الأحد نوفمبر 3, 2024

 إرشاد الأنام لمعرفة أحكام الصيام

بسم الله الرحمٰن الرحيم

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

   أما بعد فإن صيام شهر رمضان المبارك عبادةٌ عظيمةٌ خصها الله بخصائص منها ما ورد فى الحديث القدسى الذى أخرجه البخارى قال الله تعالى »كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به».

   فرض صيام رمضان فى السنة الثانية للهجرة وقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنوات توفى بعدها.

   وصيام رمضان وجوبه معلومٌ من الدين بالضرورة فمن جحد فرضيته فهو كافرٌ إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نحوه كمن نشأ فى بادية بعيدة عن العلماء أما من أفطر فى رمضان لغير عذر شرعى وهو يعتقد وجوبه عليه فلا يكفر بل يكون عاصيا وعليه قضاء الأيام التى أفطر فيها.

   والصيام لغة الإمساك وشرعا الإمساك عن المفطرات من أكل وشرب وغيرهما من الفجر حتى المغرب مع النية المبيتة بالقلب.

   والأصل فى وجوب صيام رمضان قبل الإجماع ءاية ﴿كتب عليكم الصيام﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم »بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخارى ومسلمٌ.

وتجب مراقبة هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان لأنه يجب صيامه بأحد أمرين

   (1) إكمال شعبان ثلاثين يوما.

   (2) رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان لقوله صلى الله عليه وسلم »صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» رواه البخارى ومسلمٌ وأصحاب السنن وغيرهم.

   فمن رأى هلال رمضان صام ومن لم يره وأخبره مسلمٌ ثقةٌ عدلٌ حر غير كاذب وجب عليه الصيام فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضى الله عنهما قال »أخبرت النبى صلى الله عليه وسلم أنى رأيت الهلال فصام وأمر الناس بالصوم» صححه ابن حبان.

   ويجوز لمن أخبره صبى أو فاسقٌ أو امرأةٌ أو عبدٌ برؤية الهلال الصوم إن وثق به وإلا أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما. فإذا أثبت القاضى الصوم وجب الصيام على أهل بلد الإثبات وسائر أهل البلاد القريبة من بلد الرؤية باتحاد المطالع أى الشروق والغروب لا من خالف مطلعهم مطلعها وذلك عند الشافعى أما عند أبى حنيفة فيجب الصيام على أهل كل بلد علموا ثبوت الصيام فى بلد ما مهما بعدت تلك البلاد عن البلد الذى ثبتت فيه الرؤية فيجب عنده على أهل المغرب الأقصى إذا علموا بثبوت الصيام فى المشرق وكذلك العكس.

 

فرائض الصيام

 

   وفرائض الصوم اثنان النية والإمساك عن المفطرات.

   النية ومحلها القلب فلا يشترط النطق بها باللسان ويجب تبييتها أى إيقاعها ليلا قبل الفجر لكل يوم من رمضان بالقلب ولو قضاء فإذا غربت الشمس على الصائم فنوى قبل أن يتعاطى مفطرا صوم اليوم التالى عن رمضان ثم لم يعد هذه النية بعد الأكل كفته. ويجب أيضا تعيين الصوم فى النية كتعيين أنه من رمضان أو أنه عن نذر أو أنه عن كفارة وإن لم يبين سببها ثم إنه يجب أن ينوى لكل يوم فلا يكفى أن ينوى أول الشهر عن الشهر كله عند الشافعى.

   قال العلماء كمال النية فى رمضان »نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لله تعالى» والاحتساب طلب الأجر. وقال بعضٌ يكفى أن ينوى فى ليلة اليوم الأول منه عن جميع أيام رمضان فيقول بقلبه »نويت صيام ثلاثين يوما عن شهر رمضان هذه السنة».

   وعلى الحائض والنفساء إذا انقطع الدم ليلة الصيام أن تنوى صيام اليوم التالى من رمضان وإن لم تغتسل ولا يضر الأكل والنوم والجماع بعد النية وقبل طلوع الفجر. ومن نام ليلا ولم ينو الصيام حتى استيقظ بعد الفجر وجب عليه الإمساك عن المفطرات وعليه قضاء هذا اليوم أما صوم النفل فلا يشترط فى نيته التبييت فلو استيقظ بعد الفجر ولم يأكل شيئا ولم يشرب ونوى صيام هذا اليوم قبل الزوال تطوعا لله تعالى صح صيامه.

   الإمساك عن المفطرات يجب الإمساك عن

   (1) الأكل والشرب وعن إدخال كل ما له حجمٌ ولو صغيرا إلى الرأس أو البطن ونحوهما من منفذ مفتوح كالفم والأنف ولو كان ذلك أجزاء صغيرة كدخان السيجارة والقبل والدبر من الفجر إلى المغرب.

   ومن أكل أو شرب ناسيا ولو كثيرا لم يفطر ولو فى صيام النفل ففى الحديث الصحيح »من نسى وهو صائمٌ فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» رواه البخارى.

   (2) والاستقاء أى إخراج القىء بالإصبع ونحوه وإن لم يرجع منه شىءٌ إلى الجوف وأما من غلبه القىء ولم يبلع منه شيئا فلا يفطر ولكن يطهر فمه قبل أن يبلع ريقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من ذرعه القىء أى غلبه وهو صائمٌ فليس عليه قضاءٌ ومن استقاء فليقض» رواه الحاكم والأربعة.

