قالَ ابنُ إسحاقَ: «فقالَ لي الزُّهرِيُّ: لَولا أنّهُ تَقَدَّمَه إمامُ هُدًى مَبنِيٌّ أَمرُه علَى الورَعِ ما اختَلَفَ على ابنِ عبّاسٍ اثنانِ مِن أهلِ العِلم». هَذا مَوقوفٌ حسَنٌ أخرجَه بطُولِه إسماعيلُ بن إسحاقَ القاضِي في «أَحكامِ القُرءانِ».
هذا إسنادٌ صحِيحٌ إلى عَبِيدةَ – وهو بِفَتحِ أوّلِه – ابنِ عَمرٍو السَّلْمانِيّ – بفَتحِ الـمُهمَلةِ وسُكونِ اللّام – كوفِيٌّ مِن كِبارِ التّابعِين مِن أصحابِ علِيّ وابنِ مَسعُودٍ.
وقد ذكَرُوا رِوايةَ محمّدِ بنِ سيرِينَ عن عَبِيدةَ هذا عن علِيّ في أصَحّ الأسانيدِ، وهكَذا أخرجَه ابنُ أبِي حاتِم عن يَزِيدَ بنِ مروانَ وأخرجَه الطّبَريُّ مِن طرِيقِ أبِي جعفَرٍ الرّازِيّ عن هِشامِ بنِ حَسّانَ ومِن طريقِ أيُّوبَ عن ابنِ سيرِينَ، ورَواه عمرُو بنُ الأزهَرِ عن هِشامِ بنِ حَسّانَ فقال: عن محمّدِ بنِ سيرِينَ عن عَبِيدةَ وأبِي هُريرةَ ذكَرَه الدّارَقطنيّ في «العِلَل» وقال: وَهِمَ عَمرٌو في ذِكر أبِي هثريرةَ. قلتُ: وهو ضَعِيف جِدًّا لك له طريقٌ أُخرَى عن أبي هُريرةَ مَرفُوعةٌ متّصِلةٌ مُختصَرةٌ أوْردَها الحافظُ أبو بكرِ بنُ مَردَويهِ في تَفسيره قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْتَثنَوا فَقَالُوا: «إِنَّا إنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ» لَمَا أُعْطُوا، وَلو أنَّهُم أَخَذُوا بَقرةً مِنَ البَقَرِ فَذَبُحُوها لأَجْزَتْ عَنْهُم، وَلَكِنَّهُم شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللهُ عَليهِم».
وهكَذا أخرجَه ابنُ أبِي حاتِمٍ عن أحمدَ بنِ يَحيَى عن أحمدَ بنِ داودَ وأخرجَه البَزّارُ عن بِشرِ بنِ ءادمَ عن أحمدَ بنِ دودَ بهذا الإسنادِ مُقتَصِرًا على القِصّةِ الأخِيرةِ وقال: لا نَعلَمُه يُروَى عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلّا بِهذا الإسنادِ. واللهُ أعلَمُ.
[1])) قال القَسطلّاني (2/328): «الهمزةُ فيه للاستفهامِ ولكنّه خرَج عن الاستِفهام الحقِيقيّ، ومعناه هنا حَملُ الـمُخاطَب على الإقرارِ بأمرٍ قد استقَرَّ عِندَه ثُبوتُه».
[2])) أي: في الإرثِ.
[3])) بفَتح الغَين وسكُون النُّون، مُختلَف في صُحتبِه.
[4])) قال الملّا عليّ في المرقاة (4/1667): «بفَتح اللّام وكَسرِها وهو مُنصرِفٌ، وقيل: لا يَنصرِف. قال الطِّيبيّ: موضِعٌ بالبادِية فيه رَملٌ كثيرةٌ. وفي النهاية: العالِجُ ما تَراكَمَ مِن الرَّملِ ودخَل بَعضُه علَى بَعضٍ وجَمعُه عوالِجُ، فعلَى هذا لا يُضافُ الرَّملُ إلى عالِجٍ لأنّه صِفةٌ له».
[5])) أي: لَم يَجْعَل، وفي روايةٍ: «مَنْ شاءَ باهَلْتُه أنّ الّذِي أحصَى رَمْلَ عالٍجٍ عدَدًا لَم يَجعَلْ في مالٍ نِصفًا وثُلثَين».
