الإثنين أبريل 21, 2025

باب ما يَقُولُ إِذَا غَلَبَهُ أَمْرٌ

  • عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ([1]) خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ([2])، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ([3]) وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلا تَعْجَزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، وَلا تَقُلْ لَوْ فَإِنَّ لَوْ تَفتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ([4])». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسلِم.

[1])) قال شيخنا الهرري رحمه الله: «مَعناهُ: المؤمِنُ القَويُّ في العِبادةِ وخِدمةِ الـمُسلمِينَ كعُمرَ بنِ الخطّاب رضي الله عنه، أمّا الآخَرُ الضّعِيفُ فتَقِيٌّ لكِن ليسَ لهُ قُوّةٌ لِنَفْعِ الـمُسلمِين، فالـمُرادُ الـمُؤمنُ القَويُّ في أَمرِ الله الّذِي يَنفَعُ المسلمِينَ بجَسَدِه أو بقُوّةِ عَقلِه. اللهُ تَعالى جَعَلَ في الضُّعَفاءِ مِن المؤمنِينَ خَيرًا وفي الأقوياءِ مِهأأأقوِياءِ مِنهُم خَيرًا، لكِنّ المؤمِنَ التّقِيَّ القَوِيَّ الّذي يَنفَعُ نَفْسَه وغَيرَه بقُوّةِ جَسَدِه وقُوَّةِ حَزْمِه ورَأْيِه خُيرٌ عِنْدَ اللهِ تَعالَى كعُمرَ بنِ الخطّاب. عمَرُ بنُ الخطّابِ مؤمِنٌ كامِلٌ الإيمانِ وقَوِيٌّ، كانَ يَخَافُ اللهَ في حَقِّ نَفْسِه وفي حقِّ العِبَاد ويَبذُلُ جُهْدَه في نَفعِهم، وكذلكَ سائِرُ الخُلَفاء الأَربَعةِ، كذَلكَ مَن جاءَ بَعْدَهم مِن الخُلَفاءِ الطَّيِّبِينَ مَن كانَ مِنهُم بهذِه الصِّفَةِ كانَ أكثرَ فَضلًا عِندَ اللهِ تَعالى. ثُمّ الضُّعَفاءُ وَرَدَ في مَدحِهِم حَديثٌ: «(إنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم) رواه مُسلِمٌ والنَّسائيّ والطّبَرانيُّ وأبو داودَ والترمذيُّ. هؤلاءِ الدّرَاوِيشُ الّذِينَ أَنتُم تُسَمُّونَهم الدَّراوِيشَ الأتقِيَاءَ هؤلاءِ لَهُم فَضْلٌ عِندَ اللهِ، أمّا الدَّروِيشُ الّذي هو ليسَ فيهِ تَقْوى، الّذي لا يُحافِظُ على فَرائِضِ الله، لا يتَجَنَّبُ المعَاصِي، هذا بَعِيدٌ مِن الدَّرَجاتِ العُلَى».

قال السُّيوطي في شرح مُسلِم (6/31): «(الـمُؤمِنُ القَوِيُّ) الـمُرادُ بالقُوّةِ هنا عزِيمةُ النّفسِ والقرِيحةُ في أمُورِ الآخِرة/ فيكونُ صاحِبُ هذا الوَصفِ أكثر إقدامًا على العدُوّ في الجِهادِ وأسرعَ خرُوجًا إليه وذَهابًا في طلَبِه وأشدَّ عزِيمةً في الأمرِ بالمعروفِ والنَّهِي عن الـمُنكَر والصَّبرِ على الأذَى، في كُلّ ذلك واحتِمالِ الـمَشاقّ في ذاتِ الله تعالى، وأرغبَ في الصّلاةِ والصَّوم والأذكارِ وسائرِ العباداتِ وأنشطَ طلَبًا لها ومُحافَظَةً علَيها ونحوَ ذلك».

[2])) معناه: في كلِّ مِن التقِيّ القوِيّ والضّعِيف خَيرٌ لاشتراكِهما في الإيمان معَ ما يأتي به الضّعِيفُ مِن العبادات.

[3])) معناه: احرِصْ على طاعةِ الله تعالى والرّغبةِ فيما عِندَه واطلُبِ الإعانةَ مِن الله تعالى على ذلك ولا تَعجِز ولا تَكسَلْ عن طلَبِ الطّاعةِ ولا عن طلَبِ الإعانةِ.

[4])) قال شيخنا رحمه الله: «معنَى (فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطانِ)، أي: إذا قالَها الشّخصُ تحَسُّرًا على أمرٍ مِن أمورِ الدُّنيا تَفتحُ عمَلَ الشّيطانِ، أي: تَزِيدُه طمَعًا، أمّا لو قالها لأمرِ خَيرٍ فاتَهُ لا تكونُ مَذمومةً كأنْ قال: لو تَعلَّمتُ في الصِّغَر لكان خيرًا لي، «لو» تأتي مَذمومةً وتأتي غيرَ مَذمومةٍ».

وقال ابن حجَر العسقلاني في فتح الباري (13/228): «قال الطّبَري: طريقُ الجمْعِ بين هذا النَّهي (أي: عنِ استِعمال كلِمة «لو») وبَين ما ورَد مِن الأحاديثِ الدالّةِ على الجوازِ أنّ النّهيَ مَخصوصٌ بالجزم بالفِعل الّذي لَم يقَعْ، فالمعنَآ لا تَقُل لشَيءِ لَم يقَعْ: لو أنّي فعَلُت كذا لوقَع قاضِيًا بتَحتُّم ذلك غيرَ مُضمِرٍ في نَفسِك شَرَطَ مَشيئةِ اللهِ تعالى. وما ورَد مِن قولِ «لو» مَحمولٌ على ما إذَا كان قائِلُه مُوقِنًا بالشَّرطِ المذكُورِ وهو أنّه لا يقَع شيءٌ إلا بمَشيئةِ اللهِ وإرادتِه وهو كقولِ أبي بكرٍ في الغارِ: «لو أنّ أحدَهُم رفَعَ قدَمَه لأبْصَرَنا»، فجزَمَ بذلك معَ تيقُّنه أنّ الله قادرٌ على أنْ يَصرِفَ أبصارَهُم عنهُما بِعمًى أو غيرِه ولكِن جرَى على حُكمَ العادةِ الظّاهرةِ وهو مُوقِنٌ بأنّهم لو رفَعُوا أقدامَهُم لَم يُبصِروهُما إلّا بمَشيئةِ اللهِ تعالى. انتهى ملخَّصًا».