(لا دِينَ صَحِيحٌ إِلَّا الإِسْلامُ)
(الدِّينُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ) تَعَالَى هُوَ (الإِسْلامُ قَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ (﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾) فَدَلَّتِ الآيَةُ أَنَّ كُلَّ مَنِ اتَّخَذَ دِينًا غَيْرَ دِينِ الإِسْلامِ فَهُوَ خَاسِرٌ فِى الآخِرَةِ وَدِينُهُ بَاطِلٌ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ إِنَّهُ دِينٌ سَمَاوِىٌّ (وَقَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ (أَيْضًا ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾) فَدَلَّتِ الآيَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الدِّينَ الْوَحِيدَ الْمَقْبُولَ فِى الآخِرَةِ هُوَ الإِسْلامُ فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ وَهُوَ دِينُ الأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا (فَكُلُّ الأَنْبِيَاءِ مُسْلِمُونَ فَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَىْ اتِّبَاعًا صَحِيحًا (فَهُوَ مُسْلِمٌ مُوسَوِىٌّ) أَىْ مِنْ أَتْبَاعِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ (وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَىِ اتِّبَاعًا صَحِيحًا (فَهُوَ مُسْلِمٌ عِيسَوِىٌّ) أَىْ مِنْ أَتْبَاعِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ (وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِمَنِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمٌ مُحَمَّدِىٌّ) وَلا عِبْرَةَ بِمَنْ أَنْكَرَ جَوَازَ ذَلِكَ جَهْلًا أَوْ عِنَادًا إِذِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ تَبِعَ الإِمَامَ مَالِكًا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى مَذْهَبِهِ مَالِكِىٌّ وَلِمَنْ تَبِعَ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ حَنَفِىٌّ وَلِمَنْ تَبِعَ إِمَامَنَا الشَّافِعِىَّ شَافِعِىٌّ وَلِمَنْ تَبِعَ ابْنَ حَنْبَلٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ حَنْبَلِىٌّ فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ اخْتِلافٌ فِى الدِّينِ بَلْ جَاؤُوا كُلُّهُمْ بِدِينٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ شَرَائِعُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ فِى شَرْعِ الرَّسُولِ اللَّاحِقِ بَعْضَ الأَحْكَامِ الَّتِى تَخْتَلِفُ عَنْ أَحْكَامٍ كَانَتْ فِى شَرْعِ الرَّسُولِ السَّابِقِ وَقَدْ عَلِمَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ قَائِمَةٌ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلِذَلِكَ جَعَلَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ خَاتِمَةَ الشَّرَائِعِ فَلا يُبْعَثُ بَعْدَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِىٌّ وَلا يُغَيَّرُ مِنْ أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِ بَعْدَهُ شَىْءٌ.
(وَالإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ الَّذِى رَضِيَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَأَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ) كَمَا أَمَرَ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الأُمَمِ بِذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الشُّورَى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (وَ)لَكِنْ (لا يُسَمَّى اللَّهُ مُسْلِمًا كَمَا تَلَفَّظَ بِهِ بَعْضُ الْجُهَّالِ) فَقَدْ حَصَلَ فِى مَدِينَةِ بَيْرُوتَ فِى بَعْضِ السِّنِينَ أَنَّ السَّمَاءَ أَمْطَرَتْ فِى عِيدِ النَّصَارَى وَكَانَ فِى عِيدِ الْمُسْلِمِينَ صَحْوٌ فَقَالَ بَعْضُ النَّصَارَى إِنَّ اللَّهَ مُسْلِمٌ وَهَذَا كَلامٌ بَاطِلٌ كَمَا لا يَخْفَى فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مَعْنَاهُ الْمُنْقَادُ وَاللَّهُ لا يَنْقَادُ بَلْ غَيْرُهُ يَنْقَادُ لَهُ وَهُوَ يُطْلَقُ فِى اصْطِلاحِ الشَّرْعِ عَلَى الْعَاقِلِ الَّذِى صَدَّقَ بِقَلْبِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَتَلَفَّظَ بِهِمَا وَلا يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى السَّلامَ أَىِ السَّالِمَ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ، وَمَا وَرَدَ فِى الْقُرْءَانِ مِنْ تَسْمِيَةِ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِ فَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِى يَصْدُقُ عِبَادَهُ وَعْدَهُ وَيَفِى بِمَا ضَمِنَهُ لَهُمْ وَلا يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ عِنْدَ إِطْلاقِ لَفْظِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الشَّخْصِ الْمُسْلِمِ. ثُمَّ إِنَّنَا أَطْلَقْنَا اسْمَ الْمُؤْمِنِ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ كَمَا جَاءَ فِى الْقُرْءَانِ وَثَبَتَ فِى الْحَدِيثِ وَلَوْلا ذَلِكَ لَمَا أَطْلَقْنَاهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَمَا أَطْلَقَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَطْلَقْنَاهُ عَلَيْهِ وَمَا لا فَلا كَمَا أَوْضَحَهُ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الأَئِمَّةِ. قَالَ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى اللُّمَعِ فَالأَسْمَاءُ لَيْسَتْ إِلَيْنَا وَلا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُسَمِّىَ اللَّهَ تَعَالَى بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ وَلا سَمَّاهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ اﻫ وَفِى مُجَرَّدِ مَقَالاتِ الأَشْعَرِىِّ لِابْنِ فُورَك أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ أَصْلِ الإِمَامِ أَبِى الْحَسَنِ وَالْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْصَافِهِ أَنَّهُ لا يَتَعَدَّى فِيهَا التَّوْقِيفَ الْوَارِدَ فِى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الأُمَّةِ اﻫ
(فَقَدِيمًا) فِى زَمَنِ ءَادَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (كَانَ الْبَشَرُ جَمِيعُهُمْ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ هُوَ الإِسْلامُ) لَيْسَ بَيْنَهُمْ كَافِرٌ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فِى زَمَنِ سَيِّدِنَا شِيثٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وَفِى زَمَنِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلامُ (وَإِنَّمَا حَدَثَ الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ) وَفَاةِ (النَّبِىِّ إِدْرِيسَ) أَىْ بَعْدَ وَفَاةِ ءَادَمَ بِأَلْفِ سَنَةٍ ثُمَّ مَضَى بَعْدَ وَفَاةِ إِدْرِيسَ أَلْفُ سَنَةٍ إِلَى أَنْ بُعِثَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ (فَكَانَ نُوحٌ أَوَّلَ نَبِىٍّ أُرْسِلَ إِلَى الْكُفَّارِ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الَّذِى لا شَرِيكَ لَهُ) وَهُوَ مَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِى رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ ءَادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلنَّاسِ اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رُسُلِ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ اﻫ فَالْمَقْصُودُ هُنَا بِأَوَّلِ رُسُلِ اللَّهِ أَوَّلُ نَبِىٍّ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ وَلا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ أَوَّلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَى الإِطْلاقِ بَلْ سَبَقَهُ ءَادَمُ وَشِيثٌ وَإِدْريسُ فَالأَوَّلِيَّةُ الْمُرَادَةُ هُنَا هِىَ أَوَّلِيَّةٌ نِسْبِيَّةٌ لا مُطْلَقَةٌ وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا ثَبَتَ مَرْفُوعًا أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ وَقَدْ سَبَقَهُ فِى الْوُجُودِ الْمَاءُ وَالْعَرْشُ كَمَا لا يَخْفَى فَأَوَّلِيَّةُ الْقَلَمِ أَوَّلِيَّةٌ نِسْبِيَّةٌ. وَهَذِهِ الْمُدَّةُ الَّتِى بَيْنَ إِدْرِيسَ وَنُوحٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ هِىَ الْجَاهِلِيَّةُ الأُولَى الَّتِى عَنَاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِى سُورَةِ الأَحْزَابِ ﴿وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ وَلَمْ يُرْسَلْ إِلَى أَهْلِهَا نَبِىٌّ قَبْلَ نُوحٍ (وَقَدْ حَذَّرَ اللَّهُ جَمِيعَ الرُّسُلِ مِنْ بَعْدِهِ) أَىْ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ (مِنَ الشِّرْكِ) وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ تَحْذِيرُ أُمَمِهِمْ لِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مَعْصُومُونَ مِنَ الشِّرْكِ. ثُمَّ تَوَالَى الأَنْبِيَاءُ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَى نَحْوُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ أَوْ يَزِيدُ مِنْ غَيْرِ بِعْثَةِ نَبِىٍّ إِلَى أَنْ نَزَلَ الْوَحْىُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَامَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ إِلَى الإِسْلامِ بَعْدَ أَنِ انْقَطَعَ فِى مَا بَيْنَ النَّاسِ فِى الأَرْضِ) إِذْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْبَشَرِ عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ ومَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ أَىْ فِى زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَكَانَ فِى السَّمَاءِ لا فِى الأَرْضِ وَأَمَّا الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَلا يَعِيشُ مُخْتَلِطًا بِالْبَشَرِ عَلَى الْيَابِسَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِى كَثِيرٍ مِنْ وَقْتِهِ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَأْتِى هَذَا فَيُرْشِدُهُ وَهَذَا فَيُثَبِّتُهُ وَهَذَا فَيُعَلِّمُهُ وَأَمَّا شَخْصٌ يَعِيشُ عَلَى الأَرْضِ مُخْتَلِطًا بِالْبَشَرِ فَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمٌ عِنْدَ أَوَّلِ نُزُولِ الْوَحْىِ إِلَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ دَعَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَىْ إِلَى عِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ (مُؤَيَّدًا) مِنْ رَبِّهِ (بِالْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَدَخَلَ الْبَعْضُ) مِمَّنْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَتُهُ مِنْ عَبَدَةِ الأَصْنَامِ (فِى الإِسْلامِ) كَالْجَعْدِ بنِ قَيْسٍ الْمُرَادِىِّ الَّذِى أَسْلَمَ بِسَبَبِ مَا سَمِعَهُ مِنْ جِنِّىٍّ مُسْلِمٍ مِنْ أَتْبَاعِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَإِنَّهُ قَالَ وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِائَةَ سَنَةٍ خَرَجْنَا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ نُرِيدُ الْحَجَّ فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْيَمَنِ فَلَمَّا أَقْبَلَ اللَّيْلُ اسْتَعَذْنَا بِعَظِيمِ الْوَادِى وَعَقَلْنَا رَوَاحِلَنَا فَلَمَّا هَدَأَ اللَّيْلُ وَنَامَ أَصْحَابِى إِذَا هَاتِفٌ مِنْ بَعْضِ أَرْجَاءِ الْوَادِى يَقُولُ
أَلا أَيُّهَا الرَّكْبُ الْمُعَرِّسُ[1] بَلِّغُوا إِذَا مَـا وَقَفْتُمْ بِالْحَطِيمِ وزَمْزَمَـــــــــــــــا
مُحَمَّـدًا الْمَبْعُــــــــــــــــــــــــــــوثَ مِنَّا تَحِيَّةً تُشَيِّعُهُ مِنْ حَيْثُ سَـارَ وَيَمَّمَــــــــــــــــا
وَقُولُوا لَهُ إِنَّا لِدِينِكَ شِـــــــــــــــــيعَةٌ[2] بِذَلِكَ أَوْصَانَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَا
فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ إِسْلامِهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ اﻫ ذَكَرَهُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِىُّ فِى شَرَفِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِى الإِصَابَةِ فِى تَمْيِيزِ الصَّحَابَةِ.
(وَجَحَدَ بِنُبُوَّتِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْلُ الضَّلالِ الَّذِينَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا قَبْلاً كَفِرْقَةٍ مِنَ الْيَهُودِ عَبَدَتْ عُزَيْرًا) وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِحِينَ كَانَ قَدْ أَلْقَى التَّوْرَاةَ مِنْ حِفْظِهِ بَعْدَ أَنْ تَلِفَتْ نُسَخُهَا كُلُّهَا فَقَالَ بَعْضُ بَنِى إِسْرَائِيلَ هَذَا ابْنُ اللَّهِ لَوْلا أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يُلْقِىَ التَّوْرَاةَ مِنْ حِفْظِهِ فَكَفَرُوا بِذَلِكَ ثُمَّ كَذَّبُوا سَيِّدَنَا عِيسَى (فَازْدَادُوا كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ) ثُمَّ كَذَّبُوا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَازْدَادُوا فِى الْكُفْرِ أَيْضًا (وَءَامَنَ بِهِ) عَلَيْهِ صَلاةُ اللَّهِ وَسَلامُهُ (بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَعَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلامٍ عَالِمِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ) جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ثَلاثَةِ أُمُورٍ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَرَبَ لا عِلْمَ لَهُمْ بِهَا فَأَجَابَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَنْهَا بِالْوَحْىِ وَقَالَ لَهُ أَخْبَرَنِى بِهِنَّ جِبْرِيلُ ءَانِفًا فَآمَنَ وَتَشَهَّدَ وَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ (وَ)كَذَا ءَامَنَ بِهِ (أَصْحَمَةُ النَّجَاشِى) بِتَرْكِ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَبِتَشْدِيدِهَا وَتَرْكُ التَّشْدِيدِ مُوَافِقٌ لِلُغَةِ الْحَبَشَةِ إِذْ لا تُعْرَفُ يَاءُ النِّسْبَةِ فِيهَا وَهُوَ (مَلِكُ الْحَبَشَةِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ) أَسْلَمَ وَ(اتَّبَعَ الرَّسُولَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّبَاعًا كَامِلًا (وَمَاتَ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ الرَّسُولُ) عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (صَلاةَ الْغَائِبِ يَوْمَ مَاتَ) إِذْ (أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِمَوْتِهِ) فَقَالَ لِلصَّحَابَةِ مَاتَ الْيَوْمَ أَخُوكُمْ أَصْحَمَةُ وَهُوَ عَبْدٌ صَالِحٌ فَصَلُّوا عَلَيْهِ اﻫ (ثُمَّ كَانَ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ فِى اللَّيَالِى نُورٌ) كَمَا رَوَى رُزَيْنٌ الْعَبْدَرِىُّ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ اهـ (وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا كَامِلًا وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ).
(وَالْمَبْدَأُ) أَىِ الأَسَاسُ (الإِسْلامِىُّ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلامِ) مِنْ أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالأُمَمِ السَّابِقَةِ (عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ) مَعَ إِيمَانِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِنَبِىِّ عَصْرِهِ.
(12) الْمُعَرِّسُ هُوَ الْمُسَافِرُ الَّذِى نَزَلَ لَيْلًا فِى مَكَانٍ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ فِى السَّيْرِ.