[6])) في روايةٍ: «فأَيْنَ مَوضِعُ الثُّلُثِ». يُريدُ بذلكَ الـمَسألةَ الّتِي تُسمَّى الـمُباهَلَة الّتي فيها زَوجٌ وأُختٌ لِغَيرِ أُمٍّ شَقِيقةٌ أو لأبٍ وأُمٍّ فإنّ فِيها نِصْفًا لِلزَّوجِ ونِصْفًا للأُختِ وثُلثًا للأُمّ.
[7])) مأخوذٌ مِن عالَتْ أيِ ارتفَعَتْ، وهو أن تَزِيدَ سِهامًا فيدخُلُ النُّقصانُ على أهلِ الفرائِض، قاله الجَوهريّ في الصَّحاح (5/1778).
[8])) أي: ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنُهما.
[9])) مَعناه: أَشْكلَ علَيهِ أَمرُها، فإِنْ قَدّمَ الزَّوجَ والأُختَ وأَعطَى كُلًّا مِنهُما نِصفَه لَم يَبْقَ للأُمِّ فَرضُها الّذي هو الثُّلُث، وإنْ قَدّمَ الأُمَّ والزَّوجَ بفَرضِهِما لَم يَبْقَ للأُختِ فَرضُها النِّصفُ كامِلًا لأنّه يَبْقَى سُدُسٌ فقَط، وكذَلكَ لو قَدَّمَ الأُمَّ والأُختَ بفَرضِهما كامِلًا لَم يَبْقَ لِلزَّوجِ إلّا سُدُسٌ وهو أقَلُّ مِن فَرضِه هنا وهو النِّصفُ، فرأَى بَعْدَما اسْتَشارَ بَعضَ الصَّحابةِ كعَلِيّ وزَيدِ بنِ ثابتٍ وغَيرِهما أنْ يَقْسِمَه بَينَهُم بالحِصَصِ ويُجْرِي النَّقصَ علَى الجَمِيع بِحسَبِ حِصَصِهِم ثلاثة مِن ثمانية، وثلاثةَ مِن ثَمانِيةَ، واثنتان مِن ثَمانِية، فأَعالَ الـمَسألَة مِن سِتّةِ أسهُمٍ إلى ثَمانِيةٍ وأَعطَى الزَّوجَ ثَلاثةَ أَسهُمٍ مِن ثَمانِيةٍ، وكذلكَ الأختُ، وأعطَى الأُمَّ سَهْمَين مِن ثَمانِيةٍ.
[10])) قال ابن الأثير في النهاية (1/86): «أيْمُ اللهِ مِن ألفاظِ القسَم، كقولِك لَعَمرُ اللهِ وعَهدُ اللهِ، وفيها لُغاتٌ كثِيرةٌ، وتُفتَحُ هَمزتُها وتُكسَرُ، وهمزَتُها وَصلٌ وقد تُقطَعُ، وأهلُ الكُوفةِ مِن النُّحاةِ يَزعمُون أنّها جَمعُ يَمِينٍ وغيرُهم يقول: هي اسمٌ مَوضوعٌ للقسَم».
[11])) أي: عُمَرُ رضي الله عنه.
[12])) أي: ذلكَ الّذي لا يَسقُطُ بِحالٍ بل يَنتقِلُ مِن فَرضٍ إلَى فَرضٍ، هو الّذي يُقدَّم كالزَّوجِ يَنتقِلُ مِن نِصفٍ إلَى رُبعٍ ولا يَسقُط بِحالٍ، وألأُمُّ تَنتقِلُ مِن ثُلثٍ إلَى سُدسٍ ولا تَسقُطُ بِحال، فَهُما يُقَدّمان، وأمّا الأُختُ فقَد تَسقُطُ معَ وُجود الأَبِ أو الابنِ فهي الّتِي تُؤخَّر.
