[1])) أي: في المالِ.
[2])) قال شيخنا رحمه الله: «وذلكَ لأنّ النّظرَ إلى مَن هو فَوقَهُ في المالِ والغِنَى يَزيدُ الإنسانَ طمَعًا في الدُّنيا وبُعْدًا عن الآخِرةِ ونِسيانًا لها، أمّا النّظَرُ إلى مَن هو دُونَهُ في المالِ والرّزقِ وقُوّةِ الجِسمِ فيَدعُو إلى خلافِ ذلكَ. ولْنَقتِد بالصّحابةِ رِضوانُ الله علَيهم، فإنّهُم لو كانُوا على مِثلِ حالِنا اليومَ مِن تَتَبُّع الرّاحاتِ وتَكثيرِ المالِ ما انتَشَر الإسلامُ إلى الشَّرقِ والغَربِ، وكانَ الإسلامُ مُقتَصِرًا على الحِجازِ والجزيرة العرَبِيّة. كان عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَير رضي الله عنه في جَيشٍ مُوجَّهٍ إلى خارجِ الجزيرةِ العربِيّة وكانَ العَدُوّ الّذي يَقصِدُونَه قَد أَرسلَ مَلِكُهم في جَيشِه بِنتًا لهُ بارعةَ الجَمالِ، وكانَ ألْبَسَها التّاجَ والجواهِرَ وقال لِتَشجِيع جَيشِه على قِتال الـمُسلمِينَ: مَن نجَحَ في هذه المعرَكةِ بقَتْلِ قائدِ جيشِ المسلمِين فلَهُ بِنْتِي هذِه، ثُمّ كانَ النَّصرُ للمُسلمِين، وكانَ قائدُ المسلِمِين وعَدَ أيضًا بأنّ مَن جاءَه برأْسِ هذا الـمَلِك فلَهُ بِنتُه هذِه، ثمّ انتَصَر الـمُسلِمون فقُتِل الـمَلِكُ وأُسِرَتْ البِنتُ فقال قائِدُ الـمُسلمِين: مَنِ الّذِي قَتَل الـمَلِك؟ فعَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَير ما قال أنا بل أَخفَى نَفْسَه، فقال قائِدُ الـمُسلِمينَ للبِنتِ: مَنِ الّذي قَتَل أباك الـمَلِكَ؟ أتَعرفِينَه؟ فقالت: نعَم، فتَصفَّحَتِ الوُجوهَ حتّى أشارتْ إليه. انظُروا إلى رَغبةِ الصّحابةِ في الآخِرة وإخلاصِ العمَل للهِ.
إذَا نظَرَ أحَدُكم إلى مَ، هو فَوْقَه في الـمَالِ والخَلْقِ فَلْيَنْظُر إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنهُ لأنّ الّذِي يَنظُرُ إلى مَن فَوقَه في المالِ وصِحّةِ جِسْمِه هذا يَشغَلُ فِكرَه يَقولُ: يا لَيتَني كنتُ مِثلَ هذا، فيَنسَى شُكرَ اللهِ. كذلك إذَا رأى إنسانًا أقوَى منه في الجسَدِ فلَينظُر إلى مَن أُصِيبَ بالأمراضِ والأَوجاعِ يَقول: «الحمدُ لله الّذِي عافاني ممّا ابتَلَى بِه هْؤلاءِ» يَكُون شاكِرًا للهِ. الّذي يَتطلَّعُ إلى مَن هو أكثَرُ مِنهُ مالًا هذا يَنشغِلُ قَلبُه بالسَّعي لِيَكُون مِثلَه، يَنسَى شُكرَ اللهِ. الأنبِياءُ والأولِياءُ لا يَتنعَّمُون، تَركُ التَّنعُّم يُساعِدُ علَى الاستِعدادِ للآخِرة، أمّا الّذي يَبقَى في التَّنعُّم هذا يَنسَى الآخِرة.
فمعنى الحدِيث: إذَا رَأيتَ إنسانًا أقوَى مِنكَ، أصَحَّ مِنكَ جِسمًا أو رأيتَ رَجُلًا عِندَه من المالِ ما ليسَ عِندَك، رَجُلًا فَوقَك في أُمورِ الدُّنيا، فانظُر إلى مَن هو أسفَلُ مِنكَ أي إلى مَن هو أضعَفُ مِنكَ جِسمًا حتّى تَشكُرَ اللهَ تباركَ وتعالَى على ما أعطاكَ مِن نعمةِ الجسَد، وليَنظُرِ المرءُ إلَى مَن هو أقَلُّ منه مالًا لأنّه بذلك يَكُون مُساعِدًا له على شُكرِ اللهِ تعالى على ما في يَدِه مِن المالِ، أمّا الّذي يَنظُر إلَى مَن هو فَوقَه في الجِسمِ والقُوّة أو في المالِ أو مَن هو فَوقَه في المالِ يَنسَى شُكرَ اللهِ على النِّعَم الّتي أَنعَمَ بها علَيه ويَشغَلُ فِكرَه حتّى يَصِلَ إلى مَرتَبةِ هذا الإنسانِ ويَقُول: يا لَيتَني كنتُ بصِحّةِ هذا الإنسانِ، يفَكِّرُ في هذا، يَشغَلُ بالَه يَقُول: يا لَيتَنِي مِثلُ هذا في كَثرةِ المالِ. لذلكَ رَسولُ اللهِ r رَغَّب أُمّتَه في الَقناعةِ بالقَلِيل مِن الرِّزقِ، الّذِي يَقنَعُ بالقَلِيل مِن الرّزقِ يَسْلَمُ له دِينُه ودُنْياه، أمّا الّذي لا يَقنَعُ بالقَلِيل مِن الرِّزقِ يَهلِكُ في دِينِه وءاخِرَتِه، يَهلِكُ في الدُّنيا وفي الآخِرة. الواحِدُ إذَا نَظَرَ إلى مَن هو أكثَرُ مِنه مالًا يَنشغِلُ فِكرُه ويَنسَى شُكرَ اللهِ، وكذلكَ إذَا رأَى مَن هو أكثَرُ مِنه صِحّةً فليَنظُر إلى مَن دُونَه حتّى يَشكُرَ اللهَ، لِيَنظُرْ إلى مَن هو أكثَرُ مِنه مَرَضًا وأقَلُّ صِحّةً حتّى يكُونَ مِنَ الشّاكِرِينَ».