وله شاهِدٌ مِن حديث عائشةَ رضي الله عنها قالت: «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صحِيفَتِهِ اسْتِغْفارًا كَثِيرًا». هذا موقوفٌ صحِيحٌ.
قال أبو إسحاق: فذكَرتُ ذلك لأَبِي بُردةَ وأبِي بَكرِ ابنَيْ أبِي موسَى فقالا: قال رسولُ الله r: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ كُلَّ يَومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إِلَيْهِ([11])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد.
[1])) أي: أُقِرُّ.
[2])) قال شيخنا رحمه الله: «المرأةُ تقُول في سَيِّدِ الاستِغفار: «خَلَقْتَنِي وَأَنَا أَمَتُكَ» بدَلَ «وأَنَا عَبْدُكَ»».
وقال الحافظ العسقلانيّ في الفتح (11/99): «(سَيِّدُ الاسْتِغْفارِ) قال الطِّيبيّ: لـمّا كان هذا الدّعاءُ جامعًا لمَعانِي التَّوبةِ كُلِّها استُعِيرَ له اسمُ السَّيّدِ وهو الأصلِ الرئِيسُ الّذي يُقصَدُ في الحوائِج ويُرجَعُ إليه في الأمورِ».
وقال ابن الأثير في النهاية (3/324): «(وأَنا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ)، أي: أنا مُقِيمٌ علَى ما عاهَدتُك علَيه مِن الإيمانِ بكَ والإقرارِ بوَحدانِيَّتِك لا أزُولُ عنه».
[3])) قال شيخنا رحمه الله: «(وَما أَخَّرْتُ)، أي: ما سيقَعُ منّي من الذّنوب بعد هذا الوقتِ إنْ وقَع».
[4])) قال شيخنا رحمه الله: «(أَنْتَ الـمُقَدِّمُ وأَنْتَ الـمُؤَخِّرُ)، معناهُ: اللهُ يُنزِل الأشياءَ مَنازلها، أي: بحكمةٍ يضَع الأشياء».
[5])) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّ رسول الله r كانَ إذا سَلَّمَ مِنَ الصّلاةِ قال: «اللَّهُمَّ اغْفِر لِي فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ وما أَسْرَفتُ ومَا أَنْتَ أَعْلمُ بِهِ مِنٍّ، أنْتَ الـمُقَدِّمُ، وأَنْتَ الـمُؤَخِّرُ، لا إلـٰـهَ إلَّا أنْتَ» رواه أحمد.
[6])) قال شيخنا رحمه الله: «نحنُ نقُولُ: الذي يَستَغفِرُ اللهَ مِن ذَنبِه ولو كانَ مُقِيمًا عليهِ لا يَترُكُه، أي: لم يُقْلع عنهُ إنّ هذا الاسِتغفارَ ينْفَعُه، الاسِتغفَارُ اللّسَانِيُّ يَنفَعُ لكنْ بشَرط أن يكونَ في قَلْب المستَغفِر شَيءٌ، لَو لَم يَنوِ، لَكن يُشتَرط أن يكونَ في قَلبِه نوعٌ مِن الاسِتشعَارِ بالخَوف مِن اللهِ أو تَعظيمُه أو مَحبَّتُه أو رجَاءُ رَحمتِه ليسَ مجرَّدَ أنّه تَعَوّدَ أن يقولَ هذا الشّيءَ، أمّا إذا كانَ يَستَغفِرُ لمجَرَّدِ أنّهُ تعَوَّدَ لِسانُه على الاستِغفارِ فهذا ليسَ فيه فائدةٌ كبيرةٌ، أمّا إذا كانَ يَستَغفِرُ بلِسانِه وهوَ مُسْتَشِعِرٌ في قَلبِه تَعظيمَ اللهِ أو الخوفَ منهُ أو مَحبَّتَه أو رَجاءَ رَحمتِه أو التّذلُّلَ لهُ بالاعتِراف بذَنْبِه لأنّ اللهَ يُحِبُّ أن يَعتَرِف العَبدُ بذَنبه فهذا فِيه نَفَعٌ كَبِيرٌ، أليسَ الرَّسولُ r عَلَّم أبا بَكرٍ أن يقولَ: (اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا)».
