تنبيهُ النبيّ أمتهُ إلى عظيم مُصيبتهم بموته
نبَّه النبيُّ عليه الصلاة والسلام أمته في حياته إلى عُظْمِ المُصيبة التي ستحِلُّ بالمسلمين بموته صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: فتحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بابًا بينهُ وبين الناس أو كشفَ سِتراً فإذا الناسُ يُصلون وراء أبي بكرٍ، فحمِد الله على ما رأى من حُسنِ حالهم رجاءَ أن يخْلُفَهُ الله فيهم بالذي رءاهم فقال: يا أيها الناس أيُّما أحدٍ منَ النَّاس أو من المؤمنين أُصيب فليَتَعَزَّ بمُصيبتهِ بِـي عن المصيبة التي تُصيبهُ بغيري فإنَّ أحدًا من أُمتي لنْ يُصابَ بمُصيبةٍ بعدي أشدَّ عليهِ من مُصيبتي”. رواه ابن ماجه.
ومعنى “فليتَعَزَّ” أي فليُخفِّفْ على نفسه مؤونة تلك المصيبة التي أصابته بتذكّر هذه المصيبة العظيمة، وهي موتُهُ عليه الصلاة والسلام، إذ المصيبة الصغيرة تضمحلّ في جنب المصيبة الكبيرة، فحيث صبر على الكبيرة لا ينبغي أن يبالي بالصّغيرة.
وعن أنَسِ بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أُمّ أيمنَ حاضنة الرسول عليه الصلاة والسلام بكت لما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: ما يُبكيكِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت رضي الله عنها: إنّي قد علمتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم سيموتُ ولكنْ إنَّما أبكي على الوحيِ الذي رُفِع عنَّا. أي وحي التشريع رواه الإمام أحمد.
وعن أبي بُردة عن أبيه قال: صلّينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتّى نُصلي معه العشاء. قال: فجلسنا فخرجَ علينا فقال: ما زلتم هاهُنا. قلنا: يا رسول الله صلَّينا معك المغرب ثم قُلنا نجلسُ نُصلّي معكَ العشاء. قال: ” أحسنتم” أو ” أصبتُم” قال: فرفع رأسهُ إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفعُ رأسهُ إلى السماء فقال: ” النجومُ أمَنَةٌ السماءِ فإذا ذهبت النُجومُ أتى السماءَ ما تُوعد، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي فإذا ذهب اصحابي أتى أُمّتي ما يُوعدونَ، وأصحابي أَمَنَةٌ لأُمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أُمتي ما يُوعدون” رواه مسلم.
قال العلماء: ” الأمنة بفتحِ الهمزة والميم، والأمْنُ والأمان بمعنًى .ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ” النجومُ أمَنَةٌ السماءِ فإذا ذهبت النُجومُ أتى السماء ما توعد” أي النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية فإذا انكدرت النجوم أي تناثرت وتساقطت ولم يبق لها ضوء في يوم القيامة وهَنَت السماء فانفطرتْ وانشقَّتْ وذهبتْ.
وقوله صلى الله عليه وسلم” وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي فإذا ذهب اصحابي أتى أُمّتي ما يُوعدونَ،” أي من الفتن والحُروب، وارتداد من ارْتدَّ عن الإسلام منَ الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك ممَّا أنذَرَ به صلى الله عليه وسلم صريحًا وقد وَقَع كلّ ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم:” وأصحابي أَمَنَةٌ لأُمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أُمتي ما يُوعدون” معناه من ظُهور البدع المخالفة للدّين، والحَوادِث في الدِّين ، والفِتن فيهِ، وطُلُوع قرْن الشيطان، وظهور الرُّوم وغيرهم من الأعداء عليهم، وكذلك انتهاك المدينة المنورة ومكة وغير ذلك من الفِتن.
وهذه كلَّها من أعلام نبوّتِهِ ومعجِزاتِهِ صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها, فوقعت كما أخبر صلى الله عليه وسلم.