الثلاثاء يناير 14, 2025

بسم الله الرحمن الرحيم

  • {تبارك}: تعالى وتعاظمَ عن صفات المخلوقينَ.
  • {الذي بيدِهِ المُلكُ}: قال ابن عباس رضي الله عنهما: “يعني السلطانُ يُعِزُّ ويُذِلُّ”. وقيلَ: أي بتصرفهِ الملْكُ والاستيلاءُ على كلّ موجودٍ وهو مالكُ الملكِ يؤتيهِ من يشاءُ وينزِعهُ ممن يشاء.
  • {وهوَ على كُلِّ شئٍ قديرٌ}: أي وهو على ما يشاءُ فعلَهُ، ذو قُدرةٍ لا يمنعه من فعلِهِ مانعٌ، ولا يحولُ بينهُ وبينه عَجزٌ، فاللهُ عزَّ سلطانه قادرٌ على التصرف وعلى إيجادِ الأعيانِ وغيرها.
  • {الذي خلقَ الموتَ والحياةَ}: أي خلقَ الموتَ في الدنيا وهو الموتُ القاطعُ للحياةِ الدنيويةِ والحياةَ أي في الآخرة. وقال الحسن: “خلقَ الموتَ المزيلَ للحياةِ، والحياةَ التي هي ضدُّ الموتِ”.
  • {ليَبْلُوَكُم}: أي ليميِّزَ، واختبارُ الله للعبادِ هو تمييزُ أمرِهم وإظهارُهُ للخلْقِ لأنهُ يعلمُ في الأزلِ أحوالَ عبادِهِ جملةً وتفصيلاً لا يظهرُ له شئٌ كانَ خافيًا عليهِ.
  • {أيُّكُم أحسنُ عَملاً}: أي أيُّكم عملُهُ أحسنُ من عملِ غيرهِ وأطوعُ للهِ وأورعُ عن محارِمِ الله.
  • {وهوَ العزيزُ}: أي الغالبُ المنتقمُ ممن عصاهُ.
  • {الغفورُ}: أي لمن تابَ ولمن لم يتب من عصاة المسلمين. قال الإمام الهرري: “ولمن تاب من الشرك والكفر، -بأن دخل في الإسلام- أو لم يتب –من المسلمين العصاة-، لمن يشاء –أي الله- من عصاة المسلمين”.
  • {الذي خلقَ سبعَ سمواتٍ طِباقًا}: أي بعضها فوق بعضٍ بالمُحاذاةِ من غيرِ أن تتصلَ واحدةٌ منها بالأخرى بل بين كلّ سماءٍ وسماءٍ بُعدٌ شاسِعٌ ومسافةٌ واسعةٌ.
  • {ما ترى في خَلْقِ الرحمنِ من تفاوُتٍ}: أي ما ترى يا ابن ءادمَ في شئٍ مما خلقَ الرحمنُ اعواجاجًا ولا اختلافًا ولا تناقضًا بل خلقهُنَّ جميعًا بحكمةٍ لم يخلق شيئًا منها عبثًا. وروي عن قتادة رضي الله عنه: “ما ترى فيهم من اختلافٍ” (1).
  • {فارْجِعِ البصرَ}: أعِدْهُ في السماءِ ليَتضِحَ لكَ ذلكَ بالمعاينةِ ولا يبقى عندكَ شُبهةٌ. عند بعضِ المفسرين، هذا خطاب لكل من يتأتى منه التفكير، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم، وعن بعضهم الخطاب للنبي.
  • {هلْ ترى مِنْ فُطُورٍ}: أي هل ترى فيها من صُدوعٍ وشُقوق.
  • {ثمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَينِ}: قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: “مرة بعد مرة”.
  • {ينقلِبْ}: يرجِعْ.
  • {إليكَ البصرُ خاسِئًا}: ذليلاً لعدمِ إدراكِ خللٍ.
  • {وهُوَ حسيرٌ}: أي كليلٌ منقطعٌ لم يُدرِكْ ما طلَبَه. عندَ بعضِ المفسرين هذا خطاب لكل من يتأتَّى منه التفكير، وليس للنبي، وعن بعضهم الخطاب للنبي.
  • {ولقدْ زَيَّنَّا السماءَ الدُّنيا}: القريبةَ من الأرضِ وهي التي يراها الناسُ.
  • {بمصابيحَ}: أي بكواكبَ كالمصابيح في الإضاءةِ وهي أعلامُ الكواكبِ. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “بنجوم لها نورٌ”. وقيل: خلقَ اللهُ النجومَ لثلاثٍ زينة للسماء، وعلاماتٍ يُهتدى بها في ظلمات البرّ والبحر، ورجومًا للشياطين.
  • {وجَعَلناها رُجُومًا للشياطينِ}: قال ابنُ عباس رضيَ الله عنهما: “يُرجَمُ بها الشياطينُ الذينَ يسترقونَ السمْعَ. والرُّجومُ جمعُ رجْمٍ، ومعنى كونها رجومًا للشياطينِ أن ينفصلَ عنها شهابٌ قبسٌ يؤخذُ من نارٍ فيقتُل الجنيّ أو يُخبّلهُ لأنّ الكواكبَ لا تزولُ عن أماكنها لأنها قارّةٌ في الفلكِ على حالها”. قال المجدد النحوي الفقيه الأصولي الشيخ عبد الله الهرري الحبشي رضي الله عنه: “الجني الذي يصاب بالشهب، إما أن يصير مجنونًا حيرانًا، أو يموت”.
  • {وأعْتَدْنا لهُم}: أي هَيَّأنا لهم في الآخرةِ.
  • {عذابَ السعيرِ}: بعدَ الإحراقِ بالشُّهُبِ في الدنيا.
  • {وللذينَ كفرُوا بربِّهِم}: من الشياطينِ والإنسِ.
  • {عذابُ جهنَّمَ وبِئْسَ المصيرُ}: بئسَ المرجِعُ هي.
  • {إذا أُلْقوا فيها}: طُرِحوا في جهنمَ كما يُطرَحُ الحطبُ في النارِ العظيمةِ.

________

  • الاختلاف هنا المراد به ما يناقض الحكمة بالنسبة للخالق فالمخلوقات كلها حسنها وقبيحها تكوينُ مكونها حسنٌ.
  • {سمِعُوا لها}: لجهنّم.
  • {شهيقًا}: صوتًا مُنكرًا كصوتِ الحميرِ شبَّهَ حَسِيسَها المنكرَ الفظيعَ بالشهيقِ وهو الصوتُ الذي يخرجُ من داخلِ الجوفِ بشدةٍ.
  • {وهيَ تفورُ}: تغلي بهم غليانَ القِدْرِ بما فيهِ.
  • {تكادُ تَمَيَّزُ}: أي تتقطعُ وتتفرَّقُ.
  • {منَ الغَيظِ}: على الكفارِ فجُعلَتْ كالمُغتاظةِ عليهم استعارةً لشدةِ غليانها بهم. وقيل: من تغيُّظها وغضَبِها عليهم. قال العلامة المحدث القطب الصالح الشيخ عبد الله الهرري رحمات الله عليه: “معناه على أحد الوجهين يصير فيها إدراك وشعور وعلى الوجه الثاني لا يصير فيها إدراك وشعور، وإنما هو تشبيه”.
  • {كُلَّما أُلْقِيَ فيها فَوْجٌ}: جماعةٌ من الكفارِ.
  • {سَألَهُم خَزَنَتُها}: مالكٌ وأعوانُه من الزّبانيةِ سؤالَ توبيخٍ وتقريعٍ لهم.
  • {ألَمْ يَأْتِكُمْ نَذيرٌ}: أي رسولٌ يخوِّفُكُم من هذا العذاب.
  • {قالوا بلى قدْ جاءَنا نذيرٌ}: اعترافٌ منهم بعدل اللهِ وإقرارٌ بأنهُ تعالى أزاحَ عِلَلَهم ببعثِ الرسلِ وإنذارِهم ما وقعوا فيه.
  • {فكذَّبْنا}: أي فكَذَّبْناهُم.
  • {وقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ من شئٍ}: مما تقولونَ من وعدٍ ووعيدٍ وغيرِ ذلكَ.
  • {إنْ أنْتُم إلا في ضلالٍ كبيرٍ}: فيه وجهان:

أحدُهما: وهو الأظهرُ أنهُ من جملةِ قولِ الكفارِ للرسل.

والثاني: يحتمل أن يكون من كلامِ الخزنةِ للكفارِ.

والمعنى لقد كنتم في الدنيا في ضلالٍ كبيرٍ. قال الزجاج: “ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا:

  • {وقالوا لوْ كُنَّا نسْمَعُ}: أي سماعَ من يَعي ويفكّر.
  • {أو نعْقِلُ}: عقلَ من يميزُ ويفكرُ بما جاء الرسل به”. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “لو كنا نسمعُ الهدى أو نعقِلُهُ فنعملَ بهِ”.
  • {ما كُنَّا في أصحابِ السعير}: من أهلِ النارِ.
  • {فاعترَفُوا بذنبِهِم}: اعترفوا بكفرهم وتكذيبهم الرسلَ حيث لا ينفعُ الاعترافُ.
  • {فسُحْقًا لأصحابِ السعيرِ}: أي بُعْدًا لهم عن رحمةِ اللهِ وكرامتِهِ. وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ وأبو صالحٍ: السُّحقُ وادٍ في جهنم. قال الشيخ المحدث العبدري: “وهذا لا يثبت”.
  • {إنَّ الذينَ يَخْشَونَ ربَّهُم بالغَيبِ}: أي يخافونَ ربهم ولم يَرَوهُ فيؤمنون به ويُطيعونهُ سِرًّا كما يُطيعونهُ علانيةً خوفًا من عذابِهِ.
  • {لَهُمْ مغْفِرةٌ}: أي عفوٌ من اللهِ عن ذنوبِهم.
  • {وأجرٌ كبيرٌ}: أي الجنةُ جزاءَ أعمالِهم الصالحةِ.
  • {وأسِرُّوا قَوْلَكُمْ أوِ اجْهَروا بهِ}: قال ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهما: “نَزَلَتْ في المشركينَ كانوا ينالونَ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيُخبرُهُ جبريلُ بما قالوا فيقولُ بعضهم لبعضٍ أسِرُّوا قولَكُم حتى لا يسمعَ إله محمد فأخْبَرَهُ الله أنه لا يخفى عليهِ خافيةٌ”

فقال تعالى:

  • {إنَّهُ عليمٌ بذاتِ الصُّدورِ}: بما فيها من الخواطر التي لا يُتكلّمُ بها فكيفَ بما نطقتُم بهِ وهذا فيهِ استدلالٌ على تساوي السِرّ والجهرِ بالنسبةِ إلى علمِهِ تعالى.
  • {ألا يعلمُ مَنْ خلقَ}: أي ألا يعلمُ ما في الصدور خالِقُها (1).
  • {وهوَ اللطيفُ}: بعبادِهِ.
  • {الخبيرُ}: بهم وبأعمالهم يعلمُ دقائقَ الأشياءِ وحقائقَ الأشياءِ وفيه إثباتُ خلقِ الأقوالِ فيكونُ دليلاً على خلقِ أفعالِ العبادِ.
  • {هوَ الذي جعلَ لَكُمُ الأرضَ ذَلُولاً}: سهلةً لِما تُريدونَ منها من عيشٍ عليها وزَرعٍ وغرسِ أشجارٍ وغير ذلكَ فلا يمتنعُ المشيُ فيها لِخُزُونتها وغِلَظِها.
  • {فامْشُوا في مَناكِبِها}: قال ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهم: “طرقاتِها”. وقال قتادة رضي الله عنه: “جِبالها”، واختاره الزّجّاجُ قال: “لأنّ المعنى سَهَّلَ لكم السلوك فيها فإذا أمكنكم السلوكُ في جبالها فهو أبلغُ في التذليل”، وقيل: جوانبها قاله مقاتل والفراء.
  • {وكُلُوا من رِزْقِهِ}: أي مما خلقَهُ الله لكم في الأرضِ.
  • {وإليهِ النُّشُورُ}: أي وإليه تُبْعَثُونَ من قبورِكُم فهو سائِلكُم عن شُكرِ ما أنعمَ بهِ عليكم. ثم خوَّفَ كفار مكةَ فقالَ:
  • {ءَأَمِنتُم مَّن في السماءِ}: أي مَنْ مَلَكوتُهُ في السماءِ لأنها مسكن ملائكتِهِ

 

 

 

____________

  • قال الإمام الهرري إن جماعة محمد أمين شيخو وعبد الهادي الباني ومحمد راتب النابلسي وإبراهيم عجينة يقولون: الله لا يعلم ما في صدر الإنسان إلا بعد أن يخلقه. وهذا نسبة الجهل إلى الله وهو كفر صريح، وهذه جماعة شاذة يجب التحذير منها.

 

ومنها تنزلُ قضاياهُ وكتبه وأوامره ونواهيه (1).

____________

  • تأويل العلماء لقوله تعالى: {ءَأمِنتُم مَن في السماءِ}

قال الحافظ النووي الشافعي المتوفى سنة (676هـ) في شرح صحيح مسلم الجزء الخامس ص 24 طبعة دار الكتاب العربي ما نصه: “قال القاضي عياض المالكي: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: {ءأمِنتُم مَن في السماءِ} ونحوه ليس على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم”. اهـ.

وكذا قال المفسرون من أهل السنة والجماعة كفخر الدين الرازي المتوفى سنة (504 هـ) في تفسيره (30/99) وأبي حيان الأندلسي المتوفى سنة (754هـ) في تفسيره البحر المحيط (10/226) وأبي السعود الحنفي المتوفى سنة (1172هـ) في تفسيره (9/7) والمفسر محمد بن أحمد القرطبي المتوفى سنة (671هـ) في تفسيره الجامع لأحكام القرءان (17/215) وفي كتاب صفات الله تعالى وما ورد فيها من الآي والأحاديث (ص153) والإمام أبي القاسم القشيري المتوفى سنة (465هـ) في تفسيره المسمى لطائف الإشارات (3/339) وإمام أهل السنة والجماعة الإمام أبي منصور الماتريدي المتوفى سنة (333هـ) في تفسيره تأويلات أهل السنة (10/117) وعصام الدين إسماعيل بن محمد الحنفي المتوفى سنة (1195هـ) في حاشية القونوي على تفسير البيضاوي (19/20) وأبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي المتوفى سنة (1342هـ) في تفسيره المسمى روح المعاني في تفسير القرءان العظيم والسبع المثاني (15/17) والشيخ محمد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري المتوفى سنة (977هـ) في تفسير الخطيب الشربيني (4/376) والإمام الشيخ ميمون بن محمد النسفي المتوفى سنة (508هـ) في كتابه بحر الكلام (ص121) والشيخ شهاب الدين أبي العباس بن يوسف بن محمد بن إبراهيم المعروف بالسمين الحلبي المتوفى سنة (756هـ) في كتاب الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون (6/345) والمفسر محمد بن مصلح الدين مصطفى القوجوي الحنفي المتوفى سنة (951هـ) في حاشية محي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي (8/280) وأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري المتوفى سنة (468هـ) في كتابه الوسيط في تفسير القرءان المجيد (4/329) وإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي المتوفى سنة (478هـ) في كتابه الشامل في أصول الدين (ص319) وعبارة القرطبي في تفسيره لهذه الآية قال: “قال ابن عباس: قيل هو إشارة إلى الملائكة وقيل إلى جبريل وهو الموكل بالعذاب” اهـ.

وكن على ذكر بما نقله الإمام المفسر القرطبي أيضًا في كتابه “صفات الله تعالى وما ورد فيها من الآي والأحاديث” دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1422هـ (ص153) عن شيخه أبي العباس أحمد بن عمر الأنصاري المتوفى سنة (656هـ) أنه قال: “لا خلاف بين المسلمين قاطبة محدثهم وفقيههم ومتكلمهم ومقلدهم ونظارهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله {ءَأمِنتُم مَن في السماء} ليست على ظواهرها وأنها متأولة عند جميعهم”.

ثم قال الإمام القرطبي: “قلت: وكذا قوله تعالى {ءأمنتُم من في السماء} أي ءأمنتم خالق من في السماء” اهـ.

وعبارة الإمام الجويني كما في كتابه “الشامل في أصول الدين” دار الكتب العلمية الطبعة الأولى (ص319) هي: “ومما يسألون عنه، قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} وهذا يقرب وجه الكلام في ما سبق”. ثم قال: “ويجوز أن يريد الله بقوله {من في السماء} ملكا، مسلطًا على عذاب مستوجب العذاب وقد حمله بعض المتأولين على جبريل، فإنه الذي جعله الله جعل قرى قوم لوط عاليها سافلها، واقتلعها من حيث أراد الله، واحتملها على قادمة جناحه إلى أعناق السماء. وهو المعني بقوله تعالى: {ذي قوةٍ عندَ ذي العرشِ مَكين} [سورة التكوير/20]، وهو الموكل على القرون الخالية. وفي وجوه التأويل متسع” اهـ.

________________

وقد قال أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري في كتابه “الوسيط” في تفسيره لهذه الآية ما نصه: “لاستحالة أن يكون الله في مكان أو موصوفًا بجهة. وأهل المعاني يقولون: من في السماء هو الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل” اهـ.

حديث الجارية

وأما الحديث المعروف بحديث الجارية فقد قال فيه الإمام النووي في شرح صحيح مسلم الجزء الخامس كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته: “هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان تقدَّم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان: أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شئ، وتنزيهه عن سمات المخلوقات. والثاني: تأويله بما يليق به. فمن قال بهذا قال: كان المراد امتحانها هي هي موحدة تقرُّ بأنَّ الخالق المدبر الفعال هو الله وحده، وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء، كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء، كما أنه ليس منحصرًا في جهة الكعبة، بل ذلك لأنّ السماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين، أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم، فلما قالت: في السماء علم أنهما موحدة وليست عابدة للأوثان. قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظّارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله في السماء كقوله تعالى {ءأمِنتُم من في السماءِ أن يَخسِفَ بكُمُ الأرضَ} [الملك/16] ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم” اهـ.

وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي في كتابه المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ما نصه: “وقيل في تأويل هذا الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم سألها بأين عن الرتبة المعنوية التي هي راجعة إلى جلاله تعالى وعظمته التي بها باين كلَّ مَن نُسبت إليه الإلهية وهذا كما يقال: أين الثريا من الثرى؟! والبصر من العمى؟! أي بعُدَ ما بينهما واختصت الثريا والبصر بالشرف والرفعة على هذا يكون قولها في السماء أي في غاية العلو والرفعة وهذا كما يقال: فلان في السماء ومناط الثريا” اهـ. وقال الرازي أيضًا في كتابه أساس التقديس: “إن لفظ أين كما يجعل سؤالاً عن المكان فقد يجعل سؤالاً عن المنزلة والدرجة يقال أين فلان من فلان فلعل السؤال كان عن المنزلة وأشار بها إلى السماء أي هو رفيع القدر جدًا” اهـ.

وفي كتاب إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للإمام محمد بن خليفة الأبي ما نصه: وقيل إنما سألها بأين عما تعتقده من عظمة الله تعالى، وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلاله في نفسها، فقد قال القاضي عياض لم يختلف المسلمون في تأويل ما يوهم أنه تعالى في السماء كقوله تعالى {ءأمنتم من في السماء} اهـ. ومثله في كتاب مكمل إكمال الإكمال شرح صحيح مسلم للإمام محمد السنوسي الحسني.

وقال الإمام محمد بن أحمد السرخسي الحنفي المتوفى سنة 483هـ في كتابه المبسوط، المجلد الرابع (الجزء 7) [تابع كتاب الطلاق] باب العتق في الظهار:

فأما الحديث فقد ذكر في بعض الروايات: “أن الرجل قال عليّ عتق رقبة مؤمنة، أو عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي أن عليه رقبة مؤمنة، فلهذا امتحنها بالإيمان، مع أن في صحة ذلك الحديث كلامًا فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أي الله فأشارت إلى السماء” ولا نظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطلب من أحد أن يثبت لله تعالى جهة ولا مكانًا، ولا حجة لهم في الآية، لأن الكفر خبث من حيث الاعتقاد، والمصروف إلى الكفارة ليس هو الاعتقاد إنما المصروف إلى الكفارة المالية، ومن حيث المالية هو عيب يسير على شرف الزوال” اهـ.

 

 

 

____________

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح سنن الترمذي: “أي الله؟” والمراد بالسؤال بها عنه تعالى المكانة فإن المكان يستحيل عليه” اهـ.

وقال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه بعد رواية حديث معاوية بن الحكم: قلت “قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا يحويه السماء والأرض ولا تضمه الأقطار وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق عندها” اهـ.

وقال الباجي: لعلها تريد وصفه بالعلو وبذلك يوصف كل من شأنه العلو فيقال فلان في السماء بمعنى علو حاله ورفعته وشرفه اهـ.

وقال البيضاوي: لم يرد به السؤال عن مكانه فإنه منزه عنه والرسول أعلى من أن يسأل ذلك. اهـ.

وقال الإمام الحجة تقي الدين السبكي في رده على نونية ابن قيم الجوزية المسمى بالسيف الصقيل: أما القول فقوله صلى الله عليه وسلم للجارية: أين الله؟ قالت في السماء، وقد تكلم الناس عليه قديمًا وحديثًا والكلام عليه معروف ولا يقبله ذهن هذا الرجل لأنه مشَّاء على بدعة لا يقبل غيرها اهـ.

قال الفخر الرازي: وأما عدم صحة الاحتجاج بحديث الجارية في إثبات المكان له تعالى فللبراهين القائمة في تنزيه الله سبحانه عن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات، قال الله تعالى: {قُلْ لِمَنْ ما في السمواتِ والأرضِ قُل للهِ} [الأنعام/12] وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى، وقال تعالى: {ولهُ ما سكنَ في الليلِ والنهارِ} [الأنعام/13] وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك لله تعالى فهاتان الآيتان تدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى وذلك يدل على تنزيه الله سبحانه عن المكان والزمان اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسر في كتاب التذكار في أفضل الأذكار: لأن كل من في السموات والأرض وما فيهما خلق الله تعالى وملك له وإذا كان كذلك يستحيل على الله أن يكون في السماء أو في الأرض إذ لو كان في شئ لكان محصورًا أو محدودًا ولو كان كذلك لكان محدثًا وهذا مذهب أهل الحق والتحقيق وعلى هذه القاعدة قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماء} وقوله عليه السلام للجارية: أين الله؟ قالت في السماء، ولم يُنكر عليها وما كان مثله ليس على ظاهره بل هو مؤول تأويلات صحيحة قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم اهـ.

وقال بعض العلماء إن الرواية الموافقة للأصول هي رواية مالك وفيها أن الرسول قال لها: “أتشهدين أن لا إله إلا الله” قالت: “نعم” قال: “أتشهدين أني رسول الله” قالت “نعم”. أخرجها الإمامان إماما أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل ومالك بن أنس رضي الله عنهما.

أما أحمد فأخرج عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمَةٍ سوداء فقال: “يا رسول الله إن عليَّ رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة فأعتقها” فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتشهدين أن لا إله إلا الله” قالت: “نعم”، قال: “أتشهدين أني رسول الله” قالت: “نعم”، قال: “أتؤمنين بالبعث بعد الموت” قالت “نعم” قال: “أعتقها” ورجاله رجال الصحيح.

وفي رواية لابن الجارود بلفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم، قال: أتوقنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم، قال: أعتقها فإنها مؤمنة. وهي رواية صحيحة.

 

 

 

 

____________________

ومنها ما رواه الإمام ابن حبان في صحيحه عن الشريد بن سويد الثقفي قال قلت: يا رسول الله إن أمي أوصت أن نعتق عنها رقبة وعندي جارية سوداء قال: ادع بها، فجاءت فقال: من ربك؟ قالت: الله، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة. ورواه أيضًا بهذا اللفظ النسائي في الصغرى وفي الكبرى والإمام أحمد في مسنده والطبراني والبيهقي ورواه أيضًا بهذا اللفظ ابن خزيمة في كتابه الذي سماه كتاب التوحيد من طريق زياد بن الربيع عن بن عمرو وعن أبي سلمة عن أبي هريرة عن الشريد.

قال بعض العلماء: ظاهر هذا الحديث (الذي فيه حكم على الجارية بالإسلام لأنها قالت: في السماء) يخالف الحديث المتواتر الذي رواه خمسة عشر صحابيًا. وهذا الحديث المتواتر الذي يعارض حديث الجارية قوله عليه الصلاة والسلام: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله”. هذا الحديث فيه أنّ الرسول لا يحكم بإسلام الشخص الذي يريد الدخول بالإسلام إلا بالشهادتين. لأن من أصول الشريعة أن الشخص لا يحكم له بقول “الله في السماء” بالإسلام لأن هذا القول مشترك بين اليهود والنصارى وغيرهم وإنما الأصل المعروف في شريعة الله ما جاء في الحديث: “أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله” اهـ. ولفظ رواية مالك: أتشهدين، موافق للأصول. لذا حكم الحافظ أبو بكر البيهقي وغيره باضطراب حديث الجارية هذا.

-الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى قال في “الأسماء والصفات”: “وهذا صحيح قد أخرجه مسلم مقطعًا من حديث الأوزاعي وحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية؟ وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه، وقد ذكرت في كتاب الظهار من السنن مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث” (انظر السنن الكبرى 7/388).

-الحافظ البزار قال بعد أن روى الحديث من طريق من طرقه (كما في كشف الأستار 1/14): “وهذا قد روي نحوه بألفاظ مختلفة”.

-قال الإمام محمد بن أحمد السرخسي الحنفي المتوفى سنة 483هـ في كتابه المبسوط، المجلد الرابع (الجزء 7) [تابع كتاب الطلاق] باب العتق في الظهار:

فأما الحديث فقد ذكر في بعض الروايات: “أن الرجل قال عليّ عتق رقبة مؤمنة، أو عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي أن عليه رقبة مؤمنة، فلهذا امتحنها بالإيمان، مع أن في صحة ذلك الحديث كلامًا” اهـ.

-قال الإمام الحافظ تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى في كتابه “السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل” (ص94): “أقول: أما القول: فقوله للجارية “أين الله؟ قالت: في السماء” وقد تكلم الناس عليه قديمًا وحديثًا والكلام عليه معروف ولا يقبله ذهن هذا الرجل” اهـ.

-الحافظ ابن حجر العسقلاني قال في “التلخيص الحبير” (3/223) ما نصه: “وفي اللفظ مخالفة كثيرة” اهـ.

قال الحافظ في “فتح الباري” (1/221): “فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصر فلا يتوجه على حكمه لم ولا كيف؟ كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث..” اهـ.

-المحدث الكوثري حكم بالاضطراب في تعليقه على “الأسماء والصفات” (ص422) فقال: “وقصة الجارية مذكورة في ما بأيدينا من نسخ مسلم لعلها زيدت في ما بعد إتمامًا للحديث، أو كانت نسخة المصنف ناقصة؟ وقد أشار المصنف –أي البيهقي- إلى اضطراب الحديث بقوله (وقد ذكرت في كتاب الظهار –من السنن- مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث)…” اهـ.

وفي تعليقه رحمه الله تعالى على كتاب الحافظ السبكي “السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل” (ص94) توسع في مبحث اضطرابه.

_______________

-المحدث عبد الله ابن الصديق ذكر في تعليقه على كتاب “التمهيد” (7/135) للحافظ ابن عبد البر عن لفظ “أين الله” ما نصه: “رواه مسلم وأبو داود والنسائي. وقد تصرف الرواة في ألفاظه، فروي بهذا اللفظ كما هنا وبلفظ “من ربك؟” قالت: الله ربي. وبلفظ “أتشهدين ألا إله إلا الله؟” قالت: نعم. وقد استوعب تلك الألفاظ بأسانيدها الحافظ البيهقي في السنن الكبرى بحيث يجزم الواقف عليها أن اللفظ المذكور هنا مروي بالمعنى حسب فهم الراوي…”

فإن قيل: كيف تكون رواية مسلم: أين الله، فقالت: في السماء، إلى ءاخره مردودة مع إخراج مسلم له في كتابه وكل ما رواه مسلم موسوم بالصحة، فالجواب: أن عددًا من أحاديث مسلم ردها علماء الحديث وذكرها المحدثون في كتبهم كحديث أن الرسول قال لرجل: إن أبي وأباك في النار، وحديث إنه يعطي كل مسلم يوم القيامة فداء له من اليهود والنصارى، وكذلك حديث أنس: صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فكانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم. فأمّا الأول فضعّفهُ الحافظ السيوطي، والثاني رده البخاري، والثالث ضعفه الشافعي.

