الأحد ديسمبر 7, 2025

كتاب الحج

 

   قال المؤلف رحمه الله: يجب الحج والعمرة في العمر مرة.

   الشرح الحج قصد الكعبة بأفعال مخصوصة، والعمرة زيارة الكعبة لأفعال مخصوصة.

   والحج فرض بالإجماع على المستطيع ومن أنكر وجوبه كفر وأما مجرد تركه للمستطيع مع اعتقاد وجوبه وفرضيته فلا يكون كفرا. وأما العمرة فقد اختلف فيها فذهب بعض الأئمة ومنهم الشافعي رضي الله عنه إلى أنها فرض كالحج وذهب بعض إلى أنها سنة ليست فرضا.

   وقد جعل الله للحج مزية ليست للصلاة ولا للصيام ولا للزكاة وهي أنه يكفر الكبائر والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلم «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» رواه البخاري ومعنى «فلم يرفث» كف نفسه عن الجماع ما دام في الإحرام بخلاف الصلوات الخمس والزكاة والصيام فإنها لا تكفر الكبائر ومع ذلك الصلوات الخمس مرتبتها في الدين أعلى من مرتبة الحج، فإن قيل كيف يكون ذلك فالجواب أن المزية لا تقتضي التفضيل أي أن الحج وإن كان له مزية أنه يكفر الكبائر والصغائر بخلاف الصلوات الخمس فليس ذلك دليلا على أنه أفضل منها.

   ثم الشرط في كون الحج يكفر الكبائر والصغائر ويجعل الإنسان كيوم ولدته أمه أن تكون نيته خالصة لله تعالى، وأن يحفظ نفسه من الفسوق أي من كبائر الذنوب والجماع، وأن يكون المال الذي يتزوده لحجه حلالا، فأما من لم يكن بهذه الصفة فلا يجعله حجه كيوم ولدته أمه لكنه لو لم يحفظ نفسه من صغائر الذنوب فلا يمنعه ذلك من تلك الفضيلة، فلا يقال للذي تحصل منه الصغائر وهو في الحج ككذبة من الصغائر ونظرة بشهوة ذهب ثواب حجك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد صبيحة العيد بمنى امرأة شابة جميلة تسأله عن مسألة في الحج فجعل ابن عمه ينظر إليها أعجبه حسنها وجعلت هي تنظر إليه أعجبها حسنه فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنق ابن عمه الذي كان راكبا خلفه على البعير إلى الشق الآخر ولم يقل له أنت أذهبت ثواب حجك لأنك نظرت نظرة محرمة. هذا الحديث رواه البخاري والترمذي.

   قال المؤلف رحمه الله: على المسلم الحر المكلف المستطيع بما يوصله ويرده إلى وطنه فاضلا عن دينه ومسكنه وكسوته اللائقين به ومؤنة من عليه مؤنته مدة ذهابه وإيابه.

   الشرح للحج شروط وجوب وشرط صحة، فأما شروط الوجوب فهي الإسلام والبلوغ والعقل والاستطاعة والحرية، وأما شرط الصحة فهو الإسلام فيصح الحج من المسلم البالغ المستطيع وغير المستطيع ومن الصبي فيصح من المميز بمباشرة الأعمال بنفسه كالبالغ ومن غير المميز بطريق وليه فيما لا يتأتى منه، فإذا أحرم ولي الصبي الذي ليس مميزا عنه أي نوى جعله محرما ولو كان الصبي غير حاضر عند إحرامه ثم أحضره المشاهد أي طاف به الكعبة وسعى به بين الصفا والمروة وأشهده عرفة صح لهذا الطفل حجه لحديث المرأة التي أتت بولد تحمله فقالت يا رسول الله ألهذا حج قال «نعم ولك أجر»، فإذا جعل الولي الصبي محرما يفعل عنه ما لا يتأتى من الطفل مثل ركعتي الطواف، ويلزمه أن يمنعه من المحظورات. أما صحة المباشرة فشرطها التمييز وإذن الولي. وأما صحة وقوع الحج عن نذر فيشترط فيه التكليف. وأما وقوع الحج عن فرض الإسلام بحيث لا يجب إعادته في العمر مرة أخرى فشرطه مع التكليف الحرية التامة.

   يعلم من ذلك أن الحج والعمرة لا يجبان إلا على المسلم الحر الكامل الحرية المكلف المستطيع فلا يطالب الكافر الأصلي بأدائهما حتى لو زالت عنه الاستطاعة ثم أسلم لا يجبان عليه لأن استطاعته في حال كفره كلا استطاعة لكنه يخاطب بهما خطاب عقاب في الآخرة وأما المرتد فيخاطب بهما خطاب لزوم فإن كان مستطيعا في حال ردته ثم أسلم وقد افتقر قبل أن يسلم ثبتا في ذمته، ولو مات في زمن استطاعته مرتدا لم يحج ولم يعتمر عنه.

   ويعلم أيضا أن الحج والعمرة لا يجبان على القن والقن هو العبد المملوك كله. وكذلك غير المكلف لا يجبان عليه. وكذلك غير المستطيع وإن كان لو تكلف باستدانة أو غيرها أجزأه.