فكانَ اجتِهادُه أنْ يُعطِيَ الزَّوجَ نِصفَهُ كَامِلًا والأُمَّ ثلُثَها كَاملًا وتأخذُ الأختُ السُّدُسَ الباقِيَ، وإنْ كانَ فَرضُها هُنا النِّصفَ ألْحَقَ النَّقصَ بِها وَحْدها، والجُمهورُ على خلافِه بإِلحاقِ النَّقصِ بالجَمِيع علَى حسَبِ حِصَصِهِم لأنّهم هنا كُلَّهم أصحابُ فُروضٍ ليسَ أحَدُهم بأَوْلَى مِن غَيرِه في أَخْذِ حِصّتِه كامِلةً دُونَ غَيرِه.
([13]) وأخرَجه الحافظُ العسقلانيّ في «إتحاف المهَرة» مِن طريقِ الدّارمِيّ بلَفظِ: «الفَرائِضُ مِن سِتّةٍ لا نُعِيلُها».
قال القَفّال الشاشِيُّ في حلية العُلَماء (6/298): «إذَا اجتمَع أهلُ الفُروضِ وزادَتْ سِهامُهم على سِهامِ الفَرِيضة أُعِيلَتِ الفَرِيضةُ بالسَّهم الزائِد، وهو قولُ الجماعةِ إلّا ما حُكِي عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهُما أنه قال: «لا تُعالُ الفَرِيضةُ»، وهي إحدَى مَسائِله العشَرةِ الّتي تَفرَّد بها وقال: يَدخُل النَّقصُ على الأخَواتِ والبَناتِ».
([14]) قال أبو سُلَيمان الخطّابيُّ في مَعالِم السُّنَن (4/90): «قلتُ: فهذا مِن بابِ تَعدِيل الفَريضةِ إذَا لَم يكُن فيها نَصُّ؛ وذلك أنّه اعتبَرَها بالمنصُوصِ عليه وهو قولُه تعالَى: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [سُورة النّساء: 11]، فلَمّا وجَد نَصِيبَ الأُمّ الثُّلثَ وكان باقِي المالِ وهو الثُّلثانِ للأَبِ قاسَ النِّصفَ الفاضِلَ مِن المالِ بَعد نَصِيب الزَّوجِ علَى كُلّ المالِ إذْ لَم يكُن معَ الوالِدَين ابنٌ أو ذُو سَهمٍ فقَسَمَه بينَهما على ثَلاثةِ أسهُم للأُمِّ سَهمٌ والباقي وهو سَهمانِ للأَبِ».
[16])) قال العمرانيّ في البَيان (9/40): «فدَلَّ بِهذَا أنّهُم قَد أجمَعُوا على ذلِكَ». يُرِيد بذلكَ عُثمانُ رضي الله عنه إخبارَ ابنِ عبّاسٍ بأنّ الإجماعَ مُنعقِدٌ وأنّ الجَمْعَ بَينَ الإجماعِ وبينَ النَّصِّ بحَملِ الإخوَةِ على معنَى الأخوَين مَجازًا، ويُوافِقُه ما أخرجَه البَيهقيّ في «السُّنَن الكُبرَى» (6/373) أنّ زَيدَ بنَ ثابتٍ رضي الله عنه قال: «إنَّ العَرَبَ تُسَمِّي الأَخَوينِ إِخْوةً».
[17])) قال الحافظ العسقلانيّ في الفتح (9/468): «البَتّ بمعنَى القطعِ، والمرادُ بِه قَطعُ العِصمةِ وهو أعَمُّ مِن أنْ يكُونَ بالثَّلاثِ مَجمُوعةً أو بوُقوعِ الثّالِثة الّتي هي ءاخِرُ ثَلاثِ تَطلِيقاتٍ».
[18])) وللحدِيثِ تتِمّةٌ ذكَرها الإمامُ الشافعيّ رضي الله عنه في «الأُمّ» (5/241) قال: «فقال ابنُ الزُّبَير: فأمّا أنا فلا أرَى أنْ تَرِثَ مَبتُوتةً. وقال غيرُهم: إنْ كانتْ مَبتُوتةً لَم تَرِثْهُ في عِدّةٍ ولا غَيرها، وهذا قولٌ يَصِحُّ لِمَن قال بِه».
