الإثنين أبريل 21, 2025

باب الاعْتِدالِ فِي الهَيْئَةِ وَاللِّباسِ

  • عن قَيسِ بنِ بِشْرٍ التَّغْلِبِيّ قال: أخبرَنِي أبِي وكان جَلِيسًا لأَبِي الدَّرداءِ رضي الله عنه بدِمشقَ فأَخبرَنِي أنّه كانَ رَجلٌ مِن أصحابِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم يُقالُ لهُ ابنُ الحَنْظَلِيّةِ الأنصارِيُّ، وكانَ رضي الله عنه رَجُلًا مُتَوحِّدًا قَلَّما يُجالِسُ النّاسَ إِنّما هو في صَلاةٍ، فإذَا انصَرفَ فإنّما هو تَسبِيحٌ وتهلِيلٌ وتَكبِيرٌ، قال: فمَرَّ بِنا يَومًا ونَحنُ جُلوسٌ عِندَ أبِي الدَّرداءِ فَسَلَّم، فقالَ لهُ أبو الدَّرداءِ: كَلِمةً([1]) يَنفَعُنا اللهُ بها ولا تَضرُّكَ([2])، فقال: بعَثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيّةً([3])، فلَمّا قَدِمَتْ جاءَ رَجلٌ حتَّى جلَسَ في الـمَجلِسِ الّذي فيهِ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِه: لَو رأَيْتَنا حِينَ لَقِيْنا العَدُوَّ فَطَعَنَ فُلانٌ فُلانًا فقال: خُذْها([4]) وأنا الغُلامُ الغِفاريُّ، كَيفَ تَرَى([5])؟ فقالَ الرّجلُ: ما أُراهُ إلّا قَد أَبطَلَ أَجْرَه([6])، فسَمِعَ ذلكَ ءاخَرُ فقالَ: ما أَرَى بذلكَ بأْسًا([7])، فتَنازَعُوا في ذلكَ حتَّى سَمِعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: «سُبْحانَ اللهِ، لا بَأْسَ أَنْ يُحْمَدَ وَيُؤْجَرَ»([8])، قال: فَسُرَّ بذلكَ أبو الدَّرداءِ وجعَلَ يَقولُ: أَأَنْتَ سَمِعتَ هذا مِن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فجعَلَ يَقولُ: نعَمْ حتَّى إِنِّي لأقُولُ وهو يَرفَعُ رأَسَهُ إلَيهِ لَيَبْرُكَنَّ علَى رُكْبَتَيهِ([9])، قال: فمَرَّ بِنا يومًا ءاخَرَ فسَلَّمَ فقالَ له أبو الدَّرداءِ: كَلِمَةً تَنفَعُنا ولا تَضُرُّك، فقال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُنْفِقُ عَلَى الخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ([10]) كَالباسِط يَدَيهِ فِي الصَّدَقَةِ لا يَقْبِضُها([11])»، قال: فمَرَّ بِنا يَومًا ءاخَرَ فسَلَّمَ فقالَ لهُ أبو الدّرداء: كَلِمةً تَنفَعُنا ولا تَضُرُّك، قال: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْـمٌ الأَسَدِيُّ([12]) لَوْلَا طُولُ جُمَّتِهِ([13]) وَإِسْبالُ إِزارِه([14])»، قال: فبَلَغَ ذلكَ خُرَيمًا فأَخَذَ شَفْرةً فقَطَعَ شَعَرَه إلَى أنْصافِ أذُنَيهِ ورَفَعَ إزارَه إلَى أنْصافِ ساقَيهِ، قال: فمَرَّ بِنا يَومًا ءاخَرَ فسَلَّمَ فقال أبو الدَّرداء: كَلِمَةً تَنفَعُنا ولا تَضُرُّكَ، فقال: قالَ رَسولُ اللهِ([15]) صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ قَادِمُونَ غَدًا عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا كَالشَّامَةِ فِي النَّاسِ([16])، فإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ([17])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه البُخاريُّ خارِجَ «الصّحِيح». وابنُ الحَنْظَلِيّةِ سُهَيلٌ والحَنْظَلِيّةُ أمُّه، ويُقالُ: جَدَّتُه، واسمُ أبِيهِ عَمرًو، ويُقالُ: الرَّبِيعُ.

[1])) قال ابن علّان في شرح الرِّياض (5/277): «(كَلِمةً) بالنَّصبِ بفِعلٍ محذًوفٍ، أي: قُلْ لنا كَلِمةً أو تَكلَّم كَلِمةً فهي مفعولٌ بِه أو مفعولٌ مُطلَق».

[2])) قال ابن علّان في شرح الرِّياض (5/277): «(وَلا تَضُرُّكَ)، أي: لا يَعُود علَيكَ مِن الإتيانِ بها ضرَرٌ».

[3])) قال ابن الأثير في النهاية (2/363): «السَّرِيّةُ طائفةٌ مِن الجيشِ يَبلُغ أقصاها أربعَمائةٍ، تُبعَث إلى العَدُوِّ، جَمعُها السَّرايا، سُمُّوا بذلكَ لأنّهُم يكُونون خُلاصةَ العَسكر وخِيارَهم، مِن الشيءَ السَّرِيّ النَّفِيس. وقيل: سُمُّوا بذلك لأنّهُم يُنفَذُون سِرًّا وخُفيةً وليس بالوَجهِ».

