الأحد أبريل 20, 2025

باب ما جاءَ فَضائِلِ بعضِ الأيّامِ واللَّيالِي

  • عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن يَوْمٍ أَكْثَرُ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِن النَّارِ مِن يَوْمِ عَرَفَةَ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسلِمٌ وابنُ ماجهْ.
  • عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهُما قالَ: سمِعتُ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَبْقَى أَحَدٌ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي قَلْبِه مِثْقالُ ذَرَّةٍ من إِيمَانٍ إِلَّا غُفِرَ لهُ»، فقال رَجلٌ: أَلِأَهْلِ مُعَرَّفٍ([1]) يا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْ لِلنّاسِ عامّةً؟ قالَ: «بَلْ لِلنّاسِ عامّةً». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ.
  • عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رضي الله عنهُما قال: كنتُ عِندَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فذَكَرْتُ الأعمالَ فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن أَيّامٍ العَمَلُ فِيهِنَّ أَفْضَلُ مِن أَيَّامٍ العَشْرُ»([2])، قالُوا: يا رَسولَ اللهِ وَلا الجِهادُ في سَبيلِ الله؟ قال: «وَلا الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِه فَتَكُونَ مُهْجةُ نَفْسِهِ فِيهِ([3])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد.
  • عن مُعاذِ بنِ جبَلٍ رضي الله عنه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «يَطَّلِعُ اللهُ علَى خَلْقِهِ([4]) لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبانَ فَيغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِه([5]) إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشاحِنٍ([6])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه الدارَقُطنِيُّ في «كتاب السُّنَّةِ» وابنُ حِبّانَ في «صَحِيحِه».
  • عن عائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: فقَدْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذاتَ لَيلةٍ فخرَجْتُ أَطلُبُه فإِذَا هو بالبَقِيعِ رافِعًا يَدَيهِ، فقال: «مَا لَكِ يا عائِشَةُ؟ أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرسُولُهث([7])؟» فقالت: يا رَسولَ اللهِ ظنَنْتُ أنّكَ أتَيْتَ بَعضَ نِسائِك، فقالك «إِنَّ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِن شَعْبَانَ، وَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ فِيهَا لِأَكْثَرَ مِن عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ([8])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه الترمذِيُّ([9]).
  • عن عائشةَ رضي الله عنها قالَت: كانَتْ لَيلةُ النِّصفِ مِن شَعبانَ لَيلَتِي فباتَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم عِندِي، فلَمّا كانَ في جَوف اللّيل فقَدتُّه فأَخَذَني مَا يَأخُذُ النِّساءَ مِن الغَيْرةِ، فتَلَفَّقْتُ بِمِرْطِي([10])، واللهِ ما كانَ مِرْطِي قَزًّا ولا خَزًّا ولا حَرِيرًا ولا دِيباجًا ولا قُطْنًا ولا كَتّانًا ولا صُوفًا، قِيلَ: فَمِمّ كانَ يا أمَّ المؤمنينَ، قالتْ: كانَ سُدَاهُ شَعَرًا، ولُحْمَتُه مِن أَوبارِ الإبِل، قالتْ: فَطُفْتُ في حُجَرِ نِسائِه فلَمْ أَجِدْه، فرَجَعْتُ إلَى حُجْرَتِي فإِذَا بهِ كالثَّوبِ السّاقِطِ على الأَرضِ وهو ساجِدٌ يَقولُ فِي سُجُودِه: «سَجَدَ لَكَ سَوَادِي([11]) وَخَيَالِي، وَءَامَنَ بِكَ فُؤَادِي، هَذِه يَدِي وَمَا جَنَيْتُ بِهَا عَلَى نَفْسِي، يَا عَظِيمُ يُرْجَى لِكُلِّ عَظِيمٍ اغْفِرْ لِيَ الذَّنْبَ العَظِيمَ، أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي دَاوُدَ أْعَفِّرُ وَجْهِي فِي التُّرَابِ لِسَيِّدِي، وَحَقَّ لَهُ أنْ يُسْجَدَ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ»، ثُمّ رَفَع رَأْسَه فقالَ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»، ثُمّ انْصَرَفَ فدَخَل مَعِي فِي الخَمِيلَةِ وَلِيَ نَفَسٌ عَالٍ فقَال: «مَا هَذَا النَّفَسُ يَا حُمَيْرَاءُ([12])؟» فَأَخْبَرْتُه فطَفِقَ يَمَسُّ رُكْبَتِي بِيدَيهِ ويَقولُ: «وَيْحَ هَاتَيْنِ الرُّكْبَتَيْنِ مَاذَا لَقِيَتَا فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ لَيلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، يَنْزِلُ اللهُ([13]) لَيْلَةَ النِّصْفِ مِن شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ اللهُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

