الإثنين أبريل 21, 2025

باب ما يُوجِبُ الغُسْلَ

  • عن محمّدِ بنِ إسحاقَ عن يَزِيدَ بنِ أبِي حَبِيبٍ عن مَعْمَرِ بنِ أبِي حُيَيّةَ عن عُبَيدِ بنِ رِفاعةَ عن أبِيه – وقال زُهَيرٌ في رِوايتِه: رِفاعةَ بنِ رافِعٍ وكان عَقَبِيًّا بَدرِيًّا – رضي الله عنه قال: كُنتُ عِندَ عُمرَ رضي الله عنه فقِيلَ لهُ: إنّ زَيدَ بنَ ثابِتٍ يُفتِي النّاسَ في الـمَسجد – قالَ زُهَيرٌ في رِوايَتِه: يُفتِي النّاسَ – برَأْيِه في الّذي يُجامِعُ ولا يُنْزِلُ – يَعنِي لا غُسلَ علَيهِ – فقالَ عُمرُ: َعَجِّلْ بهِ، فأُتِيَ بهِ، فقال: يا عَدُوَّ نَفسِه أوَ بَلَغَ مِن أمْرِكَ أنْ تُفتِيَ النّاسَ في مَسجِد رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم برأيِكَ؟! قالَ: ما فَعَلتُ يا أمِيرَ المؤمنِينَ، وإنّما حَدَّثَنِي عُمُومَتي عن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: أَيُّ عُمومَتِك؟ قال: أُبَيُّ بنُ كَعبٍ – قالَ زُهَيرٌ في رِوايتِه: وأبو أيُّوبَ ورِفاعةُ بنُ رافعٍ – قالَ: فالْتَفَتَ إلَيَّ عمَرُ فقال: ما يَقولُ هذا الفتَى؟ قُلتُ: كُنّا نَفعَلُه على عَهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال عُمرُ: هَلْ سَألتُم عن ذلكَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كُنّا نَفعَلُه على عَهدِه، قال: فاتّفَقُوا على أنّ الماءَ لا يَكُونُ إلّا مِنَ الماءِ إلّا رَجُلَينِ عَليَّ بنَ أبِي طالِبٍ ومُعاذَ بنَ جَبلٍ رضي الله عنهما فقالا: إذَا الْتَقَى الخِتانانِ فَقَد وجَبَ الغُسلُ، وقالَ عليٌّ رضي الله عنه: يا أميرَ المؤمنِينَ سَلْ عن هذا أزواجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فأرْسَلَ إلى حَفْصةَ رضي الله عنها فقالت: لا عِلمَ لِي بِه، فأَرسَلَ إلى عائشةَ رضي الله عنها فقالتْ: إذَا جاوَزَ الخِتانُ الخِتانَ([1]) وجَبَ الغُسلُ([2])، قال: فتَحَطَّمَ عُمرُ – يَعنِي تَغَيَّظَ – فقال: لا أُوتَى بأحَدٍ فعَلَه ولَم يَغتَسِلْ إلّا أنْهَكْتُه عُقوبةً([3])». هذا حدِيثٌ حسَن أخرجَه أبو بكر بنُ أبِي شَيبَة.
  • عن عُبَيدِ بنِ رِفاعةَ قال: «كانَ زَيدُ بنُ ثابِتٍ يَقُصُّ في الـمَسجِد فقال في قَصَصِه: إذَا خالَطَ الرّجُلُ الـمَرأةَ ولَم يُمْنِ فلَيسَ علَيه غُسلٌ، فقامَ رَجلٌ مِن الـمَجلِس إلى عُمرَ»، وقال فيهِ: «فالْتَفَتَ عمَرُ إلى رِفاعةَ ابنِ رافعٍ»، وقالَ فيهِ بعدَ قَولِ علِيّ ومُعاذٍ: «فقالَ عمَرُ: قدِ اختَلَفْتُم وأنتُم أهلُ بَدْرٍ الأَخيارُ» ولَيسَ في ءاخِره كَلامُ عُمرَ الأخِيرُ. هذا حدِيثٌ حسَن أخرجَه أبو بكرِ بنُ أبِي شَيبةَ في «مصَنَّفِه» و«مُسنَدِه».

