هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أخرجَه ابنُ خُزيمةَ في «صَحِيحِه» عن عَبَيدِ بنِ محمّدٍ الوَرّاقِ فوقَع لنا مُوافَقةً عالِيةً، وأخرجَه أيضًا عن محمّد بنِ إسماعيلَ الأحْمَسِ بمُهمَلَتَين عن موسى بنِ هِلالٍ، وتوَقَّفَ ابنُ خُزيمةَ فيهِ فقالَ: إنْ ثبَتَ الخبَرُ فإنَّ في القَلبِ مِن هذَا السّنَد شيئًا وأنا أَبْرَأُ إلى اللهِ مِن عُهدَتِه.اهـ. ووقَعَ عِندَه في رِوايةِ عُبَيدِ اللهِ بنِ عُمَيرٍ بالتَّصغِير كما سُقْناه وعنِ الأَحْمَسِ عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو بالتَّكبِير كما في رِوايةِ الرّازِيّ، قالَ ابنُ خُزيمةَ: قولُ مَن قالَ عبدُ اللهِ بالتَّكْبِير أشبَهُ لأنّ عُبَيدَ اللهِ – يعنِي: الـمُصَغَّر – أجَلُّ وأعلَمُ وأحفَظُ مِن أنْ يَروِيَ هذا الـمُنْكَر.
قلتُ: إنّما أطلَق علَيه اسمَ الـمُنكَر وِفاقًا لقَولِ مُسلِمٍ: عَلامَةُ الـمُنكَر أنْ يَنفَرِدَ راوٍ عن إِمامٍ مُكْثِرٍ مِن الحديثِ والرُّواةِ عنهُ بشيءٍ لا يُوجَدُ عندَ أحَدٍ مِنهُم كالزُّهرِيّ ونافِع وغَيرِهما مِن الـمُكْثِرينَ([1])، ثُـمّ جَوَّزَ ابنُ خُزَيمةَ أن يكُونَ مُوسَى إنْ كانَ حَفِظَ عُبَيدَ اللهِ بالتَّصغِيرِ غَلِطَ في نافِع، وقَد اغتَرَّ مَن لا يَدَ لهُ في الفَنِّ فقالَ: صحَّحَهُ ابنُ خُزيمةَ، وأَغفَلَ كَلامَه معَ وضُوحِه.
وقَد جاءَ هذا الخبَرُ مِن طَريقِ مَسْلَمةَ بنِ سالِمٍ الجُهَنِيّ عن عُبَيدِ اللهِ ابنِ عُمرَ بالتّصغِير لكِنّه خالَفَ في السّنَد فزادَ سالِمًا بينَ نافِعٍ وابنِ عُمرَ وخالَفَ في الـمَتنِ أيضًا وهو ضَعِيفٌ عِندَهُم؛ أخبرَنا أبو هُريرةَ بنُ الحافِظ شَمسِ الدّينِ الذّهَبِيّ إجازةً مَرّةً وقرَأتُ علَى فاطِمةَ بنتِ محمّدِ ابنِ عبدِ الهادِي كِلاهُما عن يَحيَى بنِ محمّدِ بنِ سَعدٍ – قال أبو هُريرةَ سَماعًا عن الحسَن بنِ يَحيَى بنِ الصَّبّاحِ – قال: أخبَرنا عبدُ الله بنُ رِفاعةَ، قال: أخبرَنا أبو الحسَنِ الخِلَعِيُّ، قال: أخبرَنا أبو النُّعمانِ تُرابُ بنُ عُمرَ قالَ: حدّثَنا عليُّ بنُ عُمرَ الحافِظُ([2]) إِملاءً قالَ، حدّثَنا يَحيَى بنُ محمّدِ بنِ صاعِدٍ، حدّثَنا عبدُ اللهِ بنُ محمّدٍ العُبادِيُّ بضَمّ الـمُهمَلةِ وَتَخفِيفِ الـمُوحَّدةِ، قال: حدّثنا مَسْلَمةُ بنُ سالِمٍ عن عَبَيدِ اللهِ بنِ عُمرَ، عن نافِعٍ، عن سالِمٍ، عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهُما، قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَـمْ تَنْزِعْهُ حَاجَةٌ إِلَّا زِيارَتِي كانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامةِ». هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أخرجَه الطّبّرانيُّ عن الحسَنِ بنِ إسحاقَ عن العُبادِيّ فوافَقْناه في شَيخِ شَيخِه.
