الأحد نوفمبر 9, 2025

الدَّرسُ الثّامِنُ

عِبادةُ اللهِ عزَّ وجَلَّ

الحمدُ للهِ ربّ العالمين لهُ النِّعمةُ ولهُ الفَضلُ ولهُ الثّناءُ الحسَن، صلواتُ الله البرِّ الرَّحيم والملائكةِ المقرّبينَ على سيّدِنا محمَّدٍ أشرفِ المرسلين وعلى ءالِه وصَحبِه الطّيّبينَ الطّاهِرين وعلى جميع إخوانِه الأنبياءِ والمرسلِينَ.

 وبعد فإنّ اللهَ تبارك وتعالى جعَلَ أمُورَ الدّينِ مَراتبَ، ليسَ كُلُّ أمْر مِن أمُور الدّين مع غيرِه على حَدٍّ سواءٍ وأهمُّ أمورِ الدّينِ معرفةُ اللهِ ورسولِه، ويُقالُ بعِبارةٍ أُخرَى أهَمُّ أمُور الدّينِ الإيمانُ باللهِ وحدَه والإيمانُ برسولِه محمَّدٍ أنّه عبدُه ورسُولُه، هَذانِ هما أهمُّ أمُورِ الدّين. فمَن حصَل لهُ هذا دخَل في الإسلام، فهو مسلمٌ مؤمنٌ، فالذي يَعبُد نَبيًّا مِن أنبياءِ اللهِِ والذينَ كانوا يَعبُدونَ عُزَيْرًا والذينَ يَعبُدونَ هذا الذي يُقالُ لهُ بُوْذا وغَيرَ ذلكَ فهُم مشركونَ.

فمعنى لا إلهَ إلّا اللهُ هو تَركُ عبادَةِ غيرِ الله أي أن لا يُتَذلّلَ نهايةُ التّذلّلِ لغَيرِ الله، لا يجتَمعُ الإسلامُ والإيمانُ معَ عبادةِ غيرِ الله.

وأفضلُ الأعمالِ بعدَ الإيمانِ بالله ورسولِه الصّلواتُ الخَمسُ، رسولُ الله ﷺ كانَ إذا أسلَم الرّجُل أوّلَ ما يُعلّمُه الصّلواتُ الخَمسُ. الإنسَانُ يومَ القيامةِ لا يُسأَلُ عن الطّريقةِ (أي طُرقِ الذّكْر التي أَحْدَثَها العُلَماءُ) إنّما يُسأَلُ عن الفَرائضِ هَل أدَّيتَ الفَرائضَ ويُسألُ عن المحَرَّمَاتِ لِمَ فَعلتَ كَذا وكذا منَ المعاصِي.

ومِن أهلِ الضّلال مَن يقولُ: مَن ليسَ لهُ شَيخٌ فشَيخُه الشّيطان، ومِنهم مَن يقولُ: مَن ليسَ لهُ وِرْدٌ فهوَ قِرْدٌ، حتى يَنخَرِطَ الشّخصُ معَهُم ويَصِيرَ معَهُم.

معنى قولِ الله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} 45 سورة العَنكَبوت. أنّ ذِكْرَ اللهَ الذي تَشمَلُه الصّلاةُ أي تَحويْهِ الصّلاةُ أعظمُ مِن سائرِ أعمالِ الصّلاةِ أي أعظَمُ منَ الرّكوع والسُّجود. ليسَ معنى{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} كمَا يقولُ رجَب دِيب تَصَوَّرُوني وغَمّضُوا أعيُنَكُم وطَأطِئوا رؤوسَكُم، ورجَب يقولُ: ليسَ المهمُّ التّعلُّمَ المهمُّ أن يكونَ لكَ معَلِّم.

