الإثنين أبريل 21, 2025

باب التَّواضُعِ وَالقَناعَةِ

  • عن أبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: «أمَرَنِي رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أصِلَ رَحِمي وإنْ أَدْبَرَتْ([1])، وأنْ أُحِبَّ الـمَساكِينَ وأُجالِسَهُم([2])، وأنْ أقُولَ الحَقَّ وإنْ كان مُرًّا([3])، وأنْ لا يَأْخُذَنِي في اللهِ لَومَةُ لائِم، وأنْ أَنظُرَ إلى مَن هو تَحْتِي ولا أَنظُرَ إلى مَن هو فَوْقي([4])، وأنْ أُكثِرَ مِن قَولِ لا حَوْلَ ولا قُوّةَ إلّا باللهِ([5])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ وصحَّحه ابنُ حِبّان.
  • عن أبِي الدَّرداءِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن يَومٍ تَطْلُعُ شَمْسُهُ إِلَّا وبِجَنْبَيْها مَلَكانِ([6]) يُنادِيانِ نِداءً يَسْمَعُهُ الخَلْقُ كُلُّهُم غَيْرَ([7]) الثَّقَلَينِ: يا أيُّها النّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُم، فَإِنَّ ما قَلَّ وكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وأَلْهَى، وَلا ءابَتِ الشَّمْسُ([8]) إِلَّا وَبِجَنْبَيْها مَلَكانِ يُنادِيَانِ نِداءً يَسْمَعُه الخَلْقُ كُلُّهُم غَيْرَ الثَّقَلَينِ([9]): اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا([10])».

وزادَ بها ابنُ راشِدٍ في رِوايتِه قال: «وأَنزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ قُرءانًا فِي قَولِ الـمَلَكَيْنِ: «يا أيُّها الناسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُم» فِي سُورَةِ يُونُسَ {واللهُ يَدْعُوا إلىٰ دَارِ السَّلامِ وَيْهْدِي مَن يَشَاءُ ِإلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»، وفي قولِهما: «اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا» {واللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}([11]) إلَى قَولِه: {فَسَنُيَسِّرُهْ} [سورة اللَّيل: 110]». هذا حدِيثٌ حسَنٌ صحِيحٌ غرِيبٌ أخرجَه أحمد.

  • عن أبِي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِن صَباحِ يَوْمٍ إلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا». هذا حدِيثٌ صَحِيحٌ مُتّفَقٌ علَيه.
  • عن أبِي سَعِيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه أنّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن تَواضَعَ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللهُ دَرَجَةً، وَمَن تَكَبَّرَ دَرَجَةً وَضَعَهُ اللهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ سافِلِينَ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ وابنُ ماجَه وصحَّحه ابنُ حِبّانَ.
  • عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهُما قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مَنْ بَنِي ءادَمَ أَحَدٌ إِلا وَفِي رَأْسِهِ سِلْسِلَتَانِ: سِلْسِلَةٌ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَسِلْسِلَةٌ فِي الأَرْضِ السَّابِعَةِ، فَإِذَا تَوَاضَعَ الْعَبْدُ رَفَعَهُ اللهُ بِالسِّلْسِلَةِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللَّهُ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ غرِيبٌ أخرجَه البَزّارُ والبَيهقِيُّ في «الشُّعَبِ».
  • عن موسَى بِن طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ قال: أتَيتُ أنا وأَبِي مَجلِسَ قَومٍ فأَوْسَعُوا لهُ، فجعَلُوا يُنادُونَه مِن هذا الجانِب ههنا: يا صاحِبَ رَسولِ الله، ومِن هذَا الجانبِ ههنا: يا حَوارِيَّ رَسولِ الله([12])، وأَوْسَعُوا لهُ صَدْرَ المجلِس، فجَلَسَ في أدْناه وقالَ: إنِّي سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ التَّواضُعِ الرِّضَى بِالدُّوْنِ مِنْ شَرَفِ([13]) الـمَجْلِسِ([14])»هذا حدِيثٌ حسَنٌ غرِيبٌ أخرجَه يعقُوبُ بنُ شَيبةَ في «مُسنَدِه».
  • عن عائشةَ رضي الله عنها عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّكُم([15]) لَتَغْفُلُونَ عَن أَفْضَلِ العِبادَةِ التَّواضُع»([16]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ غَريبٌ أخرجَه أبو نُعَيمٍ.
  • عن ابنِ عُمرَ عن عُمرَ رضي الله عنهُما – لا أَعلَمُه إلّا رَفَعَهُ – قال: «يَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: مَن تَواضَعَ لِي هَكذَا رَفَعْتُه هَكَذَا»، وجَعَلَ([17]) بَطْنَ كَفِّهِ إلى الأرضِ ورَفَعَها إلَى السماءِ. هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمدُ بنُ حَنبلٍ وأحمدُ بنُ مَنِيعٍ في مُسنَدَيهِما.
  • عن سَعِيدِ بنِ سَلامٍ العَطّارِ عن سُفيانَ الثَّورِيّ عن الأعمَشِ عن إبراهيمَ النَّخَعِيّ عن عابِسِ بنِ رَبِيعةَ قال: سَمِعتُ عُمرَ بنَ الخطّابِ رضي الله عنه وهو يَقولُ علَى الـمِنبَرِ: «يا أيُّها النّاسُ تَواضَعُوا، فإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «مَن تَواضَعَ للهِ رَفَعَهُ اللهُ فهُوَ في نَفْسِهِ([18]) صَغِيرٌ وفي أَعيُنِ النّاسِ كَبِيرٌ، ومَن تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللهُ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ وَفِي أَعْيُنِ النّاسِ صَغِيرٌ، حتَّى لَهُوَ أَهْوَنُ فِي أَعْيُنِهم مِن كَلْبٍ أَوْ خِنزِيرٍ». هذا حدِيثٌ غرِيبٌ ورَفْعُه مُنكَرٌ، أخرجَه الطّبَرانيُّ في «الأوسَط»».

والبَيهقيُّ في «الشُّعَب». قلتُ: ورِجالُه رجالُ الصَّحِيح إلّا سَعِيدَ بنَ سَلامٍ الّذي تَفرَّد بِه فإنّه ضَعِيفٌ.

  • عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رضي الله عنه قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَواضَعُوا وَلا يَبْغِي([19]) بَعْضُكُم عَلَى بَعْضٍ». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه البخارِيُّ في «الأدَب الـمُفرَد».

[1])) قال شيخنا رحمه الله: «قال أبو ذَرّ «وأوصانِي بأَنْ أصِل رَحِمي وإنْ أدْبَرَتْ» المعنى: أنّ الرسولَ r أوصاهُ أيضًا بأنْ يَصِل رَحِمَه وغنْ كان رحِمُه قَطعه، والرّحِمُ هو القرِيب، وإن كان لا يَعرِفُ له المعروفَ الذي يَعمَلُه معه، لو كان رحِمُه يُسيءُ إليه فينبغي أن يُحسِن إليه ولا يَنقطِع عن مُعاملَته بالإحسان فيكون أجرُه عظيمًا عند الله، لأنّ الله يحِبُّ مِن المؤمِن أن يَعمَل معروفًا مع الّذي يَعمل معه المعروفَ ومع الذي لا يَعملُ معه مَعروفًا، فالذي يُحسِنُ إلى رحِمِه الذي يحسِنُ مُعاملتَه، أجرُهُ أقلُّ مِن الإحسان إلى الذي لا يُحسِنُ مُعاملتَه، لأنّ هذا فيه كَسْرٌ للنّفْسِ في طاعةِ الله، واللهُ يحِبُّ ذلك، فمَن خالَف نَفْسَه فأحسَنَ إلى رَحِمِه الذي يقطعُه كان له الثّوابُ العظيم».

