الإثنين أبريل 21, 2025

باب أُمَّهاتِ الأَوْلادِ

  • عن جابرٍ رضي الله عنه قال: «كُنّا نَبِيعُ أُمَّهاتِ الأَولادِ علَى عَهدِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلَمّا كانَ عمَرُ نَهانا فانتَهيْنا»([1]). أخرجَه أبو داودَ ورجالُه رجالُ مُسلِم، وقَد صَحّحَه ابنُ حِبّانَ والحاكِم.
  • عن أبِي الزُّبَير أنّه سَمِعَ جابِرًا رضي الله عنه يقُول: «كُنّا نَبِيعُ أُمَّهاتِ الأَولادِ ورَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَرَى بذلِكَ بَأْسًا»([2]). هذا حَديثٌ صحِيحٌ أخرجَه النَّسائيُّ وابنُ ماجهْ والدّارَقُطنِيُّ والحاكِمُ مِن طُرُق.
  • أخرَج البَيهقيّ بإسنادٍ صَحِيحٍ عن الشَعْبِيّ عن عَبِيدةَ بنِ عَمرٍو عن عَلِيّ رضي الله عنه قال: «ناظَرَني عمَرُ رضي الله عنه في بَيعِ أمَّهاتِ الأَولادِ، فقُلتُ: يُبَعْنَ، وقالَ: لا يُبَعْنَ، فلَم يَزَلْ يُراجِعُنِي حتَّى قُلتُ بقَولِه فقَضَى بِه حَياتَه، فلَمّا أَفْضَى الأَمرُ إلَيَّ رأيتُ أنْ يُبَعْنَ»([3]).
  • عن نافعٍ قال: لَقِيَ ابنَ عُمرَ رَجُلانِ بطرِيقِ المدينةِ فقالا: تَركْنا هذا الرّجُلَ – يَعنِيَانِ ابنَ الزُّبَيرِ – يَبِيعُ أُمَّهاتِ الأَولادِ، قال: لكِنّ أبا حَفصٍ عُمرَ أَتعرِفانِه؟ قالا: نَعَم، قال: قَضَى في أُمَّهاتِ الأَولادِ أنْ لا يُبَعْنَ ولا يُوْهَبْنَ ولا يُوْرَثْنَ، يستَمِتِعُ بِها صاحِبُها ما عاشَ، فإذَا ماتَ فهي حُرّةٌ. هذا موقوفٌ صحِيحٌ أخرجَه البَيهقيُّ.
  • وأخرَجَ عبدُ الرَّزّاقِ عن عَلِيّ أنّه عَهِدَ في وَصِيَّتِه فقال: «إِنِّي تَركتُ تِسْعَ عَشْرةَ سُرِّيّةً([4]) فأيَّتُهُنَّ كانَت ذاتَ ولَدٍ فلتُقَوَّمْ في حِصّةِ ولَدِها ثُمّ تُعتَق»، وبهذا قال ابنُ مَسعُودٍ.

[1])) هو حديثٌ أورَده الحافظ العَسقلانيّ في «مُوافَقة الخُبر الخبَر» عند قولِ ابنِ الحاجِب في الـمُختصَر ما نصُّه: «مسألةٌ: اتِّفاقُ العَصرِ الثّاني علَى أحَدِ قَولَي العَصرِ الأوّلِ بَعدَ أنِ استقَرَّ خِلافُهم قال الأشعَرِيُّ وأحمدُ والإمامُ والغَزالِيُّ رحِمَهُم الله: مُمتنِعٌ. وقال بعضُ الـمُجوِّزِين: حُجّةٌ. والحقُّ أنّه بَعِيدٌ إلّا في القلِيل كالاختِلافِ في أُمِّ الولَدِ ثُمّ زالَ».