معنى قولِه تعالى: ﱡﭐ ﱒ ﱓ ﱠ أي نَخُصُّك بالعبادةِ أي لا نتذَلَّل لغَيرِك نهايةَ التّذلّل، هذا مَعناه. غايةُ التّذلّل والخضُوعِ والخشُوع لا تجُوز إلّا لله، ومِنَ الناسِ مَن يُعَظّمون شَيخَهُم كتَعظيمِ الله، إذا إنسَانٌ أَلَحَّ علَيهِم ليَحلِفُوا بصِدْقٍ يقولونَ: “وحيَاة سِيْدنا”، النّاسُ عرَفُوا أحوالَهم إذا قالوا وحيَاةِ اللهِ لا يُصَدّقونهم يقولونَ: هؤلاء يَحلِفُونَ على الكذب، فيقولونَ لهم: قولُوا وحَياة سِيْدنا، فإنْ كانَ صادقًا يقولُ وإن لم يكن حلِفُه هذا صِدقًا لا يقولُ وحياة سِيْدنا يُغَيّرُ كلامَه، هؤلاء عبَدُوا شَيخَهُم لأنَّهم عَظّمُوه كتَعظِيم الله بل أشَدَّ مِن تَعظِيم الله.

الإسلامُ هوَ التّخَلّي عن عبادةِ غيرِ الله. في الدّنيا كثيرٌ مِنَ النّاس يكونونَ على عقيدةٍ فاسدةٍ ويتَظاهَرونَ بالإسلام فالنّاسُ يَعتَبرونَهم مسلِمينَ، لكن يومَ القيامةِ تُبْلَى السَّرائر {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} 9 سورة الطارق. هناكَ تُكشَفُ السَّرائر، الشّخصُ الذي كانَ ينتَسِبُ إلى الإسلام وليسَ مُسلمًا كهؤلاء يُكشَفُونَ يومَ القِيامةِ يُظهِرُهم الله تَبارك وتعالى أنّهم كُفّارٌ، ولو خَفِيَ أمرُهم في الدُّنيا فظَنّهُمُ النّاسُ أنّهم مسلِمونَ لكن يُكشَفونَ في الآخرةِ لأنّ الآخرةَ تُكْشَفَ فيها السّرائرُ.

كذلكَ الذي كانَ يُريدُ أن يَمدحَه النّاسُ أن يقولوا فلانٌ دَيِّن فلانٌ سَخِيّ فُلانٌ كَريمٌ فلانٌ مُعاملَتُه مع النّاس حسَنةٌ صاحبُ الأخلاقِ الحسَنة لأجْل هذا كانَ يَعمَلُ حسَناتٍ لا لابتغاءِ الأجرِ منَ اللهِ كانَ يَعمَلُ الحسَناتِ بل لأجلِ أنْ يَمدَحَه الناسُ ويَنظُروا إليهِ بعَينِ الإجلال والتّكريم هذا أيضًا يُكشَف يومَ القيامةِ يَفضَحُه الله تبارك وتعالى، يُسْألُ: ماذا فعَلتَ بالرّزق الذي رزقَكَ الله، فيقولُ: يا رَبِّ كُلُّ عمَلِ خيرٍ تُحبُّه أنتَ أنفَقْتُ فيه، فيُقالُ له كذَبتَ إنّما عَمِلْتَ ليُقَالَ عَنْكَ جَوَادٌ، الجوادُ هوَ السَّخِيُّ، إنَّما فَعَلْتَ ليُقالَ عنكَ فُلانٌ جَوادٌ وقد قِيْل، أخَذْتَ جَزاءَك في الدّنيا، ثمّ يأمُرُ اللهُ الملائكةَ، ملائكةَ العذابِ بأن يأخذُوه ويَرمُوه في جهَنَّم. لهذا نقولُ إنّ يومَ القيامة يومُ  تُكشَفُ السَّرائر.