   (3) والجماع وإخراج المنى بالاستمناء أو المباشرة فإنه مفطرٌ أما خروجه بالنظر ولو كان محرما وبالفكر فهو غير مفطر.

   ولما كان وقت الصيام من الفجر حتى المغرب وجب معرفة طرفى النهار على كل مكلف بالصيام فإن المؤذنين اليوم يغلب عليهم الجهل بمواقيت الصلاة فلا يعتمد على الإسطوانة التى يديرونها وقت الفجر والمغرب.

   والفجر هو البياض المعترض بالأفق الشرقى ويوجد فى أوله حمرةٌ خفيفةٌ مختلطةٌ ببياضه ثم بعد حوالى نصف ساعة تشتد هذه الحمرة فهذا البياض هو الفجر فالنية يجب إيقاعها قبل ظهور هذا البياض.

   والغروب هو مغيب قرص الشمس كله.

   فمن أكل بعد الفجر معتقدا أن الفجر لم يطلع فسد صومه ولزمه القضاء وعليه الإمساك عن المفطرات باقى النهار فإن كان اجتهد فأكل ثم تبين له أنه دخل الفجر لم يأثم كأن اعتمد على صياح الديك المجرب وكذا لو أكل قبيل مغيب قرص الشمس معتقدا أنه قد غربت الشمس ثم تبين له خلاف ذلك فسد صومه ولزمه قضاء هذا اليوم وأما الذى يأكل بدون عذر قبيل الغروب فقد أثم قال تعال ﴿ثم أتموا الصيام إلى الليل﴾. وغروب الشمس علامةٌ على دخول الليل وكذلك يجب على المسلم الثبوت فى الإسلام على الدوام فى رمضان وغيره فيجب عليه تجنب الوقوع فى الكفر بأنواعه الثلاثة

   (1) الكفر القولى كالذى يسب الله أو القرءان أو الإسلام أو الصلاة أو الصيام أو الكعبة.

   (2) الكفر الاعتقادى كاعتقاد أن الله جسمٌ أو ضوءٌ أو روحٌ أو اعتقاد أنه فى جهة أو مكان أو أنه جالسٌ على العرش.

   (3) الكفر الفعلى كرمى المصحف فى القاذورات أو سجود لصنم أو السجود لإبليس أو كتابة القرءان بالبول أو دم الحيض.

   لأن استمرار إيمان الصائم شرطٌ لصحة صيامه فالكفر مبطلٌ للصيام فمن وقع فى شىء منها وهو صائمٌ فسد صومه وعليه العود فورا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين والإمساك بقية النهار ثم قضاء هذا اليوم بعد يوم العيد فورا.

شرائط وجوب الصيام

 

   والصيام واجبٌ على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام فلا يصح من الكافر الأصلى ولا المرتد ولا يصح من حائض ولا نفساء ولو صامتا حال وجود الدم فعليهما إثمٌ وعليهما القضاء.

   ولا يجب على الصبى ولكن يجب على وليه أن يأمره به إن أكمل سبع سنين وأن يضربه على تركه إذا بلغ عشر سنين وتركه وهو يطيقه ولا يجب عليه القضاء إن أفطر لكن يجب على الولى أمره بالقضاء إن أطاقه.

   وكذلك لا يجب على المجنون ولا قضاء عليه ولا على المريض الذى يضره الصوم ولا المسافر سفرا طويلا وعليهما القضاء.

   ولو صام المريض والمسافر صح منهما وإذا ضرهما حرم عليهما.

   والمسافر الذى يريد الإفطار فى اليوم الأول من سفره عليه أن يخرج من بلده قبل طلوع الفجر. ولا يجب على العجوز الفانى مخافة التلف والموت.

 

مفسدات الصيام

 

والذى يبطل الصيام أشياء هى

الأكل ولو قدر سمسمة أو أقل عمدا غير مكره عالما بالتحريم والشرب ولو قطرة ماء أو دواء.

ملاحظةٌ لا يضر غبار الطريق أو غربلة دقيق لعسر التحرز عنه ولا يضر تذوق الطعام بدون ابتلاع شىء منه أيضا.

   ومن بالغ فى المضمضة والاستنشاق فدخل الماء إلى جوفه أفطر. وإذا أخرج ريقه من فمه ولو إلى ظاهر الشفة ثم رده وبلعه أفطر أما ما دام متصلا باللسان فلا يفطر إن بلعه. وإذا جمع ريقه فى فمه وابتلعه صرفا أى غير متغير لم يضر أما ابتلاع البلغم ففيه تفصيلٌ فإن كان البلغم بلع من ظاهر الفم فإنه يفطر وإن كان مما تحت مخرج الحاء فلا يفطر. والبلغم لا يفطر عند الإمام أبى حنيفة ولو بلعه بعد وصوله إلى اللسان.

   أما إذا بلع ريقه المتغير بدخان السيجارة التى شربها قبل الفجر أو غيرها أفطر.

   وإذا غلبه القىء ثم انقطع ثم بلع ريقه قبل أن يطهر فمه فسد صيامه لأن هذا الريق تنجس بالقىء الذى وصل إلى الفم.

   أما الدخان الذى يصل إلى جوف الصائم من شارب السيجارة الذى يجالسه فى السيارة مثلا فإنه غير مفطر وكذلك دخان البخور وشم العطور بخلاف دخان السيجارة لمن يشربها لأنه تنفصل من التنباك المحترق ذراتٌ صغيرةٌ تصل إلى جوف شاربها.