هذا حدِيثٌ غَرِيبٌ ورِجالُه مُوثَّقُون إلّا سُلَيمانَ بنَ أبِي كُرَيمةَ ففِيه مَقالٌ، وقَد رَواه بطُولِه النَّضْرُ بنُ كَثِير عن يَحيَتى بنِ سَعدٍ الأنصَارِيّ عن عُرْوةَ، أخرجَه البَيهقيُّ في «فَضائِل الأَوقاتِ» مِن طَريقِه، والنَّضْرُ بنُ كَثِير أيضًا فيهِ مَقالٌ لكِنّه أَصْلَح حَالًا مِن سُلَيمانَ.

وقَد أَخْرَج مُسلِم مِن حَديثِ أبي هُرَيرة عن عائشَة رضيَ الله عنها طَرَفًا مِن هَذا الحديث مختَصَرًا جِدًّا: قالتْ: فَقَدتُّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذاتَ لَيلَةٍ فالْتَمَسْتُه فوَقَعتْ يدِي علَى قدَمَيهِ وهُما مَنصُوبَتانِ وهو سِاجِدٌ يَقولُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ»، الذِّكْرَ فقَط.

ورَواه مِن وَجهٍ ءاخَر كما يأْتِي، والمتَعلِّقُ مِنه بنِصفِ شَعْبانَ أخرجَه أحمدُ والترمذِيُّ وابنُ ماجهْ مِن طَرِيقِ يَحيَى بنِ كَثِير عن عُروةَ عن عائِشةَ لكِن بلَفظٍ ءاخَرَ ولهُ شاهِدٌ بِلَظفِه مِن حَدِيثِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ وغَيرِه، ولهُ شاهِدٌ مِن حَدِيثِ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ؛ فبالسّنَدِ إلى مُصعَبِ بنِ أبي ذِئبٍ عن القَاسِم بنِ محمّدٍ عن أبِيه أو عن عَمّه عن جَدِّه أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ اللهُ([14]) تَعالَى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِن شَعْبانَ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ نَفْسٍ إِلَّا إِنْسَانًا فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ أَوْ مُشْرِكًا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ.

وبالسّنَدِ إلى عبدِ الرّزاقِ عن ابنِ جُرَيجٍ عن عَطاءٍ قال أخبَرَني ابنُ أَبِي مُليكةَ عن عائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: فقَدتُّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فحَسِبْتُه أَتَى بَعضَ نِسائِه، فتَحَسَّسْتُ ثُمّ رَجَعْتُ فوَجَدتُّه ساجِدًا يَقولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لا إلـٰـهَ إِلَّا أَنْتَ»، فقُلتُ: بأَبِي وأُمِّي إِنَّكَ لَفِي شأْنٍ وأَنا فِي شِأنٍ ءاخَرَ. هذا حديثٌ صَحِيحٌ أخرجَه مسلِمٌ والنَّسائيُّ، وفِي إِسنادِه لَطِفةٌ أيضًا وهي رِوايةُ القَرِينَينِ أحَدِهما عن الآخَر عَطاءٍ وابنِ أَبِي مُلَيكة؛ فقَد سَمِعَ عَطاءٌ مِن عائِشَة رضي الله عنها، وسَمِعَ ابنُ جُرَيجٍ مِن ابنِ أَبِي مُلَيكةَ، واسمُ ابنِ أَبِي مُلَيكةَ عَبدُ اللهِ بنُ عَبَيدِ الله بنِ عَبدِ اللهِ بنِ زُهَيرٍ، وأَبُو مُلَيكةَ كُنْيةُ جَدِّه أو جَدِّ أَبِيه.

[1])) قال ابن الأثير في النّهاية (3/218): «الـمُعَرَّف في الأصلِ موضِعُ التّعرِيف ويكُونُ بمعنَى الـمَفعُول».

[2])) قال شيخنا رحمه الله: «العمَلُ في هذِه الأيّام، عمَلُ البِرّ والإحسان، يَزْكُو ويَزِيدُ على ما سِواه، الأعمالُ فيها تزكُو عِندَ الله أكثرَ مِـمّا لو عُمِلَتْ في غيرِها».

[3])) قال السندي في حاشيته على مسند الإمام أحمد (4/35): «أي: دم نفسه، أي: إهراقه».