[2])) قال شيخنا رحمه الله: «قال أبو ذَرّ الغِفاري جُندب بنُ جُنادةَ رضي الله عنه: «أَوصَاني خَلِيلي بخِصَالٍ مِنَ الخَيرِ، أَوصَاني بحُبِّ المسَاكِينِ والدُّنُوِّ مِنهُم» أي: الاقترَابِ مِنهُم. كانَ رسولُ اللهِ r مِن شِدّةِ شَفقَتِه ورَحمَتِهِ للمؤمِنينَ انّه إذَا لَم يَر بَعضَ أصحَابِه بُرهَةً مِنَ الزّمَن يَتَفَقّدُه، حتى إنّه قِيلَ لهُ عن رجُلٍ غَريبٍ مؤمنٍ فَقيرٍ حِينَ سَأَلَ عَنه قيلَ لهُ إنّهُ تُوفي، فذَهَب إلى قَبرِه r وصَلّى عَليهِ، سأَلَ عن قَبرِه أَينَ دُفِنَ فدُلَّ عَليهِ فصَلّى عَليهِ. إلى هَذا الحَدِّ كانَ يحِبُّ المسَاكينَ ويَعتَني بهِم وهَذا مَا كانَ إلّا رجُلًا مؤمِنًا مِسكِينًا كانَ غَرِيبًا. في حديثِ أبي ذَرّ تهذيبٌ للنّفوس بحيثُ إنّ فيه ترغِيبًا في مَحبّةِ المسَاكِينِ والفقَراءِ والرّغبَة في تقريبِهم إلى مَجلِسه. كذلكَ الرّسولُ r أحَبَّ أن يَكُونَ في الدُّنيًا معَ المتَواضِعِينَ وأنْ يُحشَر يومَ القِيامَة مع المتَواضِعِين، لأنّ المتَكَبّرِينَ يَحشُرهُم اللهُ تعالى أمثَالَ الذَّرّ أي النَّملِ الأحمَرِ، في صُورة رجَالٍ صِغارٍ أذِلّاءَ. أهلُ الله لا يحبُّونَ المتكَبِّرينَ بل يُحبُّونَ أن يكونُوا معَ المؤمنينَ المتَواضِعين الذينَ قلُوبهُم مُنكَسِرةُ للهِ تعالى. الرّسولُ r طَلَبَ مِن رَبّه: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الـمَسَاكِينِ»، أي: الـمُـواضِعينَ، رواه البَيهقيّ والحاكِم والطّبَراني. الـمِسكينُ يُطلَقُ على مَعنَيَينِ: الفَقيرِ الّذي لا مَالَ لهُ يَكفِيهِ، والمتَواضِعِ الذي ليسَ فيه تَكَبُّرٌ ولو كانَ غَنِيًّا. لا يَنظُر إلى الفُقراءِ نَظرةَ احتِقَارٍ ولا يُهِينُهم أو يَسخَرُ مِنهُم، وهذا الأخيرُ هو الذي طلبَ رسولُ الله r أن يكونَ بصِفَتِهِ، وذلكَ لأنّ الأنبياءَ يَنظُرونَ إلى أنّ العبادَ كلَّهُم تحتَ مَجارِي أَقدَارِ اللهِ تعالى، فالضّعيفُ والقَويُّ لا يتَجَاوزُ ما قَدَّرَ اللهُ تَعالى لهُ. أولادُ رجلٍ واحِدٍ مِن أمِّ واحِدةٍ، هذا يَطلَعُ نَشِيطًا قَوِيَّ الحركةِ وهذَا يطلَع ضَعيفًا بلِيدَ الذِّهنِ لماذا ذلكَ؟ لأنّ الله تعالى هو المتصَرِّفُ بعِباده كيفَما شاءَ. فالأنبياءُ والأولياء يَعرفونَ أنّ كلَّ إنسانٍ يكونُ تحتَ تصَرُّفِ اللهِ تعَالى، فإنْ رأَوا إنسَانًا نشِيطًا ذكِيًّا كانَ ذلكَ بعَون الله تعالى، والذينَ تكونُ حالتُهم بعكسِ ذلكَ يعلَمُون أنّ الله تعالى قَسَم له أن يكونَ بهذه الصِّفة. هذا البشَرُ كلُّهم مِن ذُرية ءادمَ r ومعَ ذلكَ انظُروا إلى كَثرَةِ اختِلاف أَحوالِهم وأَعمَالهِم لا يُحصِيْهَا إلّا اللهُ تعَالى».