   والحقنة فى القبل والدبر مفطرةٌ وكذلك القطرة فى الأنف والأذن إذا وصل الدواء إلى الجوف وعلى قول القطرة فى الأذن لا تفطر.

   وأما القطرة فى العين فهى غير مفطرة وكذلك الإبرة فى الجلد والشريان والعضل.

   ومن أغمى عليه فى نهار الصيام وأفاق ولم يستغرق كل اليوم فلا يفطر أما إذا استغرق الإغماء كل اليوم من الفجر حتى الغروب لم يصح صيامه. أما إذا طرأ جنونٌ ولو للحظة أفطر.

   وكذا إذا طرأ على المرأة حيضٌ أو نفاسٌ ولو قبيل الغروب أفطرت.

   أما الصائم النائم إذا احتلم فلا يفطر بخلاف خروج المنى من الصائم بالاستمناء أو مع المباشرة عمدا لا ناسيا.

   ويفسد صيام من جامع فى نهار رمضان عامدا ذاكرا للصوم مختارا ولو لم ينزل المنى أما من جامع ناسيا فلا يفسد صومه ولا قضاء عليه.

   ومن استيقظ جنبا من جماع أو غيره فإنه يصوم نهاره ويغتسل للصلاة فعن عائشة رضى الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنبٌ من أهله ثم يغتسل ويصوم، رواه البخارى.

   ومن مفسدات الصيام

   الوقوع فى الكفر عمدا أى بغير سبق لسان ولو كان الشخص مازحا أو غاضبا باختياره ذاكرا للصوم أو غير ذاكر لأنه لا تصح العبادة من كافر.

   وأما تقبيل الزوجة المحرك للشهوة فإنه حرامٌ لكنه لا يفطر إذا لم ينزل المنى أما حديث خمسٌ يفطرن الصائم النظرة المحرمة والكذب والغيبة والنميمة والقبلة فلا أصل له بل هو مكذوبٌ على النبى صلى الله عليه وسلم ولكن بعضها يذهب ثواب الصيام كالنميمة.

 

ما يجب على المفطر عامدا فى رمضان

 

الإفطار عمدا فى رمضان

منه ما يوجب القضاء فقط وهو

(1) الذى أفطر بسبب المرض.

(2) ومن كان فى سفر طويل أفطر فيه.

(3) والحائض والنفساء.

(4) والذى ترك الصيام فى رمضان بدون عذر أو كان صائما فأفطر بمفطر غير الجماع.

(5) والحامل والمرضع إن خافتا على نفسيهما.

فهؤلاء جميعا عليهم قضاء كل يوم بيوم فقط.

ومنه ما يوجب القضاء والفدية معا وهو الحامل والمرضع إن خافتا على ولديهما فأفطرتا فعليهما القضاء والفدية وهى مد من غالب قوت البلد لكل يوم وفى المذهب الحنفى إطعام مسكين مقدار ما يغديه ويعشيه أو قيمتها.

   ومن كان عليه قضاءٌ من رمضان فأخر صيامه حتى جاء رمضان ءاخر فعليه مع القضاء الفدية عن كل يوم مد.

ومنه ما يوجب الفدية فقط بدل الصيام وهو

(1) الشيخ العجوز الذى لا يتحمل الصوم أو تلحقه مشقةٌ شديدةٌ فإنه يفطر ويفدى عن كل يوم مد.

(2) المريض الذى لا يرجى شفاؤه فلا صوم عليه ولا قضاء وإنما يجب عليه الفدية فقط وهى مقدار ما يغدى ويعشى عند أبى حنيفة وعند الشافعى مد قمح أو غيره على حسب قوت البلد الغالب.

ومنه ما يوجب القضاء والكفارة معا.

   وهو الذى أفسد صوم يوم من رمضان بجماع عامدا باختياره ذاكرا للصيام ولو لم ينزل المنى فإن عليه قضاء هذا النهار الذى أفسده كما يجب عليه الكفارة.

   والكفارة على هذا الترتيب

   عتق رقبة مؤمنة فإن لم يستطع

   فصيام شهرين متتابعين غير يوم القضاء فإن أفطر خلال الشهرين يوما ولو لمرض استأنف أى أعاد فإن عجز عن الصيام أيضا

   فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من غالب قوت البلد وعند أبى حنيفة لكل مسكين مقدار ما يغدى ويعشى.

   فإن عجز عنها كلها استقرت الكفارة فى ذمته ولا شىء عليه بدلها.

 

ما يستحب فى الصيام

 

ويستحب فى الصيام أشياء هى

(1) تعجيل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم »لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» رواه مسلمٌ. ويستحب أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء وذلك قبل أن يصلى المغرب لقوله صلى الله عليه وسلم »إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهورٌ» رواه أبو داود. ويقول »اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت».

   ولا بد قبل الإفطار من التحقق من غروب الشمس ولا يكفى الاعتماد على أذان أى كان فإنه قد يحصل تسرعٌ فى إعلان الأذان قبل وقته كما حصل فى الماضى فى بعض الإذاعات.

(2) تأخير السحور إلى ءاخر الليل وقبل الفجر ولو بجرعة ماء فعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »تسحروا فإن فى السحور بركة» رواه مسلمٌ.

(3) وكذلك يتأكد فى حق الصائم صون لسانه عن الكذب والغيبة والكلام البذىء وغير ذلك من الأمور المحرمة.

   فاعلم أخى المسلم أن الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى أهون من الصبر على عذابه.