وقَولُه فيهِ: «فتَحطَّمَ عُمرَ» بالحاءِ الـمُهمَلةِ، وقَد فَسَّرَهُ بتَغيَّظَ كأَنّهُ مَأخُوذٌ مِن الحُطَمةِ وهي مِن أَسماءِ النّارِ يَعني تَوقَّدَ غَيْظًا، رَأَيتُه في بَعضِ الأصُولِ بالخاءِ المعجمةِ كأنّه مأخُوذٌ مِن الخَطْم وهو الأَنْفُ([4])، لأنّ الغَيظَ غالِبًا يَظهَرُ فيهِ، وفي كَلامِهم: «وَرِمَ أَنفُهُ» إِذَا اشتَدَّ غَيظُه، وهذا ممّا فاتَ صاحِبَ النّهايةِ التّنبِيهُ علَيه مع ذِكرِه أصلَ المادَّتَين.

  • عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت: «إذَا جاوَزَ الخِتانُ الخِتانَ وَجَبَ الغُسلُ، فعَلْتُه أنا ورَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاغْتَسَلْنا». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمد.
  • عن أبي موسَى رضي الله عنه قالَ: قُلتُ لِعائشةَ أُمِّ المؤمنينَ: ما يُوجِبُ الغُسلَ؟ قالتْ: علَى الخَبِيرِ سَقَطْتَ([5])، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ([6]) وَمَسَّ الخِتَانُ الخِتانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ» أخرجَه ابنُ خُزَيمة.
  • عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: سُئِل رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الرَّجُلِ يجِدُ بَللًا([7]) ولا يَذكرُ احتِلامًا قال: «يَغْتَسِلُ»، وعن الرَّجُلِ يرى أنّه قدِ احتَلَم ولا يَجِدُ بَللًا قال: «لا غُسْلَ عَلَيهِ»، فقالت أُمُّ سُلَيمٍ: هَل علَى الـمَرأةِ تَرَى ذلكَ مِن شيءٍ؟ قال: «نَعمْ، إنَّما النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجَال([8])». هذا حديث حسَن مِن هذا الوجهِ غرِيبٌ بهذا اللّفظِ أخرجه أبو داودَ.
  • عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: دَخلَتْ أمُّ سُلَيم رضي الله عنها على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، الـمَرأةُ تَرَى في مَنامِها ما يَرَى الرّجُلُ، فقالتْ: أمُّ سلَمةَ رضي الله عنها: تَرِبَتْ يَداكِ([9]) يا أمَّ سُلَيمٍ، فَضَحتِ النِّساءَ، فقال النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُنتَصِرًا لأمِّ سُليمٍ: «بَلْ أنْتِ تَرِبَتْ يَداكِ، إنَّ خَيْرَكُنَّ لَمَنْ تَسْأَلُ عَمّا يَعْنِيها، إذَا رأَتِ الماءَ فَلْتَغتَسِلْ»، فقالتْ أمُّ سلَمةَ: وهَل للنِّساءِ ماءٌ؟ قال: «نَعَمْ، فَمِنْ أيْنَ يُشْبِهُهُنَّ الوَلَدُ([10]) إنَّما هُنَّ شَقائِقُ الرِّجالِ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ غرِيبٌ أخرجَه البَزّارُ.
  • عن سُلَيمانَ بنِ صُرَدٍ قال: سمِعتُ جُبَيرَ بنَ مُطعِمٍ رضي الله عنه يقُول: ذكَرُوا غُسلَ الجَنابةِ عِندَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ علَى رَأْسِي ثلاثًا»([11]). هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمد.

[1])) قال شيخنا رحمه الله: «أي: دخَلَتِ الحشَفةُ في الفَرجِ». وقال الـمُظهرِيّ في الـمَفاتيح (1/414): «والمرادُ بمُجاوَزة الخِتانِ الخِتانَ تغيِيبُ الحشَفةِ في الفَرجِ».