[3])) قال شيخنا رحمه الله: «المعنى: أنّه ينبَغي للمؤمِن أن يقول قولَ الحقِّ عند مَن يحِبُّ وعند مَن لا يُحِبُّ هذا الحقَّ. قال علَيه الصلاةُ والسّلامُ: «رَحِمَ اللهُ عُمَرَ يَقُول الحَقَّ وَإِنْ كانَ مُرًّا، لَقَدْ تَركَهُ الحَقُّ وَما لَهُ مِنْ صَدِيقٍ» فنحن علَينا أن نقتدِيَ بأئمّة الهدَى ولا نخافَ في الله لَومةَ لائِم، علَينا أن نقول الحقَّ ولا نخافَ في اللهِ لَومةَ لائِم، علَينا أن نقول الحقَّ وإن كان مُرًّا. قولُ الحقِّ مُرٌّ على كثيرٍ مِن النّفوس، كثيرٌ مِن النّفوس إذا قُلتَ لهم قولًا حقًّا يكرهُونك يَتأذَّون منك، عليك أن لا تُباليَ، لا تنظُر إلى رضاهم وغضبِهم وكراهِيَتهم، أنت انظُر إلى أنْ تأتمِرَ بأوامر الله. اللهُ أمرَ بالتّحذيرِ مِن الذين يُحَرِّفون شريعتَه، وكذلك إذَا علِمتَ أنّ فُلانًا يُريد أنيَ خطِب بِنتًا وأنت تعرِفُ فيها أنها لا تصَلُح له فواجبٌ عليك أن تُحذّرَه، ثم هو تتركُه وشأنَه، إمّا أن يسمَع النّصيحةَ فيكُفَّ عن خِطبَتها وإمّا أن يَمضي في مُرادِ نَفسِه، أنت تكون كسَبتَ الثوابَ لأنّك حذّرْتَه نصَحْتَه، كذلك العكسُ».

[4])) قال شيخنا رحمه الله: «أي في أُمور الدُّنيا أي لا يَنظُرُ إلى أُمور الأغنياء بل يَنظُر إلى الفُقراء، فإذا نظَر إلى الأغنياءِ يَحتقِرُ نِعمةَ الله التي أنعمَها علَيه ويَصِيرُ عِنَده جَشَعٌ فلا يَشكُرُ اللهَ تعالى لأنّ تَفكِيرَه تشَتَّتَ في أموالِ الأغنياء، يُفكِّرُ كيفَ يَصِيرُ مِثلَ هؤلاء، فيَنهمِكُ في أُمور الدُّنيا حتى يَصِيرَ يَجمعُ المالَ بالحرامِ لا يُبالي، فهَمُّه أن يجمَع، أمّا إذا نظَر إلى مَن هُو دُونَه أي أفقَرُ مِنه يَزدادُ شُكرًا لله تعالى ويكون ذلك أعْوَنَ له على الإحسانِ بما يَستطِيعُ لِمَن هو أحوَجُ منه، فقد رُوّينا في الحديثِ الصحيح أنّ رسولَ الله r قال: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مائَةَ أَلْفِ دِرْهَم»، قيل: وكيفَ ذلكَ يا رسولَ الله؟ فقال: «رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمانِ»، أي: لا يَملِكُ غيرَهُما «فَتَصَدَّقَ بِأَحَدِهِما، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِمائَةِ أَلْفٍ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ» رواه النَّسائيّ. فبِما أنّ هذا الإنسانَ لا يملِكُ مِن النّقُود إلا دِرهمَين أخرجَ دِرهمًا واحدًا ابتِغاءَ الفَضلِ مِن الله كان ثوابُ هذا الدّرهمِ الواحدِ أعظمَ مِن ثَوابِ الغَنِيّ الذي تَصدَّق بمائةِ ألفٍ، والمائةُ ألفٍ بالنّسبةِ لِمالِه قلِيلٌ مِن كَثِيرٍ».