   فكف بطنك عن المحرمات وقت الإفطار وغض بصرك عن النظر المحرم والكلام البذىء المنهى عنه كالكذب والغيبة وهى ذكرك أخاك المسلم بما يكره لغير سبب شرعى بما فيه فى خلفه وكف عن الفحش والخصومة والجفاء والمراء.

   روى البخارى ومسلمٌ من حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم »إنما الصوم جنةٌ أى وقايةٌ فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إنى صائمٌ إنى صائمٌ» وكما يتأكد فى رمضان كف السمع عن الإصغاء إلى كل ما حرم الإصغاء إليه وكف بقية الجوارح من اليد والرجل عن المعاصى والآثام والمكاره.

   وكما يندب كثرة الجود وصلة الرحم وكثرة تلاوة القرءان والاعتكاف فى المسجد ولا سيما فى العشر الأواخر فعن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان رواه مسلمٌ.

   وأن يفطر الصوام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شىءٌ» رواه الترمذى وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، ومعنى الحديث أنه يكون له أجرٌ عظيمٌ يشبه أجر الصائم لا أن له مثل أجره تماما من كل الوجوه وكذلك معنى مثل ما ورد فى هذا الحديث كحديث »من قرأ قل هو الله أحدٌ فكأنما قرأ ثلث القرءان».

   وأن يقول إن شوتم إنى صائمٌ إنى صائمٌ.

   تنبيهٌ من مات وعليه قضاءٌ من رمضان صام عنه وليه فعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه» رواه مسلمٌ.

   الأيام التى يحرم الصيام فيها

   (1) يوم عيد الفطر الذى تصلى فيه صلاة العيد.

   (2) يوم عيد الأضحى الذى تصلى فيه صلاة العيد.

   فقد روى مسلمٌ عن عائشة رضى الله عنها قالت »نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن صومين يوم الفطر ويوم الأضحى».

   (3) أيام التشريق الثلاثة وهى التى تلى يوم عيد الأضحى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »أيام التشريق أيام أكل وشرب» رواه مسلمٌ.

   (4) يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث من لا يثبت الصيام بقوله من فسقة ونسوة وصبيان ونحوهم أنهم رأوا هلال رمضان فقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن صومه بقوله »لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» رواه البخارى.

   (5) النصف الأخير من شعبان فلا يصح صومه إلا أن يصله بما قبله أو صامه عن قضاء أو نذر.

   ويندب صوم ستة من شوال وتندب متتابعة تلى العيد فإن فرقها حصلت السنة فعن أبى أيوب الأنصارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلمٌ.

   ومن دخل فى صوم فرضا أداء كان أو قضاء أو نذرا حرم قطعه أما إذا كان نفلا جاز قطعه.

 

زكاة الفطر

 

   وهى زكاةٌ عن البدن لا عن المال واجبةٌ على كل مسلم فضل عن نفقته ونفقة من يقوته يوم الفطر وليلته صاعٌ من غالب قوت البلد.

   والصاع النبوى مقدار أربع حفنات بالكفين المعتدلتين.

   وتعطى لفقير محتاج ومن يستحق الزكاة ويجب على الرجل فطرة زوجته وأولاده الذين هم دون البلوغ وكل قريب هو فى نفقته أى ممن تجب عليه كالآباء والأمهات ولا تجب زكاة الفطر عن الكافر ولا يصح إخراج زكاة الفطر عن الولد البالغ إلا بإذنه فليتنبه لذلك فإن كثيرا من الناس يغفلون هذا الحكم فيخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه. وفى أداء زكاة الفطر لا بد من النية مع الإفراز والإفراز هو عزل القدر الذى سيدفعه زكاة كأن يقول بقلبه هذه زكاة بدنى لقول الرسول عليه الصلاة والسلام »إنما الأعمال بالنيات» رواه البخارى ومسلمٌ.

   وتجب زكاة الفطر بغروب الشمس من ءاخر يوم من رمضان على من أدرك جزءا من رمضان وجزءا من شوال فعلى هذا تجب على الولى عن المولود الجديد الذى ولد ءاخر أيام رمضان.

   ويجب أداؤها قبل غروب شمس يوم العيد ويحرم تأخيرها عنه بلا عذر ويجوز تعجيلها من أول رمضان والأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة أى قبل صلاة العيد.

بعض ما ورد فى صيام رمضان وأذكاره

   عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضى الله عنه فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم »أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة» رواه أبو داود بإسناد صحيح.

   عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال »اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت» رواه أبو داود.

   عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال »ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» رواه أبو داود.

   عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت أى شدت وأوثقت بالأغلال الشياطين» رواه البخارى ومسلمٌ.

   عن طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال »اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان أى بدوامه وثباته والسلامة والإسلام ربى وربك الله» رواه الترمذى وقال حديثٌ حسنٌ.

   عن أبى قتادة رضى الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة قال »يكفر السنة الماضية والباقية أى الآتية» رواه مسلمٌ.

   وعن أبى قتادة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال »يكفر السنة الماضية» رواه مسلمٌ.

   عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »من قام رمضان إيمانا واحتسابا أى قاصدا ابتغاء مرضاة الله غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخارى ومسلمٌ.

   عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده رواه البخارى ومسلمٌ.