   وقول المؤلف في شرح الاستطاعة «فاضلا عن دينه ومسكنه وكسوته اللائقين به ومؤنة من عليه مؤنته مدة ذهابه وإيابه». معناه أن من شروط وجوب الحج الاستطاعة، والاستطاعة نوعان استطاعة حسية واستطاعة معنوية فالاستطاعة الحسية أن يجد الشخص ما يوصله إلى مكة ويرده إلى وطنه من زاد وما يتبع ذلك فاضلا عن دينه ومسكنه وكسوته اللائقين به ومؤنة من عليه مؤنته مدة ذهابه وإيابه مع الأمن على نفسه وماله. وأما الاستطاعة المعنوية أي الاستطاعة الحكمية فمنها أن تجد المرأة محرما يرافقها أو نسوة ثقات بالغات أو مراهقات قال بعضهم لو وجدت ثقة واحدة يكفي لحصول الاستطاعة، فإن كان محرمها لا يسافر معها للحج إلا بالأجرة فيشترط أن تكون واجدة لهذه الأجرة أي قادرة عليها، فلا يجب على المرأة أن تحج إلا بهذا الشرط فإن لم تحصل على هذا الشرط جاز لها أن تخرج لحج الفرض وحدها، أما لغير الحج الواجب وهو النفل فلا يجوز لها السفر من أجله وحدها ولا مع النسوة الثقات. ويشمل هذا الحكم سفرها لزيارة الأولياء أو لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لها أن تسافر لغير الفرض من حج أو غيره إلا مع محرم وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام» وفي رواية «مسيرة يوم وليلة» وفي رواية «بريدا» «إلا ومعها محرم» وكل هذه الروايات صحيحة الإسناد.

   فإذا كان لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم أو زوج لحج النفل وزيارة قبر الرسول ونحو ذلك فبالأولى أن لا يجوز لها السفر وحدها للتنزه إلا أن يكون سفرها لضرورة كأن تخاف على نفسها في بلدها أو لا تجد قوتها أو لا تجد من يعلمها دينها أي علم دينها الضروري.

   وهذه الاستطاعة تسمى الاستطاعة بالنفس، وهناك استطاعة بالغير وذلك في المعضوب الذي قطعه المرض وبينه وبين مكة مرحلتان فأكثر فلا يستطيع أن يحج بنفسه ماشيا أو راكبا، فهذا يجب عليه أن ينيب عن نفسه من يحج عنه بأجرة إن قدر عليها، وهذا النائب يجب أن يكون قد حج عن نفسه أما الذي لم يحج عن نفسه فلا ينوب عن غيره.

   ويفهم من قول المؤلف «فاضلا عن دينه ومسكنه وكسوته اللائقين به ومؤنة من عليه مؤنته مدة ذهابه وإيابه» أن الحج لا يجب على الشخص إلا إذا وجد زادا للحج فاضلا عن دينه ولو كان ذلك الدين مؤجلا أو كان ذلك الدين حقا لله تعالى ليس حقا للعباد كالكفارة والزكاة، فإذا كان الشخص عليه في ذمته دين لشخص أو زكاة ما دفعها وكان لو حج فاته أداء ما عليه من الدين أو أداء الزكاة فليس بمستطيع.

   ويشترط كذلك أن يكون الزاد زائدا أيضا عن المسكن وعن الكسوة وليس المعني بقوله فاضلا عن مسكنه أن يكون له بيت ملك يسكنه بل يكفي أن يكون ملكا أو مستأجرا يستطيع دفع أجرته. ويعتبر أن يكون المسكن والكسوة لائقين به فإن كان فوق ما يليق به فهو لا يمنع الوجوب ولا يمنع الاستطاعة، وأما إن كان أقل مما يليق به فيمنع الاستطاعة. ويشترط أن يكون الزاد زائدا عن مؤنة من عليه مؤنته كالزوجة والقريب الذي تجب نفقته عليه كأبيه وأمه الفقيرين، وعن إعفاف أبيه أي أنه إن كان له أب يحتاج للزواج وكان الابن لا يجد ما يكفي لزاد الحج مع مؤنة تزويج الأب فهو ليس بمستطيع. الله تعالى أكد أمر الوالد فإن كان الأب بحاجة للزواج ففرض على الولد أن يساعده فإن لم يساعده فهو فاسق، هذا إن لم يكن للأب مال يستطيع أن يزوج نفسه منه.

   قال المؤلف رحمه الله: وأركان الحج ستة الأول الإحرام وهو أن يقول بقلبه «دخلت في عمل الحج أو العمرة».

   الشرح الأركان هي الأعمال التي لا يصح الحج بدونها ولا تجبر بالدم وهي ستة أولها الإحرام، ومعنى الإحرام نية الدخول في النسك، والنسك هو عمل الحج أو عمل العمرة، فلا تجب نية الفرضية في الحج الفرض إنما الواجب أن يقول في قلبه «دخلت في النسك» مثلا.

   تنبيه قصد النسك قبل الإحرام لا يسمى إحراما وإنما الإحرام ما سبق ذكره، وهذا يخفى على بعض الجهال يظنون أن الحج رؤية مكة وحضور تلك المشاهد فإذا قيل لأحدهم ماذا نويت يقول أنا نويت مكة أو نحو ذلك.