[5])) قال شيخنا رحمه الله: «هذه الكلمةُ ورَد في ثوابِها عن رسولِ الله r ثوابٌ ونَفعٌ كبيرٌ، وأمّا ثوابُها فقد ورَد في الحديث الصحيحِ أنّها «كَنْزٌ تَحْتَ العَرْشِ»، أي: ذُخرٌ كبيرٌ مِن الثّواب يَدّخِرُه الله تعالى للمؤمِن الذي يقولُ هذه الكلمة الشّريفةَ، يَدّخِرُها له إلى الآخِرة، يكون مَحفوظًا تحت العرشِ. فأمّا فائدتُها فهي أنها تُزِيلُ الهَمّ، إذا كان إنسانٌ مُصابًا بالهمِّ فمِن أفضلِ ما يَشتغِلُ به هذه الكلمةُ، وهذه الكلِمةُ أيضًا تَنفَع لِمَن ابتُلي بالوَسوَسةِ حتى صارَ في نَفْسِه وَحْشةٌ وضِيقٌ شدِيدٌ حتّى يكادُ يُصابُ بالجنُون، هذه تُفِيدُه بإذنِ الله، إنْ واظبَ وثبَتَ عليها فلا بُدّ أنْ يرَى الفرَجَ ويَنقلِبَ عُسْرهُ يُسرًا، اللهُ تعالى جعَل لها سِرًّا كبيرًا ونَفعًا عظيمًا، فزوالُ الهَمّ مِن إحدَى فوائدِها، فائدةٌ مِن عشَراتِ الفوائِد. وأمّا مَعناها توحِيدٌ وهو أنّه لا أحدَ يستطِيعُ أنْ يَفعَل الخيرَ والطّاعةَ إلّا بعَون الله وانّه لا يستطِيعُ أحدٌ أن يَعتصِم مِن الشَّرّ إلا بحِفظِ الله. فمَهما كان الإنسانُ نشِيطًا في عملِ الخير فإنّ هذا النشاطَ هو نِعمةٌ مِن الله، فلَيحمَدِ اللهَ تعالى مَن يَسَّرَه اللهُ للخَير، فلَيحمدِ اللهَ ولا يأخُذْهُ العُجبُ بنَفْسه بل يَنظُر إلى أنّ اللهَ هو الذي قدَّرَه أن يَعمَل هذه الحسناتِ، فلولا تقدِيرُ الله لَما استطاعَ أن يَفعَل هذه الحسَناتِ، فإن لاحَظ أنّ هذا الخيرَ الذي يَعملُه هو بتَقديرِ الله ابتعَدَ عن الرِّياءِ وكان قريبًا مِن حال الـمُخلِصين، لأنّ الذي يَعملُ عملًا مِن الحسناتِ بنيّةٍ خالصةٍ لله ليس فيها ِياءٌ فالقليلُ عند الله تعالى يُجازيهِ بالكثيرِ، ذاك الذي أعطَى دِرهمًا لولا شِدّةُ يَقينه وإخلاصِه لله تعالى وهو نِصفُ ما يملِكُ ما تخلَّى عنه لوجهِ الله تعالى، فاللهُ جعَل ثوابَ هذا الدّرهمِ أفضلَ مِن ثوابِ هذا الذي تصدَّق بمائة ألفٍ، فالفِعلُ على حسَب ما يُتْقِنُه المسلمُ يكونُ ثوابُه عند الله تعالى كبِيرًا. الإخلاصُ أصلُه الإتقانُ والشأنُ في حُسنِ النّيةِ، لذلك عظَّمَ رسولُ الله r أمرَ النّيّةِ فقال: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى». العمَلُ القليلُ الذي فيه إخلاصٌ عِندَ الله خَيرٌ مِن الكثيرِ الذي ليس فيه إخلاصٌ».