   وعن عائشة رضى الله عنها قالت قلت يا رسول الله إن علمت أى ليلة ليلة القدر ما أقول فيها قال »قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى» رواه الترمذى وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

  

 

 

إرشاد الأنام لمعرفة أحكام الصيام

 

 

بسم الله الرحمٰن الرحيم

 

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

   أما بعد فإن صيام شهر رمضان المبارك عبادةٌ عظيمةٌ خصها الله بخصائص منها ما ورد فى الحديث القدسى الذى أخرجه البخارى قال الله تعالى »كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به».

   فرض صيام رمضان فى السنة الثانية للهجرة وقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنوات توفى بعدها.

   وصيام رمضان وجوبه معلومٌ من الدين بالضرورة فمن جحد فرضيته فهو كافرٌ إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نحوه كمن نشأ فى بادية بعيدة عن العلماء أما من أفطر فى رمضان لغير عذر شرعى وهو يعتقد وجوبه عليه فلا يكفر بل يكون عاصيا وعليه قضاء الأيام التى أفطر فيها.

   والصيام لغة الإمساك وشرعا الإمساك عن المفطرات من أكل وشرب وغيرهما من الفجر حتى المغرب مع النية المبيتة بالقلب.

   والأصل فى وجوب صيام رمضان قبل الإجماع ءاية ﴿كتب عليكم الصيام﴾ وقوله صلى الله عليه وسلم »بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخارى ومسلمٌ.

وتجب مراقبة هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان لأنه يجب صيامه بأحد أمرين

   (1) إكمال شعبان ثلاثين يوما.

   (2) رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان لقوله صلى الله عليه وسلم »صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» رواه البخارى ومسلمٌ وأصحاب السنن وغيرهم.

   فمن رأى هلال رمضان صام ومن لم يره وأخبره مسلمٌ ثقةٌ عدلٌ حر غير كاذب وجب عليه الصيام فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضى الله عنهما قال »أخبرت النبى صلى الله عليه وسلم أنى رأيت الهلال فصام وأمر الناس بالصوم» صححه ابن حبان.

   ويجوز لمن أخبره صبى أو فاسقٌ أو امرأةٌ أو عبدٌ برؤية الهلال الصوم إن وثق به وإلا أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما. فإذا أثبت القاضى الصوم وجب الصيام على أهل بلد الإثبات وسائر أهل البلاد القريبة من بلد الرؤية باتحاد المطالع أى الشروق والغروب لا من خالف مطلعهم مطلعها وذلك عند الشافعى أما عند أبى حنيفة فيجب الصيام على أهل كل بلد علموا ثبوت الصيام فى بلد ما مهما بعدت تلك البلاد عن البلد الذى ثبتت فيه الرؤية فيجب عنده على أهل المغرب الأقصى إذا علموا بثبوت الصيام فى المشرق وكذلك العكس.

 

فرائض الصيام

 

   وفرائض الصوم اثنان النية والإمساك عن المفطرات.

   النية ومحلها القلب فلا يشترط النطق بها باللسان ويجب تبييتها أى إيقاعها ليلا قبل الفجر لكل يوم من رمضان بالقلب ولو قضاء فإذا غربت الشمس على الصائم فنوى قبل أن يتعاطى مفطرا صوم اليوم التالى عن رمضان ثم لم يعد هذه النية بعد الأكل كفته. ويجب أيضا تعيين الصوم فى النية كتعيين أنه من رمضان أو أنه عن نذر أو أنه عن كفارة وإن لم يبين سببها ثم إنه يجب أن ينوى لكل يوم فلا يكفى أن ينوى أول الشهر عن الشهر كله عند الشافعى.

   قال العلماء كمال النية فى رمضان »نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لله تعالى» والاحتساب طلب الأجر. وقال بعضٌ يكفى أن ينوى فى ليلة اليوم الأول منه عن جميع أيام رمضان فيقول بقلبه »نويت صيام ثلاثين يوما عن شهر رمضان هذه السنة».

   وعلى الحائض والنفساء إذا انقطع الدم ليلة الصيام أن تنوى صيام اليوم التالى من رمضان وإن لم تغتسل ولا يضر الأكل والنوم والجماع بعد النية وقبل طلوع الفجر. ومن نام ليلا ولم ينو الصيام حتى استيقظ بعد الفجر وجب عليه الإمساك عن المفطرات وعليه قضاء هذا اليوم أما صوم النفل فلا يشترط فى نيته التبييت فلو استيقظ بعد الفجر ولم يأكل شيئا ولم يشرب ونوى صيام هذا اليوم قبل الزوال تطوعا لله تعالى صح صيامه.

   الإمساك عن المفطرات يجب الإمساك عن

   (1) الأكل والشرب وعن إدخال كل ما له حجمٌ ولو صغيرا إلى الرأس أو البطن ونحوهما من منفذ مفتوح كالفم والأنف ولو كان ذلك أجزاء صغيرة كدخان السيجارة والقبل والدبر من الفجر إلى المغرب.

   ومن أكل أو شرب ناسيا ولو كثيرا لم يفطر ولو فى صيام النفل ففى الحديث الصحيح »من نسى وهو صائمٌ فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» رواه البخارى.

   (2) والاستقاء أى إخراج القىء بالإصبع ونحوه وإن لم يرجع منه شىءٌ إلى الجوف وأما من غلبه القىء ولم يبلع منه شيئا فلا يفطر ولكن يطهر فمه قبل أن يبلع ريقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من ذرعه القىء أى غلبه وهو صائمٌ فليس عليه قضاءٌ ومن استقاء فليقض» رواه الحاكم والأربعة.