[4])) أي: يَرحَمُ اللهُ مِ، المؤمنِين مَن شاءَ رحمةً خاصّةً، وليسَ معنَى «يَطَّلِع» أنّ الله عزَّ وجلَّ يَنزِل مِن عُلوٍ إلى سُفلٍ أو أنّه يَحدُث له صِفةٌ لَم تكُن، حاشا لله وتنزَّه عن مُشابَهة الخَلقِ بأيٍ مِن الـمَعانِي، فصِفاتُه أزليّة كاملةٌ لا نَقصَ فيها، ويَستحِيلُ عليه التطَوُّر والتبدُّل والتغيُّر في ذاتِه أو في صِفةٍ مِن صفاتِه تعالَى.

[5])) أي: يَغفِرُ ما شاءَ أنْ يَغفِرَ لهُم مِن ذُنوبِهم.

[6])) قال شيخُنا رحمه الله: «الـمُشاحِنُ مَعناهُ: الّذي بَينَهُ وبَينَ مُسلِم ءاخَر عَداوةٌ بغَيْرِ حَقٍّ وَحِقدٌ وبَغْضَاءُ، أمّا مَن سِوَى هذَينِ فَكلُّ الـمُسلمِين يُغفَرُ لِبَعضٍ جَمِيعُ ذُنُوبِهِم ولِبَعضٍ بَعضُ ذُنُوبِهِم».

[7])) قال الحافظ ابن الجوزيّ في كَشف الـمُشكِل (4/413): «الحَيف الـمَيْلُ عنِ الواجِب، وفي هذا الحديث إشكالٌ عظِيمٌ وهو قولُ÷: «أَخِفْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُه» فقالت: نَعَم، وهذا ليسَ علَى ظاهِره، فإنَّها أتقَى للهِ وأعلَمُ مِن أنْ تَخافَ الحَيْفَ فِي الشَّرعِ، وإنّما هذا لا يَخلُو مِن أَمرَين: إمّا أنْ يكُونَ مِن بَعضِ الرُّواةِ الّذِين يَذكُرُون الشيءَ بالمعنَى فِيما يَظنُّونَه فيَتغيَّرُ، أو أنْ يَكُون المعنَى: أَخِفتِ مَيلَ الشَّرعِ علَيكِ بإسقاطِ حَقِّك مِن لَيلَتِك، ولِلشَّرعِ التحَكُّمُ، فقالتْ: نعَم أي قد خِفتُ أنْ يَكونَ الشَّرعُ قد أجازَ استِلابَ لَيلَتِي مِن يَدِي، وهذا لا يَكونُ حَيْفًا، لكِن لـمّا كانَ الحَيْفُ بِمعنَى الـمَيْلِ أُقِيمَ مُقامَه».

وعادةُ الحُفّاظِ التّنبِيهُ على احتِمالِ الغلَطِ مِن بعضِ الرُّواةِ أو اللُّجوءِ إلى التأويلِ كما فعَل الحافظ ابنُ الجوزيّ في هذه القضيّة.

[8])) أي: غَنَمِ قَبِيلةِ كَلبٍ وهي أكثَرُ العرَبِ غنَمًا في ذلكَ الوَقتِ.

[9])) قال شيخُنا رحمه الله: «رَواهُ ابنُ ماجَه والترمذِيُّ وضَعَّفَه، لكِن حسَّنَه الحافِظُ العَسقلانِيُّ».

وقال الزّيلعِيُّ في تخرِيج أحاديث الكشّاف (3/262): إنّ الترمِذيَّ والبخاريَّ وابنَ الجوزيّ ضعَّفُوه.

[10])) قال ابنُ العَطّار في العُدّة (1/288): «مِرْطٌ بكَسرِ مِيمٍ وسكُونِ راءٍ وهو كِساءٌ مُعَلَّمٌ مِن خُزٍّ أو صُوفٍ أو غيرِ ذلك».

[11])) قال ابن الأثير في النّهاية (2/420): ««سَوَادِي»، أي: شخْصِي».

[12])) قال شيخنا رحمه الله: ««يا حُمَيْراءُ» تَصغِيرُ الحَمراءِ، يَعنِي: البَيضاءَ».

[13])) رِوايةُ «يَنْزِلُ اللهُ» أو «يَنْزِلُ رَبُّنا» محمولَـانِ علَى معنَى نُزولِ الملَكِ الّذي يُنادِي بأمَر اللهِ تعالَ، أمّا اللهُ تعالَى فلا يجوزُ عليه الحركةُ والسُّكونُ والانتقالُ، فلا يُشبِهُ الخالِقُ خلْقَه.

[14])) سبَقَ مَعناهُ في الحديث السّابِق.