وقال القفّال الشاشيُّ في حِلية العُلماء (6/270): «واختَلَفَ قولُ الشافعِيّ رحمه اللهُ فِيمَن أَبانَ امرأتَه في مرَضِه الـمَخُوفِ واتَّصَل بِه الـمَوتُ على قولَين: أحدُهما: أنّها تَرِثُه، وهو قولُ أبي حَنِيفةَ ومالكٍ وأحمدَ. والثاني: أنّها لا تَرِثُه، وهو اختِيارُ الـمُزَنِيّ وهو الأصحُّ. فإذَا قُلْنا: إنّها تَرِثُ فإلَى أَيِّ وَقتٍ تَرِثُ؟ فيه ثلاثةُ أقوالٍ: أحدُها: أنّها تَرِثُه ما دامَتِ العِدّةُ، وهو قَولُ أبِي حَنِيفَة. والثاني: أنّها تَرِثُه ما لَم تَتزوَّجْ. والثالِث: أنّها تَرِثُه وإنْ تَزَوَّجتْ، وهو قولُ مالِكٍ وإنْ لَم يَكُن مرَضُه مَخُوفًا فهو كالصّحِيح».
[19])) أي: فأَعْلِمِيني.
[20])) أي: طَلاقًا بائِنًا.
[21])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (12/357): «(إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) مِن الـمَوارِيث في ثلاثةِ ءاياتٍ فلَم يَكِلْ قِسمتَها إلى غَيرِه، وهذا يدُلّ على فَضِيلةِ عِلمِ الفَرائِض معَ ما وَرَدَ فيه مِن الأحاديث الآتيةِ (فَلَأ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) وإنّما بطَلَتِ الوصِيّةُ للوارثِ ف قولِ أكثَرِ أهلِ العِلم مُراعاةً لِحُقوقِ الورَثةِ، فإذَا أجازُوها جازَتْ. وذَهَب بَعضُهم إلى أنّ الوصِيّةَ للوارِث لا تَجُوز بِحالٍ وإنْ أجازَها سائِرُ الورَثةِ؛ لأنّ الـمَنعَ مِنها إنّما هو لِحَقّ الشَّرعِ، فلَو جَوَّزْناها لَكُنّا استَعْمَلْنا الحُكمَ المنسُوخَ وذلك غيرُ جائِز. وقد قال أهلُ الظاهِر: إنّ الوصِيّةَ بأكثَرَ مِن الثُّلثِ لا تجوزُ، أجازَها الورثَةُ أمْ لَم يُجِيزُوها، وهو قول عبدِ الرَّحمـٰـنِ بنِ كَيسانَ، وإلى هذا ذهَبَ الـمُزَنِيّ».
وقال شيخنا رحمه الله: «وثبَت من قولِ الـمُغيرِة بن مِقْسَم: «الإضْرارُ في الوصِيّة مِن الكبائر» وذلك كأَنْ أوصَى بحِرْمان بعضِ أولادهِ مِن الإرْثِ وحصَرهُ في واحدٍ مِنهُم، فهذِه الوصيَّةُ لا تُنقَّذُ لأنّها معصيةٌ وهو يكون عاصيًا من أهْلِ الكبائر بوصِيَّتهِ هذه لأنَّ هذا قِطيعةُ رحِمٍ وهي مِن أكْبَر الكبائِر. أمّا الهِبةُ والتَّمليكُ في الحياة لِواحدٍ من أبْنائهِ دُون غيرِهم بغَير سبَبٍ شَرْعِيّ فهو حرامٌ عندبعضِ الأئمّة وعند بعضهِم مكْروهٌ، هذا إذا كان يحصُلُ منه قطيعةُ الرَّحِمِ، أمّا إنْ عَلِم أنَّه يُؤدّي إلى قَطِيعةِ الرَّحِمِ فحرامٌ أيضًا عند الأئمّةِ الآخَرِين. أمّا إذا كان أحدُ أَبْنائهِ بارًّا والآخَرُون عاقِّين له فَخَصَّ هذَا البارَّ بهِبةٍ في حياتهِ فهذا لا بَأس به لأنَّ هذا لا يُؤدّي إلى القَطِيعة لأنَّهم يَعرِفُون السَّبَبَ فيقولون: «أبونا ملَّك هذا مِن بَينِنا ولم يُملِّكْنا شيئًا لأنَّه كان بارًّا به ونحن كُنّا عاقّين له». كذلك إنْ كان بعضهُم فقيرًا وبعضهُم غنيًّا فخَصَّ هذا الفقيرَ مِن بينهِم بالتَّمليكِ في حياتهِ فلا بَأس بهذا أيضًا لأنَّ له سبَبًا شرْعيًّا. كذلك إنْ كان بعضهُم مِن ذَوي العاهاتِ فخَصَّ الّذين هُم مِن ذَوي العاهاتِ بالهِبةِ فمَلَّكهُم في حياتهِ قِسمًا مِن أملاكِهِ فلا بَأس بذلك أيضًا، كذلك لو أعطَى الّذِين هُم دَيِّنُون وحَرَمَ الّذين هُم غيرُ دَيِّنِين فلا بَأسَ، أمّا الوصيَّةُ أي إسنادُ ذلك إلى ما بعدَ وَفاتهِ فهو باطلٌ، قال رسولُ اللهِ r: «إنَّ الله أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ فلا وصيَّة لِوارثٍ» رواه أحمدُ وأبو داود والتِّرمِذيُ وغيرهُم».
