الإثنين أبريل 21, 2025

باب في دِباغِ الجِلْدِ والتَّطهِيرِ مِن النَّجاساتِ

  • عن عائِشةَ رضي الله عنها قالتْ: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «دِباغُ الـمَيِّتِ ذَكاتُهُ»([1]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه النَّسائيّ.
  • عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهُما قال: ماتتْ شاةٌ فقال النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلَّا نَزَعْتُم جِلْدَها فَدَبَغتُمُوهُ([2]) فانْتَفَعْتُم بِهِ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه الترمذِيّ وقال: حسَنٌ صحِيحٌ.
  • عن علِيّ بنِ أبِي طالبٍ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «بَوْلُ الغُلامِ الرَّضِيعِ يُنْضَحُ([3])، وَبَوْلُ الجَارِيَةِ يُغْسَلُ([4])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه الترمذِيُّ.
  • عن لُبابةَ بنتِ الحارِثِ رضي الله عنها قالت: بالَ الحسَنُ بنُ علِيّ في حِجْرِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقُلتُ: أَعْطِني ثَوبَكَ أَغسِلْه والْبَسْ ثَوبًا غيرَهُ، قال: «إِنَّمَا يُغْسَلُ مِن بَوْلِ الأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِن بَوْلِ الذَّكَرِ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أبو داود.
  • عن أبِي السَّمْحِ([5]) رضي الله عنه قال: كنتُ أَخدِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فإذَا أرادَ أنْ يَغتسِلَ قال: «وَلِّنِي قَفَاكَ»([6])، فأُوَلِّيهِ قَفَايَ، قال: فأُتِيَ بحَسَنٍ أو حُسَينٍ فبالَ علَى صَدْرِه فَجِئتُ لأَغْسِلَ فقال: «دَعْهُ، يُغْسَلُ مِن بَوْلِ الجارِيَةِ وَيُنْضَحُ مِن بَوْلِ الغُلامِ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أبو داودَ والنَّسائيُّ وابنُ ماجه.
  • عن أبِي سَعيدٍ الخُدرِيّ رضي الله عنه قال: قِيلَ: يا رَسولَ اللهِ، أنَتَوضّأُ مِن بِئرِ بُضاعةَ([7]) وهي بِئرٌ تُلقَى فِيها الـمَحائِضُ([8]) والنَّتَنُ([9]) ولُحومُ الكِلابِ، فقال: «إِنَّ الـمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ»، وفي روايةِ الـمَحامِليّ: «إِنَّ الـمَاءَ طَهُورٌ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه الدّارَقطني وأخرجَه أبو داودَ والترمذِيُّ جميعًا عن الحسَنِ بنِ عليِّ الحُلوانيّ.
  • عن الرّبِيعِ عن الشّافعيّ قال: «وما قُلْتُه مِن أنّ الماءَ إذَا تَغَيَّر طَعْمُه ورِيحُه ولَونُه كان نَجِسًا هو في خَبَرٍ لا يُثبِتُهُ أهلُ العِلمِ بالحدِيثِ ولكِنَّهُ قَولُ العامّةِ([10]) ولا أعلَمُ بَينهُم خِلافًا». رواهُ البَيهقيّ.

[1])) ولَفظُه مِن روايةِ فهدِ بنِ سُليمانَ: «دِبَاغُ الـمَيْتَةِ ذَكَاتُهَا»، وفي روايةٍ: «دِبَاغُ الـمَيْتَةِ طَهُورُهَا».

قال البَدر العَينيّ في نُخَب الأفكار (7/185): «مَعناه: أنّ كُلّ حَيوانٍ مـمّا يُؤكَلُ وما لا يُوكَلُ إذَا ذُكِّيَ طَهُرَ جِلدُه»، أي: ويُستثنَى مِن ذلكَ عِندَ الشافعيّةِ الكلبُ والخِنزيرُ، وعِندَ الحنفيّة الخِنزيرُ.