   ثم إن الإحرام ينعقد مطلقا من دون تعيين كأن يقول نويت الإحرام ثم بعد ذلك يصرفه للحج وحده أو للعمرة وحدها أو يصرفه لهما أي للحج والعمرة فإذا كان في بدء الأمر نوى الدخول في النسك من غير تعيين الحج أو العمرة أو القران بينهما كان إحراما مطلقا ثم بعد ذلك له الخيار إن شاء جعله حجا مفردا وإن شاء جعله عمرة مفردة وإن شاء جعله قرانا أي جمعا بين الحج والعمرة فلا يصح له أن يباشر الأعمال قبل الصرف أي التعيين، لكن لو صرف بعد الطواف يكون هذا الطواف طواف القدوم والسعي الذي بعده لا يصح، هذا إذا كان في أشهر الحج أي بعد دخول شهر شوال أما لو أحرم في غير أشهر الحج فينصرف إحرامه إلى عمرة ولو لم يعين، حتى لو نوى الحج قبل أن تدخل أشهره انقلب إحرامه إلى إحرام بعمرة لأنه نوى الحج قبل وقته والحج لا تصح نيته إلا بعد دخول أشهره. وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وبعضها من الأشهر الحرم الأربعة ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب.

   ويسن قبل الإحرام الاغتسال وتطييب البدن وهو سنة للرجال والنساء، وأفضل الطيب المسك المخلوط بماء الورد ثم بعد ذلك ليس عليه بأس في استبقائه عليه لأنه في سنن أبي داود وسنن البيهقي أن عائشة رضي الله عنها قالت «كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمخ جباهنا بالمسك للإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينهانا». أما الثوب فتطييبه مكروه لكن لو فعل ذلك لا يحرم عليه أن يستمر على لبس هذا الثوب، ولو نزع هذا الثوب المطيب عن جسمه فيحرم عليه إعادته إليه وتلزمه فدية إن فعل ويسن للرجال أن يجهروا بالتلبية أي أن يرفعوا أصواتهم رفعا قويا بها بعد المرة الأولى، أما النساء فلا يرفعن أصواتهن بالتلبية لا في المرة الأولى ولا فيما بعدها.

   قال المؤلف رحمه الله: الثاني الوقوف بعرفة بين زوال شمس يوم عرفة إلى فجر ليلة العيد.

   الشرح أن الركن الثاني للحج الوقوف بعرفة فيما بين زوال شمس اليوم التاسع وطلوع الفجر، ويجزئ بأي جزء من أرض عرفة ولو كان على ظهر دابة أو شجرة ولو كان مارا لم يمكث فيها أو كان نائما.

   ثم الأفضل للرجال أن يقفوا في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات الكبار المفترشة أسفل جبل الرحمة وللنساء حاشية الموقف حتى لا يزاحمن الرجال، ويسن الجمع بين الليل والنهار فإن ترك ذلك كان مكروها، ثم يرحل من عرفات إلى مزدلفة.

   قال المؤلف رحمه الله: الثالث الطواف بالبيت.

   الشرح الركن الثالث الطواف بالبيت ولا يصح إلا بعد انتصاف ليلة النحر. ومعنى الطواف هو أن يدور الحاج حول الكعبة سبع مرات وقد جعل البيت أي الكعبة عن يساره مارا لجهة الحجر بكسر الحاء وسكون الجيم، فإن جعل البيت عن يمينه ومشى أمامه أو مشى القهقرى أي إلى خلف أو جعل البيت أمامه واستقبله بصدره أو جعله عن يساره ومشى القهقرى لم يصح طوافه.

   ومن شروط الطواف أن يبدأ بالحجر الأسود وأن يحاذيه كله أو بعضه في أول طوافه، فيجب في الابتداء أن لا يتقدم جزء منه على جزء من الحجر بفتح الحاء والجيم مما يلي الباب.

   ومنها النية إن لم يكن الطواف داخلا في النسك بأن لم يكن بإحرام بل كان بغير إحرام بحج أو عمرة فإنه حينئذ تجب النية فلا يصح الطواف بدونها. ومنها أن يكون عدد الطوفات سبعا يقينا فلو شك في العدد أخذ بالأقل كالصلاة. ومنها أن يكون داخل المسجد ولو على سطحه وأن يكون الطواف بالكعبة خارجها وخارج الشاذروان والحجر بجميع بدنه. والشاذروان جزء من أساس الكعبة مرتفع قدر ذراع تقريبا فهو من الكعبة لذلك لا يجوز أن يطوف الإنسان وشىء من بدنه محاذ له. ومنها الطهارة عن الحدثين والنجاسة.

   ولا يشترط المشي بل يصح الطواف لو كان راكبا فقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبا البعير وشرط جواز ذلك أن لا يحصل بسببه تقذير لأرض المسجد برجل البعير فإن كان في حال يحصل منه تقذير للمسجد بما على رجل البعير من روث أو غيره حرم لأن تقذير المسجد ولا سيما المسجد الحرام حرام.

   ومن سنن الطواف استلام الحجر بفتح الجيم وتقبيله بلا صوت، والأذكار المأثورة عنه عليه الصلاة والسلام أو عن أحد من الصحابة فإنها أفضل فيه، فمن المأثور «ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» إذ ثبت أنها أكثر دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم في الحج وغيره.