   (3) والجماع وإخراج المنى بالاستمناء أو المباشرة فإنه مفطرٌ أما خروجه بالنظر ولو كان محرما وبالفكر فهو غير مفطر.

   ولما كان وقت الصيام من الفجر حتى المغرب وجب معرفة طرفى النهار على كل مكلف بالصيام فإن المؤذنين اليوم يغلب عليهم الجهل بمواقيت الصلاة فلا يعتمد على الإسطوانة التى يديرونها وقت الفجر والمغرب.

   والفجر هو البياض المعترض بالأفق الشرقى ويوجد فى أوله حمرةٌ خفيفةٌ مختلطةٌ ببياضه ثم بعد حوالى نصف ساعة تشتد هذه الحمرة فهذا البياض هو الفجر فالنية يجب إيقاعها قبل ظهور هذا البياض.

   والغروب هو مغيب قرص الشمس كله.

   فمن أكل بعد الفجر معتقدا أن الفجر لم يطلع فسد صومه ولزمه القضاء وعليه الإمساك عن المفطرات باقى النهار فإن كان اجتهد فأكل ثم تبين له أنه دخل الفجر لم يأثم كأن اعتمد على صياح الديك المجرب وكذا لو أكل قبيل مغيب قرص الشمس معتقدا أنه قد غربت الشمس ثم تبين له خلاف ذلك فسد صومه ولزمه قضاء هذا اليوم وأما الذى يأكل بدون عذر قبيل الغروب فقد أثم قال تعال ﴿ثم أتموا الصيام إلى الليل﴾. وغروب الشمس علامةٌ على دخول الليل وكذلك يجب على المسلم الثبوت فى الإسلام على الدوام فى رمضان وغيره فيجب عليه تجنب الوقوع فى الكفر بأنواعه الثلاثة

   (1) الكفر القولى كالذى يسب الله أو القرءان أو الإسلام أو الصلاة أو الصيام أو الكعبة.

   (2) الكفر الاعتقادى كاعتقاد أن الله جسمٌ أو ضوءٌ أو روحٌ أو اعتقاد أنه فى جهة أو مكان أو أنه جالسٌ على العرش.

   (3) الكفر الفعلى كرمى المصحف فى القاذورات أو سجود لصنم أو السجود لإبليس أو كتابة القرءان بالبول أو دم الحيض.

   لأن استمرار إيمان الصائم شرطٌ لصحة صيامه فالكفر مبطلٌ للصيام فمن وقع فى شىء منها وهو صائمٌ فسد صومه وعليه العود فورا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين والإمساك بقية النهار ثم قضاء هذا اليوم بعد يوم العيد فورا.

شرائط وجوب الصيام

 

   والصيام واجبٌ على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام فلا يصح من الكافر الأصلى ولا المرتد ولا يصح من حائض ولا نفساء ولو صامتا حال وجود الدم فعليهما إثمٌ وعليهما القضاء.

   ولا يجب على الصبى ولكن يجب على وليه أن يأمره به إن أكمل سبع سنين وأن يضربه على تركه إذا بلغ عشر سنين وتركه وهو يطيقه ولا يجب عليه القضاء إن أفطر لكن يجب على الولى أمره بالقضاء إن أطاقه.

   وكذلك لا يجب على المجنون ولا قضاء عليه ولا على المريض الذى يضره الصوم ولا المسافر سفرا طويلا وعليهما القضاء.

   ولو صام المريض والمسافر صح منهما وإذا ضرهما حرم عليهما.

   والمسافر الذى يريد الإفطار فى اليوم الأول من سفره عليه أن يخرج من بلده قبل طلوع الفجر. ولا يجب على العجوز الفانى مخافة التلف والموت.

 

مفسدات الصيام

 

والذى يبطل الصيام أشياء هى

الأكل ولو قدر سمسمة أو أقل عمدا غير مكره عالما بالتحريم والشرب ولو قطرة ماء أو دواء.

ملاحظةٌ لا يضر غبار الطريق أو غربلة دقيق لعسر التحرز عنه ولا يضر تذوق الطعام بدون ابتلاع شىء منه أيضا.

   ومن بالغ فى المضمضة والاستنشاق فدخل الماء إلى جوفه أفطر. وإذا أخرج ريقه من فمه ولو إلى ظاهر الشفة ثم رده وبلعه أفطر أما ما دام متصلا باللسان فلا يفطر إن بلعه. وإذا جمع ريقه فى فمه وابتلعه صرفا أى غير متغير لم يضر أما ابتلاع البلغم ففيه تفصيلٌ فإن كان البلغم بلع من ظاهر الفم فإنه يفطر وإن كان مما تحت مخرج الحاء فلا يفطر. والبلغم لا يفطر عند الإمام أبى حنيفة ولو بلعه بعد وصوله إلى اللسان.

   أما إذا بلع ريقه المتغير بدخان السيجارة التى شربها قبل الفجر أو غيرها أفطر.

   وإذا غلبه القىء ثم انقطع ثم بلع ريقه قبل أن يطهر فمه فسد صيامه لأن هذا الريق تنجس بالقىء الذى وصل إلى الفم.

   أما الدخان الذى يصل إلى جوف الصائم من شارب السيجارة الذى يجالسه فى السيارة مثلا فإنه غير مفطر وكذلك دخان البخور وشم العطور بخلاف دخان السيجارة لمن يشربها لأنه تنفصل من التنباك المحترق ذراتٌ صغيرةٌ تصل إلى جوف شاربها.

