تفضيلُ الأزمانِ بعضِها على بعضٍ
قال العِزُّ بن عبدِ السلام رحمه الله: “اعلم أنَّ الأماكِنَ والأزمانَ كلَّها مُتساويةٌ، ويَفضُلان بما يقع فيهما لا بصِفاتٍ قائمةٍ بهما، ويرجِعُ تفضيلُهما إلى ما يُنيلُ اللهُ العبادَ فيهِما من فضلِهِ وكرَمِهِ”. وقال: “وتفضيلُ الأماكنِ والأزمانِ ضربانِ:
أحدُهما: دُنيويٌّ كتفضيلِ الربيعِ على غيرهِ من الأزمانِ، وكتفضيلِ بعضِ البلدانِ على بعضٍ بما فيها من الأنهارِ والثمارِ وطِيبِ الهواءِ ومُوافقةِ الأهواء.
_______
الضربُ الثاني: تفضيلٌ دينيٌ راجِعٌ إلى أنّ اللهَ يجُودُ على عِبادِهِ فيهما بتفضيل أجرِ العامِلينَ كتفضيلِ صومِ رمضانَ على صومِ سائرِ الشهورِ، وكذلكَ يومُ عاشوراءَ وعشرِ ذي الحِجَّةِ، ويومُ الاثنينِ والخميس وشعبانَ وستةُ أيامٍ من شوالٍ، فضلُها راجِعٌ إلى جودِ اللهِ وإحسانِهِ إلى عبادِهِ فيها، وكذلك فضلُ الثُّلُثِ الأخيرِ من كلِّ ليلةٍ (1) راجِعٌ إلى أنّ الله يُعطي فيه من إجابةِ الدَّعَواتِ والمغفرةِ وإعطاءِ السؤالِ ونَيلِ المأمُول ما لا يُعطيه في
________
في الثُّلُثَين الأوَّلَين. وكذلك اختِصاصُ عرفةَ بالوقوفِ فيها، ومِنًى بالرَّمي فيها، والصفا والمَروةِ بالسعيِ فيهما، معَ القطعِ بتساوي الأماكن والأزمان (1)، وكذلك تفضيلُمكةَ على سائرِ البُلدان” اهـ.
فائدة: تشترك بعض الأماكن بوجود البركة الدينية والدنيوية فيها، فقد طرحَ اللهُ تعالى البركةَ في مكة والمدينة ببركة دعاء نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم ودعاء سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وكذلك بيتُ المقدِس الذي قال الله تعالى فيه: {الذي بارَكْنا حولَهُ} أي ببركاتِ الدينِ والدُّنيا، فإنهُ مُتعبَّدُ الأنبياءِ عليهم السلامُ ومَهبِطُ الوَحيِ وهو مَحفوفٌ بالأنهارِ الجاريةِ والأشجارِ المُثمرةِ، وكذلكَ قال تعالى عن وادي طُوًى {بالوَادِ المُقدَّسِ طُوًى} قال الحسنُ رضي الله عنه: طُوِيَ بالبركةِ مرَّتَين، وقد فضَّلَ الله تعالى بعضَ المواضعِ في الأرض على بعضٍ بما جعل فيها من البركة، فقد نقل الحافظ ابن عساكرَ وأبو الوليد الباجي الأشعريّ والقاضي عِياضٌ والسيوطيّ والقسطلاني وغيرُهم الإجماعَ على تفضيل ما ضمَّ جسدَ النبيّ الشريف حتى على الكعبة المُنيفة وأنّ الخِلافَ فيما عداه، وكذلك نُقِلَ عن أبي عقيلٍ الحنبليّ أن تلكَ البُقعةَ أفضلُ من العرشِ.