[22])) قال الحافظُ العسقلانيّ: «تنبيهان: الأوّلُ نُوْزِعَ – يعني: ابنَ الحاجِب – في كون هذا الحديثِ مُتواترًا وفي كونه نَسخَ ءاية الوصيّة للوالدّين لأنّه ثبت في البخاريّ عن ابن عبّاسٍ أنّ الذي نسخَها ءايةُ المواريثِ، وكذا أخرجه أبو داود في «النّاسخ والمنسوخ» بسندٍ صحيح عن ابن عبّاسٍ، والجوابُ عن الأوّلِ: لعلَّه استند إلى ما قدَّمتُ ذِكرَه عن الشّافعيّ مِن إطباقِ أهلِ الـمَغازِي، وعن الثّاني أنّ ءايةَ المواريثِ ليسَتْ صريحةً في النَّسخِ وإنّما بَيَّنَه الحديثُ المذكورُ حيث قال: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّة لِوارِثٍ»، وقد أخَذ بمَفهُومِه طاووسٌ فقال: لو أَوصَى لِغَير أقْرَبِيهِ لَم يَجُز، أخرجه سعيدُ بنُ منصورٍ بسندٍ صحيح عنه وأخرج عنه وأخرج عن الحسَن بسند صحيح قال: إذَا أوصى لغير أَقْرَبِيه صُرِف إلى أقرَبيهِ ثُلُثَا ثُلُثِه ولِغيرِ أقرَبِيهِ ثُلثُ الثُّلُثِ.
التّنبيهُ الثّاني: اشتُهِر بين الفقهاء في المتن المذكور زيادةٌ لَم تَرِد في أكثر طُرُقِه، وبالسّند الماضي قَبلُ إلى الدّارَقُطنيّ أخبرنا أبو بكرٍ النّيسابوريّ أخبرنا يوسفُ بنُ سَعيد أخبرنا حجّاجُ بنُ محمّدٍ عن ابنِ جُريج عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ r: «لا وَصِيَّة لِوارثٍ إلّا أنْ تُجِيزَ الورَثةُ» هذا إسنادٌ ظاهرُهُ الصّحّةُ، إذِ الـمُتبادِر أنّ عطاءً هو ابنُ أبِي رَباحٍ، فلَو كان كذلك لكان على شَرطِ الصّحيح لكنْ عطاءٌ المذكورُ هو الخُرَساني، وَفيه ضَعفٌ ولَم يَسمَعْ مِن ابن عبّاس، قاله أبو داود والدّارقُطني وغيرُهما. وقد أخرجه الدّارَقُطني والبيهقيُّ من وجهٍ ءاخَرَ عن عطاءٍ الخُراسانيّ عن عِكرمة عن ابن عبّاسٍ، وأخرجه ابنُ عَدِيّ من وجهٍ ءاخر عن ابن عبّاسٍ فقه مَقالٌ، وأخرجه الدّارَقُطني مِنط طريقِ أبي جعفرٍ الباقِر عن النّبِيّ r مُرسَلًا وسنَدُه ضعيفٌ، وأخرجه مِن وجهٍ ءاخرَ ضعيفٍ عن عمرو بن خارِجةَ الّذي تقدَّم ذِكرُه، وأخرجه سعيدُ بنُ منصورٍ عن سفيان بن عُيَينة عن عمرِو بن دينار قال: قال رسولُ الله r: «لا وصيَّة لِوارثٍ إلّا أنْ يَشاءَ الوَرَثةُ» وهذا مُرسلٌ ورِجالُه رجالُ الصّحيح. وإذَا انضَمَّ بعضُها إلى بعضٍ قَوِيَ الخبرُ والله أعلم».