   قال المؤلف رحمه الله: الرابع السعي بين الصفا والمروة سبع مرات من العقد إلى العقد.

   الشرح أن السعي بين الصفا والمروة من أركان الحج لا يصح الحج بدونه، وواجباته ثلاثة الأول البداءة في الأوتار بالصفا وفي الأشفاع بالمروة، والعقد الذي على الصفا علامة على أولهما فمن شاء اقتصر على ذلك ومن شاء يصعد إلى ما فوقه من الصخرات وإذا لم يفعل ذلك وبدأ بالعقد صح، والصفا جبل والمروة جبل كان بينهما واد منخفض ثم هذا الوادي طم بالتراب والحجارة فصارت الأرض سهلة. والثاني كونه بعد الطواف. والثالث كونه سبعة أشواط.

   قال المؤلف رحمه الله: والخامس  الحلق أو التقصير.

   الشرح الخامس من أركان الحج الحلق أو التقصير. والحلق هو استئصال الشعر بالموسى، والتقصير أن يؤخذ منه شىء قليل أو كثير من غير استئصال، ففعل أحد هذين فرض من فروض الحج. والواجب إزالة ثلاث شعرات بالقص أو النتف أو الحرق أو أي كيفية أخرى لكن استعمال الطريقة التي فيها ضرر لا يجوز.

   ووقت إجزاء الحلق والتقصير من النصف الثاني من ليلة العيد، وقبل ذلك حرام أن ينتف الحاج شعرة واحدة من شعر بدنه.

   والتقصير جائز للنساء كما هو جائز للرجال لكن الحلق بالموسى حرام على المرأة إلا لضرورة، وقال بعضهم مكروه إذا لم يكن لعذر. وورد أن للحالق بكل شعرة سقطت من رأسه نورا يوم القيامة.

   ثم إن الحلق أو التقصير يسن أن يكون في يوم النحر والأفضل بعد طلوع الشمس وقبل طواف الركن والسعي. ويسن البداءة بيمين رأس المحلوق ومقدمه واستقبال القبلة والتكبير بعد الانتهاء من الحلق أو التقصير وحلق جميعه للذكر وتقصير جميعه لغير الذكر.

   قال المؤلف رحمه الله: السادس الترتيب في معظم الأركان.

   الشرح إنما قيل الترتيب في معظم الأركان لأنه لا بد من تقديم الإحرام على الكل وتأخير الطواف والحلق أو التقصير عن الوقوف. أما السعي فيجوز فعله قبل طواف الفرض إن كان طاف طواف القدوم ويجوز تأخيره إلى ما بعد طواف الفرض.

   قال المؤلف رحمه الله: وهي إلا الوقوف أركان للعمرة.

   الشرح هذه الستة التي هي أركان الحج هي أركان العمرة إلا الوقوف بعرفة فليس من أركان العمرة بل ولا يشرع للعمرة الوقوف بعرفة، فإذا تلخص أن أركان العمرة خمسة الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير والترتيب، فالترتيب هنا واجب في جميع أركان العمرة بخلاف الحج ويكون بالابتداء بالإحرام ثم الطواف ثم السعي ثم الحلق أو التقصير.

   ثم كل أركان الحج والعمرة تصح مع الحدث ومع النجاسة إلا الطواف فهو فقط لا يجوز مع الحدث أي انتقاض الوضوء ولا مع الجنابة ولا مع الحيض ولا مع النفاس وكذلك لا يصح مع النجس.

   قال المؤلف رحمه الله: ولهذه الأركان فروض وشروط لا بد من مراعاتها. ويشترط للطواف قطع مسافة وهي من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود سبع مرات، ومن شروطه ستر العورة والطهارة وأن يجعل الكعبة عن يساره لا يستقبلها ولا يستدبرها.

   الشرح أن لكل من الأركان فروضا ككون الطوفات سبعة أشواط، ويشترط لها شروط الستر والطهارة من الحدثين والنجاسة وكون الطواف في المسجد فلا بد من مراعاتها لأنه لا يصح النسك إن فقد شىء منها.

   والفرق بين الفرض والشرط أن الفرض ما كان جزءا من النسك تتوقف عليه صحة النسك وأما الشرط فهو ما ليس جزءا من النسك لكن تتوقف صحة النسك عليه.

   قال المؤلف رحمه الله: وحرم على من أحرم طيب.

   الشرح مما يحرم بالإحرام على من أحرم بحج أو عمرة ثمانية أشياء، وكل هذه من الصغائر إلا الجماع المفسد للحج وقتل الصيد فهما من الكبائر، وإنما حرمت هذه الأشياء على المحرم لحكم بعضها معلوم لنا وبعضها غير معلوم لنا.

   الأول من الثمانية الطيب أي يحرم على المحرم بالحج أو العمرة أو إحراما مطلقا التطيب في ملبوس أو بدن ولو لأخشم. وتجب الفدية بالتطيب في بدنه أو ملبوسه قصدا بما تقصد منه رائحته غالبا كالمسك والعود والورد ودهنه والورس لا ما يقصد به الأكل أو التداوي وإن كان له رائحة طيبة كالتفاح، وحرمة ذلك بشرط القصد والاختيار والعلم بالتحريم وهذه الثلاثة شرط في سائر محرمات الإحرام. والتطيب بالورد أن يشمه مع اتصاله بأنفه، والتطيب بمائه أن يمسه كالعادة بأن يصبه على بدنه أو ملبوسه فلا يكفي شمه، ولا فدية على المتطيب الناسي للإحرام والمكره على التطيب والجاهل بالتحريم. أما قبل الإحرام فقد مر ذكر سنية التطيب للإحرام وذلك لقول عائشة رضي الله عنها «كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه ولحله» وهذا للنسك.

