الإثنين أبريل 21, 2025

باب اسِتحبابِ الحُداءِ لِلسُّرْعةِ في السَّيرِ
وتَنْشِيطِ النُّفُوسِ وتَرْوِيحِها

  • عن أنسٍ رضيَ الله عنه قالَ: دَخَلَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في عُمْرةِ القَضِيّةِ([1]) وعَبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ يَمْشِي بَينَ يَدَيهِ يقولُ:

خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبيلِهِ
ضَرْبًا يُزيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ([2])

 

نَحْنُ ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ([3])
وَيُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خضلِيلِه([4])

 فقالَ لهُ عُمَر: يا ابنَ رَواحةَ، بَين يَدَيْ رَسُولِ اللهِ وفِي حَرَمِ اللهِ تَقُولُ الشِّعرَ؟ فقالَ لهُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِم مِن نَضْحِ النَّبْلِ([5])». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه الترمذِيُّ والنَّسائيُّ.

  • عن عُمرَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ رضي الله عنه: «لَوْ حَرَّكْتَ بِنَا الرّكابَ([6])»، فقالَ لهُ: ترَكْتُ قَولِي([7]) فقالَ لههُ عُمَر: اسمَعْ وأَطِعْ([8])، فقالَ عَبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ:

اللَّهُمَّ لَولَا أنتَ ما اهْتَدَيْنَا
فأَنْزِلَنْ سَكِينةً عَلَينا

 

وَلا تَصَدَّقْنا وَلا صَلَّيْنا
وَثَبّتِ الأقدامَ إنْ لاقَيْنا

 فقالَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ»، فقالَ عُمَر: وَجَبَتْ([9]). هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه النَّسائيّ.

  • عن سُلَيمٍ عن الشَّعبِيّ عن أَبِي بَكرِ بنِ عَبدِ الرَّحمـٰـنِ بنِ الحارِثِ ابنِ هِشامٍ عن أبِي هُريرة رضي الله عنه قالَ: كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قاعِدًا بَعدَ الـمَغرِب ومعَه أصحابُه، إذْ مَرَّتْ بهِم رُفْقةٌ يَسِيرُونَ، سائِقُهُم يَقرَأُ وقائِدُهُم يَحْدُو([10])، فقَام رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْرِعًا حتّى أدْرَكَهُم فقال: «أَيْنَ تُرِيدُونَ؟»، قالُوا: نُرِيدُ اليَمَنَ، قالَ: «فَمَا يُسَيِّرُكُم هَذِهِ السَّاعَةَ؟»، فذَكَر الحدِيثَ فِي كَراهةِ السَّيرِ فِيها وذَكَرَ وَصايا الـمُسافِر إلَى أنْ قالَ: «وَأَمَّا أَنْتَ يَا سَائِقَ القَوْمِ فَعَلَيْكَ بِبَعْضِ كَلامِ العَرَبِ مِنْ رَجَزِهَا([11])، فَإِذَا كُنْتَ رَاكِبًا فَاقْرَأْ([12])». أخرجَه الطّبَرانيّ في «الأوسَط» وقال: تَفرَّد بِه سُلَيمٌ. قلتُ: وهو مَولَى الشَّعبِيّ وقد ضَعَّفُوه، لكن قال ابنُ عَدِيّ: لَم أرَ له حدِيثًا مُنكَرًا لكِنّه لا يُتقِنُ الإسنادَ.

[1])) قال النوويّ في شرح مُسلِم (12/135): «في الحديثِ: (هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) r، وفي الرِّوايةِ الأُخرَى: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ»، قال العُلَماء: معنَى «قاضَى» هنا فاصلَ وأَمضَى أَمرَه علَيه، ومِنهُ قَضَى القاضِي، أي: فَصَلَ الحُكمَ وأَمضاهُ، ولِهذَا سُمِّيَتْ تِلكَ السّنةُ عامَ الـمُقاضاةِ وعُمرةَ القَضِيّةِ وعُمرةَ القَضاءِ كُلُّه مِن هذَا، وغَلَّطُوا مَن قال إنّها سُمِّيَتْ عُمرةَ القَضاءِ لِقَضاءِ العُمرةِ الّتي صُدُّ عَنْها لأنّه لا يَجِبُ قَضاءُ الـمَصْدُودِ عَنها إذَا تَحلَّل بالإحصارِ كما فعَل النّبِيُّ r وأصحابُه في ذلكَ العامِ».