[6])) قال ابنُ علّان في شرح الرّياض (4/530): «والجَنْب بسُكون النُّون النّاحيةُ».

[7])) قال القسطلّاني في إرشاد السّاري (2/465): «و«غَيْر» نَصبٌ علَى الاستْثناء».

[8])) أي: غابَتْ.

[9])) قال المناويّ في فيض القدير (2/372): «وحِكمةُ عدَمِ سَماعِ الثَّقلَين الابتِلاءُ».

[10])) قال القاض عِياضٌ في الإكمال (3/531): «هذا في الإنفاق في الواجِبات»، وبِنَ؛وِه قال أبو العبّاس القرطبيّ في الـمُفهِم (3/55).

وقال العَينيّ في عُمدة القاري (8/107): «قولُه: «خَلَفًا» بفَتح اللّام أي: عِوَضًا، يُقال: أَخلَف اللهُ علَيكَ خَلَفًا أي عِوَضًا أي: أبدَلَك بِما ذَهَبَ مِنكَ. قولُه: «أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» التّعبِير بالعَطِيّة هنا مِن قَبِيل الـمُشاكَلة لأنّ التّلَف ليسَ بِعَطِيّة. الـمُشاكَلَةُ مَعناها مُشابَهةُ اللَّفظِ للَّفظِ».

[11])) {واللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ} أي: يُغَطِي كلَّ ما بضينَ السّماءِ والأرضِ فيَستُرُه بِظُلمَتِه.

[12])) قال شيخنا رحمه الله: «الزُّبَيرُ رضي الله عنه حَوارِيُّ رَسولِ الله r أي: مَحبُوبُه الخاصُّ».

[13])) الشَّرَف كلُّ نَشْزِ، أي: مُرتَفَعٍ مِن الأرضِ قد أَشرَفَ علَى ما حَوْلَه، قاله في «لِسان العرَب» (9/140).

[14])) قال المناوي في فيض القدير (2/525): «(الرِّضَى بِالدُّونِ)، أي: الأقَلِّ (مِنْ شَرَفِ الـمَجَالِسِ) فمَن هذَّب نَفسَه حتَّى رَضِيَت مِنه بأنْ يَجلِسَ حيثُ انتهَى بِه الـمَجلِسُ كما كانتْ عادةُ الـمُصطفَى r سُمِّيَ مُتواضِعًا للهِ حَقًّا».

[15])) والخِطابُ لَيسَ لأَمثالِ أبِي بَكرٍ وعُمرَ بَل لِمَنْ دُونَهُم في الطَّبَقةِ.