   تنبيه التطيب للمرأة عند الخروج من البيت مكروه تنزيها وليس بحرام إلا أن قصدت التعرض للرجال فيحرم وقد ورد في ذلك حديث صحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم «أيما امرأة خرجت من بيتها متعطرة فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية» رواه ابن حبان فقوله صلى الله عليه وسلم «ليجدوا ريحها» بيان منه أنه لا يحرم على المرأة خروجها متطيبة إلا إذا كان قصدها ذلك.

   قال المؤلف رحمه الله: ودهن رأس ولحية  بزيت أو شحم أو شمع عسل ذائبين.

   الشرح الثاني من محرمات الإحرام دهن الرأس واللحية بما يسمى دهنا ولو غير مطيب سواء كان بالزيت أو السمن أو الزبدة أو بشحم أو شمع عسل ذائبين أما غير ذلك كاستعمال الدهن غير المطيب في غير شعر الرأس واللحية أو أكله فلا يحرم.

   قال المؤلف رحمه الله: وإزالة ظفر وشعر.

   الشرح الثالث من محرمات الإحرام إزالة الظفر لكنه لا يحرم إزالة الظفر المنكسر ليس فيه معصية ولا فدية سواء كان انكسر كله أو بعضه إن كان يتأذى بباقيه، ووجوب الفدية فيما لو أزاله بدون المنبت أما لو أزاله مع المنبت فليس عليه فدية لكنه يحرم إن كان فيه إضرار بنفسه.

   ثم إنما تجب الفدية على من انتتف شىء من شعر رأسه أو غيره إن علم أنه انتتف بفعله أما إن شك هل انتتف بفعله أم كان منتتفا قبلا فسقط مع المشط فليس عليه فدية. ويجوز للمحرم أن يغسل شعره بنحو سدر أو صابون غير مطيب والأولى ترك ذلك.

   قال المؤلف رحمه الله: وجماع ومقدماته.

   الشرح الرابع من محرمات الإحرام الجماع في قبل أو دبر ولو لبهيمة. ويحرم على غير المحرمة تمكين زوجها المحرم من الجماع أو من مقدماته، وكذلك يحرم على الحلال أي الرجل الذي هو غير محرم وطء حليلته المحرمة.

   وأما المقدمات كالقبلة والنظر واللمس والمعانقة بشهوة ولو بحائل فهي محرمة على المحرم ويأثم وعليه فيها دم وإن لم ينزل المني إلا النظر والقبلة فلا فدية فيهما. والشهوة اشتياق النفس إلى تلك المحرمات.

   قال المؤلف رحمه الله: وعقد النكاح.

   الشرح الخامس من محرمات الإحرام عقد النكاح بنفسه أو وكيله ولا يصح ذلك، فلو عقد المحرم نكاحا له أو لغيره كموليته أو وكل شخصا بأن يعقد كان ذلك حراما ولا ينعقد ذلك النكاح ولا يثبت.

   قال المؤلف رحمه الله: وصيد مأكول بري وحشي.

   الشرح السادس من محرمات الإحرام الاصطياد أي التعرض لصيد مأكول بري وحشي والمتولد منه ولو مع غير المأكول.

   ولا يحرم على المحرم بحج أو عمرة اصطياد غير المأكول والمتولد منه، كذلك لا يحرم اصطياد كل حيوان مؤذ طبعا أي الذي هو من طبيعته الإيذاء بل يندب قتله كالفأرة والعقرب والحية والحدأة والكلب العقور. أما الشىء الذي فيه نفع وفيه ضرر كالفهد هذا لا يسن قتله ولا يكره. أما الحيوان الذي لا يظهر منه نفع ولا ضرر كالسرطان فقتله مكروه. وكذلك لا يحرم على المحرم التعرض للحيوان المأكول البحري وهو ما لا يعيش في غير الماء ولو نحو بئر ولو كان في الحرم.

   وكما يحرم التعرض له أي للمأكول البري الوحشي يحرم التعرض لنحو بيضه ولبنه وسائر أجزائه كشعره وريشه. وإذا أتلف الحيوان يدفع المثل إن كان له مثل فمن قتل نعامة يدفع مثلها أي ما يشبهها من الأنعام الثلاثة الإبل والبقر والغنم فمثل النعامة من بين هؤلاء الثلاثة الإبل فيذبحه ويدفعه لثلاثة من فقراء الحرم فأكثر ثم هم إن شاؤوا يأكلونه وإن شاؤوا يبيعونه وينتفعون بالثمن. والضبع مأكول فمن قتله وهو محرم يدفع كبشا لأنه مثله من الأنعام.

   قال المؤلف رحمه الله: وعلى الرجل ستر رأسه ولبس محيط بخياطة أو لبد أو نحوه.