فائدة: تضعيف السيوطي في كتابه مسلك الحنفا في نجاة أبوَي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتضعيف الإمام الشافعي مذكور في كتب الحديث المطولة كشرح ألفية العراقي في علم الحديث (فتح المغيث) للعراقي نفسه، أما تضعيف البخاري ففي فتح الباري قال الحافظ ابن حجر ما نصه: وقد أخرج أصل الحديث مسلم من وجه ءاخر عن أبي بردة بلفظ إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديًا أو نصرانيًا فيقول هذا فداؤك من النار: قال البيهقي ومع ذلك فضعفه البخاري وقال الحديث في الشفاعة أصح. انتهى.

ولو صح حديث الجارية لم يكن معناه أن الله ساكن السماء كما توهم بعض الجهلة بل لكان معناه أن الله عالي القدر جدًا، وعلى هذا المعنى أقر بعضهم صحة رواية مسلم هذه.

ونقول للمشبهة: لو كان الأمر كما تدعون من حمل ءاية {الرحمنُ على العرشِ استوى} [سورة طه/5] على ظاهرها وحمل حديث الجارية على ظاهره لتناقض القرءان بعضه مع بعض والحديث بعضه مع بعض، فما تقولون في قوله تعالى {فأيْنَما تُوَلُّوا فثَمَّ وجهُ الله} [سورة البقرة/115] فإما أن تجعلوا القرءان مناقضًا بعضه لبعض والحديث مناقضًا بعضه لبعض فهذا اعتراف بكفركم لأن القرءان ينزه عن المناقضة وحديث الرسول كذلك، وإن أولتم ءاية {فأيْنما تُوَلُّوا فثَمَّ وجهُ الله} [سورة البقرة/115] ولم تؤولوا ءاية الاستواء فهذا تحكّم أي قول بلا دليل.

وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان أحدكم في صلاته فإنه يناجي ربه فلا يبصقن في قبلته ولا عن يمينه فإن ربه بينه وبين قبلته”، وهذا الحديث أقوى إسنادًا من حديث الجارية.

وأخرج البخاري أيضًا عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنه معكم إنه سميع قريب، تبارك اسمه وتعالى جده”.

وفي مسند الإمام أحمد: “أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم ما تدعون أصم ولا غائبًا إنما تدعون سميعًا بصيرًا إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عتق راحلته” اهـ.

فيقال للمعترض: إذا أخذت حديث الجارية على ظاهره وهذين الحديثين على ظاهرهما لَبَطَلَ زعمك أن الله في السماء وإن أوَّلت هذين الحديثين ولم تؤول حديث الجارية فهذا تحكم –أي قول بلا دليل- ويصدق عليك قول الله في اليهود {أفَتُؤمِنُونَ ببعضِ الكتابِ وتَكفُرونَ ببعضٍ} [سورة البقرة/85] وكذلك ماذا تقول في قوله تعالى: {فأينما تُوَلُّوا فثَمَّ وجهُ الله} [سورة البقرة/115] فإن أوَّلته فلمَ لا تؤول حديث الجارية. وقد جاء في تفسير هذه الآية عن مجاهد تلميذ ابن عباس: “قِبلَةُ الله”، ففسر الوجه بالقبلة، أي لصلاة النفل في السفر على الراحلة.

وفي صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء” اهـ.

ونختم هذا الجواب بما في كتاب رد المحتار على الدر المختار (كتاب الصلاة) باب شروط الصلاة (استقبال

  • {أنْ يخسفَ بكُمُ الأرضَ}: كما خسفَ بقارونَ. قال الشيخ المحدث العبدري

__________________

القبلة) حقيقة أو حكمًا كعاجز، والشرط حصوله لا طلبه، وهو شرط زائد للابتلاء قوله (للابتلاء) علة لمحذوف أي شرطه الله تعالى لاختبار المكلفين لأن فطرة المكلف المعتقد استحالة الجهة عليه تعالى تقتضي عدم التوجه في الصلاة إلى جهة مخصوصة فأمرهم على خلاف ما تقتضيه فطرتهم اختبارًا لهم هل يطيعون أو لا كما في البحر. قلت: وهذا كما ابتلى الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم حيث جعله قبلة لسجودهم. اهـ.

تأويل أهل الحق لقوله عليه الصلاة والسلام

ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء

معنى هذا الحديث الذي رواه الترمذي: “الراحمونَ يرحمهم الرحمنُ ارْحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَن في السماء”، مفسَّر بالرواية الأخرى لهذا الحديث “ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهلُ السماء” رواه الإمام أحمد وصححه الحاكم (بشواهده).

فهذه الروايةُ تُفسِّرُ الرواية الأولى لأنَّ خير ما يُفسر به الحديث الواردُ بالوارد كما قال الحافظ العراقي في ألفيته: وخيرُ ما فسرته بالوارد.

ثم المرادُ بأهل السماء الملائكة، ذكر ذلك الحافظ العراقي في أماليه عقيبَ هذا الحديث، ونص عبارته: “واستدلَّ بقوله: “أهل السماء” على أن المراد بقوله تعالى في الآية: {ءأمنتُم مَن في السماء} الملائكة” اهـ لأنه لا يقال لله “أهل السماء”.

و”مَنْ” تصلُحُ للمفرد وللجمعِ فلا حجةَ للمجسمة في الآية، ويقال مثلُ ذلك في الآية التي تليها وهي: {أمْ أمِنْتُم مَنْ في السماءِ أن يُرسِلَ عليكُم حاصِبًا} فـ”من” في هذه الآية أيضًا أهل السماء، فإن الله يسلطُ على الكفار الملائكة إذا أرادَ أن يُحِلّ عليهم عقوبته في الدنيا كما أنهم في الآخرة هم الموكلون بتسليطِ العقوبة على الكفار لأنهم خزنةُ جهنم وهم يجرُّون عنقًا من جهنم إلى الموقفِ ليرتاعَ الكفارُ برؤيته.

وتلك الرواية التي أوردها الحافظ العراقي في أماليهِ هكذا لفظها: “الراحمون يرحمهم الرحيمُ ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء”. وإسنادها حسن، ولا يجوز أن يقال عن الله أهل السماء فتُحمَل رواية “من في السماء” على أن المراد بها أهلُ السماء أي الملائكة، وكذلك يُحملُ قوله تعالى: {ءأمنتم من في السماءِ أن يخسفَ بكم الأرضَ} [الملك/16] على الملائكة، ومعروفٌ في النحو إفرادُ ضمير الجمع، قال الله تعالى: {ومنهم من يسْتَمِعُ إليكَ} [سورة الأنعام/25] وقال تعالى: {ومنهم مَن يسْتَمِعونَ إليكَ} [سورة يونس/42].

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: “ارحموا من في الأرض” معناه بإرشادهم إلى الخير بتعليمهم أمور الدين الضرورية التي هي سببٌ لإنقاذهم من النار وبإطعام جائِعِهم وكِسوةِ عاريهم ونحو ذلك. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: “يرحمكم أهل السماء”، فأهلُ السماء هم الملائكة وهم يرحمون من في الأرض أي أن الله يأمُرُهم بأن يستغفروا للمؤمنين، كما قال تعالى: {والملائكةُ يُسَبِّحونَ بحَمْدِ ربِّهم ويَسْتَغفرونَ لِمَن في الأرضِ ألا إنَّ اللهَ هُوَ الغَفورُ الرحيمُ} [سورة الشورى/5]، وقال سبحانه: {الذينَ يحمِلونَ العرشَ ومَنْ حولَهُ يُسبِّحونَ بحمْدِ ربِّهِم ويُؤمنونَ بهِ ويستَغفرونَ للذينَ ءامَنوا ربَّنا وَسِعْتَ كلَّ شئٍ رحمةً وعِلْمًا فاغفِرْ للذينَ تابوا واتَّبَعُوا سبيلَكَ وقِهِمْ عذابَ الجحيم} [سورة غافر/7]، ويُنزلون لهم المطر وينفحونهم بنفحاتِ خيرٍ ويُمِدونهم بمدد خيرٍ وبركة، ويحفظونهم على حسبِ ما يأمرهم الله تعالى.

قال العلامة السندي (ت 1138هـ) في حاشيته على مسند أحمد (4/297): “(يَرْحَمْكُم) بالجزم على جواب الأمر، ويمكن الرفع على الاستئناف بمنزلة التعليل على معنى: يرحمكم إن رحمتم، (أهل السماء) أي: سكان السماء من الملائكة الكرام، ورحمتهم بالاستغفار بهم وللدعاء، وتفسيره بالله بعيد” اهـ.

___________________

قلنا: كما في قوله تعالى: {إن كلُّ مَن في السمواتِ والأرضِ إلا ءاتي الرحمنِ عبدًا} [سورة مريم/93] وقال الإمام النووي (ت 676): قال القاضي عياض المالكي (ت544): لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلِّمهم ونظّارهم ومقلّدهم أنَّ الظواهر الواردة بذكر الله في السماء كقوله تعالى: {ءأمِنتُم مَن في السماءِ أن يخسفَ بكُمُ  الأرضَ} [سورة الملك/16] ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم اهـ، ذكره في كتابه شرح صحيح مسلم (5/22).

قال الإمام القرطبي (ت671): في تفسيره في قول الله تعالى: {ءأمنتم من في السماء}: “وقيل: هو إشارة إلى الملائكة. وقيل: إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب. قلت: ويحتمل أن يكون المعنى: أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون. اهـ ثم قال: والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت. ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام. وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي، ومنزل القطر، ومحل القدس، ومعدن المطهرين من الملائكة، وإليها ترفع أعمال العباد، وفوقها عرشه وجنته كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان, ولا مكان له ولا زمان. وهو الآن على ما عليه كان” اهـ انظر كتاب تفسير القرطبي المجلد (9/18/141).

قال الإمام الرازي (ت604): “واعلم أن المشبهة احتجوا على إثبات المكان لله تعالى بقوله: {ءأمنتم من في السماء}، والجواب عنه أن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين، لأن كونه في السماء يقتضي كون السماء محيطًا به من جميع الجوانب، فيكون أصغر من السماء، والسماء أصغر من العرش بكثير، فيلزم أن يكون الله تعالى شيئًا حقيرًا بالنسبة إلى العرش، وذلك باتفاق أهل الإسلام محال، ولأنه تعالى قال: {قُلْ لمَن ما في السمواتِ والأرضِ قُل لله} [سورة الأنعام/12] فلو كان الله في السماء لوجب أن يكون مالكًا لنفسه وهذا محال، فعلمنا أن هذه الآية يجب صرفها عن ظاهرها إلى التأويل”. انظر كتاب التفسير الكبير (15/30/61).

وقال أيضًا في كتابه التفسير الكبير (13/25/194): “ولو تدبر الإنسان القرءان لوجده مملوءًا من عدم جواز كونه في مكان” اهـ.

ويردُّ على المجسمة بإيراد الآية: {ونُفِخَ في الصورِ فصَعِقَ مَن في السمواتِ ومَن في الأرضِ إلا مَن شاءَ اللهُ} [سورة الزمر/68] فيقال لهم: هل تزعمون أن الله يُصعق، وكذا يُردُّ عليهم بإيراد الآية: {يومَ نَطْوي السماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ للكُتُبِ} [سورة الأنبياء/104].

ثم لو كان الله ساكن السماء كما يزعمُ المجسمة لكانَ الله يزاحمُ الملائكةَ وهذا مُحال، فقد ثبتَ في الحديث الذي أخرجهُ الترمذي وابن ماجه والبزار من حديث أبي ذر مرفوعًا “أطتِ السماء وحقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد” الحديث، وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني من حديث جابر مرفوعًا “ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد” وللطبراني نحوه من حديث عائشة. وفيه دليلٌ على أنه يستحيلُ على الله أن يكونَ ساكنَ السماءِ وإلا لكانَ مساويًا للملائكةِ مزاحمًا لهم.

فائدة: كِلا اللفظَين (أهل السماء، مَنْ في السماء) مَحفوظانِ من حديثِ سفيانَ بنِ عُيَينة، عن عَمْرو بنِ دينارٍ، عن أبي قابُوسَ، عن عبد الله بنِ عَمْرو بن العاصِ، مرفوعًا.

فرواهُ جماعةٌ من أعيانِ أصحابِهِ عنهُ –أي سفيان- بلفظِ (أهل السماء) وهُم:

  • أحمدُ بنُ حنبل.
  • عليُّ بنُ المديني.
  • عبدُ الله بنُ المبارك.
  • مُسَدَّدُ بنُ مُسَرهد.

_______________

  • عبدُ الله بنُ الزُّبير الحُمَيدي.
  • إسحاقُ بنُ إبراهيمَ الطالقانيُّ.
  • محمودُ بنُ آدم.

ورواهُ عنهُ جماعةٌ أيضًا بلفظ (مَن في السماء) وهم:

  • أبو بكر بنُ أبي شيبة.
  • عبدُ الله بنُ الزُّبير الحُميدي.
  • محمدُ بنُ يحيى بنِ أبي عُمرَ العَدَني.
  • عبدُ الرحمن بنُ بشرِ بنِ الحكم.
  • محمدُ بنُ الوليدِ بنِ عبدِ الحميدِ القُرشيُّ.
  • خالدُ بنُ نزار.

وهذا الحديثُ يُسمى “المُسلسلُ بالأوَّليةِ”، وهو حديثٌ درجَ المُحدثون على الافتتاحِ بهِ في سماعهم وإسماعِهم لِما فيهِ من تسلسُل الأوّلية. وقد لَهَجَتْ به ألسنةُ المُحدثين (بشرطه) فافتتحوا به مجالسَ التحديثِ والأمالي، وضمّنوهُ مسموعاتهم وإجازاتِهم، بل صنفوا فيه المصنفات الكثيرة، ونظموا فيه الأشعار الطريفة، واستخرجوا منه الكثير من الفوائد الإسنادية والمتنية.

