الثلاثاء يناير 14, 2025

حُسْنُ خُلقِ النبيّ الأعظم، وتواضُعُه في مُعَاشرةِ زوجاتِهِ الطَّاهراتِ

إن من صفات المؤمن الكامل صاحب الدرجات العالية أن يُحسن معاملة زوجته اقتداء بحبيبه محمد ﷺ، فيعاملها بالعطف والرحمة وبشاشة الوجه والإحسان والتواضع والعفو عند الإساءة والهفوات، فلا يقابل الإساءة بالإساءة بل يعفو ويصفح ويتواضع معها ولا يترفع عليها، ويعاملها بالمداراة والحكمة والشفقة والرحمة واللين ليحوز الزوج بذلك رضا الله تعالى ورضى رسوله ﷺ. يقول النبيّ الأعظم ﷺ: “أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنُهم خُلقاً وألطفُهم لأهله” رواه الترمذي والنسائي.

لقد كان نبينا المصطفى ﷺ ذا خُلُقٌ عظيم في تعامله مع نسائه الطّاهرات العفيفات، ولقد سلك ﷺ طوال حياته الزوجية معهن سلوكاً عظيماً في حسن تعامله معهن، حاز ونال بذلك مودتهن وحبهن له ﷺ، وهو الذي كان يحضّ أمته على حسن معاشرة أزواجهم ويصف نفسه بأنه أحسنهم في معاملته لأزواجه ﷺ فقال: “خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي” رواه الترمذي. ومعناه أنا أحسن معاملة لأزواجي منكم، وأنتم من كان معاملته لأزواجه حسنة فهو من أفضل المسلمين. ويقول عليه الصلاة والسلام أيضاً يحضُّ أمّته على حسن الخُلق وحسن معاملة الزوجات: “أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنُهُم خُلقاً، وخيارُكم خِيارُكم لنسائهم” رواه الترمذي.

لقد ضرب لنا نبيّنا المصطفى ﷺ أروع الأمثال وأحلى المعاني في حُسن خلقه وتواضعه مع زوجاته الطاهرات في حياته الزوجية.

ومن النماذج الرائعة والأمثال الفائقة التي تتجلى لنا في حسن خلقه ﷺ وتواضعه في معاشرته لنسائه ما يلي:

منها أنه ﷺ كان لما يبيتُ في بيت إحدى زوجاته الطاهرات لأجل الدّور والقسم كان يخرج صباحاً يدور على كل واحدة منهن، فيقف ﷺ على بابها ويسلم عليها ويقول: “السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت”. فكان عليه الصلاة والسلام يبدأهن بالسلام من غير أن ينتظر حتى يأتين هُنَّ بأنفسهنَّ فيُسَلِمْنَ عليه.

فانطروا – يا إخوتي وأحبابي- عظمة أخلاق نبيّنا المصطفى ﷺ في حُسِنِ عشرته لزوجاته، فأي فرح وسرور يدخل على زوجاته الطاهرات عندما يبدأهن عليه الصلاة والسلام بنفسه بالسلام والتحيّة.

ومن حسن أخلاقه وآدابه في معاشرته ﷺ لزوجاته الطّاهرات تواضعه معهنّ ورحمته وخدمته لهنّ في بيوتهنّ رضي الله عنهنّ بنفسه تخفيفاً عليهنّ وشفقة ورحمة بهنّ، فقد سئلت السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟ كان في مهنة أهله (تعني خدمة زوجته) فإذا حضرت الصّلاة خرج إلى الصّلاة.

لقد أثنى الله عزّ وجل في القرآن الكريم على حُسْنَ خُلقِ رسوله محمد ﷺ فقال عزّ من قائل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [سورة القلم].