   الشرح السابع من محرمات الإحرام على الرجل المحرم بالحج أو العمرة أو إحراما مطلقا إن كان عامدا عالما بحرمته مختارا ستر شىء من رأسه وإن قل كالبياض المحاذي لأعلى الأذن لا المحاذي لشحمة الأذن بما يعد ساترا عرفا بخلاف نحو خيط دقيق وما كان قريبا منه. ولا يحرم على المحرم وضع يده على رأسه ومما يحرم على المحرم لبس محيط بخياطة أو لبد أو نحوه أي ما يحيط بالبدن كله أو بعضه بذلك ويجوز له أن يربط خيطا على إزاره وأن يعقد هذا الخيط على الإزار.

   قال المؤلف رحمه الله: وعلى المحرمة ستر وجهها وقفاز.

   الشرح الثامن من محرمات الإحرام أنه يحرم على المرأة المحرمة أن تغطي وجهها بما يعد ساترا لا بقية بدنها بل يجب فيما عدا الكفين ستره ولو بمحيط لكن لا يحرم أن تستر وجهها في حال الإحرام بثوب متجاف عن الوجه بنحو خشبة أي بحيث يمنع لصوق الساتر بالوجه ولو بلا حاجة كما يجوز ستر رأس الرجل بالمظلة، وكانت أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر الحج إذا حاذين الركب أي الرجال يسترن مع المجافاة أي من غير أن يلصق هذا الساتر بالوجه لأن ستر الوجه بالنسبة لهن فرض على الدوام بحضرة الأجانب، أما على غيرهن فليس فرضا إنما الفرض ستر الرأس.

   أمهات المؤمنين رضي الله عنهن لهن أحكام خصهن الله بها دون سائر المؤمنات فلا يقاس غيرهن عليهن فيها وبعض من ادعى العلم أراد أن يجعل نساء المؤمنين جميعهن كأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم في وجوب تغطية الوجه بعد نزول ءاية الحجاب، وهذا غاب عنه أن هذا الحكم خاص بأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم كما قاله أبو داود في سننه فلا يقال إنه يجب على كل مسلمة تغطية الوجه. الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي ما عاش بعدها إلا نحو ثمانين يوما جاءته امرأة يوم العيد وكانت شابة جميلة فجعلت تسأله عن مسألة في الحج قالت يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال «نعم» ما قال لها غطي وجهك أنت شابة جميلة لا يجوز لك، وهذا بعد نزول ءاية الحجاب بنحو خمس سنوات فليس لقائل أن يقول ما كان نزل الأمر بالحجاب بعد فلذلك ما أمرها بستر وجهها. هؤلاء الناس الذين يتشددون في غير محل التشدد فيحرمون ما لم يحرم الله ويفرضون ما لم يفرض الله على خلقه لا تحمد عاقبة أمرهم.

   قال بعض الأئمة المالكيين كالقاضي عياض وغيره «للمرأة كشف وجهها إجماعا وعلى الرجال غض البصر». وقد نقل ابن حجر الهيتمي كلام القاضي وأقره في حاشيته على إيضاح النووي. وأما استحباب ستر الوجه من غير وجوب فمحل اتفاق.

   ومما يحرم على المرأة المحرمة لبس قفاز ولو في كف واحدة، والقفاز شىء يعمل للكف والأصابع يحشى بقطن وقد يكون له أزرار تزر على الساعد من أجل البرد، ولا يحرم عليها ستر الكف بغير القفاز ككمها وخرقة ولو عقدتها عليه.

   قال المؤلف رحمه الله: فمن فعل شيئا من هذه المحرمات فعليه الإثم والفدية.

   الشرح في الفدية تفصيل فالفدية في الطيب والدهن ولبس المحيط وإزالة الشعر والأظفار ومقدمات الجماع كالتقبيل بشهوة وفي الجماع الذي لا يفسد الحج وهو ما بعد فعل اثنين من طواف فرض وحلق أو تقصير ورمي جمرة العقبة أي بعد التحلل الأول شاة أو التصدق بثلاثة ءاصع لستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام ويسمى هذا دم تخيير وتقدير أما لو أزال شعرة واحدة أو ظفرا واحدا فعليه مد وفي شعرتين أو ظفرين مدان، وفي ثلاثة فأكثر دم وأما فدية الصيد فإن كان هذا الصيد له مثل من الأنعام الثلاثة فعليه ذلك المثل مع تخييره بين ذبحه وتوزيعه لفقراء الحرم وبين إعطائهم طعاما بقيمته أو صومه عن كل مد يوما، ويسمى ذلك دم تخيير وتعديل لأن فيه اعتبار القيمة.

   قال المؤلف رحمه الله: ويزيد الجماع بالإفساد ووجوب القضاء فورا وإتمام الفاسد فمن أفسد حجه بالجماع يمضي فيه ولا يقطعه ثم يقضي في السنة القابلة.