ومعنى مسلسل بالأولية أن يقول الراوي حدثنا فلان وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا فلان وهو أول حديث سمعته منه… إلى ءاخره.

وقد قال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه “مجالس في تفسير قول الله تعالى: {لقدْ مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذْ بعثَ فيهم رسولاً من أنفسهم}: “هذا الحديثُ لهُ ألقابٌ بحسب الوجوه التي رويناهُ منها، فهُو حديثٌ صحيحٌ، حسنٌ، فردٌ، مُسلسلٌ من وجهين، مُعلٌّ من وجوهٍ، مُختلَفٌ في إسنادِهِ من وجوهٍ، مرفوعٌ، موقوفٌ من وجهٍ، مُنقطعٌ على قولٍ مرجوحٍ، مُعنعنٌ”.

وقال في موضع ءاخر: “هذا الحديث لهُ ألقابٌ بحسب طُرقهِ التي رويناها منه، فهو حديثٌ صحيحٌ، وحسنٌ، وضعيفُ الإسنادِ من وجه، وفردٌ، ومُعلٌّ من وجوهٍ، ومرفوعٌ، وموقوفٌ من وجهٍ، ومُسلسل بالأوَّلية: مقطوعُ التسلسل، وموصول التسلسل من غير انقطاع، كما رويناهُ، ومُعنعنٌ، لقولِ سفيانَ فيه: عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عَمرو”.

حديث الرحمة المسلسل بالأولية

أقول وأنا جميل حليم:

1-أروي الحديث المسلسل بالأولية الحقيقية عن جملةٍ من الشيوخ وبالأولية الإضافية النسبية عن شيخي عبد الله بن محمد الهرري وهو أول حديث سمعته منه بإسناده وذلك في منزله في الطريق الجديدة –بيروت سنة 11/4/1420هـ قال حدثني شيخي محمد سراج بن محمد سعيد الجبرتي الآني مفتي الحبشة وهو أول حديث سمعته منه عند سماعي لسنن ابن ماجه منه عن الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي المالكي وهو أول (ح) وقال شيخي الهرري رحمه الله حدثني الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله المصري الجمي الحبشي وهو أول حديث سمعته منه عن الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي وهو أول عن الشيخ عبد المجيد الشرنوبي الأزهري وهو أول عن الشيخ حسن العدوي وهو أول عن الشيخ حسن بن درويش القويسني وهو أول عن الشيخ محمد الأمير الكبير وهو أول عن الشهاب أحمد الجوهري وهو أول عن الشيخ عبد الله بن سالم البصري وهو أول عن الشمس محمد بن علاء الدين البابلي وهو أول عن الشهاب أحمد بن محمد الشلبي وهو أول ثنا الجمال يوسف بن زكريا وهو أول أنا البرهان إبراهيم بن علي بن أحمد

___________

القلقلشندي وهو أول ثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر الواسطي وهو أول أنا الخطيب صدر الدين محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي (ح) ويرويه شيخنا الشيخ عبد الله الهرري الحبشي أيضًا بأولية حقيقية عن الشيخ محمد علي بن محمد أعظم حسين الصديقي البكري الخير ءابادي المدني والشيخ محمد العربي بن محمد المهدي العزوزي الزرهوني الإدريسي المغربي ثم البيروتي وغيرهما وقد اقتصرنا على ذكر بعض طرقه لهما فنقول: أما شيخه الأول فحدثه به في المدينة المنورة وهو أول حديث سمعه منه قال حدثنا به الشيخ المحدث عبد القادر بن توفيق شلبي الطرابلسي الشامي ثم المدني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به عاليًا البدر المعمَّر عبد الله بن درويش السكري الركابي الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه. (ح) وقال الشيخ عبد القادر بن توفيق شلبي حدثني به الشيخ حبيب الرحمن بن إمداد علي الهندي المدني وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرني به الشيخ عبد الغني الميداني الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه قال هو والبدر السكري حدثنا به محدث الشام المسند الوجيه عبد الرحمن بن محمد الكزبري الحفيد الدمشقي وهو أول حديث سمعناه منه قال حدثنا به شيخنا المحدث بدر الدين محمد بن أحمد المقدسي الشهير بابن بدير في داره الملاصقة للمسجد الأقصى وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الشيخ مصطفى أبو النصر الدمياطي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به شيخنا الشمس محمد بن أحمد بن سعيد الشهير بابن عقيلة المكي صاحب المسلسلات المشهورة وهو أول حديث سمعته منه قال رحمه الله في مسلسلاته: سمعت حديث الرحمة المسلسل بالأولية من الشيخ الناسك أحمد بن محمد الدمياطي المشهور بابن عبد الغني البناء وهو أول حديث سمعته منه بحضرة جمع من أهل العلم قال حدثنا به المعمَّر محمد بن عبد العزيز المنوفي الزيادي الأزهري وهو أول حديث سمعته منه إجازة منه بجميع مروياته قال حدثنا به الشيخ أبو الخير عمر بن عموس الرشيدي في الجامع الأزهر بالقاهرة وهو أول حديث سمعته منه وإجازة بجميع مروياته في ربيع الأول سنة اثنين بعد الألف قال حدثنا به القاضي زكريا بن محمد الأنصاري الخزرجي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به خاتمة الحفاظ الشهاب أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني وهو أول حديث سمعته منه (ح) وقال الحافظ الشهاب أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني حدثنا شيخ الإسلام أبو حفص عمر بن أبي الفتح الكناني من لفظه وحفظه وقرأته عليه غير مرة وهو أول حديث سمعته منه لفظًا وقراءة قال حدثنا أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الخطيب وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي وهو أول حديث سمعته منه (ح) قال البدر السكري أخبرنا به عبد اللطيف بن حمزة بن فتح الله البيروتي وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرنا به أبو عبد الله المنبجي الطرابلسي وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرنا به أبو الفداء إسماعيل بن محمد الجراحي العجلوني وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرنا شمس الدين محمد بن سلطان الوليدي بمكة وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرنا المسند المعمَّر أحمد بن محمد الشهير بابن عبد الغني البناء الدمياطي وهو أول حديث سمعته منه بالسند المتقدم (ح) وقال الشيخ عبد القادر بن توفيق شبلي الطرابلسي أيضًا أخبرنا به مسند الشام السيد محمد أبو النصر بن عبد القادر الخطيب الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه حين قدم مكة لأداء فريضة الحج سنة 1320هـ والمسند أبو المحاسن محمد بن خليل القاوقجي الطرابلسي وهو أول حديث سمعته منه قال الأول حدثني به الوالد السيد عبد القادر بن صالح بن عبد الرحيم الخطيب الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به الشيخ أبو محمد خليل الخشة الدمشقي وهو أو ما حدثني به قال حدثنا العلامة الشيخ محمد خليل الكاملي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا المدرس ثلاثًا وأربعين سنة تحت قبة النسر بالجامع الأموي بدمشق الشيخ أبو الفداء إسماعيل الجراحي العجلوني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا شيخنا العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا الحافظ الشهير شيخ المحدثين في عصره المدرس ثمانية وعشرين سنة تحت قبة النسر نجم الدين محمد بن محمد الغزي الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني والدي بدر الدين محمد بن محمد الغزي الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا القاضي زكريا بن محمد الأنصاري وهو أول حديث سمعته منه بسنده المتقدم. وقال الثاني –أعني القاوقجي- حدثنا به عبد القادر بن أحمد الكوهن الفاسي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الشنقيطي الصدّيقي وهو أول حديث حدثني به عن المسند علم الدين صالح بن محمد الفلاني المدني قال وهو أول حديث سمعته منه (ح) ويرويه الشيخ خليل الخشة والشيخ عبد اللطيف فتح

_____________________

الله عاليًا كلاهما عن الشيخ علي السليمي وهو أول قال حدثنا به العارف الشيخ عبد الغني النابلسي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا عبد الباقي البعلي الدمشقي الحنبلي وهو أول حديث سمعته منه قال لنا فيه الطرق الجمة فمن أحسنها روايتنا له عن شيخنا المعمَّر عبد الرحمن البهوتي الحنبلي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا الشيخ جمال الدين يوسف الأنصاري الخزرجي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني والدي القاضي زكريا بن محمد الأنصاري الخزرجي وهو أول حديث سمعته منه بسنده المتقدم (ح) ويرويه الشيخ عبد اللطيف فتح الله البيروتي عن الشيخ محمد شاكر العقاد الشهير بمقدم سعد وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الحافظ صفي الدين محمد بن أحمد البخاري الأثري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الشيخ جمال الدين محمد بن محمد الواسطي الزبيدي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به العلامة السيد الشيخ باعلوي وهو أول حديث سمعته قال حدثني به المسند الوجيه عبد الرحمن بن محمد الذهبي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الشيخ برهان الدين إبراهيم بن حسن الكوراني وهو أول حديث سمعته منه بمنزله ظاهر المدينة سنة 1072هـ قال حدثني به الفقيه نور الدين علي بن محمد العفيف الأنصاري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الفاضل عفيف الدين عبد الله بن محمد الزهري اليمني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به العلامة عز الدين عبد العزيز بن تقي الدين بن عبد العزيز بن أحمد الحبيشي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا الحافظ الرحلة محدث اليمن الشريف الطاهر بن الحسين الأهدل الحسيني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به حافظ اليمن وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الديبع الشيباني الزبيدي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به الإمام الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به خلق منهم الشرف أبو الفتح محمد بن أبي بكر بم الحسين المراغي بمكة والجمال عبد الله بن محمد الحموي الخطيب بالقاهرة وهو أول حديث سمعته منهما قالا حدثنا به الزين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي الحافظ وهو أول حديث سمعته منه (ح) ويرويه الشيخ خليل الخشة الدمشقي والشيخ عبد اللطيف فتح الله مفتي بيروت كلاهما عن مسند الديار الشامية الشيخ أحمد بن عبيد الله العطار وهو أول حديث سمعاه منه قال فممن سمعته عنه بشرطه الإمام الفقيه الشهير والعالم المحدث الكبير الشيخ صالح بن إبراهيم الحنفي الشهير بالجنيني قال وهو أول حديث سمعته منه وهو عن السيد محمد عبد الرسول البرزنجي وهو أول حديث سمعه من قال حدثنا الشيخ عبد الباقي البعلي الحنبلي مفتي الحنابلة بدمشق وهو أول حديث سمعته منه بالسند المتقدم (ح) ويرويه المسند الوجيه عبد الرحمن بن محمد الكزبري الحفيد الدمشقي إجازة عن المسند علم الدين صالح بن محمد الفلاني المدني عن المسند الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن سنّة العمري الفلاني وهو أول عن الشريف محمد بن عبد الله الإدريسي وهو أول حديث سمعه منه عن المعمَّر الشيخ محمد بن محمد الشهير بابن أركماس الحنفي وهو أول حديث سمعه منه عن الحافظ خاتمة الحفاظ في الدنيا أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني قال وهو أول حديث سمعته منه (ح) ويرويه الوجيه الكزبري الحفيد عن الشيخ محمد الأمير الكبير المصري إجازة قال حدثنا به عالي الإسناد الشهاب أحمد بن حسن الجوهري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا مسند الحرمين الشريفين المحدث الحافظ الإمام الشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به المحدث المسند شمس الدين محمد بن علاء الدين البابلي بمكة وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به المسند الشهاب أحمد بن محمد الشهير بابن الشلبي الحنفي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا الجمال يوسف ابن القاضي زكريا الأنصاري الخزرجي وهو أول حديث سمعته منه بالسند المتقدم (ح) ويرويه الجمال يوسف بن زكريا الأنصاري الخزرجي أيضًا عن البرهان إبراهيم بن علي القلقشندي وهو أول حديث سمعه منه قال أخبرنا أبو العباسس أحمد بن محمد المقدسي الشهير بالواسطي وهو أول حديث سمعته منه (ح) ويروي الشيخ عبد اللطيف فتح الله البيروتي والمسند الوجيه الكزبري الحفيد كلاهما عن الحافظ اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي الحسيني إجازة قال حدثنا الشمس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد الشهير بابن عقيلة المكي الشافعي بمكة المكرمة في المسجد الحرام سنة 1139هـ وهو أول حديث سمعته منه (ح) ويرويه الوجيه الكزبري الحفيد والشيخ عبد اللطيف فتح الله البيروتي كلاهما عن الشيخ العلامة عبد الملك بن عبد المنعم بن تاج الدين القلعي المفتي وهو أول قال حدثني به العلامة شيخ الأزهر الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنبي به الشيخ محمد الزرقاني المالكي شارح الموطأ وهو أول حديث سمعته منهما قال أخبرنا به الشيخ الإمام الوالد والشيخ علي الشبراملّسي وهو أول حديث سمعته منهما قالا حدثنا به الشيخ محمود بن محمد البيلوني