ووجَدتُ مُتَابِعًا لِلمَتنِ الأوّلِ أخرجَه البَزّارُ مِن طَرِيقِ عبدِ الرَّحمـٰـنِ بنِ زَيدِ بنِ أَسلَمَ عن أَبِيه عن ابنِ عُمرَ ولَفظُه: «مَنْ زَارَ قَبْرِي حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي»، قال البَزّارُ: لَـم نَكتُبْه إلّا مِن رِوايةِ عبدِ الله بنِ إبراهيمَ الغِفارِيّ عن عَبدِ الرَّحمـٰـنِ وهُما ضَعِيفانِ واللهُ أعلَمُ.
وبالسّنَدِ إلى الطّبَرانيّ عن جَعفَرِ بنِ بُجَيرٍ بمُوحَّدةٍ وجِيمٍ مُصَغَّرٌ قال: حدَّثَنا محمّدُ بنُ بَكّارِ بنِ الرَّيّانِ (ح).
وبالسّنَدِ الماضِي قَرِيبًا إلى الدّارَقُطنِيّ قال حدّثَنا عبدُ اللهِ بنُ محمّدِ بنِ عبدِ العَزِيزِ هو البغَوِيُّ، قالَ: حدّثَنا أبو الرَّبِيعِ الزَّهْرانِيُّ، قالا: حدّثَنا حَفصٌ – قالَ الأوّلُ: ابنُ سُلَيمانَ، وقالَ الثّانِي: ابنُ أبي داودَ – قالَ: حدّثَنا لَيثُ ابنُ أبِي سُلَيمٍ، عن مُجاهدٍ، عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهُما قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ فَزارَ قَبْرِي كانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي». هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أخرجَه سَعِيدُ بنُ مَنصُورٍ في «السُّنَن»، عن حَفصِ بنِ سُلَيمانَ، وأخرجَه أحمدُ بنُ عَدِيٍّ، عن البَغَوِيّ فوَقَعَ لَنا مُوافَقةً فيهِما.
قالَ ابنُ عَدِيّ: حَفصُ بنُ سُليمانَ هو حَفصُ بنُ أبِي داودَ، كانَ أبو الرَّبِيعِ يَكنِي أباه لِضَعفِ حَفصٍ.
وأخرجه الطّبرانيّ في «الـمُعجَم الكَبِير» عن الحُسَين بن إسحاقَ عن البَغَوِيّ.
وأخرجه البَيهقيُّ مِن طَرِيق محمّدِ بنِ إسحاقَ الصّغَانِيِّ عن محمّدِ بنِ بَكّارٍ كما أخرَجْناه وقالَ: تَفَرّدَ به حَفصُ بنُ سُلَيمانَ وهو ضَعِيفٌ. وقال ابنُ عَدِيّ: وهو حَفصٌ القارئُ ضَعّفُوه في الحديثِ جِدًّا معَ إمامَتِه في القِراءةِ.
وقَد أَطلَقَ الطّبَرانيُّ أيضًا أنّ حَفصًا تَفرَّدَ بهِ ثُمّ ناقَضَ فأَخرجَه مِن وَجهٍ ءاخَر عن لَيثٍ؛ قَرَأتُ على أبِي الحسَن عليِّ بنِ محمّدِ بنِ الصّائغِ عن إسحاقَ بنِ يَحيَى، قال: أخبرَنا أبو الحجّاجِ الآدَميُّ، قال: أخبرَنا أبو عبدِ الله بنُ أبِي زَيدٍ، قالَ: أخبرَنا محمودُ بنُ إسماعيلَ قال: أخبرَنا أحمدُ بنُ محمّدٍ، قال: أخبرَنا سلَيمانُ بنُ أحمدَ، قال: حدّثَنا أحمدُ بنُ رِشْدِين، قال: حدّثَنا عليُّ بنُ الحسَنِ بنِ هارُونَ الأنصَاريّ، قال: حدّثَنا اللَّيثُ بنُ بنتِ لَيثِ بنِ أبي سُلَيم، قال: حدّثَتْنِي عائِشةُ بنتُ يونسَ امرأةُ لَيثِ بنِ أبِي سُلَيمٍ، عن لَيثِ بنِ أبِي سُلَيمٍ، عن مُجاهِدٍ، فذَكَرَ الحدِيثَ كَما مضَى لكِنّه لَـم يَقُل فِي أَوّلِه: «مَنْ حَجَّ». قال الطّبَرانيُّ في «الأوسَط»: لا يُروَى عن لَيثِ بنِ أبِي سُلَيمٍ إلّا بهذا الإسنادِ. قلتُ: وهذا الحَصْرُ مَردودٌ برِوايةِ حَفصٍ، وسنَدُ رِوايَتِه ليسَ فيه إلّا هو، وأمّا الثانيةُ فمِن شيخِ الطّبَرانيّ وهو أحمدُ بنُ محمّدِ بنِ الحَجّاجِ بنِ رِشْدِين إلى لَيثِ بنِ أبِي سُلَيمٍ إمّا ضَعِيفٌ وإمّا مَجهُولٌ، وقَد ورَدَ مِن طَرِيقٍ ثالِثةٍ عن لَيثٍ لكِنّ السّنَدَ مَعلُولٌ أخرجَه أبو يَعلَى مِن طَرِيقِ حَسّانَ بنِ إبراهيمَ عن حَفصِ ابنِ سُلَيمانَ عن كَثِيرِ بنِ شِنْظِيرٍ – بكَسرِ الـمُعجَمةِ أوّلَه وثَالِثَه وبَينَهما نُونٌ ساكنةٌ وقَبلَ الرّاءِ مُثَنّاةٌ مِن تَحتُ ساكنةٌ – عن لَيثِ بنِ أبِي سُلَيم، وقد اتّفَقُوا على أنّ ذِكرَ كَثِيرٍ فيه وَهمٌ فهو مِن الـمَزِيدِ في مُتَّصِلِ الأسانِيد([3]) واللهُ أعلَمُ.
