تحملنا النطق، فتنطق وتشهد للإنسان بما عمل عليها، تشهد بالخير وبالشر الذي عمله، أما المؤمنون الأتقياء فلا تشهد عليهم إلا بالحسنات لأن سيئاتهم محيت عنهم، المسلم الصالح يغفر الله له سيئاته فلا يبقى في صحائفه إلا الخير، ثم تشهد له الأرض يوم القيامة بما عمل عليها من الحسنات تقول: فلان عمل علي كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وأما الكافر فإنها تشهد عليه بما عمل من الفجور والكفر والفسوق والعصيان، وليس له حسنة في الآخرة تشهد عليه الأرض بها، لأن الكافر يستوفي جزاءه على الحسنات التي يعملها في الدنيا بالطعام والصحة ونحو ذلك، فإذا خرج من الدنيا فليس له شيء من الحسنات، يجازي على إطعام الجائع وكسوة العاري حتى إذا خرج من الدنيا لم يكن له نصيب من الحسنات في الآخرة.

وأما المسلمون الذين ماتوا قبل أن يخلصوا أنفسهم من كبائر الذنوب بالتوبة فهؤلاء قسمان: قسم منهم تشهد عليهم الأرض بما عملوا عليها من الحسنات والسيئات، وقسم منهم يسترهم الله تعالى، فلا تشهد الأرض عليهم بما عملوا على ظهرها من السيئات. هذا معنى قول الله تعالى: {يومئذ تحدث أخبارها} هذه هي اخبار الأرض، وقوله تعالى {بأن ربك أوحى لها} يفهم منه أن الأرض في ذلك الوقت، الله يخلق فيها إدراكاً فيعلمها بما كان يعمل على ظهرها.

متى يلجأ إلى التأويل ومتى لا؟

هذه الآية وأمثالها مما يتضمن من المعاني الغريبة عن مألوف الإنسان تحمل على ظاهرا ولا تخرج عن ذلك الظاهر بالتأويل، لأن هذا داخل في حيز الإمكان وليس من المستحيلات فلا يجوز تأويله، وكذلك كل نص قرآني أو حديثي يكون معناه شيئاً غريباً عن مألوف الإنسان، أي عما ألفه من الأمور التي اعتادها الناس في الدنيا، يحمل على ظاهره ولا يخرج عن ظاهره إلا إذا اقتضى الدليل الشرعي الثابت أو العقلي القاطع.

إذا وردت آية أو جاء حديث نبوي لا يصح أن يكون معناه ما يقتضي الظاهر، يحمل على معنى غير ما يقتضيه الظاهر وذلك هو التأويل، فالتأويل لا يجوز إلا لسبب شرعي، يؤول النص للدليل العقلي القطعي، ويؤول لدليل آخر من القرآن ومن الحديث الصحيح أيضاً، وأما لغير ذلك فلا يجوز تأويل النصوص.

فمن حاول أن يؤول مثل هذه الآية التي في سورة الزلزلة لكون ذلك غير مألوف في العادة كان كلامه مروداً، فإذا رأيتم مؤلفاً أو إنساناً يؤول مثل هذه الآية فلا تقبلوا منه هذا التأويل، فقد حاول كثير من الناس أن يؤولوا معجزات الأنبياء كان ذلك إلحاداً، مثلاً: إذا حاول إنسان أن يؤول ما جاء به موسى وعيسى وصالح وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم من المعجزات، فأخرجها عن معانيها بدعوى التأويل، وفسرها بالأمور العادية فإن ذلك كفر، لأن فيه محاول لإبطال حجج الأنبياء.

من تمويهات منكري الحقائق:

هؤلاء لهم مسالك يموهون بها حتى يوهموا من كان ضعيف الفهم أنهم على شيء من الصواب، فيجب الحذر منهم وعدم الانكباب على مطالعة مؤلفاتهم. وكذلك الذين يؤولون بأن الشياطين ليست إلا خواطر رديئة، فهم كفار وإن تظاهروا بمظهر المفسرين، فإنهم من المكذبين لدين رسول الله ﷺ. يوجد تفسير يسمى تفسير “المراغي” يقول مؤلفه في تفسيره عندما يذكر الشيطان: إن الشيطان ليس إلا الخواطر الرديئة وليس فيها مقصد شريف، ومقصوده بذلك التوصل لإخراج الناس من الدين لأن تأويل الشياطين بهذا المعنى إنما هو خروج من الدين.

 

ولا نعني بهذا أن كل تأويل للقرآن أو للحديث باطل ومردود، إنما نعني أن تأويل أكثر ما ورد في أوصاف يوم القيامة وأوصاف الجنة والنار هذا هو الإلحاد. وكذلك من حاول أن يؤول آيات الأحكام التي اتفق المسلمون على تفسيرها بالمعنى الذي تعارفوه فيما بينهم فإن ذلك كفر، مثلاً حاول إنسان أن يفسر الصلاة في قول الله تعالى: {وأقيموا الصلاة} بغير هذه الصلاة التي يعرفها المسلمون، فقال: إنما هي معنى آخر فهذا كفر، كذلك الذي يؤول الزنى، فيقول والعياذ بالله: ليس الزنى الذي تفهمونه إنما الزنى الذي حرمه الله أمر غير الذي تفهمونه!! يقول: هو أمر معنوي، فهذا إنكار حرمة الزنى وهذا كفر، هذا يريد هدم الدين فلا يسمع له ولا يقبل تأويله، ويقال له: أنت محرف لكتاب الله.

 

توجد طائفة تسمى “الباطنية” دأبهم تحريف الآيات حتى يخرجوا من اطمأن لكلامهم من الدين فيجعلوه مارقاً ملحداً! وبهذا تمكنوا فيما مضى من الزمن، من الإضرار بالمسلمين بشتى أنواع الحيل التي نصبوها لهم، فإذا كان الأمر هكذا، فالواجب على الإنسان أن يتفهم من القرآن على حسب ما جاء عن رسول الله ﷺ وعن التابعين لهم بإحسان، ولا يزال على ذلك أكثر المسلمين إلى يوم القيامة، من حيث الفهم لا يخرجون عن ذلك مهما بالغوا في التقصير في أداء الفرائض العملية.

 

وهكذا كل من أنكر أمراً ظاهراً بين المسلمين علمائهم وعوامهم فإنه محرف لشريعة الله، مثلاً ادعى إنسان أن من صفا باطنه واشتغل بالذكر ورياضة النفس أي تهذيبها بالتفكير والخلوة، يصل بهذا إلى أن يصير له رخيصة بترك فرائض الله تعالى! فإنه ملحد والعياذ بالله، استندوا لقولهم الفاسد إلى قوله تعالى: {واعبد ربك حى يأتيك اليقين} والمعنى الذي اتفق عليه المسلمون أنه لا يسقط عن الإنسان فرائض الله إلى أن يموت، لا يسقط عنه فرض صلاة أو صيام مهما اشتغل باذكر أو ورد الطريقة فهو مكلف بأداء الفرائض.

هذا هو المعنى الحقيقي لهذه الآية، ومع ذلك فقد وجد هؤلاء المفسدون فيما مضى من استجاب لدعوتهم فاتبعوهم، والله تبارك وتعالى أمرنا بأن نتبع ما كان عليه أصحاب رسول الله ومن تبعهم فيما كانوا عليه، قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسانا رضي الله عنهم ورضوا عنه}.

وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.