________________________

الحلبي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به أحمد بن إبراهيم الشماع وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به محمد بن عمر بن فهد وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به أحمد بن محمد المالكي وهو أول حديث سمعته منه (ح) ويرويه المسند الوجيه الكزبري الحفيد عن الشيخ أبي الحسن علي بن عبد البر الونائي قال وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرنا البرهان بن محمد النُّمْرُسي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا الإمام عبد الله بن سالم البصري وهو أول حديث سمعته منه بالسند المتقدم. أما شيخ شيخنا الثاني –أعني محمد العربي العزّوزي- فحدّثه به ببيروت وهو أول حديث سمعه منه قال حدثنا به شيخنا العلامة المحدث محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به شيخنا الأستاذ الوالد الشيخ أبو المكارم عبد الكبير بن محمد الكتاني الحسني الإدريسي وهو أول حديث سمعته منه أولية إضافية عام 1317هـ ومسند المدينة أبو الحسن علي بن ظاهر الوتري المدني وهو أول حديث كتب به إلي منه سنة 1320هـ واالشيخ الصالح أبو عبد الله محمد أمين رضوان المدني وهو أول حديث سمعته منه يوم عاشوراء بين الروضة والمقام من المسجد النبوي عام 1324هـ قالوا: حدثنا به محدث المدينة الشيخ عبد الغني الدهلوي المدني وهو أول حديث سمعناه منه في سنين مختلفة (ح) وعن مولانا السيد المحدث المشارك الشيخ محمد بن جعفر الكتاني عن الشيخ عبد الغني الدهلوي المدني عن الشيخ عابد السندي الأنصاري قال وهو أول حديث سمعته منه عن الشيخ صالح الفلاني قال وهو أول حديث سمعته منه (ح) وحدثنا به عاليًا السيد محمد أبو طالب وهو أول حديث سمعته منه عن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام محمد الكزبري قال وهو أول حديث سمعته منه عن الشيخ صالح الفلاني المدني (ح) وحدثنا به أعلى من ذلك المعمَّر 120سنة الشيخ حسن بن اعويدان بن جبران الطرابلسي الفيتوري عن الشيخ صالح الفلاني المدني بإجازته لوالده وأولاده بالمجينة المنورة عن الشيخ المعمَّر محمد بن سِنّةَ (بكسر السين المهملة وتشديد النون) العمري عن مولاي الشريف محمد بن عبد الله الواولتي قال وهو أول حديث سمعته منه (والواولتي من ولاته إقليم بصحراء المغرب) عن المعمَّر محمد بن أركماس الحنفي قال وهو أول حديث سمعته منه بالسند المتقد (ح) ويرويه عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني أيضًا عن محدث المدينة أبي اليسر محمد فالح بن محمد الظاهري المدني قال وهو أول حديث سمعته منه قال: حدثنا به خاتمة المحدثين السيد أبو عبد الله محمد بن علي السنوسي الخطابي المكي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به سراج الدين أبو حفص عمر بن عبد الكريم العطار المكي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به أحمد بن عبيد العطار الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه بالسند المتقدم. وسمعه الشيخ محمد العربي العزوزي أيضًا من الشهاب أحمد بن محمد رافع الطهطاوي الحنفي مسند الديار المصرية سنة خمسين وثلاثمائة وألف وهو أول قال حدثنا به شيخنا الشمس محمد الأشموني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به أبو الحسن علي بن عيسى النجاري الأزهري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به محمد الأمير الكبير المصري المالكي وهو أول حديث سمعته منه بالسند المتقدم. قالوا –أعني الحافظ العراقي وأحمد بن محمد المالكي وأبا العباس أحمد المقدسي- حدثنا أبو الفتح صدر الدين محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي وهو أول حديث سمعناه منه قال ثنا أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني وهو أول حديث سمعته منه قال ثنا أبو الفرج الحافظ عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي وهو أول حديث سمعته منه قال ثنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح النيسابوري وهو أول حديث سمعته منه قال ثنا والدي الحافظ أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن وهو أول حديث سمعته منه قال ثنا أبو الطاهر محمد بن محمد بن محمد الزيادي وهو أول حديث سمعته منه (ح) ويرويه المسند الوجيه الشيخ الكزبري الحفيد إجازة عن المسند الشيخ عبد القادر الصديقي المكي قال أخبرني به شيخنا العلامة أبو الأسرار حسن بن علي العجيمي المكي الحنفي وهو أول حديث سمعته منه قال ثنا به الإمام زين العابدين الطبري المكي وهو أول حديث سمعته منه قال ثنا به السيد الوالد الإمام محب الدين الطبري المكي وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرنا العلامة المسند أبو زكريا يحيى الطبري وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرني جدي محمد بن أحمد الطبري الأوسط وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الشيخ عبد الله اليافعي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الإمام إبراهيم الرضي الطبري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الحافظ الكبير أحمد المحب الطبري الأكبر وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به عمي الإمام أبو الحسن علي الطبري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الشيخ محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله المقدسي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الفقيه عبد الله بن محمد الدَّيبلجي العثماني وهو أول حديث

_______________

سمعته منه قال حدثني به الشيخ أبو بكر بن شبل وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به أبو حفص سراج الجين عمر الدهستاني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الإمام الحافظ محمد بن محمد الزيونجي الأصفهاني وهو أول حديث سمعته منه قال حدثني به الإمام حمزة بن عبد العزيز المهلبي الأزدي وهو أول حديث سمعته منه قالا يعني أبا الطاهر محمد الزيادي وحمزة المهلَّبي حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى البزاز وهو أول حديث سمعناه منه قال ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي النيسابوري وهو أول حديث سمعته منه قال ثنا سفيان بن عيينة وهو أول حديث سمعته منه عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء“، وفي رواية بدون لفظ الثناء: “الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء“، وفي رواية عند أحمد “ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء“. وقد أسقط ابن الجزري ومحمد عابد السندي وغيرهما زيادة لفظ الثناء. وقوله “يرحمكم” بالرفع جملة دعائية لا بالجزم جواب الأمر، أي أن الجزم وإن صح فهو خلاف الرواية، فالرواية الرفع فقط على أنه جملة دعائية قاله العبادي. ورواه الشيخ السيد محمد أمين رضوان المدني 1329هـ بالنصب أيضًا قال: “وهو ضعيف جدًا” اهـ. وجزم جماعة بأن الجزم هو الرواية لا غير. قال الشيخ محمد زاهد الكوثري: “والرفع أقوى من الجزم رواية وأبلغ دراية” اهـ. قال ابن عقيلة: “قال الترمذي: حسن صحيح، وجمع طرقه جماعة وهو أصح المسلسلات”. ثم قال: “وهو حديث عظيم مروي عن السادة الحفاظ فيه تحريك سلسلة الرحمة من أول وهلة، وفي رواية: “ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء” أشار إلى ذلك شيخ مشايخنا الشيخ عبد الباقي رحمه الله لكن الرواية بالرفع كما نبه عليه شيخ مشايخنا النجم محمد الغزي في “لطف السمر” فقد ذكر في ترجمة شيخه العلامة البدر أبي الثناء محمود بن محمد البيلوني الحلبي المتوفى في رمضان سنة 1007هـ أنه لما أسمعه هذا الحديث المذكور إملاء عليه برفع يرحمكم على أنه جملة دعائية وقال له: هكذا أملاه علينا شيخنا البرهان بن العماد الحلبي وأفاد أن الرواية في يرحمكم بالرفع لكونها جملة دعائية وليست بالجزم على أنها جواب الأمر انتهى. ولا يمتنع الجزم عربية” اهـ. قال الحافظ الزبيدي في تخريج معجم صفي الدين البخاري: “قال الحافظ السخاوي في الجواهر المكللة: هذا حديث حسن عال أخرجه البخاري في تصنيفه في الكنى والأدب عن عبد الرحمن بن بشر، وأحمد والحميدي في مسنديهما عن ابن عيينة، والبيهقي في الشعب وغيرهما عن الزيادي فوافقناهم بعلو في شيوخهم، ورواه أبو داود في سننه عن مسدد، وأبو بكر بن أبي شيبة والترمذي عن محمد بن يحيى بن يحيى بن أبي عمرو المدني ثلاثتهم عن ابن عيينة من دون تسلسل فوقع لنا بدلاً لهم عاليًا، وقال الترمذي: “إنه حسن صحيح” اهـ. وأورده الحاكم في المستدرك، والمعتمد تسلسله إلى ابن عيينة خاصة كما سبقناه، ومن سلسله إلى منتهاه فهو إما مخطئ أو كذاب” اهـ قلت: وأخرجه أيضًا الخطيب في تاريخه وتداولته الأمة واعتنى به أهل الحديث فقدموه في الإجازة والرواية. وقد وقع للحافظ العراقي هذا الحديث بلقظ (الرحيم) مكان (الرحمن) أخرجه في المجلس السادس والثمانين من أماليه بإسناده إلى الحسن بن محمد الزعفراني قال ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس عن ابن عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو يبلُغ به النبي صلى الله عليه وسلم: “الراحمون يرحمهم الرحيم ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء“، قال الحافظ العراقي ما نصه: “انفرد الحسن بن محمد الزعفراني بقوله فيه “الرحيم”، وبزيادة ابن عبد الله بن عمرو في الإسناد ولم يتابع عليه. واستدل بقوله “أهل السماء” على أن المراد بقوله “من في السماء الملائكة” انتهى كلام الحافظ العراقي. قال الكتاني في “فهرس الفهارس”: “تداولته الأمة واعتنى به أهل الصناعة فقدموه في الرواية على غيره ليتم لهم بذلك التسلسل كما فعلنا وليقتدي به طالب العلم فيعلم أن مبنى العلم على التراحم والتوادد والتواصل لا على التدابر والتقاطع فإذا شب الطالب على ذلك شبت معه نعرة التعارف والتراحم والتوادد والتواصل لا على التدابر والتقاطع فيشتد ساعده بذلك فلا يشيب إلا وقد تخلق بالرحمة وعرف غيره بفوائدها ونتائجها فيتأدب الثاني بأدب الأول وعلى الله في الإخلاص والقبول المعوَّل” اهـ.

  • وحدثني الشيخ محمد مطيع بن محمد واصل الحافظ الدمشقي وهو أول حديث سمعته منه أولية حقيقية وذلك

_________________

في منزله في دبي في 13 صفر 1421 قال حدثني القاضي المعمَّر الشيخ عبد المحسن بن عبد القادر الأسطواني الدمشقي المتوفي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وألف وهو أول حديث سمعته منه أولية حقيقية قال حدثني نقيب الأشراف الشيخ محمود بن نسيب الحمزاوي الدمشقي وهو أول قال حدثني بحديث الرحمة كلٌّ من مشايخي الشيخ عبد الرحمن الكزبري والشيخ سعيد الحلبي والشيخ حامد العطار ووالدي السيد محمد نسيب حمزة أما الأول والثاني والثالث فسمعته منهم مرارًا من الأول تحت قبة النسر ومن الثاني كذلك ومن الثالث في السليمانية وكل ذلك بأولية نسبية وأما الوالد فحدثني به بأولية حقيقية أما الثلاثة الأول وهم شيخنا الشيخ عبد الرحمن الكزبري والشيخ سعيد الحلبي والشيخ حامد العطار فثلاثتهم يروونه عن والد الأول الشيخ محمد الكزبري قال حدثني به جمع من مشايخ منهم الوالد الشيخ عبد الرحمن الكزبري والشهاب المنيني والشيخ عبد الملك بن عبد المنعم أما الوالد فقال حدثني به الإمام المسند الشيخ محمد بن أحمد بن عقيلة وهو أول حديث سمعه منه قال حدثني به الشيخ أحمد بن محمد الدمياطي المشهور بابن عبد الغني وهو أول حديث سمعه منه قال حدثنا به المعمر محمد بن عبد العزيز المتوفي وهو أول قال حدثنا به الشيخ المعمر أبو الخير عمر بن عموس الرشيدي وهو أول (ح) قال الشيخ محمود بن نسيب حمزة وأما والدي السيد محمد نسيب الحمزاوي فحدثني به بأولية حقيقية قال حدثني شيخي الشيخ شاكر مقدم بأولية حقيقية قال حدثني به الشيخ محمد التافلاني بأولية حقيقية قال أجازنا به شيخ الإسلام محمد الحفني قال حدثنا به شيخ الإسلام محمد السجلماسي قال حدثني به الشيخ عبد الله بن سالم البصري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به الشيخ محمد بن سليمان المغربي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا أبو عثمان سعيد بن إبراهيم الجزائري وهو أول قال حدثنا به سعيد بن أحمد المقري مفتي تلمسان ستين سنة وهو أول قال حدثنا به شيخ الطريق إبراهيم التازي وهو أول قال حدثنا أبو الفتح محمد بن إبراهيم المراغي المدني وهو أول قال سمعت من لفظ شيخنا زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي وهو أول قال حدثنا أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي وهو أول حديث سمعته منه.

3-وحدثني شيخي المعمَّر السيد الشريف الفقيه أبو علوي حامد بن علوي الكاف في منزله في مكة المكرمة في السابع من ذي الحجة 1434هـ قال أروي حديث الرحمة المسلسل بالأولية عن العلامة المسند النسابة السيد أبي محمد سالم بن أحمد الحسين بن جندان العلوي الحسني، وهو أول حديث سمعته منه بالأولية الحقيقية بمدينة جدة المحروسة في شوال سنة 1380هـ عن الإمام محمد بن أحمد المحضار العلوي عن أبيه الإمام أحمد بن محمد بن علوي المحضار عن عبد الرحمن بن سليمان الأهدل عن الشيخ المسمى أمر الله بن عبد الخالق المزجاجي عن الإمام محمد بن أحمد بن سعيد بن عقيلة المكي (ح) وأرويه بالأولية الإضافية عن شيخي وأستاذي العلامة أبي الفيض محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي وهو أول حديث سمعته منه وهو عن الشيخ عمر بن حمدان المحرسي محدث الحرمين الشريفين وهو أول حديث سمعه منه قال الفاداني رواه شيخنا الشيخ عمر حمدان المحرسي بالأولية الحقيقية عن العلامة الكبير الشريف عبد الكبير بن محمد الكتاني قال وهو أول حديث سمعته منه عن العلامة الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي قال حدثنا العلامة محمد عابد السندي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا المسمى أمر الله بن عبد الخالق المزجاجي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا محمد بن أحمد بن سعيد المعروف بابن عقيلة وهو أول حديث سمعته منه قال في مسلسلاته المسماة “الفوائد الجليلة” حدثنا الشيخ أحمد بن محمد الدمياطي المشهور بابن عبد الغني وهو أول حديث سمعته منه بحضرة جمع من أهل العلم قال حدثنا به المعمَّر محمد بن عبد العزيز المنوفي وهو أول حديث سمعته منه وإجازة منه بجميع مروياته قال حدثنا به الشيخ المعمَّر أبو الخير بن عموس الرشيدي وهو أول حديث سمعته منه وإجازة لجميع مروياته في ربيع الأول سنة اثنتين بعد الألف قال حدثنا به شيخ الإسلام الشريف زكريا بن محمد الأنصاري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به خاتمة الحفاظ الشهاب أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني وهو أول حديث سمعته منه أخبرنا به الحافظ زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به الصدر أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا به النجيب أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني وهو أول حديث سمعته منه قال أخبرنا به الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي

____________________

وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا أبو سعيد إسماعيل بن أبي صالح النيسابوري وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا والدي أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن مَحْمِش الزيادي وهو أول حديث سمعته منه قال حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز وهو أول حديث سمعته منه بالسند المتقدم.

