الجمعة مايو 16, 2025

باب ما يَجْهَرُ وَما يُسِرُّ بِه فِي القِراءَةِ

  • عن سَعيدٍ الـمَقْبُريّ قال: سَمِعتُ ابنَ عبّاسٍ رضي الله عنهما يَجهَرُ بفاتِحةِ الكِتابِ في الصّلاةِ على الجِنازةِ وقال: «لِتَعْلَموا أنَّها مِن السُّنَّةِ».

أخرجه الشافعِيُّ عن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ عن محمّدِ بنِ عَجْلانَ عن سَعيدٍ الـمَقْبُرِيّ، وهذا إسنادٌ قويّ. وفيه إشعارٌ بأنّه كان هناكَ مَن لا يَقرأُ الفاتحةَ فِيها، فأرادَ تَعلِيمَهُم. وحمَله بعضُهم على أنّ ذلك كان ليلًا، وهو بَعِيدٌ مِن السِّياق.

  • عن أم هانئٍ رضي الله عنها قالت: «كنتُ أسمَعُ قِراءَةَ النَّبِيَّ r باللَّيلِ وأنا علَى فِراشِ أهلِي». أخرجَه احمد والترمذِيّ والنَّسائيّ وصحَّحَه الحاكِم.
  • عن عليّ رضي الله عنه قال: كان أبو بَكٍ رضي الله عنه إذَا قَرَأ يَخفِضُ صَوتَه، وكان عمَرُ رضي الله عنه إذَا قَرَأ يَرفَعُ صَوتَه، فقال النّبيُّ r لأبي بَكرٍ: «لِمَ تَخْفِضُ؟» قال: أُسمِعُ مَن أُناجِي([1])، وقال لِعُمَر: «لِمَ تَجهَرُ؟» قال: أُوقِظُ الوَسْنانَ([2]) وأُكرِبُ الشَّيطانَ. هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد.
  • وأخرج أبو داود والنَّسائيُّ مِن طريق غُضَيفِ بنِ الحارِث قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها عن قِراءَة النَّبِيّ r مِن اللَّيل أكان يَجهَرُ أو يُسِرُّ؟ قالت: «كُلُّ ذلك كان يَفعلُ»، قلتُ: الحمدُ للهِ الذي جعَلَ في الأمرِ سَعةً([3]). وهو حديث حسَن.
  • عن أبي خالدٍ الوالِبِيّ قال: كان أبو هُريرةَ رضي الله عنه إذَا قامَ مِن اللَّيلِ يَرفعُ صَوتَهُ طَوْرًا ويَخفِضُه أُخرَى، وكان يقُول: «إنَّ النّبِيّ r كانَ يَفعَلُ ذلكَ». هذا حدِيثٌ حسَن أخرجَه إسحاقُ بنُ راهَويه في «مُسنَدِه».
  • عن كُرَيبٍ مولى ابنِ عبّاسٍ قال: سالتُ ابنَ عبّاسٍ رضي الله عنهما: كيفَ كانت صلاةُ رسولِ الله r باللَّيلِ؟ فقال: «كان يَقرَأ في بَعضٍ فيَسمَعُ قِراءَتَه مَن كان خارِجًا».

هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه ابن خُزيمةَ عن يونسَ بنِ عبد الأعلَى عن يَحيى بنِ بُكَير، وأخرجه أيضًا عن سَعد بنِ عبد الله بنِ عبد الحَكَم عن أبيه عن اللَّيث.

  • عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كان رسولُ الله r يُصلّي منَ اللَّيلِ فنَسْمَعُ قِراءَتَه مِن وَراءِ الحُجْرةِ وهو في البَيتِ»، لفظُ «سَعيدِ بنِ مَنصورٍ». وفي رواية الطّيالِسيّ: «كُنتُ أسْمَعُ قِراءَةَ النَّبيّ r منَ البَيتِ وأنا في الحُجْرة». هذا حدِيثٌ حسَنٌ مِن هذا الوجه أخرجَه أبو داود.
  • عن أبِي هُريرةَ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله r سمِعَ عبدَ الله بنَ حُذافةَ صلَّى فجَهَر بالقِراءَةِ، فقال: «يا ابْنَ حُذَافةَ لا تُسمِعْنِي وَأَسْمِعِ اللهَ([4]) عَزَّ وَجَلَّ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَهُ أحمد.
  • عن البَياضِيّ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله r خَرَجَ علَى النّاسِ وَهُم يُصلُّونَ وقد عَلَتْ أصواتُهم بالقِراءةِ فقال: «إِنَّ الـمُصَلِّيَ يُناجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يُناجِيهِ وَلا يَجْهَرْ بَعْضُكُم علَى بَعْضٍ بِالقُرْءانِ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه الدّارَقطني. والبَياضِيُّ هو عبدُ الله بنُ جابر وقِيلَ فَرْوَةُ بنُ عَمرو.
  • عن أبي سَعيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه قالَ: اعْتَكَف رَسولُ الله r بالـمَسجِد، فسَمِعَهُم يَجهَرُونَ بالقِراءةِ وهو في قُبّةٍ لهُ، فكَشَفَ السِّتْرَ فقال: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُم مُناجٍ رَبَّهُ([5])، فَلا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُم بَعْضًا وَلا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُم علَى بَعضٍ في القِراءَة» أو قال: «في الصَّلاةِ». هذا حدِيثٌ حسَن أخرجَه أبو داود.
  • عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهنِيّ رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله r يقول: «الجاهِرُ بالقُرْءانِ كالجاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالـمُسِرُّ بِالقُرْءانِ كالـمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ». هذا حدِيثٌ حسَن أخرجَه التّرمذيّ.
  • وبالسنَّدِ إلى عُروةَ عن أبِيه رضي الله عنه قال: «يا بُنَيّ اقرَؤُوا إذَا سَكَتَ الإمامُ واسكُتُوا إذَا جَهَرَ، فَإنّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَم يَقْرَأ بِفاتِحةِ الكِتابِ».
  • عن أبِي نضْرةَ عن أبِي سَعيدٍ رضي الله عنه قال: «أَمَرَنا نَبِيُّنا r أنْ نَقْرَأ بفاتِحةِ الكِتابِ وما تَيَسَّرَ([6])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أبو داود.
  • عن عبدِ اللهِ بنِ عُثمانَ بنِ قُسَيم قال: قلتُ لِسَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ: أَأَقْرأُ خَلفَ الإمامِ؟ قال: «نَعَم وإنْ سَمِعتَ قِراءَتَه، إنَّهُم قَد أحدَثُوا شَيئًا لَم يَكُونوا يَصنَعُونَه، إنَّ السَّلَفَ كانُوا إذَا أَمَّ أحدُهُمُ النّاسَ كبَّرَ ثُمَّ أنْصَتَ حتَّى يَظُنَّ أنَّ مَنْ خَلْفَه قَد قَرَأ فاتِحةَ الكِتابِ ثُمَّ قَرَأ ثُمَّ أَنْصَتَ». هذا موقوفٌ صحِيحٌ أخرجَه البخاريُّ.
  • عن سَمُرةَ بنِ جُندبٍ رضي الله عنه قال: «كانَ رَسولُ اللهِ r يَسكُتُ سَكنَتَينِ إذَا دَخَلَ في الصَّلاةِ([7]) وإذَا فَرَغَ مِن القِراءَةِ»([8])، فأنْكَرَ ذلك عِمرانُ بنُ حُصَينٍ رضي الله عنه([9])، فكَتَبوا إلى أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رضي الله عنه في ذلكَ فكَتَبَ إلَيهِم أنْ قَد صَدَقَ سَمُرةُ. هذا حدِيثٌ حسَن أخرجَه أحمد.

[1])) أي: أدعُو اللهَ تعالَى وهو سميعٌ لِمَا أقول وإنْ كان صَوتي خافِتًا، فإنّه تعالَى لا يَعزُب عن سَمعِه شيءٌ.

[2])) قال ابن الأثير في النهاية (5/186): «(الوَسْنان)، أي: النائِم الّذي ليس بمُسْتَغرِقٍ في نَومه. والوَسَن: أوّلُ النَّوم».

[3])) أي: فُسحةً وتيسِيرًا.

[4])) أي: إنّما تُناجي اللهَ عزَّ وجلَّ.

[5])) قال شيخنا رحمه الله: «مُناجةُ اللهِ، مَعناه: الإِقبالُ علَى اللهِ بدُعائِه وتَمجِيدِه».

[6])) أي: مِن القُرءانِ عَقِبَها.

[7])) أي: كَبَّر للإحرام.

[8])) أي: مِن قراءة الفاتحة، كما دلَّ على ذلكَ حديثُ سَمُرَة الّذي رواهُ أبو داودَ والتّرمذِيُّ وابنُ ماجهْ والدارِميُّ.

قال النّوويّ في الأذكار (ص117): «قال أصحابنا: يُستحَبّ للإِمام في الصّلاةِ الجَهريّة أنْ يَسكُت أربعَ سكَتاتٍ، إحداهُنّ: عَقِيبَ تكبِيرة الإِحرامِ ليأتيَ بدُعاءِ الاستِفتاح؛ والثانيةُ: بعدَ فَراغِه مِن الفاتحةِ سَكتةٌ لطِيفةٌ جدًّا بينَ ءاخِر الفاتِحة وبَين ءامينَ ليُعلِمَ أنّ ءامِينَ ليسَتْ مِن الفاتحةِ؛ والثالثةُ: بَعد ءامِينَ سَكتةٌ طوِيلةٌ بِحَيثُ يَقرأ المأمومُ الفاتحة، والرابعةُ: بَعد الفراغِ مِن السُّورةِ يَفصِلُ بِها َبين القِراءةِ وتَكبِيرةِ الهُوِيّ إلى الرُّكوع».

[9])) أي: لأنّه لَم يَبلُغْه ذلكَ مِن فِعلِ النّبِيِّ r.