كذلكَ الذي كانَ يقرأُ القرءانَ ليُقالَ عنه قَارئٌ ويُقالَ عنه عالِمٌ لا للتّقرُّب إلى الله هذا أيضًا يومَ القيامة يُسْأل ماذا عَمِلتَ بعِلْمِك، قالَ كنتُ يا ربِّ تعَلَّمتُ وقرأتُ القُرءانَ فَعَلَّمْتُ وقرأتُ لأجْلِكَ فيُقالُ لهُ: كذَبتَ إنَّما فعَلْتَ ذلكَ ليُقالَ عَنكَ عالِم  وقَارِئٌ، وقَد قِيل، أخَذتَ جَزاءَك في الدُّنيا، كان قَصْدُه أن يمدَحَهُ النَّاسُ وقَد مدَحُوْهُ في الدُّنيا. ثم يُؤمَرُ به فتَأخذُه ملائكةُ العذابِ فَتَرمِيْه في جهنَّمَ، ثمّ أيضًا إنسانٌ كانَ قاتَل مع المسلمِينَ الكُفَّارَ ونِيّتهُ لم تَكن للهِ تعالى، كانت نيّتُه أن يُقالَ عنه فلانٌ بطَلٌ جَريء هَذا أيضًا يُسألُ يومَ القيامةِ فيَقولُ هوَ: يا رَبِّ قَاتَلْتُ فِيْكَ أي مِن أجْلِكَ ،فيُقال له: كذبْتَ إنّما قاتَلتُ ليُقَالَ فلانٌ جَريء وقَد قِيلَ ذلكَ، أي أخَذْتَ جزاءَك، جَزاؤُكَ في الدُّنيا أخَذْتَه، فيُؤمرُ به فيُلْقَى في جَهَنَّم.رواه البيهقي.

 هَذا مَعنى{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} فالذي على الإنسانِ أن يكونَ عمَلُه الدّينيُّ كلُّه للهِ لا يَقصِدُ بذلكَ أن يمدحَه النّاسُ.

أيُّ إنسانٍ يعمَلُ حسَنةً مِن صلاةٍ أو قراءةٍ أو صدَقةٍ أو حَجّ أو زكاةٍ أو غَيرِ ذلك مِن أعمالِ الدّين فلْتَكُن نيّتُه للهِ تعالى، يقول: أنا أفعَلُ هذا الشّىءَ لأنّ اللهَ أمرَنا بهذا الشّىء أمرَنَا بطاعتِه لذلكَ أنا أعملُ لا لغَيرِ ذلك، في نَفسِه يقولُ هذا، هذا الذي الحسنَةُ مَهما كانت قليلةً تُضَاعَفُ لهُ عَشْرَ أمْثَالِها، هذا أقلُّ ما يَكونُ مِن مُضاعفَة عملِ الخَير، ثم قَد يُضاعِفُ اللهُ لبَعض المسلمينَ الحسَنةَ الواحِدةَ إلى سبعِمائةٍ وإلى مائةِ ألفٍ وإلى أكثرَ مِن ذلك على حسَبِ حُسْنِ النيّة وإتقانِ العمَل، الرّجُل الذي عندَه دِرهمانِ فقَط مِنَ الحَلالِ فأَبْقَى لنَفسِه واحِدًا وأعطَى الدِّرهَمَ الآخرَ لوَجْه الله، عندَ الله تعالى يومَ القيامة يُجَازَى بهذا الدّرهم الواحدِ ما لا يُجَازَى الغَنيُّ الذي عندَه مئاتُ الألوف على مائةِ ألفٍ ومِائتي ألف.

الشَّهيدُ لا يُعذِّبُه اللهُ وإنْ كانَت عليه ديُونٌ يُسْتَوفَى مِن حَسَنَاتِه. شهيدُ المعركةِ هو بالأَولَى ثمّ شهيدُ قَتلِ الظُّلم ولو كانَ قاتِلُه مسلمًا كأن أُطعِمَ سُمًّا فماتَ فهوَ شهيدٌ عندَ الله ليسَ عليه عَذابٌ، كذلكَ مَن ماتَ بالحَريق أو الغَرَق أو الهَدْم كأن وقَع عليه جِدارٌ فماتَ كلُّ هؤلاء شُهداء، والذي قُتِل بقَذيفةِ الكافِر لو كانَ قاعدًا في بَيتِه أو نائمًا أو مَاشِيًا في طريقِه فهو شَهيدٌ .