وقال النووِيّ في شَرحِ مُسلِم (4/54): «اختَلَفَ العُلَماءُ في دِباغ جُلُودِ الـمَيتةِ وطَهارَتِها بالدِّبَاغ على مَذاهِبَ: أحَدُها: مَذهَبُ الشّافِعيّ أنّه يَطهُر بالدِّباغ جمِيعُ جُلُودِ الـمَيتةِ إلّا الكَلبَ والخنزِيرَ والمتَولِّدَ مِن أحَدِهما وغَيرِه، ويَطهُر بالدّبَاغ ظَاهرُ الجِلدِ وباطِنُه ويَجُوز استِعمَالُه في الأشيَاء المائعةِ واليَابِسةِ، ولا فَرقَ بينَ مَأكُولِ اللَّحمِ وغَيرِه، ورُوِي هذا المذهَب عن علِيّ بنِ أبي طالبٍ وعبدِ الله بنِ مَسعُود رضي الله عنهما. والمذهبُ الثّاني: لا يَطْهُر شَيءٌ مِن الجُلودِ بالدّبَاغ، وَرُوِيَ هَذا عن عُمرَ بنِ الخطّابِ وابنِه عبدِ الله وعائشةَ رضي الله عنهُم، وهو أشهَرُ الرّوَايتَين عن أحمدَ وإحْدَى الرّوايتَين عن مَالِك».اهـ. بتصرُّف.

[2])) قال النوويّ في الرَّوضة (1/41): « قال الأصحابُ: يُعتبَر في الِّدباغِ ثلاثةُ أشياءَ: نَزعُ الفضُولِ، وتَطيِيبُ الجِلدِ، وصَيرُورَتُه بحَيثُ لو نُقشعَ في الماءِ لَـم يَعُدِ الفَسادُ والنَّتْنُ. ومِن الأصحابِ مَن يَقتصِرُ علَى نَزعِ الفضُولِ لاستِلزامِه الطِّيبَ والصَّيرُورةَ. قالوا: ويكونُ الدِّباغُ بالأشياءِ الحِّرِيفةِ؛ كالشَّبِّ، والقَرَظِ، وقُشورِ الرُّمّان، والعَفَصِ، وفي وَجهٍ: لا يَحصُل إلّا بَشبٍّ أو قَرَظٍ، وهو غَلَطٌ، ويَحصُلُ بِمُتنجِّسٍ وبِنَجس العَينِ؛ كذَرْقِ حَمَامٍ علَى الأصحّ فيهِما، ولا يَكفِي التّجميدُ بالتُّراِب، أو الشَّمسِ على الصّحيح».

وقال شيخنا رحمه الله: «جِلْدُ الـمَيتةِ سَواءٌ كان مِن مأكُول اللَّحمِ أو غَيرهِ نَجِسٌ ويَطهُرُ بالدِّباغِ أي باستِعْمالِ حِرِّيفٍ كقِشْرِ الرُّمّانِ والعَفْصِ وزَرْقِ الحَمَامِ. ويُشترَطُ لذلكَ ثَلاثةُ أُمورٍ: نَزْعُ الفَضَلاتِ واللَّحْمِ والشَّعَرِ والصُّوفِ عن الجِلْدِ بالحِرِّيفِ، ويُعفَى عن القَلِيلِ مِن الشَّعَرِ الّذي يَعْسُرُ نَزْعُهُ كما قالَ النوويُّ، فإذَا دُبغَ الجِلدُ صارَ طاهِرًا مُتنجِّسًا، فإذَا غُسِلَ طَهُرَ».

[3])) أي: يُرَشُّ. قال ابن الأثير في النّهاية (5/69): «نَضَحَ عليه الماءَ ونَضَحَه بِه إذَا َشَّهُ علَيه».

وقال الحِصنيّ في كفاية الأخيار (ص67): «والحاصلُ: أنّ الواجبَ في إزالة النجاسةِ غَسلُها المعتادُ بحيث يَنزِلٌُ الماءُ بعدَ الحَتِّ والتَّحامُل صافيًا إلّا في بولِ الصَّبِيّ الّذي لَـم يَطْعَم لَم يَشرَب سوَى اللَّبنِ فيَكفِي فيه الرَّشُّ ولا بُدّ في الرَّشّ مِن إصابةِ الماءِ جَمِيعَ مَوضِع البَولِ وأنْ يَغلِبَ الماءُ على البَولِ، ولا يُشترَطُ في ذلك السَّيَلانُ قطعًا».