   والحقنة فى القبل والدبر مفطرةٌ وكذلك القطرة فى الأنف والأذن إذا وصل الدواء إلى الجوف وعلى قول القطرة فى الأذن لا تفطر.

   وأما القطرة فى العين فهى غير مفطرة وكذلك الإبرة فى الجلد والشريان والعضل.

   ومن أغمى عليه فى نهار الصيام وأفاق ولم يستغرق كل اليوم فلا يفطر أما إذا استغرق الإغماء كل اليوم من الفجر حتى الغروب لم يصح صيامه. أما إذا طرأ جنونٌ ولو للحظة أفطر.

   وكذا إذا طرأ على المرأة حيضٌ أو نفاسٌ ولو قبيل الغروب أفطرت.

   أما الصائم النائم إذا احتلم فلا يفطر بخلاف خروج المنى من الصائم بالاستمناء أو مع المباشرة عمدا لا ناسيا.

   ويفسد صيام من جامع فى نهار رمضان عامدا ذاكرا للصوم مختارا ولو لم ينزل المنى أما من جامع ناسيا فلا يفسد صومه ولا قضاء عليه.

   ومن استيقظ جنبا من جماع أو غيره فإنه يصوم نهاره ويغتسل للصلاة فعن عائشة رضى الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنبٌ من أهله ثم يغتسل ويصوم، رواه البخارى.

   ومن مفسدات الصيام

   الوقوع فى الكفر عمدا أى بغير سبق لسان ولو كان الشخص مازحا أو غاضبا باختياره ذاكرا للصوم أو غير ذاكر لأنه لا تصح العبادة من كافر.

   وأما تقبيل الزوجة المحرك للشهوة فإنه حرامٌ لكنه لا يفطر إذا لم ينزل المنى أما حديث خمسٌ يفطرن الصائم النظرة المحرمة والكذب والغيبة والنميمة والقبلة فلا أصل له بل هو مكذوبٌ على النبى صلى الله عليه وسلم ولكن بعضها يذهب ثواب الصيام كالنميمة.

 

ما يجب على المفطر عامدا فى رمضان

 

الإفطار عمدا فى رمضان

منه ما يوجب القضاء فقط وهو

(1) الذى أفطر بسبب المرض.

(2) ومن كان فى سفر طويل أفطر فيه.

(3) والحائض والنفساء.

(4) والذى ترك الصيام فى رمضان بدون عذر أو كان صائما فأفطر بمفطر غير الجماع.

(5) والحامل والمرضع إن خافتا على نفسيهما.

فهؤلاء جميعا عليهم قضاء كل يوم بيوم فقط.

ومنه ما يوجب القضاء والفدية معا وهو الحامل والمرضع إن خافتا على ولديهما فأفطرتا فعليهما القضاء والفدية وهى مد من غالب قوت البلد لكل يوم وفى المذهب الحنفى إطعام مسكين مقدار ما يغديه ويعشيه أو قيمتها.

   ومن كان عليه قضاءٌ من رمضان فأخر صيامه حتى جاء رمضان ءاخر فعليه مع القضاء الفدية عن كل يوم مد.

ومنه ما يوجب الفدية فقط بدل الصيام وهو

(1) الشيخ العجوز الذى لا يتحمل الصوم أو تلحقه مشقةٌ شديدةٌ فإنه يفطر ويفدى عن كل يوم مد.

(2) المريض الذى لا يرجى شفاؤه فلا صوم عليه ولا قضاء وإنما يجب عليه الفدية فقط وهى مقدار ما يغدى ويعشى عند أبى حنيفة وعند الشافعى مد قمح أو غيره على حسب قوت البلد الغالب.

ومنه ما يوجب القضاء والكفارة معا.

   وهو الذى أفسد صوم يوم من رمضان بجماع عامدا باختياره ذاكرا للصيام ولو لم ينزل المنى فإن عليه قضاء هذا النهار الذى أفسده كما يجب عليه الكفارة.

   والكفارة على هذا الترتيب

   عتق رقبة مؤمنة فإن لم يستطع

   فصيام شهرين متتابعين غير يوم القضاء فإن أفطر خلال الشهرين يوما ولو لمرض استأنف أى أعاد فإن عجز عن الصيام أيضا

   فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من غالب قوت البلد وعند أبى حنيفة لكل مسكين مقدار ما يغدى ويعشى.

   فإن عجز عنها كلها استقرت الكفارة فى ذمته ولا شىء عليه بدلها.

 

ما يستحب فى الصيام

 

ويستحب فى الصيام أشياء هى

(1) تعجيل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم »لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» رواه مسلمٌ. ويستحب أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء وذلك قبل أن يصلى المغرب لقوله صلى الله عليه وسلم »إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهورٌ» رواه أبو داود. ويقول »اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت».

   ولا بد قبل الإفطار من التحقق من غروب الشمس ولا يكفى الاعتماد على أذان أى كان فإنه قد يحصل تسرعٌ فى إعلان الأذان قبل وقته كما حصل فى الماضى فى بعض الإذاعات.

(2) تأخير السحور إلى ءاخر الليل وقبل الفجر ولو بجرعة ماء فعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »تسحروا فإن فى السحور بركة» رواه مسلمٌ.

(3) وكذلك يتأكد فى حق الصائم صون لسانه عن الكذب والغيبة والكلام البذىء وغير ذلك من الأمور المحرمة.

   فاعلم أخى المسلم أن الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى أهون من الصبر على عذابه.