[23])) قال شيخنا رحمه الله: «(الوَلَدُ لِلْفِراشِ وَلْلْعَاهِرِ الحَجَرُ) هذا فيه دليلٌ على أنّ ابنَ الزّنَى لا يُنسبُ للرَّجُل الذي وُلِد من مائه إنّما يُنسبُ إلى أُمّه».
وقال الحافظ العسقلانيّ في الفتح (12/36، 37): «وقولُه: (وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ)، أي: لِلزّانِي الخَيبةُ والحِرْمانُ، والعَهَر بفَتحتَين الزِّنى، وقِيل يَختَصُّ باللَّيل، ومعنَى الخَيبةِ هنا حِرْمانُ الولَدِ الّذِي يدّعِيه، وجَرَتْ عادةُ العرَب أن تقُول لِمَن خابَ: له الحجَرُ، وَبِفِيه الحَجَرُ والتُّرابُ، ونحوُ ذلك. وقيل: الـمُرادُ بالحجَر هنا أنّه يُرجَم، قال النوويُّ: وهو ضعِيفٌ لأنّ الرَّجمَ مُختصٌّ بالـمُحْصَن ولأنّه لا يَلزَمُ مِن رَجمِه نَفيُ الولَدِ، والخبَرُ إنّما سِيقَ لِنَفْي الولَد. وقال السُّبكِيُّ: والأوّلُ أشبَهُ بمَساقِ الحدِيثِ لِتَعُمَّ الخَيبةُ كُلَّ زانٍ، ودليلُ الرَّجمِ مأخُوذٌ مِن مَوضِعٍ ءاخَر فلا حاجةَ للتّخصِيصِ مِن غَيرِ دَلِيلٍ. قلتُ: ويُؤيِّدُ الأوّلَ أيضًا أخرجَه أبو أحمدَ الحاكِمُ مِن حدِيثِ زَيدِ بنِ أرقَمَ رَفَعَه: «الوَلدُ لِلْفِرَاشِ وَفِي فَمِ العَاهِرِ الحَجَرُ»».
[24])) قال القسطلّاني في إرشاد الساري (9/445): «أي: والحالُ أنّه يَعلَم أنّه غيرُ أبِيه».
[25])) قال ابن الأثير في النهاية (5/121): «(انْتَمَى إلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ)، أي: انْتَسَب إلَيهم ومالَ وصارَ معرُوفًا بهِم. يقال: نَمَيتُ الرَّجُلَ إلى أَبِيه نَمْيًا نَسبْتُه إلَيه وانْتَمَى هُوَ».
وقال شيخنا رحمه الله: «مِن مَعاصِي اللِّسانِ الّتِي هي مِن الكَبائِر أنْ يَنتمِيَ الرّجُل إلى غَيرِ أَبِيه كأَنْ يَقولُ: أنا ابنُ فُلانٍ وهو لَيسَ ابنَه أو أنْ يَنْتَمِيَ الـمُعْتَق إلى غَيرِ مَوالِيه، أي: الّذِين لَهُم علَيه وَلاءُ عَتاقةٌ، لأنّ في ذلِكَ تَضْيِيعَ حَقٍّ، لأنّ الوَلاءَ يَثبُتُ به شَرْعًا أحكامٌ مِنها أنَّ الـمُعتِقَ يَرِثَ الـمُعتَقَ إنْ لَم يَكُن له وَرَثةٌ، ويكون وَلِيَّ مُعتَقَتِه إنْ لَم يَكُن لها وَلِيٌّ في النِّكاح أي أنّ الأَمةَ الّتِي هي مَملُوكةٌ أَعْتَقَها سَيِّدُها فصارَتْ حُرّةً ثُمّ أرادَتْ أنْ تَتَزَوَّجَ إنْ لَم يَكُن لها مِن أَهلِها مَن يُجْرِي لها العَقْدَ فالّذي أَعْتَقَها يَكُون وَلِيَّهَا فِي النِّكاح».
