عبد الله بن الزبير من أقوى الناس قلبا
إذا نظر أحدكم إلى من هو فوقه في المال فلينظر إلى من هو أسفل منه، وذلك لأن النظر إلى من هو فوقه في المال والغنى يزيد الإنسان طمعاً في الدنيا وبعداً عن الآخرة ونسياناً لها، أما النظر إلى من هو دونه في المال والرزق وقوة الجسم فيدعو إلى خلاف ذلك، ولنقتد بالصحابة رضوان الله عليهم فإنهم لو كانوا على مثل حالنا اليوم من تتبع الراحات وتكثير المال ما انتشر الإسلام إلى الشرق والغرب، ولكان الإسلام مقتصراً على الحجاز والجزيرة العربية. كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في جيش موجها إلى خارج الجزيرة العربية وكان العدو الذي يقصدونه ملكهم أرسل في جيشه بنتا له بارعة الجمال وكان ألبسها التاج والجواهر وقال لتشجيع جيشه على قتال المسلمين: من نجح في هذه المعركة فله بنتي هذه، ثم كان النصر للمسلمين، وكان قائد المسلمين وعد أيضاً بأن من قتل هذا الملك فله بنتُه هذه، ثم انتصر المسلمون فقُتل الملك وأُسرت البنت فقال قائد المسلمين: من الذي قتل الملك، فعبد الله من الزبير ما قال أنا، أخفى نفسه، فقال قائد المسلمين: من الذي قتل أباك الملك أتعرفينه فقالت نعم، فتصفحت الوجوه حتى أشارت إليه، انظروا إلى رغبةِ الصحابة في الآخرة وإخلاصِ العمل لله. ومن مناقبه أن الرسول عليه السلام احتجم ذات يوم ثم أعطى دمه إلى عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وقال له، غيبه في اخفى مكان، فشربه، فقال الرسول: ماذا فعلت بالدم؟ قال: غيبته في أخفى مكان، شربته. فكان من بركة هذا الدم من أقوى الناس قلباً وصبراً على العبادة. كان إذا قام للصلاة كأنه شجرةٌ نابتةٌ في مكانها. رزقنا الله حسن اتّباعهم والفوزَ بالنجاة والنعيم المقيم في الدار الآخرة. آمين.