[4])) أي: الطَّعْنةَ.

[5])) قال ابن علّان في شرح الرِّياض (5/277): «أي: ما رأيُكَ في قولِه المذكُورِ مُفتخِرًا به».

[6])) قال ابن علّان في شرح الرِّياض (5/277): «(مَا أُراهُ) بضَمّ الهَمزةِ، أي: أظُنُّه (إِلَّا قَدْ بَطَلَ أَجْرُهُ) لأنّه أظهَرَ عمَلَه وافتَخَر علَى القَومِ».

[7])) قال ابن علّان في شرح الرِّياض (5/277): «(فَقَالَ: ما أَرَى) بفَتحِ الهَمزةِ بذلكَ القَولِ (بَأْسًا) لأنّ فِيه إرهابًا للكَفَرة».

[8])) قال ابن علّان في شرح الرِّياض (5/277): «(لا بَأْسَ أَنْ يُؤْجَرَ)، أي: بالثَّواب في الدارِ الآخِرة (وَيُحْمَدَ)، أي: يُثْنَى عليه بالثَّناء الحسَن في الدارِ الدُّنيا، أي: لا مَنعَ مِن حُصولِهما معًا».

[9])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (16/337): «(لَيَبْرُكَنَّ علَى رُكْبَتَيهِ) مُبالغةً في التَّواضُع له والخضُوع كما بَرَكَ عُمَر رضي الله عنه على رُكبتَيه حِينَ أكثَرَ رَسولُ الله r أنْ يَقُول: «سَلُونِي» احتِراصًا على طلَبِ رِضاهُ».

[10])) قال الشّهاب الرَّمليّ في شرح أبي داود (16/337): «(الـمُنْفِقُ عَلَى الخَيْلِ) في رعَيِها وسَقْيِها وعَلْفِها وغير ذلك».

[11])) أي: لا يَقبضُها لِمَنْعِ الصّدَقةِ.

[12])) قال الملّا عليّ في المرقاة (7/2833): «(الأَسْدِيّ) بفَتح الهمزة وسكُون السِّين. ففِي «القامُوس»: الأسْد الأَزْد أبو حَيٍّ مِن اليمَن، وهو أَزْدُ بنُ الغَوث، وبالسِّين أفصَحُ، ومِن أولادِه الأنصارُ كلُّهم. ويُقال: أَزْدُ شَنُوءةَ وعُمانَ والسَّراة».

[13])) قال الشّهاب الرَّملي في شرح أبي داود (16/338): «(لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ) بضَمّ الجِيمِ وتشدِيد الـمِيم وهي الشَّعَر إذَا طالَ حتَّى بلَغَ الـمَنكِبَين وسَقَط علَيهِما، والوَفْرةُ الشَّعَر إلى شَحْمةِ الأذُن ثُمّ الجُمّةُ ثُمّ اللِّمّةُ الّتي أَلَمَّتْ بالـمَنكِب».

[14])) قال الـمُظهرِيّ في المفاتيح (5/53): «(وإَسْبالُ إِزارِه)، أي: وإِطالةُ ذَيلِه».

[15])) قال الشّهاب الرَّملي في شرح أبي داود (16/338): «أي: حِينَ رجَع بهِم مِن الغَزوِ».

[16])) قال ابن الأثير في النّهاية (1/319: «(فَأَصْلِحُوا رِحالَكُم حَتَّى تَكُونُوا شَامةً فِي النَّاس)، أي: إنّ لَكُم مِن الغِنَى ما يُصلِحُكم كالإدام الّذي يُصلِحُ الخُبزَ، فإذَا أَصلَحتُم رِحالَكُم كُنتُم في النّاسِ كالشّامةِ في الجسَدِ تَظهَرُون للناظرِين».

وقال ابن علّان في شرح الرِّياض (5/280): «الـمُرادُ مِنهُ كُونوا في أحسَنِ هَيئةٍ وزِيٍّ حتَّى تَظهَرُوا للنّاسِ ظُهورَ الشّامةِ في البدَنِ».

[17])) قال الشّهاب الرَّملي في شرح أبي داود (16/340، 341): «(فَإِنَّ اللهَ تَعالَى لا يُحِبُّ الفُحْشَ) بضَمّ الفاء وسُكون الحاء الـمُهمَلة أي: ذا الفُحشِ وهو مَن تَكُون هَيئَتُه ولِبْسَتُه وقولُه فاحِشًا (وَلَا التَّفَحُّشَ)، أي: الرَّجُل ذا التَّفحُّشِ هو الّذي يَتكلَّفُ ذلك ويَفعَلُه قَصدًا».

وقال ابنُ الأثير في النّهاية (3/415): «أراد بالفُحشِ التَّعدِّيَ في القولِ والجوابِ لا الفُحشَ الّذي هو مِن قَذَعِ الكَلامِ ورَدِيئِه. والتَّفاحُش تَفاعُلٌ مِنهُ، وقد يَكُون الفُحشُ بمعنَى الزِّيادةِ والكَثرةِ».