   الشرح أن ثبوت فساد الحج ووجوب القضاء فورا ولزوم إتمام هذا النسك الفاسد هذه الأحكام خاصة بالإفساد بالجماع قبل التحللين أي قبل فعل اثنين من الثلاثة المذكورة، وشرط ذلك أن يكون عالما بحرمة ذلك ومختارا أي غير مكره ومتعمدا أي غير ناس للإحرام فأما الجاهل بحرمة الجماع في الإحرام لكونه بعيدا من العلماء مثلا فلا يفسد حجه، وهذا الحكم يثبت ولو كان ذلك النسك تطوعا عن الغير. ولا فرق في وجوب القضاء على هذا المفسد بين الحر والعبد والبالغ والصغير. ولو أحرم بالحج عشر مرات وأفسد الجميع بما ذكر لم يلزمه إلا قضاء واحد عن الأول لكن تلزمه عشر كفارات، والكفارة هي بدنة أي ذبح إبل فبقرة فسبع شياه مما يصح للأضحية فإطعام بقيمة البدنة أي توزيع الطعام مما هو غالب قوت أهل الحرم فالصيام بعدد الأمداد فإن انكسر مد أكمله بصوم يوم، هذه الكفارة تلزمه لكل واحد من العشرة. فإن كان قارنا وأفسد نسكه بالجماع أحرم بالعمرة عقب النفر من منى فإنه يجب عليه الفور في قضائها.

   قال المؤلف رحمه الله: ويجب أن يحرم من الميقات، والميقات هو الموضع الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحرم منه كالأرض التي تسمى ذا الحليفة لأهل المدينة ومن يمر بطريقهم.

   الشرح هذا شروع في الواجبات وهي في باب الحج ما يجبر بدم ولا يفسد النسك بتركه وأما الركن فهو ما لا يصح الحج بدونه. واعلم أنه لا فرق بين الفرض والواجب في غير باب الحج عند الشافعية وغيرهم إلا الحنفية. وهي أي واجبات الحج أمور منها الإحرام من الميقات فميقات من لم يكن بمكة خمسة أماكن ميقات أهل المدينة ومن يمر بطريقهم إلى مكة وهو ذو الحليفة وبها اليوم مسجد كبير، وميقات أهل الشام ومصر والمغرب ومن يمر بطريقهم وهو الجحفة، وميقات أهل نجد الحجاز ونجد اليمن وهو قرن الثعالب وهو على مرحلة من مكة، وميقات أهل تهامة اليمن ومن يمر بطريقهم وهو يلملم ويقال له ألملم، وميقات أهل العراق ومن يمر بطريقهم وهو ذات عرق. ولا يجوز مجاوزتها بلا إحرام. ولو مر من ميقات غير بلده لا يجوز له تأخير إحرامه إلى أن يأتي إلى ميقات بلده. ومن جاوز أحد المواقيت إلى جهة مكة مريدا النسك ولو في العام القابل بلا إحرام وليس في نيته العود إليه قبل التلبس بالنسك عصى ووجب عليه الدم فإن عاد قبل التلبس بنسك كطواف القدوم سقط عنه الدم. أما من جاوز الميقات وهو غير مريد للنسك ثم بدا له أن يعمل النسك فميقاته محله كأن جاء من مصر أو الشام إلى جدة بنية زيارة قريب أو صديق أو نحو ذلك ثم حصلت له نية النسك فميقاته جدة.

   وميقات المكي للحج مكة أي يحرم منها للحج وأما للعمرة فميقاته ما كان خارج حدود الحرم من أي جهة كان فلا يجوز للمكي أن يحرم للعمرة من مكة بل يخرج إلى أدنى الحل.

وهذه المواقيت تسمى الميقات المكاني. أما الميقات الزماني فهو للحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كما تقدم، قال الله تعالى ﴿الحج أشهر معلومات﴾ [سورة الفاتحة/5] والقدر الذي هو ميقات زماني من شهر ذي الحجة هو من أوله إلى فجر ليلة العيد فبانتهاء ليلة العيد يفوت الميقات الزماني للحج، وأما العمرة فميقاتها الزماني الأبد.

   قال المؤلف رحمه الله: وفي الحج مبيت مزدلفة على قول.

   الشرح من واجبات الحج فقط دون العمرة مبيت الحاج أي مروره في شىء من أرض مزدلفة بعد نصف ليلة النحر ولو لحظة ونائما. وللإمام الشافعي قول بأن المبيت بمزدلفة سنة ليس واجبا فعلى هذا القول تاركه ليس عليه إثم ولا دم، ويجوز العمل به.

   قال المؤلف رحمه الله: ومنى على قول ولا يجبان على قول.

   الشرح أن من واجبات الحج المبيت بمنى، وليس المراد جميع الليل بل المراد أن يكون هناك معظم الليل أي ليلة اليوم الأول من أيام التشريق والثاني فإن خرج من منى في اليوم الثاني قبل الغروب سقط مبيت ورمي اليوم الثالث أما من لم يخرج منها فأدركه غروب ليلة ثالث التشريق وهو بمنى وجب عليه المبيت بها ورمي اليوم الثالث، ويشترط أن يكون هذا النفر أي مغادرة منى بعد الزوال وقبل المغرب.

   وهذا المبيت فيه قول للإمام الشافعي أنه سنة ليس واجبا فعلى قول عدم الوجوب لا إثم على من ترك المبيت ولا دم.

   قال المؤلف رحمه الله: ورمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي الجمرات الثلاث أيام التشريق.