  • وحدثني به الشيخ ياسين ابن الشيخ محمد عبد البارئ المغربي الأصل ثم الدمشقي الحنفي في منزله في

دمشق الأربعاء 18 جمادى الأولى عام 1419هـ وهو أول حديث سمعته منه قال وحدثني به شيخي السيد الشريف العلامة المحدث محمد الباقر الكتاني وهو أول حديث سمعته منه قال به العلامة المحدث المعمَّر أبو سالم عبد الله بن إدريس السنوسي يوم الأربعاء الثالث من شهر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف بمدينة رباط الفتح وهو أول حديث سمعته منه أولية حقيقية عن مسند عصره العلامة المحدث العارف الشيخ عبد الغني المجددي الدهلوي المتوفى سنة ست وتسعين ومائتين وألف عن محدث الحجاز ومسنده العلامة الشيخ محمد عابد الأنصاري السندي المدني الحنفي المتوفى سنة سبع وخمسين ومائتين وألف عن مسند عصره وإمام مصره مفتي زبيد وجيه الدين عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر الأهدل الزبيجي اليمني الشافعي الأثري المتوفى سنة خمسين ومائتين وألف عن والده الإمام العلامة المحدث الصوفي مسند اليمن ومقتي زبيد نفيس الدين أبي الربيع سليمان المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة ألف عن إمام السنة ومقتضى الأمة الشيخ عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي الزبيدي الحنفي المتوفى سنة واحد وثمانين ومائة وألف عن العلامة الجليل محدث الحجاز ومسنده العارف بالله الشمس محمد بن أحمد بن سعيد الشهير كوالده بابن عقيلة الحنفي المكي المتوفى سنة خمسين ومائة وألف عن الإمام العلامة المسند المعمَّر خاتمة من قام بأعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية الشهاب أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني المعروف بالبناء الدمياطي الشافعي المتوفى سنة سبع عشرة ومائة وألف عن الإمام العلامة المحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم في وقته الشيخ محمد بن عبد العزيز الزيادري الحنفي المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة وألف عن الشيخ المعمر أبي الخير بن عموس الرشيدي عن شيخ الإسلام المعمَّر نحو المائة زين الدين أبي يحيى  زكريا بن محمد الأنصاري المصري الشافعي المتوفى سنة ست وعشرين وتسعمائة عن حافظ الإسلام ومفخرة الدنيا الشهاب أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ثم المصري الشافعي المتوفى سنة اثنان وخمسين وثمانمائة عن شيخه الإمام الكبير حافظ عصره أبي الفضل زين الدين عبد الرحمن بن الحسين العراقي المصري الشافعي المتوفى سنة ست وثمانمائة بالسند المتقدم.

تأويل حديث النزول والرد على الوهابية المجسمة

إن قال المجسم الوهابي أو غيره من الذين يعتقدون أن الله ذات يسكن ويتحرك دليلنا على ذلك حديث ينزل ربُّنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حينَ يبقى ثُلُثُ الليلِ الآخرُ فيقولُ مَن يدعوني فأستجيبَ ومن يسألني فأعطيَهُ ومن يستغفرني فأغفرَ له، قلنا: الحديث صحيح، لكن لا يجوز تفسيره بالنزول الحسي من ذات الله تعالى لأنه يلزم على ذلك بشاعة ومحال وذلك لأن الليل والنهار وأجزاءهما كالنصف والثلث يختلف باختلاف البلدان فإن قلتم أن الله ينزل بالنسبة لبلد واحدة كمكة فقط فمن أين هذا التخصيص ليس عندكم دليل وإن قلتم إنه بالنسبة لكل الدنيا فليل بلد نهار بلد ءاخر ونصف الليل في بلد يكون نصف النهار في بلد ءاخر فيلزم على معتقدكم أن يكون الله نازلاً وطالعًا كل ساعة من ساعات الليل والنهار وهذا ينافي قولكم إنه مختص بالعرش فبطل عليكم ذلك المعتقد، ثم إن العرش أكبر العوالم بحيث أن الكرسي بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فلاة وأن السموات بالنسبة إلى الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض وعلى هذا تكون سماء الدنيا بالنسبة للعرش أقل من خردلة ملقاة في فلاة فكيف تسع الله الذي هو في معتقدكم بقدر العرش أو أوسع من العرش، إن قلتم هو ينزل إلى السماء الدنيا وهي على حالها وهو على حاله فهذا محال وإن قلتم أن الله يصير أقل من قدر خردلة حتى تسعه السماء الدنيا فهذا أيضًا محال، وإن قلتم أن الكرسي والسموات تكون بقدر العرش أو أوسع منه، فمن أين الدليل على ذلك من القرءان والحديث؟ قال الإمام الحافظ الحجة أبو بكر بن فورك شيخ البيهقي رحمهما الله في كتابه مشكل الحديث وبيانه ما نصه: وقد روى لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يؤيد هذا الباب وهو بضم الياء

____________________

من ينزل وذكر أنه ضبطه عمن سمعه من الثقات الضابطين وإذا كان ذلك محفوظًا مضبوطًا كما قال فوجهه ظاهر اهـ.

فهذه الرواية الصحيحة تفسر رواية “ينزل ربنا..” لأن نزول الملائكة لما كان بأمر الله ليبلغوا عنه عبَّرَ الرسول عن ذلك بوحي من الله بعبارة “ينزل ربنا..” ولذلك نظير في القرءان قال الله تعالى في حق ءادم وحواء: {وناداهُما ربُّهُما ألَمْ أنْهَكُما عن تِلْكُما الشجرةِ وأقُل لكُما إنَّ الشيطانَ لَكُما عدُوٌّ مُبينٌ} [سورة الأعراف/22] فيه دليل على صحة رواية النسائي: إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول فيأمر مناديًا… فكما أن الله تعالى نسب نداء الملَك لآدم وحواء إلى نفسه لكونه بأمره فكذلك صح إسنادُ نزول الملَك إلى السماء الدنيا ليبلغ عن الله: هل من داع فيستجيبَ الله له وهل من سائل فيعطى وهل من مستغفر فيغفر الله له، وفي الآية أيضًا دليل على أن نداء الملك لبعض خلق الله بأمر الله يُسند إلى الله من غير أن يكون هناك صوت يخرج من الله، فمن هنا يؤخذ رد اعتراض بعض المجسمة رواية النسائي لحديث النزول حيث إنه قال: إن هذه الرواية تستلزم حصول قول الملك: هل من مستغفر فأغفر له وهل من داع فأستجيب له. فنقول كما أن الله جعل نداء الملك لآدم وحواء بأن الله يقول لكما: “ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين” كذلك يُحمل حديث النزول على الرواية المشهورة على أن الله يأمر الملك بالنزول إلى السماء الدنيا ويبلغ عن الله بأن يقول: إن الله يقول لعباده الداعين والسائلين: من يدعوني فأستجيبَ به ومن يسألني فأعطيه إلى ءاخر ما ورد فيه وليس المعنى أن الملك يقول عن نفسه من يستغفرني فأغفر به ومن يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ونظير هذا ما جاء في القرءان من قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فإذا قَرَأناهُ فاتَّبِعْ قُرْءانَهُ} [سورة القيامة/18] معناه فإذا قرأه جبريل عليك بأمرنا ومعلوم أنه ليس المعنى أن الله يقرأ القرءان على رسول الله كما يقرأ المعلم على التلميذ فبهذا ينحل الإشكال الذي يخطر لبعض الناس والذي يورده ابن تيمية ومن نهج منهجه في التشبيه من وهابية وغيرهم. وقد قال رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين ابن جماعة في إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل. اعلم أن النزول الذي هو بانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه لوجوه:

الأول: النزول الحسي من صفات الأجسام والمحدثات ويحتاج إلى ثلاثة أجسام مُنتقلٍ ومنتَقَلٍ عنه ومنتقلٍ إليه وذلك على الله تعالى محال.

الثاني: لو كان النزول بذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله وتنقلات كثيرة لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئًا فشيئًا فيلزم  انتقاله إلى السماء الدنيا ليلاً ونهارًا من قوم إلى قوم وعَوده إلى العرش في كل لحظة على قولهم ونزوله بها إلى السماء الدنيا ولا يقول ذلك ذو لب وتحصيل.

الثالث: أن القائل بأنه فوق العرش وأنه ملأه كيف تسعه السماء الدنيا وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة فيلزم عليه أحد أمرين إما اتساع في السماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه ونحن نقطع بانتفاء الأمرين. إذا ثبت ذلك فقد ذهب جماعة من السلف إلى السكوت عن المراد بذلك النزول مع قطعهم بأن ما لا يليق بجلاله تعالى غير مراد وتنزيهه عن الحركة والانتقال، وقسم من العلماء قالوا المراد بالنزول نزول الملك بأمر الله لأنك تقول قطع الأمير يد اللص ولا يكون الأمير بنفسه قد أمسك السكين وحز المكان إنما المعنى أن يد اللص قطعت بأمر الأمير فتقول قطع الأمير يد اللص وبنى الأمير بيتًا وقد لا يكون حمل حجرًا واحدًا فيه إنما معناه بُني بأمره، كذلك ينزل ربنا أي ينزل الملك بأمر ربنا اهـ.

قال الإمام القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: {والمُسْتَغفِرونَ بالأسحارِ} وخص السحَر بالذكرِ لأنه مظان القبول ووقت إجابة الدعاء –إلى أن قال-: قلت أصح من هذا ما روى الأئمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر وفي رواية حتى ينفجر الفجر” لفظ مسلم. وقد اختلف في تأويله وأولى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النسائي مفسرًا

 __________

عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول يأمر مناديًا فيقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى” صححه أبو محمد عبد الحق، وهو يرفع الإشكال ويوضح كل احتمال وأن الأول من باب حذف المضاف أي ينزل ملك ربنا فيقول. وقد روي: يُنْزِلُ بضم الياء وهو يبين ما ذكرنا، وبالله توفيقنا وقد أتينا على ذكره في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى اهـ.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا استدل به من أثبت الجهة وقال هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة والعجب أنهم أولوا ما في القرءان من نحو ذلك وأنكروا ما في الحديث إما جهلاً وإما عنادًا، ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنًا به على طريق الإجمال منزهًا الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيرهم عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم، ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد يخرج إلى نوع من أنواع التحريف، ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريبًا مستعملاً في كلام العرب وبين ما يكون بعيدًا مهجورًا فأول في بعض وفوض في بعض وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد، قال البيهقي: وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يَرد ذلك عن الصادق فيصار إليه، من الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم اهـ.

وقال البيهقي في السنن الكبرى ما نصه: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: {وجاءَ ربُّكَ والمَلَكُ صفًّا صفًّا} [سورة الفجر/22] والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه جل الله تعالى عما تقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوًا كبيرًا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدلٍّ من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير اهـ.

وقال أبو سليمان الخطابي: إن الحركة والانتقال من نعوت الحدث وتعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا اهـ وقال أيضًا في شرحه على سنن أبي داود ردًا على من وصف الله بالحركة: والله سبحانه لا يوصف بالحركة لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون وكِلاهما من أعراض الحدث وأوصاف المخلوقين والله عز وجل مُتعالٍ عنهما ليس كمثله شئ اهـ.

قال البيهقي أيضًا في الأسماء والصفات: وأما الإتيان والمجيء فعلى قول أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه يُحدِثُ اللهُ تعالى يوم القيامة فعلاً يسميه إتيانًا ومجيئًا لا بأن يتحرك أو ينتقل فإن الحركة والسكون والاستقرار من صفات الأجسام والله تعالى أحد صمد ليس كمثله شئ، وهذا كقوله عز وجل {فأتى اللهُ بُنْيانَهُم منَ القواعِدِ فخرَّ عليهمُ السقفُ من فوقِهِم وأتاهُمُ العذابُ من حيثُ لا يشعُرون} ولم يُرد به إتيانًا من حيث النقلة وإنما أراد إحداث الفعل الذي به خرب بنيانهم وخرَّ عليهم السقف من فوقهم فسمى ذلك الفعل إتيانًا وهكذا قال في أخبار النزول إن المراد به فعل يُحدثه الله عز وجل في سماء الدنيا كل ليلة يسميه نزولاً بلا حركة ولا نقلة تعالى الله عن صفات المخلوقين اهـ.

وقال الكرماني في شرح البخاري: ينزل في بعضها يتنزل فإن قلت هو سبحانه وتعالى منزه عن الحركة والجهة والمكان قلت هو من المتشابهات فإما التفويض وإما التأويل بنزول ملك الرحمة اهـ. وهذا التأويل أخذه أهل

____________________

السنة من رواية النسائي: “إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديًا فيقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر به هل من سائل يعطى“. قال الشيخ محمد السفاريني الحنبلي في كتاب لوامع الأنوار البهية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية ما نصه: قال أهل التأويل إن العرب تنسب الفعل إلى من أمر به كما تنسبه إلى من فعله وباشره بنفسه قالوا والمعنى هنا إن الله تعالى أمر ملكًا بالنزول إلى السماء الدنيا فينادي بأمره وقال بعضهم إن قوله: ينزل راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته المقدس فإن النزول كما يكون في الأجساد يكون في المعاني أو راجع إلى المَلَك الذي ينزل بأمره ونهيه تعالى، فإن حمل النزول في الأحاديث على جسم فتلك صفة الملك المبعوث بذلك وإن حمل على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل سمى ذلك نزولاً من مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة والحاصل أن تأويله على وجهين إما بأن المراد ينزل أمره أو الملَك بأمره وإما أنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحو ذلك كما يقال نزل البائع في سلعته إذا قارب المشتري بعدما باعده وأمكنه منها بعد منعه، والمعنى هنا أن القرب في هذا الوقت أقرب إلى رحمة الله منه في غيره من الأوقات وأنه تعالى يُقبِلُ عليهم بالتحنن والعطف في هذا الوقت بما يُلقيه في قلوبهم من التنبيه والتذكير الباعِثَين لهم على الطاعة. وقد حكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبط رواية البخاري بضم أوله على حذف المفعول أي يُنزل ملكًا قالوا ويقويه ما روى النسائي وغيره عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يُمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديًا يقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر به هل من سائل يعطى قال القرطبي صححه عبد الحق، قالوا: وهذا يرفع الإشكال ويُزيل كل احتمال والسنة يُفسر بعضها بعضًا وكذا الآيات، قالوا: ولا سبيل إلى حمله على صفات الذات المقدس فإن الحديث فيه التصريح بتجدد النزول واختصاصه ببعض الأوقات والساعات وصفات الرب جل شأنه يجب اتصافها بالقدم وتنزيهها عن التجدد والحدوث، قالوا: وكل ما لم يكن فكان أو لم يثبت فثبت من أوصافه تعالى فهو من قبيل صفة الأفعال، قالوا: فالنزول والاستواء من صفات الأفعال اهـ.

