كرامة الصحابي العلاء بن الحضرمي
من جملة نعيم القبر أنّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ يُوَسَّعُ قَبْرُهُ سَبْعِينَ ذِرَاعًا طُولًا فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا عَرْضًا وَذَلِكَ بِذِرَاعِ الْيَدِ وَهِيَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا حَصَلَ لِلْعَلاءِ بنِ الْحَضْرَمِيِّ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الأَوْلِيَاءِ، كَانَ خَرَجَ قَائِدًا فِى الْغَزْوِ فِى الْجِهَادِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ هَذَا الْقَائِدُ جَاءَ لِيُلاحِقَ الْعَدُوَّ الْكُفَّارَ فَمَا وَجَدَ سَفِينَةً يَلْحَقُ بِهَا الْكُفَّارَ الَّذِينَ أَخَذُوا السُّفُنَ وَهَرَبُوا بِهَا هُوَ أَوَّلًا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ يَا عَلِىُّ يَا كَرِيمُ وَخَاضَ الْبَحْرَ فَلَمْ تَبْتَلَّ رُكَبُهُ ثُمَّ قَالَ لِلْجَيْشِ خُوضُوا فَخَاضُوا فَقَطَعُوا مِنْ دُونِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ تَعَبٌ ثُمَّ لَحِقُوا الْعَدُوَّ فَظَفِرُوا بِهِمْ وَكَسَرُوهُمْ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِى أَثْنَاءِ تِلْكَ السَّفْرَةِ تُوُفِّىَ هَذَا الْقَائِدُ فِى أَرْضٍ بَرِّيَّةٍ مَفَازَةٍ لَيْسَ فِيهَا سُكَّانٌ حَفَرُوا لَهُ لِأَنَّ إِكْرَامَ الْمَيِّتِ التَّعْجِيلُ بِدَفْنِهِ حَفَرُوا لَهُ فَدَفَنُوهُ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تَجَاوَزُوا مَحَلَّ الدَّفْنِ لَقُوا شَخْصًا مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ قَالَ لَهُمْ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمْ قَامُوا عَنْ دَفْنِهِ مَنْ هَذَا الَّذِى دَفَنْتُمُوهُ قَالُوا هَذَا الْعَلاءُ بنُ الْحَضْرَمِىِّ فَقَالَ مَا جَزَاءُ صَاحِبِكُمْ أَنْ تَتْرُكُوهُ بِهَذِهِ الأَرْضِ هَذِهِ الأَرْضُ فِيهَا سِبَاعٌ السِّبَاعُ تَحْفُرُ لِتَأْكُلَ الْجُثَّةَ قَالُوا لا نَتْرُكُهُ هُنَا بِهَذِهِ الأَرْضِ فَرَجَعُوا فَحَفَرُوا فَلَمْ يَجِدُوهُ إِنَّمَا وَجَدُوا الْقَبْرَ مُمْتَدًّا مَدَّ الْبَصَرِ يَتَلاطَمُ نُورًا الْقَبْرُ كُلُّهُ أَنْوَارٌ أَمَّا جَسَدُهُ فَلَمْ يَرَوْهُ رُفِعَ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ، مِثْلُ هَذِهِ الْحَالَةِ نَادِرَةٌ كَذَلِكَ بَعْضُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ شَاهَدُوا بَعْضَ الْقُبُورِ اتَّسَعَتْ وَامْتَلأَتْ نُورًا أَمَّا أَكْثَرُ النَّاسِ لَوْ فَتَحُوا قَبْرَ وَلِىٍّ لا يَرَوْنَ هَذِهِ الأَنْوَارَ وَلا يَرَوْنَ هَذَا الاِتِّسَاعَ. قبر المؤمنِ التَّقِيِّ يُنوّر وَيُفْتَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَأْتِيهِ نَسِيمُهَا، وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خَضِرًا أَيْ يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ مِنْ نَبَاتِ الْجَنَّةِ الأَخْضَرِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَقِيقِيٌّ لَيْسَ وَهْمًا لَكِنَّ اللَّهَ يَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ أَيْ أَكْثَرِهِمْ أَمَّا أَهْلُ الْخُصُوصِيَّةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْكَامِلِينَ فَيُشَاهِدُونَ. وَالْحِكْمَةُ فِي إِخْفَاءِ اللَّهِ حَقَائِقَ أُمُورِ الْقَبْرِ وَأُمُورِ الآخِرَةِ لِيَكُونَ إِيـمَانُ الْعِبَادِ إِيـمَانًا بِالْغَيْبِ فَيَعْظُمَ ثَوَابُهُ. ثُمَّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ، فَيَنَامُ كَنَوْمِ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، أَيْ لا يُحِسُّ بِقَلَقٍ وَلا وَحْشَةٍ، أَمَّا الآنَ النَّاسُ يَخَافُونَ مِنَ الْمَوْتِ، لَكِنْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لا يَخَافُونَ لِأَنَّ اللَّهَ ءَامَنَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَيِ الْكَامِلَ يَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ فَلا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ خَوْفٌ مِنَ الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ. نسأل الله تعالى نعيم القبر ونعيم الجنة والحمد لله رب العالمين.