   فكف بطنك عن المحرمات وقت الإفطار وغض بصرك عن النظر المحرم والكلام البذىء المنهى عنه كالكذب والغيبة وهى ذكرك أخاك المسلم بما يكره لغير سبب شرعى بما فيه فى خلفه وكف عن الفحش والخصومة والجفاء والمراء.

   روى البخارى ومسلمٌ من حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم »إنما الصوم جنةٌ أى وقايةٌ فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل إنى صائمٌ إنى صائمٌ» وكما يتأكد فى رمضان كف السمع عن الإصغاء إلى كل ما حرم الإصغاء إليه وكف بقية الجوارح من اليد والرجل عن المعاصى والآثام والمكاره.

   وكما يندب كثرة الجود وصلة الرحم وكثرة تلاوة القرءان والاعتكاف فى المسجد ولا سيما فى العشر الأواخر فعن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان رواه مسلمٌ.

   وأن يفطر الصوام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شىءٌ» رواه الترمذى وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، ومعنى الحديث أنه يكون له أجرٌ عظيمٌ يشبه أجر الصائم لا أن له مثل أجره تماما من كل الوجوه وكذلك معنى مثل ما ورد فى هذا الحديث كحديث »من قرأ قل هو الله أحدٌ فكأنما قرأ ثلث القرءان».

   وأن يقول إن شوتم إنى صائمٌ إنى صائمٌ.

   تنبيهٌ من مات وعليه قضاءٌ من رمضان صام عنه وليه فعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه» رواه مسلمٌ.

   الأيام التى يحرم الصيام فيها

   (1) يوم عيد الفطر الذى تصلى فيه صلاة العيد.

   (2) يوم عيد الأضحى الذى تصلى فيه صلاة العيد.

   فقد روى مسلمٌ عن عائشة رضى الله عنها قالت »نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن صومين يوم الفطر ويوم الأضحى».

   (3) أيام التشريق الثلاثة وهى التى تلى يوم عيد الأضحى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »أيام التشريق أيام أكل وشرب» رواه مسلمٌ.

   (4) يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث من لا يثبت الصيام بقوله من فسقة ونسوة وصبيان ونحوهم أنهم رأوا هلال رمضان فقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن صومه بقوله »لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» رواه البخارى.

   (5) النصف الأخير من شعبان فلا يصح صومه إلا أن يصله بما قبله أو صامه عن قضاء أو نذر.

   ويندب صوم ستة من شوال وتندب متتابعة تلى العيد فإن فرقها حصلت السنة فعن أبى أيوب الأنصارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلمٌ.

   ومن دخل فى صوم فرضا أداء كان أو قضاء أو نذرا حرم قطعه أما إذا كان نفلا جاز قطعه.

 

زكاة الفطر

 

   وهى زكاةٌ عن البدن لا عن المال واجبةٌ على كل مسلم فضل عن نفقته ونفقة من يقوته يوم الفطر وليلته صاعٌ من غالب قوت البلد.

   والصاع النبوى مقدار أربع حفنات بالكفين المعتدلتين.

   وتعطى لفقير محتاج ومن يستحق الزكاة ويجب على الرجل فطرة زوجته وأولاده الذين هم دون البلوغ وكل قريب هو فى نفقته أى ممن تجب عليه كالآباء والأمهات ولا تجب زكاة الفطر عن الكافر ولا يصح إخراج زكاة الفطر عن الولد البالغ إلا بإذنه فليتنبه لذلك فإن كثيرا من الناس يغفلون هذا الحكم فيخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه. وفى أداء زكاة الفطر لا بد من النية مع الإفراز والإفراز هو عزل القدر الذى سيدفعه زكاة كأن يقول بقلبه هذه زكاة بدنى لقول الرسول عليه الصلاة والسلام »إنما الأعمال بالنيات» رواه البخارى ومسلمٌ.

   وتجب زكاة الفطر بغروب الشمس من ءاخر يوم من رمضان على من أدرك جزءا من رمضان وجزءا من شوال فعلى هذا تجب على الولى عن المولود الجديد الذى ولد ءاخر أيام رمضان.

   ويجب أداؤها قبل غروب شمس يوم العيد ويحرم تأخيرها عنه بلا عذر ويجوز تعجيلها من أول رمضان والأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة أى قبل صلاة العيد.

بعض ما ورد فى صيام رمضان وأذكاره

   عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضى الله عنه فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم »أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة» رواه أبو داود بإسناد صحيح.

   عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال »اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت» رواه أبو داود.

   عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال »ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» رواه أبو داود.

   عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت أى شدت وأوثقت بالأغلال الشياطين» رواه البخارى ومسلمٌ.

   عن طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال »اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان أى بدوامه وثباته والسلامة والإسلام ربى وربك الله» رواه الترمذى وقال حديثٌ حسنٌ.

   عن أبى قتادة رضى الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة قال »يكفر السنة الماضية والباقية أى الآتية» رواه مسلمٌ.

   وعن أبى قتادة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال »يكفر السنة الماضية» رواه مسلمٌ.

   عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال »من قام رمضان إيمانا واحتسابا أى قاصدا ابتغاء مرضاة الله غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخارى ومسلمٌ.

   عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده رواه البخارى ومسلمٌ.

   وعن عائشة رضى الله عنها قالت قلت يا رسول الله إن علمت أى ليلة ليلة القدر ما أقول فيها قال »قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى» رواه الترمذى وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.