الإثنين أبريل 21, 2025

باب ءادابِ الجُلُوسِ في الطُّرُقاتِ

  • عنِ البَراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنهُما قال: مَرَّ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِناسٍ مِن الأنصارِ وهُم جُلوسٌ فقال: «إِنْ كُنْتُمْ لا بُدَّ فَاعِلِينَ فَاهْدُوا السَّبِيلَ([1])، وَأَعِيْنُوا الـمَظْلُومَ، وَأَفْشُوا السَّلامَ([2])». هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمدُ، وأخرجَه الترمذِيُّ وقال: حدِيثٌ حسَنٌ. وهو يؤيّدُ ما قرَّرْتُه أنّ الترمذِيَّ لا يَخُصُّ الحسَنَ بروايةِ الـمَستُورِ([3]).
  • عن شُعبةَ حدّثَنا أبو إسحاقَ عَن البَراءِ رضي الله عنه أنّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِناسٍ جُلُوسٍ مِن الأَنصارِ فقال: «إِنْ كُنْتُمْ لا بُدَّ فَاعِلِينَ فَاهْدُوا السَّبِيلَ، وَأَفْشُوا السَّلامَ، وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ». قالَ أبُو الوَلِيد الطّيالِسيّ راوِي هذا الحَدِيثِ عن شُعبةَ فِي رِوايَتِه: قال شُعبَةُ: لَـم يَسمَعْه أبو إسحاقَ مِن البَراءِ. وقالَ أبو دودَ في رِوايتِه: قال شُعبةُ: قلتُ لأَبِي إسحاقَ: سَمِعْتَه مِن البَراءِ؟ فقال: لا. هذَا حَدِيثٌ حسَنٌ.
  • عن أبِي طَلحةَ واسمُه زَيدُ بنُ سَهلٍ الأنصارِيُّ رضي الله عنه قالَ: كُنّا بالأَفْنِيةِ نتَحَدَّثُ فجاءَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقامَ علَينا([4]) فقال: «ما لَكُم وَلِمَجالِسِ الصُّعُداتِ([5])، اجْتَنِبُوا مَجالِسَ الصُّعُداتِ»، قُلنا: يا رَسولَ اللهِ إنّا جلَسْنا لغَيرِ ما بأْسٍ، جلَسْنا نَتذاكَرُ ونتَحدَّثُ، قالَ: «إِمَّا لا([6]) فَأَعْطُوهَا حَقَّهَا»، قُلنا: وما حَقُّها؟ قال: «غَضُّ البَصَرِ، وَرَدُّ السَّلامِ، وَحُسْنُ الكَلامِ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمدُ.
  • عن أبِي سَعيدٍ الخُدريّ رضي الله تعالى عنهُ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُم وَالجُلُوسَ عَلَى الطَّرِيقِ»، قُلنا: يا رَسولَ اللهِ، ما لَنا مِن مَجالِسِنا بُدٌّ نَتحَدَّثُ فيها، قال: «أَمَّا إِذْ أَبَيْتُم فأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ»، قُلنا: وَما حَقُّه يا رَسولَ اللهِ، قال: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالأَمْرُ بِالـمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الـمُنْكَرِ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمدُ.

وقَد اجتَمَع مِن هذا الحديثِ في ءادابِ مَن جَلَسَ علَى الطّرِيق اثْنَا عَشَرَ أدَبًا، وقد نَظَمتُ ذلكَ في أبياتٍ:

جَمَعتُ ءادَابَ مَنْ رَامَ الجُلُوسَ على الطـ
أَدّ السَّلامَ وأَحْسِنْ في الكَلامِ تُقًى
في الحَمْلِ عَاوِنْ ومَظْلُوًمًا أَعِنْ وأَغِثْ
بِالعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَن نُكْرِ وكُفَّ أَذًى

 

ـرِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْخَلْقِ إنْسَانَا
وَسَمّتِ العَاطِسَ الحَمّادَ إيْمَانا
لَهْفانَ رُدَّ سَلَامًا وَاهْدِ حَيْرَانا
وغُضَّ طَرْفًا وأَكثِرْ ذِكْرَ مَولَانا

[1])) أي: للتائِه والأعمَى وغيرِهما.

[2])) قال الملّا عليّ في المرقاة (4/1341): «أي: أَظهِرُوه وأكثِرُوه علَى مَن تَعرِفُونه ومَن لا تَعرِفُونه».

[3])) المستُورُ هو الرّاوي الّذي لَـم تَتحقَّقْ أَهلِيَّتُه غير أنّه ليسَ مُغفَّلًا ولا كَثِيرَ الخطإِ فيما يَروِيه ولا مُتَّهَمًا بالكذِب ولا ظهَرَ مِنه مُفسِّقٌ.

[4])) أي: يَعِظُنا ويُنبِّهُنا.

[5])) قال النوويّ في شرح مُسلِم (14/142): «الصُّعُداتُ بضَمّ الصادِ والعَينِ وهي الطُّرُقاتُ، واحِدُها صَعِيدٌ كطَرِيقٍ، يُقال: صَعِيدٌ وصُعُدٌ وصُعُداتٌ كطَرِيقٍ وطُرُقٍ وطُرُقاتٍ على وَزنِه ومَعناهُ، وقد صُرِّحَ بِه في الرِّوايةِ الثانِية».

وقال الحافظ العسقلانيّ في الفتح (5/113): «ويَلتحِقُ بما ذُكِر ما في مَعناه مِن الجُلوسِ في الحَوانِيت وفي الشَّبابِيك الـمُشرِفةِ على الـمَارّ حيثُ تَكُون في غَيرِ العُلو».

[6])) قال الحافظ العسقلانيّ في الفتح (5/113): «(إِمَّا لَا) بكَسرِ الهمزةِ ولا نافيةٌ وهي مُمالةٌ في الرِّوايةِ ويَجوزُ تركُ الإمالةِ، ومعناه: إلَّا تَترُكوا ذلك فافعَلُوا كذا. وقال ابنُ الأنبارِيّ: افعَل كذَا إنْ كُنتَ لا تَفعَلُ كذَا، ودَخَلَتْ ما صِلةً».

وقال الشرقاويّ في فتح الـمُبدِي (2/334): «وقد نطقَتِ العرَبُ بإمالةِ «إِمَّا لَا» (أي: اللّامِ) إمالةً صُغرَى لتضَمُّنِها الجُملةَ وإلّا فالقِياسُ أنْ لا تُمالَ الحروفُ وإلّا كَثُرَ كِتابَتُها بالألِفِ على الأصلِ وبعضُهم يكتبُها بالياءِ، والعامّةُ تُشبِعُ إمالتَها وهو خطأٌ».