ومن حُسن وعظيم خلقه عليه الصلاة والسلام تواضعه مع زوجاته الطاهرات وحسن معاشرته ومعاملته لهن، فكان ﷺ داخل بيوت زوجاته كآحاد الناس يقوم بنفسه في خدمتهن رحمة وشفقة بهن وتخفيفاً عليهن أعباء المنزل، وكان ﷺ في بيت زوجاته يحلب شاته بيده من غير أن ينتظر من زوجته أن تحلب له، وكان عليه السلام يتولى خدمة البيت مع زوجته بنفسه تواضعاً لله تعالى، وكان ﷺ في بيوت زوجاته يغسل ثوبه ويصلح نعله بنفسه مُعلّماً أمته التواضع وحسن معاشرة ومعاملة الزوجات. وقد سئلت السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله ﷺ يعمل في بيته؟ قالت: كان بشراً من البشر، يخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه. وهذا من كمال تواضعه ﷺ.

يا حبيبي يا رسول الله يا خير خلق الله ويا صاحب الخلق العظيم يا من علّم أمّته الحضارة ويا من علّم أمّته من خلال معاشرته لنسائه وخدمته لهنَّ التواضع والانكسار، وهو الذي قال ﷺ يحضُّ أمّته على التواضع: “وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” رواه مسلم.

ويقول عليه الصلاة والسلام: “إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة التواضع” رواه الحافظ ابن حجر في الأماليّ.

يعني أن التواضع من أفضل الحسنات، وذلك لأنه يجلب التآلف والتحابّ وتبعد التنافر بين المسلمين.

ومن أمثلة تواضعه ﷺ مع زوجاته الطاهرات مشاركته ﷺ لهنّ في الرأي واستشارتهنّ في الأمور، فلقد استشار النبيّ الأعظم زوجاته في أدقّ الأمور، ومن ذلك استشارته صلى الله عليه وسلم لزوجته أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدي وحلق الرأي فلم يفعلوا لأنه شق عليهم أن يرجعوا ولم يدخلوا مكة، فدخل ﷺ مهموماً حزيناً على أم سلمة رضي الله عنها في خيمتها، فما كان منها رضي الله عنها إلا أن جاءت بالرأي الصائب، إذ قالت له ﷺ: اخرج يا رسول الله فاحلق وانحر، فحلق ونحر ﷺ أمام أصحابه، وإذا بأصحابه كلهم يقومون قومة رجل واحد فيحلقون وينحرون اقتداء بنبيهم عليه الصلاة والسلام.

إن حبيبنا ونبيّنا المصطفى ﷺ أوصى الرجال من أمّته بحسن عشرة الزوجة وحسن معاملتها ومداراتها، وكذلك معاملتها بالرحمة والشفقة واللين والحكمة والمداراة وتحمل ما يقع منها، والإغضاء عن بعض التقصير الذي قد يحصل من كثير من الزوجات لما خلق الله تعالى فيهن من أخلاق وسجايا، ولما فطرهن عليه من صفات وطباع.

لقد علمنا نبينا المصطفى ﷺ آداب العشرة الزوجية من تودّد وملاطفة وملاعبة ومزاح واستشارة في بعض الأمور، ووصّى ﷺ الرجال بالنساء خيراً وأن يحسنوا معاملتهن، وأن يعاشروهن بالمعروف وحسن الخلق، فقال عليه الصلاة والسلام: “استوصوا بالنّساء خيراً” متفق عليه. وقال ﷺ: “خيركم خيركم للنساء” رواه الحاكم.

ويقول ﷺ: “استوصوا بالنساء خيراً فإنما هنّ عوانٌ عندكم ليس تملكون منهنّ شيئاً غير ذلك” رواه الترمذي.

ومعنى قوله ﷺ: “عوان” أي أسيرات، شبّه رسول الله ﷺ المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسيرة.

لقد كان النبي المصطفى ﷺ خير قدوة لأمّته في تعامله مع زوجاته وفي حُسنِ عشرته لهنّ، ولقد ذكرت زوجاته عليهن السلام في كثير من المواضع والمناسبات شيئاً من خصاله الحميدة ومعاملته الحسنة في معاشرته لزوجاته، لتتعلم أمته من ﷺ كيف تكون صحبة الرجل لزوجته وكيف تكون عشرة الرجال للنساء… وكيف تكون معاملة الزوج لزوجته حتى يبقى بيت الزوجية قائماً سعيداً ثابت الدعائم قوي البنيان غير مهدد بالسقوط والضياع.