قال الحافظ النووي في شرحه على مسلم عند قوله ينزل ربك.. الحديث، هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأنا ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق.

والثاني: مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال: فعل السلطان كذا إذا فعله بأمره. والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف اهـ.

وقال القاضي ابن العربي في العارضة في شرحه على الترمذي: واختلف الناس في هذا الحديث وأمثاله على ثلاثة أقوال فمنهم من رده لأنه خبر واحد ورد بما لا يجوز ظاهره على الله وهم المبتدعة ومنهم من قبله وأمرَّه كما جاء ولم يتأوله ولا تكلم فيه مع اعتقاده أن الله ليس كمثله شئ ومنهم من تأوله وفسره وبه أقول لأنه معنى قريب عربي فصيح، أما إنه قد تعدي إليه قوم ليسوا من أهل العلم بالتفسير فتعدوا عليه بالقول بالتكثير قالوا في هذا الحديث دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات قلنا هذا جهل عظيم وإنما قال ينزل إلى السماء ولم يقل في هذا الحديث من أين ينزل ولا كيف ينزل فأما قوله ينزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينزل بأمره ونهيه، والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة المَلَك المبعوث بذلك وإن حملته على المعنوي بمعنى أنع لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة اهـ.

 

 

رضي الله عنه: “وكما خسف جبريل بمدن قوم لوط” (1).

________________

  • هلاكُ قوم لوط وإنزال العذاب بهم

يقول الله تعالى حكاية عن ملائكته وما أخبروا به نبيه لوطًا عليه السلام {قالُوا يا لوطُ إنَّا رُسُلُ ربِّكَ لن يَصِلُوا إليكَ فأَسْرِ بأهلِكَ بِقِطْعٍ منَ الليلِ ولا يَلْتَفِتْ منكُم أحدٌ إلا امْرَأتَكَ إنهُ مُصِيبُها ما أصابَهُم إنَّ موعِدَهُمُ الصُّبْحُ أليْسَ الصُّبْحُ بقريبٍ} الآية [سورة هود/81].

أمرَ رسُلُ الله الملائكة نبيَّ الله لوطًا أن يخرج من أرض قومه مع أهله ليلاً قبل طلوع الشمس، وأمروه بترك الالتفات لئلا يرى عظيم ما سينزل بقومه الكافرين من عذاب، وأن امرأته ستلتفت ويُصيبها ما أصاب قومها، فقد ذُكر أنها لمّا خرجت مع زوجها لوط عليه السلام وسمعت هدة وصيحة العذاب الذي نزل بقومها التفتت وقالت: واقوماه فأصابها حجرٌ فأهلكها مع الهالكين.

وجاءَ قومَ لوط من أمر الله ما لا يُرَدّ، ومن العذاب الشديد ما لا يُصد، يقولُ الله عز وجل {فلمَّا جاءَ أمرُنا جعلْنا عاليها سافِلَها وأمْطَرنا عليها حجارةً من سِجِّيلٍ مَنضودٍ* مُسَوَّمَةً عندَ ربِّكَ وما هيَ منَ الظالمينَ ببعيدٍ} [سورة هود/82-83].

لقد أدخلَ جبريل عليه السلام الذي وصفه الله تبارك وتعالى في القرءان بقوله {ذي قُوَّةٍ عندَ ذي العرشِ مَكين} [سورة التكوير/20] ريشة واحدة من أجنحته في قُراهم ومُدنهم وكانت أربعة أو خمسة واقتلعهنّ من أصلهنّ وقرارهن بمن فيهن من قوم لوط الكافرين وكانوا كما قيل: أربعمائة ألف شخص، وما معهم من البهائم فرفع الجميعَ حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمع الملائكة الذين في السماء الأولى أصوات دِيَكتِهِم ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها أي لم يَردَّها كما كانت وإنما ردها مقلوبة بمشيئة الله وقدرته، من دون تعب ولا مشقة، وأرسل عليهم صيحة من السماء وأمطر عليهم حجارة من سجيل، يقول الله تعالى {فأخَذَتْهُمُ الصيحةُ مُشْرِقينَ* فجَعَلنا عاليَها سافِلَها وأمْطَرْنا عليهِم حجارةً من سِجيل} [سورة الحجر/73-74]، ويقول تعالى في ءاية أخرى {فلمَّا جاءَ أمرُنا جَعَلْنا عاليَها سافِلَها وأمْطَرْنا عليها حجارةً من سجيلٍ مَنضودٍ* مُّسَوَّمةً عندَ ربكَ وما هيَ منَ الظالمينَ ببعيدٍ} [سورة هود/82-83] أي يتبعُ بعضها بعضًا في نزولها عليهم من السماء قيل: أيْ مُعَلَّمَةً مكتوبًا على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدفعه ويقتله، ويقول تبارك وتعالى {والمُؤتَفِكَةَ أهْوَى* فَغَشَّاها ما غَشَّى* فَبِأيِّ ءالاءِ ربِّكَ تَتَمارى} [سورة النجم/53-54-55] والمؤتفكة هي قرى قوم لوط عليه السلام، قيل: أي قلبها فأهوى بها مُنكّسة عاليها سافلها وغشاها بمطر من حجارة من سجيل متتابعة، وكانت مُسَوَّمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه، وما إن أشرقت الشمس حتى كانت القرى بمن فيها خرابًا ودمارًا يقول تعالى {وكذلكَ أخْذُ ربِّكَ إذا أخذَ القُرى وهيَ ظَالمةٌ إنَّ أخْذَهُ أليمٌ شديدٌ} [سورة هود/102].

هلاك زوجة لوط عليه السلام مع الهالكين

أهلك الله تبارك وتعالى زوجة نبيه لوط عليه الصلاة والسلام مع الهالكين لأنها كذبت نبيه لوطًا عليه السلام ولم تؤمن به ولم تدخل في دين الإسلام، بل بقيت كافرةً مع قومها راضية بأفعالهم الخسيسة وصفاتهم المذمومة، فحلَّ بها من السخط والعذاب ما حلّ بقومها جزاء لها على كفرها وتعاطفها مع قومها، ولم ينفعها عند الله أنها كانت زوجة نبي الله لوط عليه السلام وهي باقيةٌ على الكفر والضلال يقول الله جل وعلا في مُحكم تنزيله {فأنْجَيْناهُ وأهلَهُ إلا امْرَأتَهُ كانتْ منَ الغابِرينَ} [سورة الأعراف/83]، ويقول عز من قائل {ضربَ اللهُ مَثلاً للذينَ كفروا امرأتَ نوحٍ وامْرأتَ لوطٍ كانتا تحتَ عَبْدَينِ منْ عِبادِنا صالِحَينِ فخانَتاهُما فلمْ يُغْنِيا عنهُما منَ اللهِ شيئًا وقيلَ ادْخُلا النارَ معَ الداخلين} [سورة التحريم/10].

والمرادُ بالخيانة هنا الخيانة في الدين، فإنهما لم تتبعاهما في دين الإسلام، بل بقيتا على الكفر والضلال ولم ينفعهما أنهما زوجتا نبيين من أنبياء الله عظيمين وهما نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام، وليس المراد

________________________

بالخيانة هنا الزنى وأنهما كانتا على الفاحشة، ويروى عن ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: “ما بغتْ –أي زنت- امرأة نبي قط”. وقيل: إن اسم امرأة لوط “والهة” واسم امرأة نوح “والغة” روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {فخَانتاهُما} [سورة التحريم] قال: “ما زنتا، أما امرأة نوح كانت تقول للناس إنه مجنون، وأما امرأة لوط فكانت تدل على الضيف، فذلك خيانتهما”.

قصة قارون وخسف الأرض به

قال الله تبارك وتعالى {إنَّ قارونَ كانَ من قومِ موسى فبَغَى عليهِمْ وءاتَيْناهُ منَ الكُنوزِ ما إنَّ مفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بالعُصبةِ أُوْلي القُوَّةِ إذْ قالَ لهُ قومُهُ لا تفرحْ إنَّ اللهَ لا يُحبُّ الفَرِحينَ* وابْتَغِ فيما ءاتاكَ اللهُ الدَّارَ الآخرةَ ولا تنسَ نَصيبَكَ منَ الدُّننيا وأحْسِنْ كما أحسنَ اللهُ إليكَ ولا تبْغِ الفسادَ في الأرضِ إنَّ اللهَ لا يُحبُّ المُفْسِدين* قالَ إنَّما أُوتيتُهُ على علمٍ عندي أَوَلَمْ يعلمْ أنَّ اللهَ قدْ أهلكَ من قبلِهِ منَ القُرُونِ مَنْ هوَ أشدُّ منهُ قوةً وأكثرُ جَمْعًا ولا يُسْئلُ عن ذنوبِهِمُ المُجرِمونَ* فخرجَ على قومهِ في زينَتِهِ قالَ الذينَ يُريدونَ الحياةَ الدُّنيا يا ليتَ لنا مثلَ ما أوتِيَ قارونُ إنهُ لذو حظٍّ عظيمٍ* وقالَ الذينَ أوتُوا العلمَ وَيْلَكُمْ ثوابُ اللهِ خيرٌ لِمَنْ ءامَنَ وعَمِلَ صالِحًا ولا يُلَقَّاها إلا الصابرونَ* فخَسَفنا بهِ وبِدارهِ الأرضَ فما كانَ لُ من فئةٍ يَنصُرونَهُ من دونِ اللهِ وما كانَ منَ المُنتَصرينَ* وأصبحَ الذينَ تَمَنَّوا مكانَهُ بالأمسِ يقولونَ وَيْكَأنَّ اللهَ يبسُطُ الرزقَ لِمَن يشاءُ من عبادِهِ ويَقْدِرُ لولا أن مَنَّ اللهُ علينا لخَسَفَ بنا ويْكَأنَّهُ لا يُفلِحُ الكافرون* تلكَ الدارُ الآخرةُ نَجْعَلُها للذينَ لا يُريدونَ عُلُوًّا في الأرضِ ولا فسادًا والعاقبةُ للمُتقين} [سورة القصص/76-77-78-79-80-81-82-83].

قارون الذي ذكره الله تعالى في القرءان هو ابن عم موسى عليه السلام وقيل غير ذلك، وكان من أتباع فرعون مصر الكافرين الذين اتبعوا فرعون على كفره وضلاله، وكان رجلاً طاغيًا فاسدًا غرته الحياة الدنيا، وكان كثير المال والكنوز، وقد ذكر الله تبارك وتعالى كثرة كنوزه وبيّن أن كنوزه كان يثقل حمل مفاتيحها على الرجال الأقوياء الأشداء حتى قيل: إن مفاتيح خزائن كنوزه كانت تحمل على أربعين بغلاً.

ولكن قارون غرته الحياة الدنيا وغرّه ما عنده من أموال وكنوز، وطغى وبغى على قومه بكثرة أمواله وافتخر عليهم واستكبر بما ءاتاه الله تعالى من الأموال والكنوز، فنصحه النصحاء من قومه ووعظوه ونهوه عن فساده وبغيه وقالوا له ما أخبر الله تعالى {لا تفرحْ إنَّ اللهَ لا يحبُّ الفَرِحينَ} أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك وتستكبر إن الله لا يحب الذين يفتخرون بأموالهم على الناس وقالوا له {وابتغِ فيما ءاتاكَ اللهُ الدارَ الآخرةَ} أي لتكن همتك مصروفة لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة بالإيمان والعمل الصالح فإن هذا خير وأبقى وقالوا له {ولا تنسَ نصيبَكَ منَ الدنيا} أي ولا تنس أن تأخذ من الدنيا لآخرتك بالتزود لها والاستعداد كما قال ابن عباس. ثم نصحوه قائلين له {وأحْسِن كما أحسنَ اللهُ إليكَ ولا تبغِ الفسادَ في الأرضِ إنَّ اللهَ لا يحبُّ المُفسدين} أي أحسن إلى خلق الله كما أحسن الله تعالى خالقهم إليك، ولا تفسد فيهم وتبغ فتعاملهم بخلاف ما أمرت به، ولكن قارون أجابهم جواب مغتر مفتون مستكبر فقال لهم {قالَ إنما أُوتِيتُهُ على علمٍ عندي} يعني أنا لا أحتاج إلى نصيحتكم أي أوتيته على معرفة مني وخبرة، ثم أخذ يزداد في بغيه وفساده معتقدًا أن الله سبحانه يحبه ولذلك أعطاه هذا المال الكثير.

قال الله تعالى ردًّا عليه فيما ذهب واعتقد {أوَلَمْ يعلمْ أنَّ اللهَ قدْ أهلكَ منْ قبلِهِ منَ القُرونِ مَنْ هوَ أشدُّ منهُ قوةً وأكثرُ جَمْعًا} أي قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم من هو أشد من قارون قوةً وأكثر مالاً فلو كان إفاضة المال الكثير على عبد من عباد الله دليلاً على محبة الله تعالى لهذا العبد لما عاقب الله تعالى أحدًا ممن كان أكثر مالاً منه كما قال الله تبارك وتعالى {وما أموالُكُم ولا أولادُكُم بالتي تُقَرِّبُكُم عندنا زُلْفى إلا مَنْ ءامَنَ وعملَ صالحًا}.

وخرج قارون يومًا متجملاً في موكب عظيم من ملابس ومراكب وخدم وحشم فلما رءاه من قومه من هو مغرور بزهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله وغبطوه بما عليه من زينة وما له من كنوز وأموال، فلما علم بمقالتهم العلماء العارفون ذوو الفهم الصحيح والزهاد قالوا لهم {ويْلَكُمْ ثوابُ اللهِ خيرٌ لِمَنْ ءامنَ وعمِلَ صالحًا}

  • {فإذا هيَ تمُورُ}: أي تضطربُ وتتحركُ بأهلِها وقيل تهوي بهم، والمعنى أنَّ الله يحرِّكُ الأرضَ عند الخسفِ بهم حتى يَقْلِبُهم إلى أسفل، وتعلو الأرضُ عليهم وتمورُ فوقَهُم أي تذهبُ وتجيءُ.

