رحمةُ اللهِ تعالى واسعةٌ والرَّحَمَاتُ منها ما هو خاصٌ
ومنها ما هو عامٌ:
مِن
الرَّحَمَات ما هو خاصٌّ وهذا لا يكونُ إلا للمؤمنينَ كالرحمَةِ التي تنزِلُ على
المصلي في أثناءِ صلاتِه، فقد وردَ عنْ حُذَيْفَةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: ((كَانَ
النَّبيُّ ﷺ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى)) ([1])
وفي روايةٍ: ((فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ)) ([2]).
وهوَ ﷺ
الذي حثَّ عليها لِمَا فيها مِنَ الخيراتِ والبركاتِ والرحماتِ فقدْ رُويَ عنهُ ﷺ:
أَنَّهُ قَالَ لِبِلَالٍ: ((أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالُ))
([3])
([4]).
ومِنَ الرَّحَمَاتِ الخاصَّةِ ما تنزلُ على طلابِ
العلمِ في مجالسِ العلمِ فهذهِ رحمةٌ خاصةٌ بِمَنْ يحضُرُ وأيُّ رحمةٍ هيَ، فلو
كُشِفَ ما في مجالسِ العلمِ مِن الخيرِ والبركةِ والرحمةِ لما تركَ أهلُ الهممِ
والقلوبِ اليَقِظَةِ مجلسَ علمٍ لا إعطاءً ولا تلقيًا، فعلمُ الدينِ هوَ حياةُ
الإسلامِ ينبغي الاهتمامُ به تعلُّمًا وتعليمًا للكبارِ والصغارِ، يقولُ ربُّنا عزَّ
وجلَّ في محكمِ التنْزيلِ: ﱡﭐ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀﱠ([5])
فوِقايةُ النفسِ والأهلِ مِنْ نارِ
جهنَّمَ تكونُ بتعلُّمِ أمورِ الدِّين وتعليمِ الأهلِ ذلكَ، فإنَّ مَن لم يتعلّمْ
علمَ الدِّين يتخبَّطُ في الجهلِ ولا يعرفُ الحلالَ والحرامَ، فيقَعُ فيما لا
يُرضي الله تبارك وتعالى وقد يقَعُ في الكفرِ والعياذِ باللهِ فيَسخطُ اللهُ عليه
ويكونُ مآلُه في الآخرةِ إن ماتَ على الكفرِ أن يدخُلَ النارَ خالدًا فيها لا
تلحقه شفاعةُ شافِعٍ وليسَ له نصيرٌ ولا يرحمُهُ الله، وما ذاك إلا لأنَّه أهمَلَ
تعلُّمَ علمِ الدِّينِ مِن أهلِ المعرفةِ الصادقين وبطريقِه الذي بيَّنَه رسولُ
اللهِ ﷺ
ودَرَجَ عليه الأئمةُ الأعلامُ، وطريقُ أخذِه أنْ يكونَ مشافهةً وتلقيًّا وسماعًا
لا قراءةً وتصفحًا دون تلقٍّ.
وقد جاءَ عن نبيِّنا الأكرمِ صلواتُ ربي
وسلامُه عليه الحثُّ البليغُ على طلبِ علمِ الدينِ فقالَ ﷺ
لأبي ذرٍّ : ((يَا أَبَا ذَرٍّ لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ العِلْمِ
خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ))([6])اهـ.
أي مِنَ النوافلِ. ووردَ عنهُ ﷺ([7]):
((مَا عُبِدَ اللهُ بِشَىءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي الدِّيْنِ)) اهـ.
وقالَ ﷺ:
((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّههُ فِيْ الدِّيْنِ)) ([8]).اهـ
ومِنَ الرَّحَمَات ما هوَ عامٌّ يعمُّ
المؤمنَ والكافرَ في الدنيا كبعضِ المطرِ ينزلُ فيصيبُ المؤمنَ والكافرَ فليسَ
المطرُ خاصًّا بالمؤمنينَ فقطْ ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ
ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ
ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞﳟﱠ([9])
فَشَربةُ الماءِ الباردِ رحمةٌ
للكافرِ في الدنيا، وقدْ وردَ عن سهلِ بنِ سعدٍ الساعديِّ قالَ: قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: ((لَوْ كَانَتِ
الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا
شَرْبَةَ مَاءٍ)) ([10]).
تَنْبِيْهٌ:
ليسَ معنى قولِنا إنَّ الكافرَ تشمَلُه
رحمةُ اللهِ في الدنيا أنَّه تُقْبلُ منهُ عبادتُه الفاسدةُ لا، فالكافرُ مهما
أتعبَ نفسَه في صورِ العباداتِ والطاعاتِ فلن يُقبَلَ منه شىءٌ لأنَّ الشرطَ لقَبولِ
الأعمالِ الصالحةِ هو الإيمانُ باللهِ ورسولِه، قالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﱠ([11])
وقالَ تعالى: ﱡﭐﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱼﱠ([12]) فالشخْصُ إذا اجْتَنَبَ الكفرَ بأنواعِه وعملَ عمَلًا
موافِقًا للشريعَةِ مخلصًا به للهِ تعالى مُوافِقًا لما جاءَ بهِ رسولُ اللهِ ﷺ فإنَّه يُقبلُ منهُ مهما كانَ قليلًا، فقد جاءَ عن سيِّدِنا سليمانَ عليهِ
السلامُ أنَّه قالَ للفَلَّاحِ الذي نَظَرَ إليهِ وهوَ على بِساطِ الرّيحِ وقالَ([13]):
“إنَّ اللهَ أعْطى ءالَ داودَ مُلْكًا عَظيمًا” فرجَعَ إليهِ
وقالَ لهُ: “لَتَسْبيحةٌ واحدةٌ يَقْبَلُها اللهُ منكَ خيرٌ لكَ مِنَ
الدُّنْيا وما فيها” فهذهِ التسبيحةُ المقبولةُ معَ قِلَّةِ ألفاظِها قالَ
عنها سيدُنا سليمانُ عليهِ السلامُ خيرٌ مِن الدنيا وما فيها ولكنَّها لا تُقْبلُ
إلا بشروطٍ أولُها الإيمانُ باللهِ تعالى وبرسولِه ﷺ، أما إذا كان الشخصُ واقعًا بأيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الكفرِ وأتعبَ نفسَه بصورِ
الطاعاتِ فليسَ له مِن ذلكَ شىءٌ مهما كَثُرَ، والكفرُ ثلاثةُ أقسامٍ: كفرٌ قوليٌّ،
وكفرٌ فعليٌّ، وكفرٌ اعتقاديٌّ كما بيَّنهُ علماءُ المذاهبِ الأربعةِ.