[2])) قال شيخنا رحمه الله: «اختلَف العُلَماءُ هل يجِبُ الغُسلُ بالجِماع بلا خُروجِ مَنِيّ أم لا، فقال الجُمهورُ: يجِبُ، وقال ءاخَرُون: لا يَجِبُ، سيّدنا عُثمانُ رضي الله عنه كانَ علَى هذا اعتمادًا على حدِيث: «إنَّمَا الـمَاءُ مِنَ الـمَاءِ» رواه أبو داودَ وهو عِندَ الجُمهورِ مَحمُولٌ علَى النَّسخِ. في بَدءِ الأَمرِ كان الحكمُ كذلكَ ثُمّ نُسِخ بحَدِيث: «إِذَا الْتَقَى الخِتَانانِ وَجَبَ الغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَم يُنْزِل» رواه البَيهقيُّ».

[3])) قال الطّحاوِيّ في شرح مُشكِل الآثار (1/75): «أي: لَما لِنتُ في عُقوبَتِه».

[4])) قال في تاج العَرُوس (32/114): «والخَطْمُ مِن الدّابّةِ مُقَدَّمُ أَنفِها وفَمِها، ومِن الـمَجازِ الخَطْمُ مِنكَ أَنْفُكَ، وأصلُ الخَطْمِ للسِّباعِ مَقادِيمُ أُنوفِها وأَفْواهِها، فاسْتُعِيرَت للنّاس».

[5])) قال النوويّ في شرح مُسلِم (4/41): «معناه صادفْتَ خَبِيرًا بحَقِيقةِ ما سأَلتَ عنه عارِفًا بخَفِيّه وجَلِيّه حاذِقًا فيه».

[6])) قال ابن الأثير في النهاية (2/477): «شُعَبُها الأَربَعُ هي اليَدانِ والرِّجلانِ. وقيلَ: الرِّجلانِ والشُّفْرانِ، فكَنَى بذلك عن الإيلاجِ».

[7])) أي: مَنِيًّا.

[8])) قال ابن الأثير في النهاية (2/492): «(النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ)، أي: نظائرُهم وأمثالُهم في الأخلاق والطِّباع كأنهنَّ شُقِقْنَ مِنهم ولأنّ حوّاءَ خُلِقت مِن ءادمَ علَيه السّلامُ. وشَقِيقُ الرّجُل أخُوه لأَبِيه وأمّه ويُجْمَع على أشِقّاء».

[9])) قال شيخنا رحمه الله: «تَرِبَتْ يَداك لا يُقصَدُ به ظاهرُه إنّما يُقصدُ به تأكيدُ ما يُؤمَر به. ظاهرُه لَصِقَتْ يداكَ بالتُّراب. تَرِبَتْ يداك في الحديث المقصودُ فيه التّنبيه وتأكيدُ الكلام. وفي الحديث أيضًا: «فاظْفَرْ بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ» تَرِبَتْ يَداكَ في الأصلِ معناه فَقُرَتْ يداك، والمرادُ بها هنا الحثُّ والتّحريضُ على اختِيارِ ذاتِ الدِّين».

[10])) قال النوويّ في شرح مسلم (3/222): «معناهُ أنّ الولَد مُتولِّدٌ مِن ماءِ الرّجُلِ وماءِ الـمَرأةِ، فأَيُّهُما غلَبَ كانَ الشّبَهُ له». ولَفظُ الحديثِ عِندَ أبِي يَعلَى: «وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ؟ إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ أَخْوَالَهُ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَشْبَهَهُ».

[11])) قال القسطلّاني في إرشاد السارِي (1/318): «أي: وأَمّا غَيرِي فلا يُفِيضُ أو فَلا أعلَمُ حالَه، قاله الحافظ ابنُ حجَرٍ كالكَرمانِيّ، وتعَقَّبَه العَينِيُّ بأنّه لا يَحتاجُ إلى تَقدِير شيءٍ مِن حيثُ رُوِي مِن طَرِيقٍ لأجلِ حدِيثٍ ءاخَر في بابِه مِن طرِيقٍ ءاخَر، وبأنّ «أَمّا» هنا حرفُ شَرطٍ وتَفصِيلٍ وتَوكيدٍ، وإذَا كانت للتَّوكيدِ فلا تحتاجُ إلى التَّقسِيم (أي: أمّا كذا وأمّا كذا) ولا أن يُقالَ إنّه مَحذوفٌ.اهـ. وفي الحدِيث أنّ الإفاضةَ ثَلاثًا باليدَين علَى الرّأسِ، وأَلحَقَ بِه أصحابُنا سائِرَ الجسَدِ قِياسًا على الرأسِ وعلَى أعضاءِ الوُضوءِ».