ووَردَ في ءاخِرِ هذِه الرِّوايةِ ما أَنْبأَنا أبو علِيّ الفاضِليُّ شِفاهًا قال أخبرَنا يُونسُ بنُ أبي إسحاقَ إجازةً إنْ لَم يَكُن سَماعًا عن أبِي الحسَنِ ابنِ الـمُقَيِّر كذلك قال أخبرَنا أبو الكَرَمِ الشَّهْرُزُورِيُّ([4]) في كِتابِه قال: أخبرَنا إسماعيلُ بنُ مَسْعَدَةَ قال: أخبرَنا حَمزةُ بنُ يوسفَ، قال: حدّثَنا أبو أحمدَ الجُرجانِيُّ قال: حدّثَنا الحسنُ بنُ سُفيانَ، قال: حدّثَنا علِيّ بنُ حجَرٍ قال: حدّثنا حَفصُ بنُ سُلَيمانَ، فذَكَر الحديثَ وفي ءاخِره: «كانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي وَصَحِبَنِي»، وهكذَا أخرجَه الحافِظُ أبو القاسِم بنُ عَساكِرَ في التَّرجَمةِ عن أبِي القاسِم بنِ السَّمَرْقَندِيّ عن إسماعِيلَ بنِ مَسْعَدةَ فوقَع لنا بدَلًا عالِيًا وقال: هذِه زِيادةٌ مُنكَرةٌ. قلتُ: كأنّ راوِيَها ذكَرَها بالمعنَى، لأنّ مِن لازِم مَن زَارَ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في حَياتِه مُؤمِنًا بهِ أنْ يَكُونَ صَحابِيًّا، فصَحَّ التَّشبِيهُ، ومِـمّا يَلتحِقُ بذلكَ ما اشتَهَرَ على الأَلسِنةِ: «مَنْ حَجَّ وَلمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» أخرجَه ابنُ عَدِيّ وابنُ حِبّانَ في كِتابَيهِما في «الضُّعَفاءِ» والدّارَقُطنِيُّ في «العِلَل» كلُّهم مِن حَدِيثِ ابنِ عُمرَ أيضًا وفي سنَدِهم النُّعمانُ بنُ شِبْلٍ وقَد اتُّهِمَ بالكَذِبِ، وأَورَدَ ابنُ الجَوزِيّ حَدِيثَه هذَا في «الـمَوضُوعاتِ».
[1])) ونصُّ الإمامِ مُسلمٍ في «صحِيحه»: «وعَلامةُ الـمُنكَرِ في حَدِيثِ الـمُحَدِّث إذَا ما عُرِضَتْ رِوايَتُه للحَدِيث على رِوايةِ غَيرِه مِن أهلِ الحِفظِ والرِّضا خالَفَتْ رِوايَتُه رِوايتَهم أو لَـم تَكَدْ تُوافِقُها، فإذَا كان الأغلَبُ مِن حَدِيثِه كذلكَ كان مَهجُورَ الحَدِيث غَيرَ مَقبُولِه ولا مُسْتعمَلَه».
[2])) هو: الحافِظُ الدّارَقطُنيّ.
[3])) وهو أنْ يَزِيدَ الرّاوِي في إسنادِ حدِيثٍ رَجُلًا أو أكثَرَ وَهمًا مِنهُ وغلَطًا.
[4])) قال السّمعانيّ في الأنساب (8/178): «بفَتح الشِّين المعجَمة وسُكون الهاء وضَمّ الرّاءِ والزّاي وفي ءاخرِها راءٌ أُخرَى، هذِه النِّسبة إلى شَهْرُزُورَ».