وقال محمد نووي الجاوِي في نهاية الزَّين (ص46): «يَطهُر مُصابُه بِرَشِّ الماءِ علَيه بأنْ يُغمَر بالماءِ بِغَيرِ سَيَلانِ بِشَرطَين: زَوالِ عَينِ النَّجاسةِ قَبلَ رَشِّه بحَيثُ لا يَبقَى فِيه رُطوبةٌ تَنفصِلُ، وأَنْ لا يَختلِطَ البَولُ بِغَيرِه وإلّا تَعيَّنَ الغَسلُ».

وقال شيخنا رحمه الله: «بَولُ الصَّبِيّ نَجِسٌ لكِنّ اللهَ خَفَّفَ في أَمرِه إذَا كانَ لَـم يَأكُلِ الطَّعامَ إلّا الحَلِيبَ فيَكفِي رَشُّ الماءِ علَيه. قال بعضُ الشافعِيّة: حَمْلُ الصّبِيّ أكثَرُ مَشَقةً علَى الأُمّ فخُفِّفَ عنها في بَولِه بالاكتِفاءِ بالنَّضْحِ، لكِنّ الأصلَ الّذي بُنِيَ علَيه هذا الحُكمُ هو حدِيثُ: «يُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ وَيُنْضَحُ بَوْلُ الصَّبِيِّ»».

[4])) أي: البِنتِ الصّغِيرةِ ولو لَـم تأكُلْ سوَى اللَّبَنِ.

[5])) قال السَّخاوي في الفَخرِ الـمُتوالِي (ص67): «أبو السَّمْحِ مولَى رسولِ اللهِ r، قيل اسمُه إِيادٌ». بتصرُّف.

[6])) قال الشّهاب الرَّملي في شرح أبي داود (3/51): «أصلُه مُؤخَّرُ العنُق، والمرادُ هنا أنْ يُوَلِّيَه ظَهْرَه».

[7])) قال التُّورِبِشتيُّ في الميَسَّر (1/160): «بُضاعةُ دارُ بَنِي ساعِدةَ بالـمَدِينة وهم بَطنٌ مِن الخَزرَج، وأهلُ اللُّغة يَضُمّونَ الباءَ ويَكسِرُونها، والمحفُوظُ في الحدِيث الضّمُّ، وقد حَكِي عن بَعضِهم بالصادِ الـمُهمَلة وليسَ ذلك بالـمَحفُوظ».

[8])) قال الرافعي في شرح مُسنَد الشافعي (3/60): «في بعض الروياات (الحِيَضُ) وفي بعضها: (الـمَحائِضُ) وفُسّرت بخِرَقِ الحيضِ. قال أبو سليمان الخَطّابي: وليس المقصودُ أنّهم كانوا يعتادون إلقاءها فيها، فإنّ الناسَ قديمًا وحديثًا يُنزِّهون مياهَهم ويُصونُونها عن القاذورات، ولكن كانت هذه البِئرُ في الحدودِ مِن الأرض وكانت السُّيولُ تَكْسَح هذه الأقذارَ مِن الطُّرق والأقْبِية وتَحمِلُها فتُلقِيْها فيها. وذكَر غيرُه انّه يَحتمِل أنّ المنافقين كانوا يطرَحُونها فيها».

[9])) قال الشّهاب الرَّملي في شرح أبي داود (1/5199: «(وَالنَّتْنُ) بفَتح النُّون وإسكانِ التّاءِ، هكذَا وجَدتُّه مَضبوطًا، وفُسِّرَ بالرائحةِ الكَرِيهة، ويقَعُ أيضًا علَى كُلِّ مُستَقْبَحٍ. ويَنبغِي أنْ يُضبَطَ بفَتح النُّون وكَسرِ التّاء وهو الشيءُ الّذي له رائِحةٌ كَرِيهةٌ، مِن قَولِهم: نَتِنَ الشيءُ بكَسرِ التّاءِ يَنْتَنُ بفَتحِها فهو نَتِنٌ».

[10])) أي: مِن الفقهاءِ.