حكم الكذب والتحذير من كَذْبَةِ أَوّلِ أفريل
يقولُ اللهُ تعالى في كتابِهِ العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) (119 سورة التوبة) معناه اتقوا اللهَ بفعل ما أوجب عليكم وترك ما نهاكم عنه، وكونوا مع الصادقين في نياتهم وأعمالهم وأقوالهم.
وَقالَ اللهُ تَعَالَى (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ) (الأحزاب 35)، هم الصادقون في جميع الأحوال يمدحهم الله تعالى.
وَقالَ اللهُ تَعَالَى (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (محمد 21)، أي لو صدقوا الله في الإيمان والطاعة لكان خيرا لهم، والمراد بذلك المنافقون في الإيمان، كفار هم.
وروى الإمامُ مسلمٌ في صَحيحِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه قال قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (عليكَ بالصِّدقِ فإنَّ الصِّدقَ يَهدِي إلى البِرِّ وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلى الجنة، وما يَزَالُ العَبْدُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقا، وإيَّاكَ والكَذِبَ فإنَّ الكذِبَ يَهدِي إلى الفجور (أي هو وسيلةٌ إلى ذلك، أي طريقٌ يُوصل إلى ذلك) وإنَّ الفجورَ يهدِي إلى النَّارِ وما يزالُ العبدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا).
إنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى قدْ أَرشدَ عبادَه المؤمنينَ إلى كلِّ خَصْلةِ خيرٍ ونهاهُم عنِ الشرّ وكذا رسولُه الكريمُ فقد أَرْسَلَهُ رَبُّهُ مُعَلِّمًا النَّاسَ الخيرَ داعيًا لهم إلى مَكَارِمِ الأَخلاقِ ومحاسِنِها كما قالَ عليه الصلاةُ والسَّلام (إنِّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارمَ الأخلاق) وإنَّه مِنْ عَظيمِ الصِّفَاتِ التي أمرَ اللهُ تعالى بها وحثَّ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصِّدقُ، ومِن أَخْبَثِ الصِّفَاتِ التي نَهَى عَنْهَا الكَذِبُ.
والكَذِبُِ وهو مَا نُريدُ بَسْطَ الكَلامِ فيه، فَهُوَ الكلامُ على خلافِ الواقع إذا كانَ يَعلمُ أنّه بخلافِ الواقِعِ، فقدْ رَهَّبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ مِنَ الكَذِبِ لأنَّه يُوصِلُ الإنسانَ إلى الفُجورِ وهو الميلُ إلى الفَسادِ والشُّرور، وإذا تكرَّرَ الكذِبُ أصبحَ عادةً وطبيعةً يَصْعُبُ الخلاصُ منها وعندَها يُكتبُ الإنسانُ كذّابًا، نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلنَا معَ الصَّادِقِين.
وقد حذّر النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ مِنَ الكَذِبِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحاديثِ ومنها الحديثُ الذي يُبيِّنُ فيه الرَّسولُ خُبْثَ طبعِ الكذّاب، والكذِبُ منه ما هو منَ الكبائرِ ومنه ما يكونُ منَ الصغائرِ ومنه ما يكونُ كفرًا والعياذُ باللهِ تعالى، فإنْ كانَ الكذِبُ لا ضررَ فيه لمسلمٍ فهو مِنَ الصغائر، والصغيرةُ لا يُتَهَاوَنُ بها لأنَّ الجبالَ مِنَ الحصَى وإنْ كانَ فيهِ ضررٌ يَلحَقُ مسلمًا فهو مِنْ كبائرِ الذُّنوبِ والعياذُ بالله تعالى، وَمِنَ الكَذِبِ القَبيحِ الكذِبُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقد قالَ عليه الصلاةُ والسَّلام (مَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار)، وإذا كانَ في هذا الكذِبِ تحليلُ مُحرّمٍ بالإجماعِ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُورَةِ مما لا يَخْفَى عليه كالزِّنَى واللواطِ وَالقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ والغَصْبِ أو تحريمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ كذلك كالبيعِ والنِّكاحِ فهو كفرٌ والعياذُ بالله تعالى.
واعلَمُواِ أنَّ الكذِبَ سواءٌ قالَه مازِحًا أو جادًّا حرامٌ إن أرادَ أن يُضحِكَ القومَ أم لا فهذا حرام، فالبَعْضُ يَكذِبُ الكَذِبَ المحرَّمَ ويقول هذه كَذْبةٌ بيضاءُ، وقد قال عليه الصلاة والسلام عنِ الكَذِبِ (لا يَصْلُحُ الكَذِبُ في جِدٍّ ولا هَزلٍ) وقال (وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ القَوْمَ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ).
ومما ينبغي أن يُحَذَّرَ منه ما يُسمِّيهِ بعضُ الناسِ كَذْبَةَ أوّلِ أفريل، فالكَذِبُ المُحرَّمُ حرامٌ في أولِ أفريل وفي غَيرِه، ويحصُلُ فيه وفي كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَرويعٌ للمسلمِ فيقولُ له الكذَّابُ مَثلاً إنَّ ابنَكَ ماتَ أو حَصَلَ مَعَ زَوجَتِكَ كذا وكذا فَيُرَوِّعُهُ يُخِيفُهُ والعياذُ بالله تعالى، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام يقول (الـمُرْعِبُونَ في النّار)، فالكَذِبُ لا يَصْلُحُ في جِدٍّ ولا في هَزْلٍ أي مَزْحٍ ولو كانَ المقصِدُ إِضحاكَ الحاضرين ولولم يَكُنْ فيهِ إيذاءٌ للنَّاسِ فقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم (إِنِّي لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا) فَأَخْبَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَدِيْثِهِ هذا أنَّه يمزَحُ ولكِنْ لا يَقُولُ إِلا حَقًّا أي أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم لا يَكْذِبُ، فَاحذَرُوا مِنَ الكَذِبِ وحَذِّرُوا مِنْه فإنَّهُ عادَةٌ خبيثةٌ إنْ دَلَّتْ على شَىءٍ فإنها تَدُلُّ على خُبْثِ طَبْعِ صاحِبِها، فاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا معَ الصَّادِقين.