الإثنين أبريل 21, 2025

باب الذِّكْرِ والدُّعاءِ بِما يُعِينُ عَلَى القِتالِ ويُنَشِّطُ علَيهِ

  • عن أنَسٍ رضي الله عنه أنّ أصحابَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم كانُوا يَقولُونَ وهُم يَحفِرُونَ الخَندَقَ: نَحنُ الّذِين بايَعُوا مُحمّدًا، علَى القِتالِ ما بَقِيْنَا أَبَدًا، والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ([1])، فَاغْفِرْ للِأَنْصَارِ وَالـمُهَاجِرَةِ». أخرجه مُسلِم.
  • عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ وهو في قُبَّتِه([2]) بِبَدرٍ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَنْ تُعْبَدَ بَعْدَ اليَوْمِ([3])»، فأَخَذَ أبو بَكرٍ رضي الله عنه بِيَدِهِ فقالَ: حَسْبُكَ يا رَسولَ اللهِ، فقد أَلْحَحْتَ علَى رَبِّك([4])، وهو يَثِبُ في الدِّرعِ([5]) ويقولُ: «{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}([6])». هذا حَديثٌ صَحِيحٌ أخرجَه البُخاريُّ.
  • عن عِكرمةَ بنِ عَمّارٍ قال: حدّثَني سِماكٌ الحنَفِيُّ قال: سَمِعتُ ابنَ عبّاسٍ رضي الله عنهُما يقولُ: حدّثَني عمَرُ رضي الله عنه قالَ: لـمّا كانَ يَومُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الـمُشركِينَ وهُم أَلْفٌ وإلَى أصحابِه وهُم ثَلاثُمائةٍ وتِسعةَ عشَرَ، فاسْتَقبَلَ القِبلَة مادًّا يَدَيهِ، فجَعَلَ يَهتِفُ بِرَبِّه([7]) فقال: «اللَّهُمَّ انْجِزْ لِي ما وَعَدتَّنِي([8])، اللَّهُمَّ انْجِزْ لِي مَا وَعَدتَّنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هذِهِ العِصَابَةُ([9]) مِن أَهْلِ الإسْلامِ لا تَعْبَدْ فِي الأَرْضِ»، فلَم يَزَلْ مَادًّا يدَيهِ مُستَقبِلَ القِبلَةِ يَهتِفُ بِرَبِّه حتَّى سَقَطَ رِداؤُه عَن مَنكِبَيهِ، فأَتاهُ أبو بَكرٍ رضي الله عنه فأَخَذَ رِداءَه فألْقاهُ علَى مَنكِبَيهِ ثُمّ الْتَزمَه مِن وَرائِه وقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كَفاكَ مُناشَدَتُك لِرَبِّك فإنَّهُ سَيُنجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ، فأَنزَلَ اللهُ عزَّ وجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [سُورة الأنفال: 9]، والحدِيثُ أخرجَه مُسلِمٌ.
  • عن أنَسٍ رضي الله عنه قال: كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا غَزَا قال: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي، وَأَنْتَ نَصِيرِي([10])، وَبِكَ أُقَاتِلُ([11])». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أبو داودَ والترمذِيُّ وقال: حدِيثٌ حسَنٌ.
  • عن عُمَارةَ بنِ زَعْكَرةَ([12]) رضي الله عنه قالَ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «يَقُولُ اللهُ تَعالَى: إِنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلَاقٍ قِرْنَهُ([13])»؛ يَعنِي: عِندَ القِتال. هذا حدِيثٌ حسَنٌ غَرِيبٌ أخرجَه الترمذِيُّ.

[1])) قال شيخنا رحمه الله: «مَعناهُ: أنّ الحياةَ الهَنِيئةَ الدّائِمةَ الّتِي لا يَتخَلَّلُها كَدَرٌ هي الحياةُ الأُخرَوِيّةُ، أمّا الحياةُ الدُّنيا فيَتخَلَّلُها كَدَرٌ وَمَتاعِبُ ومَشقّةٌ».

[2])) هي كالخَيمةِ مِن بُيوتِ العرَب، قاله القَسطلّاني في إرشاد السّارِي (5/101).

[3])) قال شيخنا رحمه الله: «معناهُ: في ذلكَ الوَقتِ ما كان مُسلِمٌ غيرَ الرَّسولِ وهؤلاءِ علَى وَجهِ الأرضِ، إنْ قُتِلَ هؤلاءِ الموجُودونَ هنا لا يَبقَى عَلى وَجهِ الأرضِ مُسلِمٌ يَعبُدُك، إنْ قُتِلَ هؤلاءِ يُؤدِّي إلى استِئصالِ الـمُسلمِين».

[4])) قال التُّورِبِشْتِيّ في شرح المصابيح (4/1280): «يُرِيد أنّك قد بالَغْتَ في الدُّعاء كُلَّ الـمُبالَغة، وقد عَلِمَ الـمُؤمِنُون بأنّ الله سُبحانَه سَيُجِيبُ دَعوتَك وتحَقَّقثوا بذلكَ».

[5])) قال القَسطلّاني في إرشاد السّارِي (7/367): «(وَهُوَ يَثِبُ) يَقُوم (فِي الدِّرعِ)».

[6])) أي: سيُهزَمُ جمعُ كُفّارِ مكّةَ ويُوَلُّون أَدبارَهُم في الهَزِيمة.

[7])) قال ابن الجوزيّ في كَشف الـمُشكِل (1/134): «يُقال: هَتَفَ يَهتِفُ إذَا رفَعَ صَوتَه في دُعاءٍ أو غَيرِه».

[8])) قال أبو العبّاس القُرطبيّ في الـمُفهِم (3/572): «(اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدتَّنِي)، أي: عَجِّلْ لِي ما وَعدتَّني مِن النَّصرِ، وكأنّه r لَم يُبَيَّنْ له وَقتُ نَصرِه فطَلَبَ تَعجِيلَه».

[9])) قال النوويّ في شرح مُسلِم (12/85): «(ضَبَطُوه تَهلِكْ) بفَتح التّاءِ وضَمِّها، فعلَى الأوّلِ تُرفَعُ العِصابةُ علَى أنّها فاعِلٌ، وعلَى الثّاني تُنصَبُ تَكُون مَفعُولةً. والعِصابةُ الجَماعةُ».

[10])) قال شيخنا رحمه الله: «(أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي)، مَعناهُ: أنتَ مُعِينِي، هذا ورَد في الصّحِيح، أمّا قَولُ: «يا عُدَّتي» فهذا ليس وارِدًا، تَركُه خَيرٌ».

[11])) قال الشّهاب الرَّملي في شرح أبي داود (11/384): «(وَبِكَ أُقَاتِلُ)، أي: [بِكَ] أَستَعِينُ علَى القِتالِ».

[12])) ضبطَه المجدُ ابنُ الأثِير بكَسرِ الكافِ، وضَبَطَه غيرُه كالـمُناوِيّ وابنِ عَلّان بِفَتحِها.

[13])) قال المناويّ في التّيسير (1/267): «(مُلَاقٍ قِرْنَهُ) بكَسرِ القافِ وسُكونِ الرّاء عَدُوَّه الـمُقارِنَ الـمُكافِئ له في الشّجاعةِ والقِتال».