[16])) قال شيخنا رحمه الله: «مَعنَى الحدِيثِ أنّ التّواضُعَ مِن أَعظَمِ العِباداتِ عِندَ اللهِ، التّواضُع مِن أفضَل العِبادة. الرّسولُ عليهِ الصّلاة والسّلامُ كانت البِنتُ الصّغِيرةُ تَأخُذ بِيَده ولا يَنزِع يدَه مِن يَدِها حتّى تَنزعَ هي ليَقضِيَ حاجَتَها، الأطفالُ البَناتُ قد يُرسِلُها أَهلُها إليهِ عليهِ السّلامُ فيُقْبِلُ علَيها إقْبالًا كامِلًا حتّى يَقضِيَ حاجتَها. مَرّةً كانَ جالِسًا هو فجاءتِ امرأةٌ فأَرْعِدَت (ارتَجفَتْ) مِن الهَيْبةِ مِ، هَيْبةِ الرّسولِ r فقالَ لها: «هَوِّنِي علَيكِ فإنّما أنا ابنُ امرأَةٍ تَأكُلُ القَدِيدَ» رواه ابنُ عَساكِرَ. القَدِيدُ هوَ اللّحمُ الـمُجَفَّفُ، هذا الفُقراءُ يأْكُلُه أمّا الأغنِياءُ الكِبارُ كُلَّ يَومٍ لحمًا جدِيدًا يَأكلُونَ، معناهُ: أنا لَستُ مِن تِلكَ الطّبَقةِ، أَهْلِي ما كانُوا مِن تِلكَ الطّبَقةِ، فهَدأَتْ لـمّا كَلّمَها بذلكَ.

فلْيُلْزِم أحَدُكُم نَفسَه أنْ يَتواضَع لأخِيه لا أنْ يَكُونَ مُتَرَفّعًا علَيه رئيسًا علَيه قائِدًا لهُ إلى ءارائِه، فمِن جملَةِ التّواضُعِ أنْ لا يَقصِدَ الشّخصُ أن يكونَ رأيُه مُتَرفِّعًا على رأيِ غيرِه. الرَّسُولُ علَيهِ الصّلاةُ والسَّلامُ بَيَّنَ أنَّ أَكثَرَ النّاسِ غافِلُونَ عَن هذا الـمَقام التَّواضُع، لا يُحَكِّمِ الـمُسلِمُ رَأيَه على رَأي غَيرِه إلّا أن يَكونَ مَعهُ الدّليلُ الشّرعيُّ، ما لم يكُن كذلكَ فلْيَتَواضَعْ للأَخْذ برأيِ أَخِيه، لَولا التّواضُع والتّطاوُعُ أصحابُ رسولِ اللهِ r ما وصَلُوا إلى ما وَصَلُوا إليهِ مِن الفتُوحات. الأصلُ الأوّلُ تحكيمُ الشّرع، فإذا عُرفَ الحُكمُ الشّرعيُّ لا بُدّ أن يُنقادَ لهُ.

التَّطاوُعُ والتَّواضُعث مطلوبانِ، فالتّواضُع كما جاءَ في حديثِ ابن حجَرٍ هُنا، والتّطاوُع لحديثِ رسولِ الله r: «الْمُؤْمِنُ كالْجَمَلِ الأَنِفِ، إِنْ قِيدَ انْقادَ وَإِنِ اسْتُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَناخَ» رَواه البَيهَقِيّ. والتَّطاوعُ هو أَن يوافِقَ كلُّ واحِدٍ أَخاه ولا يترفَّعَ عليهِ ولا يُسِيء الظّنّ بِهِ، وإِذا خالَف رأيُه رأيَ أخِيهِ يَتّهِم رأيَ نفسِهِ ويقول: لعلّ رأيَ أخِي هذا أحسن فيَنظُر فِيهِ فإِن تَيقّن أنّه خَطأٌ يُنبّهِه. فكونوا مُتَواصِلينَ ومُتَاوعِينَ فإنّ القَليلَ معَ التَّطاوُع كَثِيرٌ والكَثِيرُ بِلا تَطاوُع قَلِيلٌ، وفّقَكم الله لِـمَا يَكون زادًا لَكم في الأخرَى، وأَلهمَكم اللهُ الخيرَ في مجتَمعاتِكم الّتي فيها تَأيِيد مَذهَب أهلِ السُّنَّة والجماعَةِ».

[17])) أي: النَّبِيُّ r.

[18])) أي: في نَفْسِ الـمَرءِ.

[19])) بإِثباتِ الياءِ، أي: لا يَجُورُ.