الخميس يناير 16, 2025

ابن تيمية يناقض نفسه:

        اعلم أخي القارئ أنه مما يدل على تناقض ابن تيمية تخبطه، ما ورد في كتابه قاعدة جليلة في التوسـل والوسيلة([1]) حيث قال: ولا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين، مثل أن يقـول يـا سيـدي فلانـاً أغثـني وانصرني وادفع عني بل كل هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله. انتهى.

        وتناقض وتخبط في نفس الكتاب تحت عنوان خلاصة القول في التوسل بالنبي، قال ما نصه: وقد ذكر بعض هذه الحكايات من جمع في الأدعية، ورُوي ذلك عن بعض السلف، مثل ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ((مجابي الدعاء)) قال: حدثنا أبو هشام سمعت كثير بن محمد بن كثيـر بـن رفاعـة يقـول: جاء رجـلٌ إلى عبدالله بن سعيد بن أيجر فجس بطنه، فقـال: بـك داءٌ لا يـبرأ، قال: ما هو؟ قال: الدُبَيْلة([2])، فتحول الرجل فقال: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد، نـبي الرحمـة صلـى الله عليـه وسلم تسليما، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي، قال: فجس بطنه، فقـال: برئـت مـا بـك علـة. انتهى.

        وأيضا روى ابن تيمية في كتابه الذي سماه الكلم الطيب([3]) حديث رقم 54 حيث قال:

باب في الرَّجل اذا خدرت رِجله

        وذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه لما خدرت رجله قيل له: اذكر أحب الناس إليك، فقال: يا محمد. انتهى، عجباً لهذا الرجل المتناقض، كيف يحرم التوسل ويجعله شركاً في كتاب، ويعود في موضع آخر من نفس الكتاب، فيروي عن بعض السلف أنهم توسلوا بالنبي بعد موته، ويذكر في كتاب آخر توسُّلَ ابن عمر بالرسول صلى الله عليه وسلم، مستحسناً ذلك بدليل تسمية الكتاب بالكلم الطيب.

        أخي القارئ، أليس هذا تذبذباً وتناقضاً، يُحرِّم أمراً ويجعله شركاً ثم يراه طيباً، فسبحان الله يهدي من يشاء ويُضل من يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.

        والوهابية أخذوا من ابن تيمية تحريمه للتوسل ورَمْي المتوسلين بالشرك، ومن تتبع أذكار السلف والخلف وأدعيتهم وأورادهم وجد فيها شيئاً كثيراً من التوسل، ولم ينكر عليهم أحدٌ في ذلك، حتى جاء هؤلاء المنكرون الملحدون فألقوا إلى الناس شبهات يستميلونهم بها إلى معتقدهم الباطل، وعمدوا إلى آيات كثيرة من القرءان التي نزلت في المشركين، فحملوها على المؤمنين الذين تقع منهم زيارة النبي والتوسل به.

        وتوصلوا بذلك إلى تكفير أكثر الأمة من العلماء والصلحاء والعبَّاد والزهَّاد وعوامّ الخلق، وقالوا إنهم مثل أولئك المشركين الذين قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، مع أنه لم يقع من أحد من عوامّ المسلمين فضلاً عن علمائهم، عبادة أحد من الخلق.

        وكما نقل السيد محسن الأمين الحسيني العاملي([4]) عن كتاب خلاصة الكلام([5]): وفي خلاصة الكلام: كان محمد بن عبد الوهاب إذا تبعه أحد وكان قد حج حجة الإسلام، يقول له حج ثانياً فإن حجتك الأولى فعلتها وأنت مشرك فلا تُقبل ولا تَسقط عنك الفرض، وإذا أراد أحد الدخول في دينه يقول له بعد الشهادتين: اشهد على نفسك أنك كنت كافراً، وعلى والديك أنهما ماتا كافرين، وعلى فلان وفلان، ويُسمي جماعةً من أكابر العلماء الماضين، أنهم كانوا كفاراً، فإن شهد قبله وإلا قتله، وكان يصرح بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة([6])، ويكفر من لا يتبعه ويسميهم المشركين ويستحل دماءهم وأموالهم. انتهى.

([1]) الكتاب المذكور ص154.

([2]) قال الزبيدي في تاج العروس ج7/317: الدُبَيلة داء في الجوف.

([3]) كتاب الكلم الطيب ص120.

([4]) في كتابه كشف الارتياب ص149-150.

([5]) في ص229-230.

([6]) وهي الفترة التي تفصل بين ابن تيمية وابن عبدالوهاب، فابن عبدالوهاب لا يرى أحداً من العلماء يُقبل قوله إلا ابن تيمية (يجوز أن يكون المستثنى من غير نوع المستثنى منه كقولك جاء الرجال إلا امرأةً )، فابن عبد الوهاب يرى الناس بعد ابن تيمية عاشوا في كفر، إلى أن جاء هو وأنقذهم بزعمه مما كانوا يتخبطون فيه .