[7])) قال شيخنا رحمه الله: «(طُوبَى)، أي: خَيرٌ كثِيرٌ».
[8])) قال النسَفي في تفسيره (4/208): «{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} مِن وَجهٍ لا يَخطُر بِبالِه ولا يَحتسِبُه». وقال المناوي في التيسير (1/14): «(مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، أي: مِن جِهةٍ لا تَخطُر بِبالِه ولا تَتَخالَجُ في ءامالِه، ومَن يَتّقِ اللهَ يجعلْ له مَخرَجًا ويَرزُقْه مِن حيثُ لا يَحتسِبُ، والرّزقُ إذا جاءَ مِن حيثُ لا يُتوقَّع كان أهنأَ وأسَرَّ». وقال الحافظ ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير (8/292): ({منْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، أي: مِن حيثُ لا يُؤَمِّل ولا يَرجُو».
[9])) قال ابن الأثير في النهاية (2/156): «قولهم: ذرَبَ لِسانُه إذا كان حادَّ اللِّسانِ لا يُبالي ما قال، ومنه حديثُ حُذيفةَ: قال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي رجُلٌ ذَرِبَ اللَّسانِ».
[10])) أي: لا يَتجاوزُهم.
وقال ابنُ الأثير في النّهاية (1/29): «في أسماءِ اللهِ تعالى الآخِرُ والـمُؤخِّرُ. فالآخِر هو الباقِي بَعد فَناءِ خَلْقِه كُلِّه ناطقِه وصامِته، والـمُؤخِّر هو الّذي يُؤخِّرُ الأشياءَ فيضَعُها في مواضِعِها».
[11])) قال شيخنا رحمه الله: «قولُ: «اللَّهُمَّ اغفِر لي أو أستغفِرُ اللهَ» يقوله الإنسانُ أحيانًا لِمحوِ التَّقصير وأحيانًا للِتّرقِّي في المقامِ وأحيانًا لِمحوِ المعصية، فالتَّوبةُ ليست من الذَّنب فقط بل من التَّقصير ولِمحوِ ءاثار القبيح، الحالُ الذي فيه تقصيرٌ يُستغفرُ ويُتابُ منه ولِلتّرقِّي في المقامِ يُستغفَر، الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان يقول: «أيُّها النّاس إنّي أتوبُ إلى اللهِ وأستغفِرُهُ في اليومِ مائة مرَّةٍ، فيا أيُّها النّاس توبوا إلى اللهِ واستغفِروهُ» فهذا ليس معناه أنَّه كان يُذنِبُ الذَّنبَ ثمَّ يطلُبُ المغفِرة حتَّى إنَّه كان يُذنبُ في اليومِ مائة مرَّةٍ، لا إنَّما الاستغفارُ بالنّسبة لِلرَّسولِ r في الغالب يكون إمّا لِنحو محوِ التَّقصير الذي دون الذَّنب أو لِلتّرقِّي من مرتبةٍ إلى مرتبةٍ كأنَّه يقول ارفعني من المرتبة الَّتي أنا فيها إلى أعلى. فالتَّوبةُ قد تكونُ لِمحوِ أثر فعلٍ غير لائقٍ الطّفلُ إذا قال أستغفِرُ الله معناه أذهِب عنّي الخِصال القبيحة.
الاستغفارُ في الغالب يكون من الذَّنب الذي وقع لِلخلاصِ من الـمُؤاخذَة به في الآخرة وقد يكون لِغير ذلك، وقد ورد ذِكرُ الاستغفار في القرءان بمعنى طلب محوِ الذَّنب بالإسلامِ وذلك كالذي ذكرهُ اللهُ تعالى في القرءان عن نوحٍ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [سورة نوح: 10]، فإنَّ قومهُ الذين خاطبَهُم بقوله استغفِروا ربَّكُم مُشركون فمعناه اطلبوا من ربّكُمْ المغفِرة بتركِ الكُفر الذي أنتُم عليه بالإيمان باللهِ وحدَهُ في استِحقاقِ الأُلوهيَّة والإيمانِ بنوحٍ أنَّه نبيُّ اللهِ ورسولُهُ إليكم».