والقولُ بالانتِهاءِ عن بَيعهِنّ كما قال ابنُ الملقِّنِ في التوضيح (16/181): «قولُ أكثَرِ التابعِينَ منهُم الحسَنُ ومحمّدُ بنُ سِيرينَ وعَطاءٌ ومُجاهِدٌ وسالِمٌ وابنُ شِهابٍ وإبراهيمُ، وإلى ذلكَ ذهَب مالكٌ والثَّورِيُّ والأوزاعِيُّ واللَّيثُ وأبو حَنِيفةَ والشافعيُّ في أكثَرِ كتُبِه، وقد أجازَ بَيعَها في بَعضِ كتُبِه. قال الـمُزَنِيُ: قَطَع في أربعةَ عشَرَ مَوضِعًا من كتُبِه بأنْ لا تُباعَ. وهو الصّحِيحُ مِن مَذهبِه وعليه جُمهورُ أصحابِه وأبو يوسفَ ومحمّدٌ وزُفَرُ والحسَنُ بنُ صالِح وأحمدُ وإسحاقُ وأبو عُبَيدٍ وأبو ثَورٍ، وكان الصدِّيقُ وعليٌّ وابنُ عبّاسٍ وابنُ الزُّبَيرِ وجابِرٌ وأبو سَعِيدٍ الخُدرِيُّ يُجيزُون بيعَ أُمِّ الولَدِ وبِه قالَ داودُ».

[2])) قال الحافظُ العسقلانيّ في الفتح (5/165): «وقولُ الصّحابِيّ «كُنّا نَفعَلُ» محمُولٌ على الرَّفعِ على الصّحيح، وعلَيه جرَى عمَلُ الشّيخَين في صَحِيحَهما، ولَم يَستنِدِ الشّافعِيُّ في القَولِ بالـمَنعِ إلّا إلَى عُمرَ فقال: قُلتُه تَقلِيدًا لعُمَرَ. قال بعضُ أصحابِه: لأنّ عُمَر لـمّا نهَى عنه فانتَهَوا صار إجماعًا، يعنِي: فلا عِبرةَ بنُدورِ الـمُخالِف بَعدَ ذلِكَ ولا يَتعيَّنُ مَعرِفةُ سنَدِ الإجماعِ».

وقال زكريّا الأنصارِيّ في أسنَى الـمَطالِب (4/507): «واشتَهَرَ عن عَليٍّ رضي الله عنه أنّهُ خَطَبَ يَومًا على الـمِنبَرِ فقال في أثناءِ خُطبَتِه: اجتَمَعَ رَأْيي ورَأْيُ عمَرُ على أنّ أُمَّهاتِ الأَولادِ يُبَعْنَ وأنا الآنَ أَرَى بَيعَهُنَّ، فقال عَبيدةُ السَّلْمانِيُّ: رَأْيُك مع رَأْيِ عُمرَ، وفي رِوايةٍ: معَ الجَماعةِ أَحبُّ إلَينا مِن رَأْيِك وَحدَك، فقال: اقْضُوا فيه ما أَنتُم قاضُونَ فإِنِّي أَكرَهُ أنْ أُخالِفَ الجَماعةَ. ويُنقَضُ حُكمٌ جَرَى بِبَيعِها، أي: بصِحَّتِه لِمُخالفَتِهِ الإِجماعَ وما كانَ في بَيعِها مِن خِلافٍ بَينَ القرنِ الأوّلِ فقَد انقَطَعَ وصارَ مُجمَعًا علَى مَنْعِه، وأمّا خبَرُ أبي داودَ وغَيره عن جابِرٍ وبأنّهُ مَنسُوبٌ إلَى النّبيّ r استِدلالًا واجتِهادًا فيُقَدَّمُ علَيه ما نُسِبَ إلَيهِ قَولًا ونَصًّا وهو خبَرُ الدّارَقُطنِيّ السّابِقُ وبأنّهُ r لَـم يَعْلَم بِذَلِكَ (أي: بِفِعلِهم) كما ورَدَ في خبَرِ الـمُخابَرةِ عن ابنِ عُمرَ قال: كنّا نُخابِرُ لا نَرَى بذلكَ بأْسًا حتَّى أَخبَرَنا رافِعُ بنُ خُدِيجٍ أنّهُ r نَهَى عن الـمُخابَرةِ فتَرَكْناها».

[3])) أي: تَغَيَّرَ اجتِهادُه.

[4])) قال في تاج العَروس (12/13): «بالضَمّ الأَمةُ الّتِي بوَّأْتَها بَيتًا واتَّخَذْتَها للمِلكِ والجِماع، مَنسوبةٌ إلَى السِّرّ بالكَسرِ للجِماعِ، لأنّ الإنسانَ كثِيرًا ما يُسِرُّها ويَستُرُها عن حُرَّتِه».