   الشرح من واجبات الحج رمي جمرة العقبة وحدها يوم النحر بسبع حصيات وهي أقرب الثلاث إلى مكة ويدخل وقت هذا الرمي بنصف الليل ويبقى إلى ءاخر أيام التشريق، ويجب رمي الجمرات الثلاث جمرة العقبة واللتين قبلها أيام التشريق بعد الزوال كل واحدة سبعا. والرمي لا خلاف في وجوبه. ويشترط لصحة الرمي ترتيب الجمرات في أيام التشريق فيبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف ثم يرمي التي تليها وهي الوسطى ثم يختم بجمرة العقبة التي رماها الحاج يوم العيد. ويشترط كون المرمي به حجرا ولو ياقوتا، وأن يسمى رميا فلا يكفي الوضع، وكونه باليد لا بنحو رجل وقوس مع القدرة على الرمي باليد، وعدم الصارف أي أن لا ينوي بهذا الرمي غيره، وقصد المرمى فلو قصد غيره كأن قصد رمي حية لم يصح.

   قال المؤلف رحمه الله: وطواف الوداع على قول في المذهب.

   الشرح هذا مما يجب على المعتمر والحاج إذا أراد مفارقة منى عقب النفر إلى مسافة قصر أو إلى وطنه أو ما يريد توطنه وللشافعي قول بعدم وجوبه وعليه فلا إثم على تاركه ولا دم.

   قال المؤلف رحمه الله: وهذه الأمور الستة من لم يأت بها لا يفسد حجه إنما يكون عليه إثم وفدية بخلاف الأركان التي مر ذكرها فإن الحج لا يحصل بدونها ومن تركها لا يجبره دم أي ذبح شاة.

   الشرح يجب بترك الإحرام من الميقات وما بعد ذلك من الواجبات دم وهو شاة فإن عجز فصيام عشرة أيام ثلاثة في الحج أي في إحرام الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

   قال المؤلف رحمه الله: ويحرم صيد الحرمين ونباتهما على محرم وحلال وتزيد مكة بوجوب الفدية فلا فدية في صيد حرم المدينة وقطع نباتها. وحرم المدينة ما بين جبل عير وجبل ثور.

   الشرح من أحكام الحرمين الحرم المكي والحرم المدني حرمة الصيد وحرمة قطع الشجر أو قلعه ووجوب الفدية في الصيد والشجر، لكن وجوب الفدية خاص بحرم مكة أما حرم المدينة فيحرم صيده وشجره لكن بلا فدية، وكذلك وج الطائف وهو واد بالطائف. فلا فدية في صيده وشجره مع حرمة ذلك لورود حديث فيه.

   أما بيت المقدس فليس له هذا الحكم ولا يسمى حرما كما شاع على أفواه الناس وإنما هو مسجد له الأفضلية بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي لأن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة وغيره من المساجد سوى حرم مكة والمسجد النبوي ليس له هذه المزية أي مضاعفة ثواب الصلاة فيه.

   وأما صيد مكة وشجرها ففيه فدية أي ضمان فمن قتل صيدا من صيد حرم مكة إن كان له مثل أي شبه في الإبل والبقر والغنم فعليه أن يذبح ذلك المثل ويوزعه لفقراء الحرم أو يطعم بقيمة المثل أو يصوم عن كل مد يوما، ولا يكفي ذبحه بغير أرض الحرم الشامل لمكة وما يليها من جميع جوانبها من كل ما دخل في حدود الحرم.

   وأما حكم قطع شجرة الحرم ففي الكبيرة بدنة، وفي الصغيرة التي تقارب سبع الكبيرة شاة، وفي ما دون ذلك قيمتها.

 

خاتمة في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

تسن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإجماع أي إجماع أئمة الاجتهاد الأربعة وغيرهم للمقيم بالمدينة ولأهل الآفاق القاصدين بسفرهم زيارة قبره الشريف. وهي من القرب العظيمة فمن خص مشروعية زيارة قبره لغير القاصد بالسفر وحرم السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم فلا يجوز العمل بكلامه بل يجب نبذه والإعراض عنه. وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليهبطن عيسى ابن مريم حكما مقسطا وليسلكن فجا حاجا أو معتمرا وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه» صححه الحاكم ووافقه الذهبي ورواه أبو داود الطيالسي بلفظ «وليسلكن فج الروحاء». وليس للمانعين من السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم متمسك في حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» لأن هذا الحديث مخصوص بالمساجد أي لا مزية في السفر إلى مسجد للصلاة فيه إلا في السفر إلى أحد هذه المساجد الثلاثة لأن تلك المضاعفة إلى مائة ألف وألف وخمسمائة خاصة بها فمن سافر للصلاة إلى أحدها حصل على المضاعفة التي لا تحصل في مسجد بلده فلا مزية في السفر إلى مسجد غيرها كما يؤخذ ذلك من رواية الإمام أحمد في مسنده من طريق شهر بن حوشب أنه قال ذكرت عند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الصلاة في الطور فقال أبو سعيد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا ينبغي للمطي أن تعمل إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي» فبهذا الحديث يفسر حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» لا بقول ابن تيمية فإنه احتج بهذا الحديث على تحريم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر «وهذا من أبشع المسائل المنقولة عنه» أي ابن تيمية. وخير ما يفسر به الحديث الحديث قال الحافظ العراقي في ألفيته من الرجز

«وخير ما فسرته بالوارد»