[2])) قال الزُّرقانيّ في شرح الـمَواهِب (3/320): «(نَحْنُ ضَرَبْناكُم علَى تَنْزِيلِهِ)، أي: في عَهدِ الرَّسولِ r».

[3])) قال ابنُ الأثير في النّهاية (4/134): «الهَامُ جَمعُ هامةٍ وهي أعلَى الرّأسِ. ومَقِيلُه مَوضِعُه، مُستَعارٌ مِن مَوضِع القائِلةِ، وسُكونُ الباءِ مِن [نَضْرِبُكُم] مِن جائِزاتِ الشِّعرِ ومَوضعُها الرَّفعُ».

[4])) قال الزُّرقانيّ في شرح الـمَواهِب (5/85): «(وَيُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ)، أي: لِكَونِه يُهْلِكُ أحدَهُما، فيَذهَبُ الهالِكُ عن الحَيِّ وعَكسُه».

[5])) قال السُّيوطي في حاشيته على النَّسائيّ (5/202): «(مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ) بِنُونٍ وضادٍ مُعجَمةٍ وحاءٍ مُهمَلةٍ، يُقال: نضَحُوهم بالنَّبلِ إذَا رمَوهُم».

قال الملا علي في شرح الشمائل (2/42): «(مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ)، أي: مِن رَميِه، مُستَعارٌ مِن نَضْحِ الماءِ، واختِيرَ لِكَونِه أسرَعَ نُفوذًا وأَعجَلَ سِرايةً، والمعنَى أنّ هِجاءَهُم أَثَّرَ فِيهِم تَأثِيرَ النَّبْل، وقامَ مَقامَ الرَّمْيِ فِي النِّكايةِ بِهِم؛ بل هُوَ أَقْوَى علَيهِم لا سِيَّما معَ الـمُشافَهةِ بِه».

[6])) أي: بإنشادٍ شيءٍ يُحرِّكُها ويُسمَّى الحُداءَ، والرِّكابُ الدّوابُّ المركوبةُ. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/538): «وقَد جرَتْ عادةُ الإبِل أنّها تُسرِعُ السَّيرَ إذَا حُدِيَ بِها».

[7])) أي: لأجلِ نَهيِ عُمَر له عن ذلكَ.

[8])) قال ابنُ علّان في الفتوحات (5/149): «والجَمعُ بَين إنكارِ عُمرَ وأَمرِه حَملُ الإنكارِ على أنّه سابِقٌ، فلَمّا بَيَّن له النّبِيُّ r الحُكمَ أمَرَ بِه لاحِقًا وكان ذلك بَعدَ رُجوعِهِم».

[9])) قال البرماويّ في اللّامِع الصَّبِيح (15/186): «(وَجَبَتْ)، أي: الشَّهادةُ، وكانُوا قد عرَفُوا أنّه إذَا استَغفرَ r لأَحَدٍ عِندَ الوَقْعةِ وفي الـمَشاهِد يُسْتَشهَدُ».

[10])) قال ابن الـمُلقِّن في التّوضيح (21/353): «(يَحْدُو)، أي: يَزجُر الإبلَ ويُغنِّي لها».

[11])) قال ابن الأثير في النّهاية (2/199): «هو كهَيئةِ السَّجَعِ إلّا أنّه في وَزنِ الشِّعر، ويُسمَّى قائِلُه راجِزًا كما يُسمَّى قائِلُ بحُورِ الشِّعر شاعِرًا».

[12])) أي: فاقرَأْ شيئًا مِن رَجَزِهم مِمّا فيه حِكمةٌ ومَوعِظةٌ.