الرَّسولُ ذكَرَ الذي قُتِل في سبيلِ الله وسَبعةَ أنواع منَ الشّهادَة غيرَ ذلك، وذكَرَ الذي يُقْتَل وهو يُدافِعُ عن مالِه، وذَكَر الذي يُقتَل وهو يُدافِع عن أهلِه أي عن زوجتِه أو أُختِه ونحوِ ذلك،َ وذكَر الذي يُقتَل دِفاعًا عن دِيْنِه عن نَفسِه، واحِدٌ أرادَ أن يَعتديَ علَيه فقتَلَه ظُلمًا هذا أيضًا شَهيدٌ، أمّا الذي يموتُ بالاصْطِدام هذا ما جاءَ في الحديثِ لكن يجُوز أن يكونَ شَهيدًا مِثلَ هؤلاء.

كلُّ أنواعِ الشُّهداءِ لا يُعَذّبون، الذي عليهِ دَين يُوفّى يؤخَذُ مِن حسَناتِه ثم يَدخُل الجنّةَ، أمّا شهيدُ المعركةِ فهو الذي لا يُسأل في قَبره، أمّا الذي ماتَ بالحَرق أو الغَرَق أو بمَرض البَطْن وغيرِ ذلكَ مِن أصنافِ الشّهادةِ فإنّهم يُسألونَ لكن لا يُسَلَّط علَيهم خَوفٌ وفزَعٌ مِن سؤالِ الملَكَين، الملَكانِ مَنظَرُهُما مُخَوِّفٌ لكنَّ الشّهيدَ لا يَرتاعُ، هذا الشّهيدُ الذي هو غَيرُ شهيدِ المعركة إذا جَاءاهُ للسؤال لا يَفزَع، وكُلُّ إنسانٍ تقيٍّ لا يَفزَع، أمّا المسلمُ العاصي الذي أرادَ اللهُ أن يتَعذّبَ في قَبره، أن يَذُوقَ بعضَ النّكَد فيَفزَعُ مِن مَنظَرِهما، ولكنّ المؤمنَ العاصِيَ وإن كانَ يَفزَع مِن رؤيتِهما فهو يُجِيبُ على الأسئلة، لأنّ اعتقادَه الذي ماتَ عليه هو أنّ اللهَ موجُودٌ وأنّه لا يستَحِقُّ أحَدٌ أن يُعبَد إلا هوَ وأنّ محمَّدًا رسولُه وأنّ الدّينَ الحَقَّ الصّحيحَ هو الإسلام.

عبدُ الله بنُ الزُّبير هو ابنُ الزُّبيرِ بنِ العَوّام الذي هو ابنُ عَمَّةِ الرَّسولِ، لهُ ولَدٌ وُلِدَ في الإسلام بعدَ أن نزَل الوَحيُ على سيّدِنا محمَّدٍ بأكثرَ مِن عَشرِ سِنين، ولَدَتْهُ أُمُّه أسْمَاءُ بنتُ أبي بكر، أمّهُ مُسلِمَةٌ وأبوه الزُّبَيرُ بنُ العوّام مِنَ العَشرةِ المبَشَّرينَ بالجنَّة، وُلِدَ في الإسلام ما سَجَدَ لصَنم ومع ذلكَ ما جرَتِ العادَةُ بأنْ يُقالَ كرَّمَ اللهُ وجْهَه إذا ذُكِرَ، فالذينَ يقولون إنّما يُقالُ عندَ ذِكرِ سيّدِنا عليّ كرَّمَ اللهُ وجْهَه لأنّهُ مَا سجَدَ لصَنم غلَطٌ كلامُهُم. واللهُ سُبحانَهُ وتعالَى أعلَم.