[26])) قال أبو العبّاس القُرطبي في الـمُفهِم (3/487): «الصَّرْفُ التَّوبةُ، والعَدْلُ الفِديةُ، قاله الأصمَعِيّ».
[27])) أي: مِن مَقتُولِه.
[28])) أي: خَطأً، كما تُبيِّنُه رِوايةُ: «رَمَى رَجُلًا بِحَجَرٍ فأَصابَ أُمَّهُ فَقَتَلَها».
[29])) قال الحافظ النوويّ في شرح مُسلم (11/53): «أجمَع الـمُسلِمُون على أنّ الكافِرَ لا يَرِثُ الـمُسلِمَ، وأمّا الـمُسلِمُ فلا يَرِثُ الكافِرَ أيضًا عند جماهيرِ العُلَماء من الصّحابةِ والتابعِين ومَن بَعدَهُم، وذَهَبَتْ طائِفةٌ إلى تَورِيثِ الـمُسلِم مِن الكافِر، وهو مَذهَبُ مُعاذِ بنِ جبَلٍ ومُعاوِيةَ وسَعِيدِ بنِ الـمُسيِّبِ ومَسرُوقٍ وغَيرِ÷م. ورُوِي أيضًا عن أبِي الدَّرْداء والشَّعْبِيّ والزُّهرِيّ والنَّخَعِيّ نَحوُه على خِلافٍ بَينَهُم في ذلكَ، والصَّحِيحُ عن هؤلاءِ كقَولِ الجُمهورِ. واحتَجُّوا بحديثِ: «الإِسْلَامُ يَعلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ»، وحُجّةُ الجُمهورِ هُنا الحَدِيثُ الصّحِيحُ الصَّرِيحُ ولا حُجّةَ في حَدِيثِ: «الإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» لأنّ الـمُرادَ بِه فَضلُ الإسلامِ علَى غَيرِه، وَلَم يَتعرَّضْ فيه لمِيراثٍ فكَيفَ يُترَكُ بِه نَصُّ حدِيثِ: «لَا يَرِثُ الـمُسْلِمُ الكَافِرَ»؟! ولعَلّ هذه الطائِفةَ لَم يَبلُغْها هذا الحدِيثُ.
وأمّا الـمُرتَدُّ فلا يَرِثُ الـمُسلِمَ بالإِجماعِ، وأمّا الـمُسلِمُ فلا يَرِثُ الـمُرتَدّ عند الشافعِيّ ومالِكٍ ورَبِيعةَ وابنِ أبِي لَيلَى وغَيرِهم بل يكُون مالُه فَيئًا للمُسلمِينَ، وقال أبو حنِيفةَ والكوفِيُّون والأوزاعيُّ وإسحاقُ: يَرِثُه ورَثَتُه مِن الـمُسلمِين، ورُوِي ذلك عن عليّ وابنِ مَسعُودٍ وجَماعةٍ مِن السّلَف لكِن قال الثَّورِيُّ وأبو حنِيفةَ: ما كَسَبَه في رِدَّتِه فهو للمُسلمِينَ، وقال الآخَرُون: الجَمِيعُ لورَثَتِه مِن الـمُسلمِينَ، وأمّا تَورِيثُ الكُفّارِ بَعضِهم مِن بَعضٍ كاليَهُودِيّ مِن النَّصرانِيّ وعَكسِه والـمَجُوسِيِّ مِنهُما وهُما مِنهُ فقال بِه الشافعِيُّ وأبو حنِسفةَ رضي الله عنهُما وءاخَرُون، ومنَعَه مالِكٌ، قال الشافعِيُّ: لكِن لا يَرِثُ حَربِيٌّ مِن ذِمّيٍّ ولا ذِمِّيٌّ مِن حَربِيٍّ. قال أصحابُنا: وكذا لو كانا حربِيَّينِ في بلَدَينِ مُتحارِبَينِ لَم يَتوارَثَا، واللهُ أعلَم».
[30])) أي: العَقلِ.
[31])) {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [سُورة البقَرة: 67].