تفسير الآية معيشة ضنكا
قال الله تعالى ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ يُخْبِرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَيْ أَتْبَاعَهُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ فِي الْبَرْزَخِ أَيْ فِي مُدَّةِ الْقَبْرِ، وَالْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ، يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ عَرْضًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلُوهَا تلك اللحظة حَتَّى يَمْتَلِئُوا رُعْبًا، أَوَّلَ النَّهَارِ مَرَّةً وَءَاخِرَ النَّهَارِ مَرَّةً. وَوَقْتُ الْغَدَاةِ مِنَ الصُّبْحِ إِلَى الضُّحَى، وَأَمَّا الْعَشِيُّ فَهُوَ وَقْتُ الْعَصْرِ ءَاخِرَ النَّهَارِ، ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ أَيْ يُقَالُ لِلْمَلائِكَةِ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ، ءَالُ فِرْعَوْنَ هُمُ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَاتَّبَعُوهُ فِي أَحْكَامِهِ الْجَائِرَةِ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَقَارِبَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الإِيـمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى إِذَا مَاتُوا يَتَعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِـ ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ أَيِ الْمَعِيشَةَ الضَّيِّقَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِـ ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ مَعِيشَةً قَبْل الْمَوْتِ لأن من الكفار من كان منعمًا بالدنيا إِنَّمَا الْمُرَادُ حَالُهُمْ فِي الْبَرْزَخِ أَيْ فِي مُدَّةِ الْقَبْرِ، وَالْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ. فَفِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ، الأُولَى صَرِيحَةٌ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ عُرِفَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهَا عَذَابَ الْقَبْرِ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ هُوَ فَسَّرَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ بِعَذَابِ الْقَبْرِ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ بَعْدَ عَوْدِ الرُّوحِ إِلَيْهِ يَكُونُ لَهُ إِحْسَاسٌ بِالْعَذَابِ إِنْ كَانَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ لِلْكُفْرِ أَوْ لِلْمَعَاصِي. أجارنا الله من عذاب القبر ومن عذاب النار والحمد لله رب العالمين.