باب ما يَقُولُه إِذَا رَكِبَ دابَّته
- عن علِيّ بنِ رَبِيعةَ قال: شَهِدتُ عَلِيًّا([1]) رضي الله عنه أُتِيَ بِدابّةٍ لِيَركَبَها، فلمّا وَضَعَ رِجْلَه في الرِّكابِ([2]) قالَ: «بِسمِ اللهِ»، فلَمّا استَوَى([3]) على ظَهرِها قالَ: «الحَمدُ للهِ»([4])، ثُمّ قالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (١٤)}([5]) [سُورةَ الزُّخرُف]، ثُمّ قالَ: «الحَمدُ للهِ» ثلاثَ مَرّاتٍ، ثُمّ قالَ: «اللهُ أَكبرُ» ثَلاثَ مَرّاتٍ، ثُمّ قالَ: «سُبْحانَكَ إنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، إنّهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلّا أنْتَ»، ثُمّ ضَحِكَ، فقلتُ: يا أمِيسرَ المؤمنِينَ مِن أيٍّ شَيءٍ ضَحِكْتَ؟ فقالَ: رأَيتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَما فعَلْتُ ثُمّ ضَحِكَ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ مِن أيِّ شَيءٍ ضَحِكتَ؟ فقالَ: «إِنَّ رَبَّنا يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ([6]) إِذَا قَالَ: اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، ثُمَّ قالَ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي». أخرجه الترمذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ حِبّانَ والحاكِمُ وقال: صحِيحُ الإسنادِ، وقال الترمذيُّ: حسَنٌ صحِيحٌ.
- عن علِيّ بن رَبِيعةَ قال: كُنتُ رِدْفًا لِعلَيّ([7]) رضي الله عنه، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ»، فَلَمَّا اسْتَوَى علَى ظَهرِ الدّابّةِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ»، ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} إلى: {لَمُنْقَلِبُونَ}، ثُمَّ قال: «سُبْحانَكَ لا إلـٰـهَ إِلا أَنْتَ، إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ»، ثُمَّ مَالَ إلى أحَدِ شِقَّيْهِ فضَحِكَ ثُمَّ قالَ: إنِّي كنتُ رِدْفَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فصَنَعَ كَما صَنَعتُ وقالَ: «إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَضْحَكُ إلى عَبدِه([8]) إِذَا قَالَ هذَا، ثُمّ يَقولُ([9]): عَبْدِي عَرَفَ أنَّ لهُ رَبًّا يَغْفِرُ ويُعَاقِبُ». أخرجَه الحاكِم وقال: صحِيحُ الإسنادِ.
- عن عليّ بنِ رَبِيعةَ قالَ: حمَلَنِي علِيٌّ خَلْفَه ثُمّ سارَ بِي في جَبّانةِ الكُوفةِ ثُمّ رَفَعَ رَأْسَه إلى السّمَاءِ([10]) فقال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي»، فذَكَرَ نَحوَه وفيهِ قَولُ علِيِّ رضي الله عنه، ثمّ سارَ بِي في جانِبِ الحَرَّةِ([11])، وفي ءاخِره([12]) ضَحِكْتُ مِن ضَحِكِ رَبِّي([13]) وَتَعَجُّبِهِ مِنْ عَبْدِهِ([14]) أَنَّهُ يَعْلَمُ أنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُهُ». وهذا سنَدٌ حسَنٌ أخرجَه البَيهقِيِّ.
- عن ابنِ جُرَيجٍ قال: أخبرَنِي أبو الزُّبَير أنّ عَلِيًّا الأَزْدِيَّ أخبرَه أنّ ابنَ عُمرَ رضي الله عنهُما عَلَّمَه – وفي رِوايةِ رَوْحٍ: وَحَجّاجٌ أخبَرَه – أنّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا استوَى على بَعِيرِه خارِجًا إلى سَفَرٍ كَبّرَ ثَلاثًا ثُمّ قالَ: «{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (١٤)} اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ([15])، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ([16])، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ([17])، وَكَآبةِ الْمُنْقَلَبِ([18]) وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ([19])»، وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِن سَفَرِه قَالَهُنَّ وزادَ فِيهِنَّ: «ءَائِبُونَ([20]) تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مسلِمٌ.
[1])) أي: حضَرْتُه.
[2])) قال ابن بطّال في شرح البُخاريّ (5/70): «هو ما يَستعِينُ بِه الرّاكِبُ عِندَ رُكوبِه ويَعتمِدُ علَيه، وهو شيءٌ قدِيمٌ معرُوفٌ عِندَهم، وهذا تفِسيرُ ما جاء عن عُمرَ بنِ الخطّاب رضي الله عنه».
