الثلاثاء مارس 18, 2025

سببُ تخصيصِ المُحرَّمِ باسمِ “شهرِ اللهِ”

قال الحافظُ السيوطيُّ رحمه الله في “ديباجِهِ”: “سُئلتُ لمَ خُصَّ المُحرَّمُ بقولهم “شهر اللهِ” دُونَ سائرِ الشهورِ معَ أنّ فيها ما يُساويهِ في الفضلِ أو __________

  • بفتح الشين وكسرِها.

يزيدُ عليه كرمضانَ، ووجدتُ ما يُجابُ بهِ أنَّ هذا الاسمَ إسلاميٌّ دونَ سائرِ الشهور، فإنّ أسماءَها كلها على ما كانت عليه في الجاهليةِ (1) وكان اسمُ المُحرَّم في الجاهليةِ صفرَ الأولَ والذي بعدَهُ صفرَ الثاني، فلمّا جاءَ الإسلامُ سمّاهُ اللهُ المُحرَّمَ فأضيفَ إلأى الله تعالى بهذا الاعتبارِ” اهـ وقد ثبتَ في الصحيح أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سمّاهُ بذلكَ كما يأتي في قولهِ صلى الله عليه وسلم: “شَهرُ اللهِ الذي تَدْعُونَهُ المُحرَّمَ”.

قال أبو عُبيدٍ: إنّما نسَبَه إلى الله عز وجلّ –والشُّهُورُ كلُّها لهُ- لتَشريفِهِ وتَعظيمِهِ اهـ أي لِتشريفِ الشهرِ، أمّا اللهُ تعالى فلا يَتَشرَّفُ بأحَدٍ من خَلْقِهِ، فهو عزَّ وجلَّ كامِلُ الصفاتِ لا يزيدُ كمالاً لم يكُن له قَبل وجودِ خَلقهِ.

فإضافةُ الشهرِ إلى لفظِ الجلالةِ المُعظَّم “الله” مثلُ قولِنا في شأنِ المسجدِ الحرام: “بيتُ اللهِ” أي البيتُ المُشرَّفُ عندَ الله، البيتُ الذي بُنيَ لعِبادَتِهِ والتضرُّعِ إليه، أما اللهُ تعالى فلا يسكُنُ في جهةٍ ولا مكانٍ، كانَ عز وجلّ قبلَ خَلْقِ العالَمِ بلا كَيفٍ ولا مكانٍ، ولم يزَلْ سُبحانَهُ وتعالى بعدَ خلقِهِ بلا مكانٍ ولا يجري عليهِ زمانٌ، {ليسَ كمِثلِهِ شيءٌ}.

ومثل ذلكَ يُقالُ عن العرشِ العظيمِ سقفِ الجنَّةِ “عرشُ الرحمنِ” أي العرشُ المُعظَّمُ شأنُهُ عندَ الله تعالى، وليسَ معناهُ أنّ الله تعالى يسكُنُ فوق العرشِ أو أنهُ يجلِسُ عليه، حاشا للهِ وتنزَّهَ عن ذلكَ تنزُّهًا عظيمًا.

ومثلُ هذا كثيرٌ كقولنِا “ناقةُ الله” عن ناقةِ صالحٍ صلى الله عليه وسلم، وقد سماها اللهُ تعالى بذلك في القرءان الكريم لأنهُ مُعجزة لنبيّ الله صالح، وكذا جاءَ: {مالِكِ يومِ الدينِ} وذلكَ تعظيمًا لشأنِ ذلكَ اليومِ، و{مَلِكِ الناسِ} مع أنه تعالى مالكُ الجِنِّ والإنسِ والملائكةِ والخَلقِ أجمَعينَ.

فائدةٌ: عرَّفتِ العرَبُ شهرَ “المُحرَّمِ” بالألِف واللام خِلافًا لغَيرهِ من أسماءِ الشهورِ العربية، وفي ذلك قال أبو جعفرٍ النحّاس في  “عُمدةِ

___________

  • وأقرّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم يُغيّر إلا ما غيَّره الإسلامُ.

الكتابِ”: “وأُدخِلَت الألِفَ واللامُ في المُحرَّمِ دُونَ غيرِهِ منَ الشهورِ، لأنّ الأشهُرَ الحُرُمَ أربعةٌ، فلمّا خُصَّ بهذا الاسم دُونَها أُلزِمَ الألِفَ واللامَ ليَكونَ علَمًا بذلك” اهـ.

وقالَ عصام الدينِ القُونويّ المفسِّر (ت1195هـ): “لا يُستعمل بغير الألف واللام لكونِهِ علَمًا بالغَلبَةِ، ولا يجوزُ (1) في الأعلام التصرُّف والتغيير اهـ.

أما الشهورُ الدايةَ عشرة الباقيةُ فلم تُعرَّفْ بالألف واللام، ولكن جاءَ منها ثلاثةٌ مُضافةً وهي: شهرُ رمضانَ وشَهْرا ربيعٍ، كما سبقَ، والباقي غيرُ مُضافاتٍ، وسُمِّيَ الشهرُ لِشُهرتِهِ وظُهورهِ، وقيلَ غيرُ ذلك.