الدرس الثالث
(7) الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله وأصحابه الغر الميامين وعلى جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين وآل كل والصالحين وبعد، فإن أشرف العلوم العلم الذي يتعلق بمعرفة الله ورسوله، أما المراد بمعرفة الله فهو معرفة ما يجب لله من الصفات الحسنى وما يستحيل عليه أي لا يجوز ولا يليق به، وما يجب للأنبياء ومعرفة ما لا يليق بهم وما يجوز عليهم هذا هو أشرف علم الدين، هذا هو العلم الذي قال فيه الرسول ﷺ: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» رواه البزار والطبراني، أي كل بالغ عاقل من ذكر وأنثى ويشمل حديثه ﷺ الفرائض العملية البدنية كالصلاة والصيام وما يحل أكله وما يحرم ومعرفة ما يحل لبسه وما يحرم، ومعرفة المال الحرام ومعرفة الواجبات القلبية سوى العقيدة كالإخلاص إخلاص العمل لله تبارك وتعالى، المعنى أنه يحرم على الإنسان أن يقصد بعمل الخير الذي يعمله غير التقرب إلى الله فمن عمل عملا من أعمال البر ليمدحه الناس ولينظروا إليه بعين الإجلال والإكرام فإن هذا مما حرمه الله على العباد ، ومعرفة ما يحل وما يحرم استعمال الجوارح فيه، النظر والاستماع والمشي والبطش أي التناول باليد وما في معنى ذلك، فمعرفة ما يحل استعمال الجوارح التي هي نعم من الله على عبده فيما يجوز أي فيما لم يحرمه الله تعالى وما لا يجوز استعمال هذه النعم فيه فرض عيني على الإنسان البالغ العاقل من ذكر وأنثى.
وأشرف هذه العلوم هو القسم الأول وهو ما يتعلق بمعرفة الله ورسوله لأن معرفة الله ورسوله هو الباب للإسلام منه يدخل إلى الإسلام وبدونه لا دخول إلى الإسلام، والإسلام هو دين الله الذي ارتضاه لعباده لم يرتض لعباده دينا سواه.
لذلك كان الملائكة يدينون ربهم بدين الإسلام، وكذلك الأنبياء كلهم من ءادم إلى محمد يدينون بدين الإسلام الذي هو أساسه عبادة الله وحده وأن لا يشرك به شىء وما يتبع ذلك من الإيمان بالقدر أي أنه لا شىء يحصل من أجرام الأشياء وأعيانها والحركات والسكنات من العباد إلا بخلق الله وتقديره وعلمه الأزلي لا يكون شىء من ذلك إلا بخلق الله وتقديره أي أن الله هو خالق ذلك ومقدره في الأزل وشائي وقوعه أي مريد لوقوعه أي حصوله إن كان ذلك خيرا وإن كان شرا، فما علم وشاء وقوعه حصل وما لم يسبق في علم الله الأزلي ومشيئته الأزلية أنه يكون لا يكون، لأن الله تعالى قديم ذاتا وصفة.
(8)– وكل نبي يؤمن بحقية ما أنزل الله من الكتب على بعض أنبيائه، الكتب المنزلة ورد في حديث صححه ابن حبان عن رسول الله ﷺ: «أنها مائة وأربعة كتاب» هذه كلها الأنبياء يؤمنون بأن كل ما أنزل الله على بعضهم حق وصدق وإن كان يوجد نسخ في بعض الكتب لبعض ما سبق لأن الأحكام تتعلق بمصالح العباد، فالله تعالى عالم بمصالح عباده شرع لبعض الأنبياء شيئا ثم نسخه في شرع النبي الذي بعده لأنه عالم بمصالح الخلق. في غير ذلك أي في غير الأحكام لا اختلاف بين الأنبياء، الأنبياء كلهم مسلمون يؤمنون بالله أنه واحد أحد لا يجوز أن يعبد أحد سواه أي لا يجوز نهاية التذلل إلا له وأنه كامل أزلا وأبدا لا ينتفع بشىء من خلقه ولا ينضر بشىء.
ويجب الإيمان بالثواب والعقاب والحساب وأنه يكون ثواب المؤمنين في الآخرة بالنعيم المقيم أي الذي لا يزول، وأن الجنة دار فيها أكل حقيقي وشرب حقيقي وجماع حقيقي ليس أمورا معنوية فقط، والنعيم المعنوي موجود في الجنة لكن لا بد من نعيم حسي كالأكل والشرب واللباس والشهوة والجماع، الأنبياء كلهم جاؤوا بإثبات هذا لا أحد منهم قال خلاف ذلك لأن هذا من أصول العقيدة وأصول العقيدة لا يختلف فيها الأنبياء لأن مصالح العباد لا تختلف بتبدل شىء من العقائد إنما مصالح العباد تختلف ببعض الأحكام، الله تعالى حرم على اليهود لما ءاذوا نبيهم وأتعبوه كل ذي ظفر أي الإبل كان حراما عليهم وشبه الإبل كذلك كان حراما عليهم أكله، وكذلك شحم البقر كان حراما عليهم، ثم أرسل بعد ذلك رسول ءاخر فارتفع تحريم ذلك، لكن شرع محمد ليس له ناسخ هو مستمر حكما إلى يوم القيامة لأنه لا نبي بعده.
علم التوحيد هو علم يقرر فيه بيان عقائد أهل الحق على ما جاء به القرءان والحديث النبوي، ما ثبت من حديث رسول الله أنه قاله هذا فرض مؤكد على المسلمين أن يتعلموه ثم تقرير هذه العقائد بأدلة عقلية ونقلية أي مأخوذة من القرءان والحديث كذلك معرفته فرض على الكفاية، لأنه بمعرفتها يستطاع الدفاع عن الدين أمام الملحدين المشككين ولا سيما في عصرنا هذا.
الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم أرشدنا إلى الاستدلال بمصنوعاته ومخلوقاته على وجوده وقدرته وعلمه وحكمته الله تعالى قال:{ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض} 185) سورة الأعراف. معناه لماذا لا يستدلون على حقية الإسلام بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض، معناه كل ما خلق الله دليل على وجود الله وعلمه وحكمته وقدرته وإرادته لأنه لولا وجود موجود حي قادر عالم مريد أي ذي مشيئة ما صح عقلا وجود هذا العالم. والله سبحانه وتعالى أعلم.