 

 

__________________

أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى، قال الله تعالى {ولا يُلَقَّاها إلا الصابرون} أي وما يُلقّى هذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة عند النظر إلى نعيم هذه الدنيا الزائل الفاني إلا من هدى الله تعالى قلبه وثبت فؤاده وجعله من الصابرين. بينما قارون في موكبه خسف الله تعالى الأرض به وبداره فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، قال الله تعالى {فخَسَفنا بهِ وبِدَارهِ الأرضَ فما كانَ لهُ من فئةٍ يَنصُرُونَهُ من دونِ اللهِ وما كانَ منَ المُنصِرينَ} [سورة القصص/81].

ولمّا حلّ بقارون ما حل من خسف وذهاب الأموال وخراب الدار وخسفها، ندم من كان تمنّى مثل ما أوتي وشكروا الله تعالى الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره ويضيقه على من يشاء، وشكروا الله تعالى الذي لم يجعلهم كقارون طغاة متجبرين متكبرين فيخسف بهم الأرض.

قال الله تعالى {تلكَ الدارُ الآخرةُ نَجْعَلُها للذينَ لا يُريدونَ عُلُوًّا في الأرضِ ولا فَسَادًا والعاقبةُ للمُتقين} أي أن الدار الآخرة وهي الجنة المعدة للذين لا يريدون تكبرًا وفخرًا وأشرًا وبطرًا في الأرض ولا يريدون الفساد بها بأخذ أموال الناس وإفساد معايشهم والإساءة إليهم وعدم النصح لهم، ثم أخبر تعالى أن العاقبة المحمودة لعباده المتقين الذين يلتزمون أوامره فيؤدون الواجبات ويجتنبون المحرمات.

فائدة: يروى أن الله تبارك وتعالى أمر قارون بالزكاة فجاء إلى موسى عليه السلام من كل ألف دينار بدينار، ثم جمع نفرًا يثق بهم من بني إسرائيل فقال: إنّ موسى أمركم بكل شئ فأطعمتموه وهو الآن يريد أخذ أموالكم، فقالوا له: مرنا بما شئت قال: ءامركم أن تحضروا فلانة البغيّ فتجعلوا لها جعلاً أي أجرة فتقذفه بنفسها ففعلوا ذلك فأجابتهم إليه، ثم أتى قارون إلى موسى عليه السلام فقال: إن قومك قد اجتمعوا لك لتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم نبي الله موسى عليه السلام فقال لهم: من سرق قطعناه ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة جلدة، وإن كانت له امرأة رجمناه حتى يموت. فقال له قارون: إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فقال عليه السلام: ادعوها، فلما جاءت قال لها موسى عليه السلام: أقسمت عليك بالذي أنزل التوراة إلا صدقت، أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا، كذبوا ولكن جعلوا لي جعلاً على أن أقذفك، فسجد موسى عليه السلام ودعا الله عليهم فأوحى الله تعالى إليه: مُرِ الأرض بما شئت تطعك، فقال موسى عليه السلام: يا أرض خذيهم فاضطربت داره وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين وجعل يقول: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، فلم يزل يستعطفه وهو يقول: يا أرض خذيهم حتى خُسِفت بهم.

 

 

 

 

 

  • {أمْ أمِنتُم مَّن في السماءِ أن يُرسِلَ عليكُمْ حاصِبًا}: ريحًا ذاتَ حجارةٍ كما فعلَ بقومِ لوط –قالهُ بعض العلماء-.
  • {فسَتَعْلَمونَ كيفَ نذيرِ}: أي إذا عاينتُمُ العذابَ فستعلمونَ أنّ إنذاري بالعذابِ أنهُ حقٌّ حين لا ينفعكم العلمُ.
  • {ولقد كذبَ الذينَ من قبلِهِم}: أي كفار الأممِ الخاليةِ.
  • {فكيفَ كانَ نكيرِ}: أي إنكاري عليهم، أليسَ وَجَدوا العذابَ حقًّا.
  • {أولَمْ يرَوا إلى الطيرِ فوقَهُم}: في الهواء.
  • {صافَّاتٍ}: أي باسطاتٍ أجنِحَتَهُنَّ في الجوّ عندَ طيرانِها.
  • {ويَقْبِضْنَ}: أي يَضْمُمْنَ أجنحتهنّ إذا ضربْنَ بهنَّ جُنُوبهن بعد البَسْطِ.
  • {ما يُمْسِكُهُنَّ}: عن الوقوعِ حالَ القبضِ والبسطِ.
  • {إلا الرحمنُ}: بقدرتِهِ والمعنى أن الطيرَ معَ ثِقَلِها وضخامةِ جسمها لم يكن بقاؤُها وثبوتُها في الجو إلا بإمساكِ اللهِ عزّ وجل إياها وحِفظِهِ لها وإلا فالثقيلُ يتَسَفَّلُ طبعًا ولا يعلو وبهذا يُستدلّ على فسادِ قول من قال بأن الأرض لها جاذبية تجذبُ الأجسامَ إليها.
  • {إنهُ بكلِّ شئٍ بصير}: يعلمَ كيفَ يخلُقُ الغرائبَ ويدبرُ العجائب.
  • {أمَّن هذا الذي هُوَ جُندٌ لكُم}: أي أعوانٌ لكم.
  • {يَنْصُرُكُم}: أي يمنعكم من عذاب اللهِ إنْ أرادَهُ بكم أي لا ناصرَ لكم (1).
  • {مِن دونِ الرحمنِ}: أي غيرُهُ يدفَعُ عنكم عذابَهُ؟!
  • {إنِ الكافرونَ إلا في غُرورٍ}: وذلك أن الشيطانَ يَغُرُّهم فيقول إنّ العذاب لا ينزل بكم.
  • {أمَّنْ هذا الذي يَرْزُقُكُم}: أي مَن ذا الذي يَرْزُقكُم المطرَ وغيرَه إن أمسكَهُ اللهُ عنكم.
  • {إنْ أمْسَكَ رِزْقَهُ}: إن أمسكَ اللهُ ذلكَ عنكم أي لا رازِقَ لكم ذلكَ غيرُهُ.
  • {بلْ لجُّوا}: أي تمادَوا.
  • {في عُتُوٍّ}: تكبُّرٍ.
  • {ونُفُورٍ}: أي تباعدٍ عن الحقّ والإيمان. ثم ضربَ مثلاً للكافرِ والمؤمنِ فقال تعالى:
  • {أفَمَن يمشي مُكِبًّا على وَجْهِهِ}: أي كابًّا رأسَهُ في الضلالةِ والجَهالةِ، أعمى القلبِ والعينِ، لا يُبصر يمينًا ولا شِمالاً، وهو الكافرُ، أكبَّ على الكفرِ والمعاصي في الدنيا، فحشرَهُ الله على وجههِ يومَ القيامةِ.

________________

  • أي لا أحد غيرُ الله يمنعكم من العذاب.
  • {أهدى}: أرشَدُ.
  • {أمَّن يمشي سَوِيًّا}: أي قائمًا مُستويًا يُبصرُ الطريقَ.
  • {على صراطٍ مُستقيمٍ}: على طريقٍ مستوٍ قال قتادة رضي الله عنه: “هذا في الآخرةِ يحشرُ اللهُ الكافرَ على وجهه والمؤمن يمشي سويًا”. وقيل: يعني بالمكَبِّ أبا جهلٍ، وبالسويّ النبيَّ عليه السلام.
  • {قُلْ هُوَ الذي أنشأَكُم}: أي خلقكم.
  • {وجَعَلَ لكُمُ السمعَ والأبصارَ والأفئدةَ}: يعني أنه تعالى ركَّبَ فيكم هذه القوى لكنكم ضَيَّعتموها فلم تقبلوا ما سمعتُموهُ ولا اعتبرتم بما أبصرتُمُوهُ ولا تأملتُم ما عَقَلْتُمُوه فكأنكم ضيعتُم هذه النعم فاستعملتموها في غيرِ ما خُلقت له وخصَّها لأنها ءالاتُ العلمِ.
  • {قليلاً ما تشكُرون}: لا يشكرون، قاله مقاتلٌ (1). قال المحدث العبدري: “لا يشكرون بالمرة”.
  • {قُلْ هُوَ الذي ذَرَأكُمْ}: خلَقَكُم.
  • {في الأرضِ وإليهِ تُحْشَرون}: يومَ القيامةِ للحسابِ والجزاءِ والمعنى أن القادرَ على الإبداءِ قادرٌ على الإعادة.
  • {ويَقُولونَ}: أي الكافرونَ للمؤمنين استهزاءً.
  • {متى هذا الوعدُ}: هذا السؤالُ يحتملُ وجهَينِ:

أحدُهما أنه سؤالٌ عن نزولِ العذابِ بهم.

والثاني أنه سؤالٌ عن يوم القيامةِ.

  • {إن كُنتُم صادقينَ}: فيهِ فأعلِمُونا زمانَهُ فأجابَ اللهُ عن ذلكَ بقوله:
  • {قُلْ إنَّما العلْمُ}: بمجيئِهِ.
  • {عندَ اللهِ وإنَّما أناْ نذيرٌ مُبينٌ}: أمَرَهُ بإضافةِ العلمِ إلى الله تعالى وتبليغِ ما أوحِيَ به إليهِ. ونذيرٌ أي مُخَوِّفٌ. مُبَيِّنٌ أي أُبَيِّنُ لكم الشرائعَ.
  • {فلمَّا رَأَوْهُ}: يعني العذابَ في الآخرةِ على قولِ أكثرِ المفسرين، وقيلَ يعني العذابَ ببدرٍ.
  • {زُلفةً}: أي قريبًا منهم.
  • {سِيئتْ وُجوهُ الذينَ كفروا}: أي ساءَتْ رؤيةُ الوعد وجوهَهُم بأن عَلَتْها الكآبةُ واسوَدَّت والمعنى قُبِّحَت وجوهُهُم بالسوادِ.

_______________________

  • مقاتل بن سليمان كان مجسمًا والعمدة ليست عليه فما قاله مما يوافق أقوال أهل السنة يذكر من باب الاستئناس والاستظهار على جماعته وإلا فهو ليس بثقة ولا يعتبر بالمرة.

 

  • {وقيلَ}: أي قال لهم الخزَنةُ توبيخًا لهم.
  • {هذا}: أي العذابُ.
  • {الذي كُنتُم تَدَّعُونَ}: أنكُم لا تُبعَثون وتَدَّعون أنه باطلٌ.
  • {قُلْ}: يا محمد لمُشركي مكةَ الذينَ يَتَمنَّونَ هلاكَكَ.
  • {أرَءَيتُمْ إنْ أهْلَكَنيَ اللهُ ومَنْ معيَ}: من المؤمنينَ بعذابِهِ.
  • {أو رَحِمَنا}: فلم يعذَّبنا.
  • {فَمَنْ يُجيرُ الكافرينَ منْ عذابٍ أليمٍ}: أي من يمنعُهُم من هذا العذابِ المؤلمِ. والمعنى لا مُجيرَ لهم منه وكان كفارُ مكةَ يدْعونَ على الرسولِ وعلى المؤمنين بالهلاكِ، فأُمِرَ بأن يقولَ لهم نحن مؤمنون متربصونَ لإحدى الحُسْنَيَينِ، إمّا أن نهلِكَ كما تتمنون فنُقلَبَ إلى الجنةِ أو نُرْحمَ بالنصرةِ عليكم كما نرجو فأنتم ما تصنعون؟ مَنْ مجيرُكم من عذابِ النار وأنتم كافرون؟ لا بدّ لكم منهُ.
  • {قُلْ}: أي قُل لهم في إنكارِكَ عليهم وتوبيخك لهم.
  • {هُوَ الرحمنُ}: أي الذي أدعوكم إلى عبادتِهِ.
  • {ءامَنَّا بهِ}: صدَّقنا بهِ ولم نكفر بهِ كما كفرتُم.
  • {وعليهِ توَكَّلنا}: فَوَّضنا إليهِ أمورنا.
  • {فسَتَعلَمونَ}: أي عندَ معاينةِ العذابِ في الآخرةِ.
  • {مَنْ هوَ في ضلالٍ مُبينٍ}: نحنُ أم أنتم.
  • {قُلْ أرَءَيتُم إنْ أصبحَ ماؤُكُمْ غَوْرًا}: أي غائرًا ذاهبًا في الأرضِ.
  • {فَمَنْ يأتيكُم بماءٍ مَعينٍ}: أي ماءٍ طاهرٍ تراهُ العيون وتنالُهُ الأيدي والدِلاءُ أي لا يأتي به إلا الله تعالى فكيفَ تُنكرونَ أن يبعَثكم.

ويُستحبُّ أن يقولَ القارئُ عقِبَ “مَعين” الله ربُّ العالمين كما ورد في

الحديث وتُليَتْ هذه الآيةُ عند بعض الجبّارينَ المتجبرين فقال: “تأتي به الفؤوسُ والمعاول”، فذهب ماءُ عينِهِ وعَمِيَ!! نعوذُ بالله من الجراءة على الله وعلى ءاياتِهِ. وهذه السورةُ تسمى تبارك والملكَ والمانعةَ والمنجيةَ (1).

_________________

  • فضل سورة الملك

روى أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب في عدد الآي، والترمذي في سننه في ثواب القرءان باب ما جاء في فضل سورة الملك، والحاكم في المستدرك(1/565) وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سورة في القرءان ثلاثون ءاية شفعت لصاحبها حتى غفر له (تبارك الذي بيده الملك).

 

 

__________________

وروى الترمذي في سننه كتاب فضائل القرءان باب ما جاء في فضل سورة الملك عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ضرب خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فسمع من القبر قراءة (تبارك الذي بيده الملك) فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر. وحسنه الترمذي والسيوطي في الجامع الصغير (2/56).

قال الإمام الحافظ الشيخ عبد الله الهرري رضي الله عنه: المسلم الفاسق إن حافظ على قراءة سورة الملك في كل ليلة بقراءة صحيحة مع إخلاص النية لله تعالى ينجو من عذاب القبر.