السبت مارس 22, 2025

غَزْوَةُ الأَحْزَابِ

 

   فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْهِجْرَةِ حَصَلَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ أَيِ الأَحْزَابِ وَكَانَ مِنْ خَبَرِهَا أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ مِنْ زُعَمَاءِ بَنِي النُّضَيْرِ الَّذِينَ أَجْلاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَدِينَةِ خَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ وَدَعَوُا الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ وَتَوَاعَدُوا لِذَلِكَ.

   ثُمَّ خَرَجَ الْيَهُودُ حَتَّى جَاءُوا إِلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَدَعُوهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا إِلَيْهِ قُرَيْشًا مِنْ قِتَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي الْمَدِينَةِ وَتَمَّ لَهُمْ مَعَ هَؤُلاءِ جَمِيعًا تَوَاعُدٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لِحَرْبِ الرَّسُولِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ.

   وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الرَّسُولِ فَجَمَعَ أَصْحَابَهُ وَأَخْبَرَهُمْ بِخَبَرِ الْعَدُوِّ وَشَاوَرَهُمْ فِي الأَمْرِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ فَأُعْجِبَ الرَّسُولِ بِذَلِكَ.

   وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ صَحَابَتِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَعَسْكَرَ بِهِمْ فِي سَفْحِ جَبَلٍ جَعَلُوهُ خَلْفَهُمْ.

   ثُمَّ هَبَّ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا وَمَعَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْفُرُونَ هَذَا الْخَنْدَقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ وَكَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ ثَلاثَةَ ءَالافٍ وَعَدَدُ مَا اجْتَمَعَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَالأَحْزَابِ الْكَافِرَةِ حَوَالِي عَشْرَةَ ءَالافٍ.

   وَصَارَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِكَدٍ وَتَعَبٍ مَعَ أَصْحَابِهِ وَيُشَجِّعُهُمْ عَلَى حَفْرِ هَذَا الْخَنْدَقِ وَأَخَذَ يَنْقُلُ التُّرَابَ مَعَ الصَّحَابَةِ حَتَّى غَطَّى التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ.

   ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُهَاجِرِينَ وَأَنْصَارٍ صَارُوا يُرَدِّدُونَ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا                                عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا

   وَعِنْدَمَا يَسْمَعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا النِّدَاءَ كَانَ يُجِيبُهُمْ وَهُوَ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ »اللَّهُمَّ إِنَّهُ لا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَةِ فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ».

   ثُمَّ تَابَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْرَ الْخَنْدَقِ مَعَ أَصْحَابِهِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ مِنَ الْجُوعِ فَرَأَى الصَّحَابِيُّ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْمَشْهَدَ فَهَبَّ مُسْرِعًا إِلَى بَيْتِهِ عَلَّهُ يُقَدِّمُ شَيْئًا لِلرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ وَطَلَبَ مِنْ زَوْجَتِهِ أَنْ تُحَضِّرَ لَهُ طَعَامًا فَفَعَلَتْ، وَعِنْدَمَا قَارَبَ الطَّعَامُ الْقَلِيلُ أَنْ يَنْضَجَ ذَهَبَ جَابِرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ قُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ مِنْ طَعَامٍ.

   فِي بَيْتِ جَابِرٍ ظَهَرَتْ مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ بَاهِرَةٌ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَيَدَّ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ إِذْ نَادَى الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ قُومُوا وَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ جَابِرًا صَنَعَ طَعَامًا، وَيُسْرِعُ جَابِرٌ إِلَى امْرَأَتِهِ وَيَقُولُ لَهَا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ فَتَقُولُ لَهُ هَلْ سَأَلَكَ كَمْ طَعَامَكَ فَيَقُولُ لَهَا نَعَمْ، فَتَقُولُ لَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

   فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الصَّحَابَةِ إِلَى بَيْتِ جَابِرٍ وَأَخَذَ يُكَسِّرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ اللَّحْمَ ثُمَّ يُغَطِّي الْقِدْرَ الَّذِي فِيهِ الطَّعَامُ وَهُوَ عَلَى النَّارِ ثُمَّ صَارَ يَأْخُذُ مِنْهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزعُ وَهَكَذَا وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَسِّرُ الْخُبْزَ وَيَغْرُفُ وَيُعْطِي أَصْحَابَهُ حَتَّى شَبِعُوا كُلُّهُمْ وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ مِنَ الطَّعَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ جَابِرٍ »كُلِي هَذَا وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ».

   رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ مِنْ بَيْتِ جَابِرٍ لِيُتَابِعُوا مَا بَدَءُوا بِهِ مِنْ حَفْرِ هَذَا الْخَنْدَقِ وَلَمَّا انْتَهَوْا مِنْ حَفْرِهِ وَصَلَ الْمُشْرِكُونَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الأَحْزَابِ وَفُوجِئُوا بِهَذَا الْخَنْدَقِ الْعَظِيمِ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ فَعَسْكَرُوا حَوْلَهُ يُحَاصِرُونَ الْمُسْلِمِينَ وَالْغَيْظُ يَمْلأُ قُلُوبَهُمْ.

   ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ رَجُلًا كَانَ مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ لِيُفَرِّقَ مَا بَيْنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الأَحْزَابِ الْمُجْتَمِعَةِ لِحَرْبِ الرَّسُولِ وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى بَعْضٍ وَحَتَّى يَنْزِعَ الثِّقَةَ مِمَّا بَيْنَهُمْ وَتَمَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَحَذَّرَ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَأَصْبَحَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يَتَّهِمُ الآخَرَ بِالْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ.

   ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ رِيحًا هَوْجَاءَ مُخِيفَةً فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ شَدِيدَةَ الْبَرْدِ جَاءَتْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَلَبَتْ قُدُورَهُمْ وَاقْتَلَعَتْ خِيَامَهُمْ وَنَشَرَتِ الرُّعْبَ بَيْنَ صُفُوفِهِمْ فَوَلُّوا مُدْبِرِينَ مَذْعُورِينَ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الثَّانِي إِلَى مَكَّةَ وَقَدْ خَابَ أَمَلُهُمْ فِي قِتَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَعَادَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَكُلُّهُ ثِقَةٌ بِاللَّهِ الْمُدَبِّرِ لِكُلِّ شَىْءٍ مُنْتَصِرًا مَعَ أَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ كَفَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ هَؤُلاءِ الأَحْزَابِ الْكَافِرِينَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَالْيَهُودِ.

   قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾.

   ثُمَّ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَوْرًا حَارَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَغَدَرُوا بِالْمُسْلِمِينَ فَحَاصَرَهُمْ فِي حُصُونِهِمْ ثُمَّ قَهَرَهُمْ وَاسْتَوْلَى عَلَى حُصُونِهِمْ وَأَرَاضِيهِمُ الَّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَبِذَلِكَ زَالَ خَطَرُهُمْ وَانْقَطَعَ ضَرَرُهُمْ وَخَلَتْ تِلْكَ الْبِقَاعُ مِنْ أَدْرَانِهِمْ وَخُبْثِهِمْ.

 

   أَسْئِلَةٌ:

   (1) مَتَى حَصَلَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وَبِمَاذَا تُسَمَّى أَيْضًا.

   (2) كَمْ كَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَكَمْ كَانَ عَدَدُ الْكُفَّارِ. مَنْ هُوَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي أَشَارَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ.

   (3) مَاذَا رَدَّدَ أَصْحَابُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَبِمَاذَا أَجَابَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ.

   (4) اذْكُرْ مُعْجِزَةً مِنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ حَصَلَتْ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ.

(5) لَمَّا وَصَلَ الْمُشْرِكُونَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الأَحْزَابِ وَأَرَادُوا دُخُولَ الْمَدِينَةِ مَاذَا رَأَوْا وَمَاذَا فَعَلُوا.

(6) مَاذَا حَصَلَ لِلْمُشْرِكِينَ لَيْلًا.

(7) مَاذَا فَعَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَهُودِ بَعْدَ الْخَنْدَقِ.