[3])) أي: استَقَرَّ.
[4])) أي: على نِعمةِ الرُّكوب وغيرِها.
[5])) قال شيخنا رحمه الله: «قوله» عزَّ وجلَّ: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}، أي: مُطِيقِينَ، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}، أي: راجِعُون إلى حِسابِه».
[6])) قال ابن الأثير في النّهاية (3/184): «أي: عَظُمَ ذلكَ عندَه وكَبُرَ لدَيهِ. أَعلَمَ اللهُ تعالَى أنّه إنّما يتَعجَّبُ الآدَمِيُّ مِن الشّيءِ إذَا عَظُم مَوقِعُه عندَه وخَفِيَ عليه سبَبُه فأخبَرَهم بما يَعرِفُون لِيَعلَمُوا مَوقِعَ هذه الأشياءِ عِندَه. وقِيلَ: مَعنَى «عَجِبَ ربُّكَ»، أي: رَضِيَ وأَثابَ فسَمّاه عَجَبًا مَجَازًا وليسَ بعَجَبٍ في الحَقِيقةِ، والأوّلُ الوَجْهُ».
[7])) أي: راكِبًا خَلفَه على الدابّةِ.
[8])) أي: يُقبلُ علَيه برَحمَتِه.
[9])) وكلامُ اللهِ أزَلِيٌّ أبدِيٌّ ليسَ مُتعاقِبًا ولا مُتجزِّئًا ولا مَبْدأَ له ولا مُختَتم، وليس هو كلامًا بحَرفٍ وصَوتٍ ولُغَةٍ.
[10])) أي: لأنّها مَهبِطُ الرَّحماتِ وقِبلةُ الدُّعاءِ وليسَ لأنّ اللهَ يَسكُنُها، حاشا لله، فاللهُ تعالَى موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا مَكانٍ ولا كَيفٍ.
[11])) قال القاضي عِياضٌ في الإكمال (8/534): «الحَرّةُ أرضٌ فيها حِجارةٌ سُودٌ كأنّها أُحرِقَتْ بالنّارِ».
[12])) أي: في الجُزءِ المرفوعِ مِن الحديثِ.
[13])) أي: رِضَى رَبِّي.
[14])) أي: رَحمتُه عَبْدَه.
[15])) قال شيخنا رحمه الله: «معناه: الحافِظُ، أنتَ الـمُطَّلِعُ علَينا في السّفَر ولا يَخفَى عليكَ شيءٌ مِن أَحوالِنا، وأنتَ الـمُعِينُ في السّفَر، أمّا ما يُروَى عن إبراهيمَ بنِ أدهمَ مِن أنّه قال لِشَخصٍ: اتَّخِذِ اللهَ صاحِبًا فلا يَثبُت عنه ولا نَروِيه».
[16])) قال شيخنا رحمه الله: «(وَالخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ)، مَعناهُ: احفَظْ لِي أَهلِي في غَيبَتِي».
وقال الـمُظهِريّ في المفاتيح (3/221): «الخَلِيفَةُ مَن يَقُومُ مَقامَ أحَدٍ في إِصلاحِ أُمورِه، يعني: أنتَ الّذِي تُصلِحُ أُمورَنا في أوطانِنا وَتحفَظُ أهلَ بُيوتِنا في غَيبَتِنا».
[17])) قال ابن الأثير في النّهاية (5/206): «(مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ)َّ، أي: شِدّتِه ومشَقَّتِه، وأصلُه مِن الوَعثِ وهو الرَّملُ، والـمَشيُ فيه يَشتَدُّ على صاحبِه ويَشُقُّ».
[18])) قال التُّورِبِشتِيُّ في شرح المصابيح (2/564): «(وَكَآبةِ الـمُنْقَلَبِ) هو أنْ يَنقلِبَ مِن سفَرِه بأمرٍ يَكتئِبُ مِنهُ ممّا أصابَه في سفَرِه أو ممّا قَدِمَ علَيه في نَفْسِه وذَوِيه ومالِه وما يَصْطَفِيه».
[19])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (11/305): «(وَسُوءِ الـمَنْظَرِ)، أي: وأَعُوذ بِكَ مِمّا يَسوءُ النّظَرُ إليه (في الأَهْلِ)».
[20])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (11/307): «(ءَاِيبُونَ): خبَرُ مُبتدأ محذُوفٍ تقدِيرُه: نَحنُ ءايِبُون، أي: راجِعُون مِن سفَرِنا».